لنبدأ بفهمك للنظرية والذي كان موفقا إلى حد بعيد عكس الكثير من النقاد العرب...
يبقي توضيح ربما فهمته بشكل جزئي وهو قولك أنك أسقطت هذه النظرية الجديدة على الأمثلة:
سم و مس وبين رب وبر.وهذه أمثلة ليست في محلها من أستاذ مثلك كما أن النظرية الجديدة إنما تقرب المعني نظرا إلى استعمالاته التي لا تنتهي...

فمثلا:

لو نظرنا إلى لفظي (عد) و(دع) وجدنا لفظ (عد) يتجه إلى أن ما تعده تجعله في حسابك وعلمك,كما يتجه لفظ(دع) إلى أن ما تدعه تدفعه وتنبذه.
واللفظان متضادان مبنى ومعنى .
ولكن تعريفهما بهذا الشكل يبهم كثيرا من ملاحمهما, ويحد من شمولهما , ولا يستوعب ما يقع تحتهما من معان لا حصر لها,وهذا هو الشأن في كل الألفاظ التي يجري تعريفها عن طريق لمح استعمالات القوم لها, فمهما حاولنا أن نستوعب معناها شعرنا بالعجز من ذالك لأن وجوه الاستعمالات لا حد لها,ولا بد من إعطاء المعنى الأصل.من خلال تعريفنا له شمولا يستوعبها..
واستيعاب ما لا حد له لا يمكن إلا بتعريف لا حد له أيضا...

إن المعنى الأصل في اللفظ يستوعب معان لا حد لها, وان ضده القائم فيه مثله تماما فهو يستوعب أيضا معان لا حد لها.
وإذا عرفنا اللفظ بضده فإننا نعطيه شمولا واتساعا يسع كل المعاني التي يمكن أن يستعمل فيها.....وهي معان لا تتناهى..

وحركة الجدل في هذا الحرف العربي تعرف الشيء عددا كان أو غير عدد بالتضاد في الوجهة وهي ترى أنه لا وجود في هذا الوجود المفطور المخلوق لشيء غير متجه, فلو قلنا في المثال السابق( أنظر الحلقة الأولى) (4) دون إشارة زائد أو ناقص فليس بصحيح, وحين تقول (+4) فان هذا التركيب يتضمن في داخله وبصورة حتمية (-4) وحين تقول (رف ق) فان هذا يعني أنه لفظ متجه وأنه يحتوي في داخله حتما(ف رق) على أساس أن العبرة للحرفين الأولين وأن الحرف الثالث لا يغير الوجهة..
ولك أن تعطي أي من اللفظين الإشارة التي تريد لتعطي الآخر ضدها...

وأن المميز الأول بين اللفظين هو الإشارة أو الوجهة ولفظ (رف ق) الذي يعني المصاحبة لا يفهم إلا إذا كانت هناك مفارقة...
ويمكنك أن تقول ذالك عن كسب..وسكب.. وعقل ولعق ..وعشق ..وقشع..
كما يمكنك أن تجتهد في فطرة ...وطفرة .. التي قلت أنها مبهمة ؟؟... .وهكذا.

ثانيا: الرجل يستحق أن يطلق عليه لقب فوق (العلامة) كونه جاء بنظرية جديدة في علم اللغة لم يتعرض لها أحد قبله غير ابن جني..

وحتى ابن جني حسب عنبر لم يكشف عن التضاد بل كشف أن تصاريف بعض الألفاظ تنزع إلى الخفة وأخرى إلى الثقل..وهذا عكس نظريته القائلة: إن كل لفظ يتضمن الشيء وضده في آن واحد..
وإذا طبقناها على كشف ابن جني إذا كان اللفظ للخفة فان ضده الكامن فيه يتجه للتثاقل, ولذا فقد بطل أن يكون اللفظ في تقاليبه كلها راجعا لحالة واحدة ....

من هنا يمكنك إعادة قراءة المقال ثانية وستكتشف بنفسك معنى (ب.ح) التي سألت عن معناها متهكما وليس هذا من شيم الأساتذة النقاد..

راجين أن نكون قد أعطينا للقارئ الكريم تصورا عن هذه النظرية الجديدة في فلسفة اللغة أو رياضيات اللغة للعلامة محمد عنبر. وإن كنا تناولنا منها فقط ما يتعلق بموضوع بحثنا. وأملنا كبير في أن يأتي من الباحثين المختصين ممن هم أقدر منا على العطاء لتلخيص هذه النظرية الجدلية الجديدة، وتقديمها للقارئ بصورة مبسطة، خاصة وأنها تقع في ثلاث كتب من الحجم الكبير وبلغ شرحها وفهارسها ما يقارب 1433 صفحة.

وهذا ما يريده صاحب هذا الكشف الجديد حيث أنه جاء بآراء جديدة شخصية، وبالطبع فهي مطروحة للمناقشة والنقد، بحثا عن الحقيقة، ضالة الفكر المنشودة المفقودة.... ولكل مجتهد نصيب.

هذا ومن خلال ما تقدم يتضح لنا أن الموجود في هذا الوجود هو قانون التزاوج المتناقض المتمثل في قيام " الشيء في نقيضه". حيث لا يوجد في وجودنا المخلوق، إلا هذا القانون الواحد الذي تتفرع عنه جميع القوانين الأخرى. وقد اتخذنا كشف محمد عنبر عكازا نهتدي به لما يتمتع يه من منهجية، وموضوعية، في موضوع كبحثنا، ندرت حوله الكتابات الفكرية الموضوعية الجادة. والرجل لا يعتمد على فكره فقط بل نراه يبنى نظريته على نظريات عربية قديمة، وأجنبية معاصرة، في الفلسفة والعلم معا. منذ أيام أبى على الفارسي، وابن جني، والجرجاني، والفارابي... وابن خلدون..ثم..كانت، وهيكل....إلى سيبنوزا ..إلى سارتر...ثم اينشتاين.. وبور.. وهايزنبرغ...

لا لشيء غير توظيف جانب من نظرياتهم في كشفه الجديد. ونراه يعرض الاجتهادات هؤلاء الأعلام الذين وقفوا حياتهم على الفلسفة والعلم اعترافا منه، لما وقفوا أنفسهم عليه، وكأن ينتقل بدرجات محسوبة ومحسوسة للوصول إلى الحقيقة ، وهو في عرضه هذا لعلوم أولائك الأعلام يكرر دائما أن الأساس الذي قام عليه بناء اللغة ،هو الأساس الذي قام عليه بناء الوجود.

واعتمادنا على نظرية محمد عنبر نابع من أننا سئمنا التبعية والتقليد..وأنه قد آن الأوان إلى ( إعمال الفكر، وامتلاك فضيلة الصبر والجلد ، وتقلب النظر، والكف عن (التكديس الذري) للمعلومات دون الوقوف على النواميس العليا التي تنظمها في مسارات محددة، وتوزعها على مفاهيم واضحة تخرجنا من التيه، وتعصمنا من العيش في الأوهام وردود الأفعال...وكما قلت أنت الأسلوب المحظري القديم (كرر ، أحفظ)الذي لم يعد قادرا علي مواكبة الكثافة النظرية للفكر الحديث....

وهذا ما حدا بنا إلى عرض هذه النظرية وتبسيطها وترجمتها إلى لغة إنسانية لتسهل قراءتها والاستفادة منها كما يريد صاحبها...

يتواصل...