معارضة أم مصافعة
غوغائية المعارضة العربية
الدكتور عزت السيد أحمد
كل يوم تثبت المعارضة التي تمثل الثورة أنها حثالة البشر
إنه لمن أشد مآسي التاريخ أن يمثل أعظم ثورة أناس هم أتفه الناس وأكثرهم لصوصية وأنانية وعبودية لمصالح أعداء الشعب السوري.
ما هذه المعارضة التي لا بد أن يكون عنوان كل اجتماع من اجتماعاتها تبادل الصفعات؟
ما هي هٰذه المعارضة التي مضى عليها أكثر من سنتين وحَتَّى الآن لم تقدم للثورة أي مشروع أو مخطط يساعد الثورة ولو مثل بعض ربع ما يساعدها به رجل سوري واحدٌ مع الثورة وليس من المعارضة؟
ما هي هٰذه المعارضة الرقيعة التي بغبائها وتناحرها تجعل رجال النظام يتنطعون بكل صفاقة وثقة لتمثيل الثورة؟ أليس لأن هٰذا الاعتلاف مشوهٌ عند الثوار إلى الحد الذي يجعلهم يقبلون بأي كلب بدلاً عنهم؟
لا نعدد الأمثلة على تنطع رجال النظام لتمثيل الثورة وقد أشرنا غير مرةٍ إلى ذۤلكَ، ولٰكنَّ لننظر فيما يحدث اليوم من تقدم محمد حمشو ومحمد برمو لتشكيل اعتلاف قوى معارضة جديد يحل محل الاعتلاف الوثني الذي أثبت أنَّهُ إن لم يكن عدوًّا للثورة فإنه عبد لأعداء الثورة السورية.
ربما يمكن بعد الجهد أن نلتمس حجة لواحد يعيش خارج سوريا منذ ما قبل الثورة أن يتنطع لادعاء تمثيل الثورة، وللحقيقة والتاريخ فإنَّ معظم أعضاء الاعتلاف الآن وقبله المجلس الوطني من السوريين الذين لا يعرفون سوريا إلا على الخريطة رُبَّما. ومع ذۤلكَ يمكن أن نعصر بصلة على أنوفنا ونقبل بهم ممثلين للثورة. ولكن كيف يمكن أن يتنطع محمد برمو، وهو من يعرف أهل ريف دمشق من هو، وهو ما زال عضو مجلس شعب إلى الآن أن يتنطع لتشكيل معارضة تمثل الثورة؟
والأمر نفسه ينطبق على محمد حمشو وهو إلى الآن شريك رجال النظام في تجارتهم وشركاتهم.
المعارضة السورية بكل مكوناتها تذكرني بحكاية ما زلت أرويها من سنين طويلة. يحكى أنَّهُ دنا الموت من أحدهم وعاني في موته، فشعر أنَّهُ رُبَّما اقترف ذنباً يجب أن يستسمح له. فطلب السماح من أهله فسامحوه. ولم يمت واشتدت المنازعة عليه صعوبةً. فوجه أبناءه إلى أقاربه القريبين، ثمَّ أقاربه البعيدين، ولم يتغير شيء. فطلب الصفح من الجيران، ولم يتغير شيء، ثمَّ إلى جوار الجيران، ولم يتغير شيء... وأخيراً تذكر حيواناته فحملوه إليها، وبكى أمامهم، وطلب الصفح منهم والسماح إن قصر معهم.
علا خوار الثور وأومأ أنه سامح.
والحمار نهق أنه قد سامح.
والخرفان فعلت...
وعندما وصل إلى الجمل هزَّ الجمل رأسه مستنكراً.
فقال له: ماذا هنالك؟
قال الجمل: حرثت الأرض عليَّ بدل الثور أو الحمار سامحتك عليها... عطشتني أكثر من كل الحيوانات... سامحتك على ذۤلكَ... كنت تطعم البقر والحمار أكثر مني، أيضاً سامحتك... وفعلت كذا وسامحتك، وكذا وسامحتك... شيء واحدٌ لا أستطيع أن أسامحك عليه، وهو أن تربطني بذيل الحمار وتجعل الحمار يقودني، فهذا ما لا يمكن أن أسامحك عليه.
وهذه هي قصة الثورة مع الحمير الذين يتقدمونها ويقودونها.
ومن كان لديه اعتراض فيقله لعلنا أخطأنا.
الحقيقية التي لا بُدَّ من التركيز عليها في هٰذه الآونة وكل آونة هي أنَّ ما يسمى معارضة في العالم العربي، ومنذ عشرات السنين، لا ترقى أبداً إلى استحقاق اسم المعارضة، ولا تستحق شرف نيل هٰذا المهمة. فلقد أثبتت المعارضة العربية في أقطار الوطن العربي قاطبة أنَّها في الملمات والأزمات والمنعطفات السهلة والصعبة أعجز عن أن تصل إلى أدنى مستويات المقبول، وأدنى مستويات الوطنية والحس بالانتماء. وتوزعت ما بَيْنَ ثلاث أنواع رُبَّما لا رابع لها:
أولها العمالة الصريحة والارتهان لأعداء الوطن والقطر. أعداء الوطن أو القطر لا حاجة للتفصيل فيهم، ولٰكنَّ ما لا بُدَّ من الإشارة إليه هو أنَّ الأنظمة العربية بجملتها وتفاريقها تقريباً أعداء للوطن. وهٰذه الأنظمة اصطنعت أقنعة لأناس سمَّتهم معارضين، يقومون بدور المعارضة على أكمل وجه، بما في ذۤلكَ اعتقالهم وهروبهم ومطاردتهم... ولكنَّ هؤلاء كما بينا في غير هٰذا الموقع يصطفون مع النظام عند أي تهديد فعلي للنظام مهما كان، على أساس أنهم معارضة وطنية غير مرتهنين للخارج!!
ثانيها الغباء والسطحية المثيرة للتقيوء. لا أريد أن أطيل هنا، ولٰكنَّ ما لا بُدَّ من أن توضع بعض النقاط على حروفه، أن المعارضة التي كانت بارزة في العالم العربي، على قدر محدود من الذكاء، بعضهم على قدر من الثقافة كافية، ولٰكنَّ محدودية التفكير وقدراته تجعل منهم آفات أخطر على الوطن من الآفات الطبيعية. بمناسبات عديدة، وبحكم ا لضرورة الواقعية، تواصلت مع كثيرٍ منهم في العالم العربي ومنهم والأكثر في سوريا. منذ سنين كثيرة قطعت الأمل منهم. وكنت أشفق على الوكن من أمثال هؤلاء المعارضين. وكان بالفعل ما توقعت عندما احتاج الوطن إلى المعارضين.
ثالثها نظيفة مشتتة مهمشة وهي قليلة العدد والفعل. أعود هنا إلى الصنفين السابقين. كلاهما انغلق على ذاته ضمن مجموعات فئوية حزبية أو طائفية أو مناطقية أو عشائرية... وروج فقط لمن ينتمي إليه، وقامت بتهميش كل من لا يعزف على أوتاره. كان منن الطبيعي أن يكون هناك معارضون لا يريدون الانتماء إلى أي طرف أو فريق لأنَّ همهم أن ينتقدوا الأخطاء، أمثال هؤلاء قليلون عدداً، قليلون فعلاً. وهم محاصرون بالنظام وهياكل المعارضة.
والممارسة التي تجمعها هٰذه الأطراف كلها رُبَّما من دون استثناء هي الإقصائية والتخوين، وتخيلوا ماذا يمكن أن يحدث عندما الخائن يقوم بتخوين الآخرين. أو أنَّ الغبي أو الجاهل يقوم بتخوين الآخرين. التخوين غالباً هو الذريعة الأكثر حضوراً لممارسة الإقصاء. كيف لا وعدم الإقصاء يكشف عوار الخائن والجاهل ويفضحه؟!!
تُمارسُ الإقصائيَّةُ على أسسٍ وخلفياتٍ متعدِّدةٍ متفرِّقةٍ أو رُبَّما مجتمعةٍ، فالذين يقومون بدور المعارضة، أقول يقومون بدور المعارضة لأنهم لا يستحقون أن يكونوا معارضة. تمترسوا في منغلقات فئوية إمَّا طائفيًّا أو حزبيًّا أو عشائريًّا أو مناطقيًّا.
لقد كشف الربيع العربيُّ عوار هٰذه المعارضة من المحيط إلى الخليج. برز ذۤلكَ واضحاً في دول الربيع العربيِّ، ولٰكنَّ الدُّول التي لم تشهد الربيع حَتَّى الآن لم تقل معارضها فجوراً عن معارضة دول الربيع العربيِّ. وقبل الرَّبيع العربيِّ لم تكن أحسن حالاً في احتلال العراق مثلاً إذ كانت المعارضة هي جنود الاحتلال الأمريكي.
طبيعيٌّ، كلُّ ذۤلكَ طبيعيٌّ، المجتمع العربي مجتمع متخلف ولن تكون معارضته إلا نسخة منه. عندما ينزع المجتمع العربي رداء التخلف ستكون معارضته جديرة بأن تكون معارضة.
المفضلات