جنيف الفخ وفخ جنيف
الدكتور عزت السيد أحمد

أكثر من سنة من التحضير لجنيف 2، ما بَيْنَ تمديد وتجميد وتحييد وتحديد... والكثيرون يتساءلون لماذا؟ لماذا بعد كل هٰذا التحضير كانت النتائج أسوأ من جنيف واحد بألف مرة؟
أجبت على هٰذا السؤال مع بدء التحضير لجنيف2. وكانت ذۤلكَ في تعليقات مختصرة على صفحات التواصل الاجتماعي. وأعيد لملمة هٰذه الإجابات من جديد.
سأبدأ من آخر تعليق نشرته قبل جنيف 2 بأيام قلت فيه: «إذا لم تنتصر الثورة السورية قبل الانتخابات الرئاسية فإن بشار الأسد باق إلى الأبد؛ سيترشح للانتخابات، ويفوز في الانتخابات، وندخل في متيه شرعية دستورية جديدة». ولن تستطيع قوة في الأرض أن تمنعه من الترشح، ولا أن تمنع نجاحه.
إلى هٰذه النقطة أردا المجتمع الدولي أن يوصل سوريا والثورة السورية. كتبنا مراراً وتكراراً أن المجتمع الدولي جميعه تقريباً راضٍ عن بشار الأسد وعمَّا يقوم به بشار الأسد، وبشار الأسد يدرك ذۤلكَ تماماً ويتصرف على هٰذا الأساس. وهٰذا يعني تماماً أنَّ جنيف 2 تأسيساً وتنظيماً وتأجيلاً إلى هٰذه الفترة كان بتنسيق وتوافق بَيْنَ بشار الأسد والمجتمع الدولي وعلى رأسه أمريكا وليس روسيا كما يتوهم الكثيرون.
طالما أنَّ التفاوض على أساس جنيف، وإذا كان المجتمع الدولي جاداً أو صادقاً في تنفيذه فلماذا مطمط أكثر من سنة ونصف؟
وعلى افتراض أيِّ نية أخرى للحل السلمي في سوريا؛ لماذا هٰذه المطمطة ثلاث سنوات أو سنتين على الأقل من أجل فرض الحل السلمي؟
وعلى افتراض أنَّهُ لا علاقة لجنيف واحد بجنيف 2 وأنَّهُ، كما كان المؤتمر فعلاً، من دون أيِّ ضمانات، ومن دون أيِّ مخطَّطٍ تفاوضيٍّ، ومن دون أيِّ اقتراحات... وطالما أنَّهُ فرض على الرَّغْمِ من الجميع، فلماذا كان كل هٰذا التأخير والمطمطة على مدار أكثر من سنة، في حين كانت صواريخ سكود والبراميل والمدفعية تدك المدن السورية من الجنوب إلى الشمال، وما زالت؟
لا نريد أن نكرر كثيراً بداهة أن تدمير سوريا غاية ما تصبو إليه إسرائيل وأمريكا والأنظمة العربيَّة لتظل إسرائيل عشرات السنين بأمان رُبَّما مطلق على حسب ما يحسبون. ناهيكم عن المستثمرين الذين يطمعون بالاستثمارات في غابة الدمار والخراب هٰذه التي خلفها بشار الأسد وما سيسمى الصِّراع في سوريا... أو ما سيكرس في أذهان الشعوب تحت عنوان: هٰذا ما جناه السوريون على أنفسهم بثورتهم.
بعيداً عن ذۤلكَ، فإنَّهُ، حسب معلوماتي، لم أسمع عبر تاريخ الثورات عن ثورة تفاوض النظام الذي ثارت عليه من أجل انتقال السلطة. وهٰذه نقطة الفصل في الموضوع. لقد سعى المجتمع الدولي وعلى رأسه العربي على مدار ما سبق إلى تفريغ الثورة من مضمونها وتحويلها إلى صراع. وقد كان ذۤلكَ عبر شراء ذمم قادة الثورة الذين يمكن شراءهم ومحاربة الذين لا يمكن شراءهم وتهميشهم وإضعافهم بحيث لا يكون لهم إمكانية لعب أيِّ دور أو تأثير أو اعتراض.كل ذۤلكَ من أجل تقديم الضَّمانات التي يريدها المجتمع الدولي من ممثلي الثُّورة الجدد، والقيام بما يطلب منهم من أجل إنهاء فكرة أنَّ ما يدور هو ثورة، والقضاء على الثورة، والتفاوض على أساس صراعٍ بَيْنَ طرفين على السلطة. وبعدما تحقَّق للمجتمع الدولي ذۤلكَ استطاع أن يحدد موعد جنيف من جهة، وأن يختار الوقت الماسب له من جهة ذاني، من أجل أن يحقق من المؤتمر أحد أمرين، وما بينهما ضمناً أمور كثيرة. وأما الأمرين فهما:
الأول: هو الانتقال السلمي للسلطة من النظام إلى المعارضة، والأفضل فريق توافقي، يوافق على الإملاءات الأمريكية الإسرائيلية الروسية. وهنا نحن أمام أكثر من مشروع لهذه التوافقية، ولٰكنَّ كل هٰذه المشاريع تدور في حلقة واحدة هي المحاصصة الطائفية العرقية على الطريقة اللبنانية أو العراقية بحيث لا تقوم دولة ديمقراطية ولا دينية بحال من الأحوال. وقد أفضنا في ذۤلكَ في غير هٰذا المكان أكثر من مرَّة. والحقيقة أنَّ هٰذا هو أكثر ما يتمناه ويرجوه المجتمع الدولي، ولا يتمنى ولا يقبل أكثر من ذۤلكَ قيد أنملة لمصلحة الثورة والشعب السوري. أقول هٰذا أقصى ما يمكن للمجتمع الدولي أن يتمناه ولا أقول يريده، لأنَّهُ لا يستطيع أن يريد، ولا يستطيع أن يفرض ذۤلكَ أو يقرِّره، وإن كان الكثيرون يتوهمون أن أمريكا قادرة على ذۤلكَ قياساً على تجريد سوريا من الكيماوي على سبيل المثال. أما روسيا فهي تعرف بشار الأسد جيداً، بشار الأسد هو النظام في سوريا ولا يوجد نظام غيره، وأعلنت بوضح بعد التبرم من الاتهامات الدولية أنَّها عاجزة عن جعله يتنحى، وأنَّهُ لن يغادر السلطة إلا جثة.
الثاني: هو الذي يركز عليه النظام والمجتمع الدولي معاً، وهو وحده القادر على تفسير المطمطة والتأخير إلى هٰذا الوقت. المرجو والمطلوب هنا هو المطمطة في التفاوض من خلال الإغراق في التفاصيل وإعطاء النظام فرصة لاستجماع القوى وتنظيم نفسه في ظل هدنة هنا وابتزاز هناك من خلال سياسة الإغراق في التفاصيل... حَتَّى يصل موعد الانتخابات الرئاسية ويترشح بشار الأسد للانتخابات. ولا حاجة بنا للأدلة التي تثبت سلفاً أنَّهُ إذا ترشح بشار فإنه سينجح ولا يمكن إلا ان ينجح. وقد أكد بشار الأسد رغبته التامة في الترشح من دون لف أو دوران.
أن تكون هٰذه رغبة بشار الأسد فذا أمر يمكن تفهمه، ولٰكن كيف يمكن أن تكون هٰذه رغبة المجتمع الدولي؟
يمكن أن نعود إلى التصريحات الإسرائيلية في بداية الثورة التي قالت: شيطان تعرفه خير من شيطان لا تعرفه. هٰذا في أحسن احتمالات توصيف نظام الممانعة. يرى الأمريكان والإسرائيليون خاصة أنَّ أن بشار الأسد خير من يضمن حدود إسرائيل وأمنها بناء على تجربة عمرها أربعين عاماً. وغذا ما وضعنا بعين النظر الجماعات الإسلامية التي انتشرت في سوريا، وإذا ما أخذنا بعين النظر نتائج الربيع العربي قبل الإجهاز عليها، وجدنا أن أحسن من سيكون لإسرائيل بعد بشار الأسد لن يكون أحسن منه، وأسوأ من سيكون سيكون بشار الأسد أحسن منه لإسرائيل. ولا نتحدث هنا عن مصلحة إيران وروسيا في الموضوع فهما على درجة التحامية من الشراكة. ولا مانع لأمريكا وإسرائيل أن يظل نظام الأسد في حضن إيران وروسيا لأنه وهو كذۤلكَ أفضل بألف مرة من أي بديل.
أما الدول العربية فلا تختلف مصلحتها عن مصلحة أمريكا وإسرائيل في المبدأ. ويضاف إلى ذۤلكَ هو الرعب الهائل من انتصار الثورة السورية وامتداد الربيع العربي واستمراره. الدول العربيَّة لا تريد أبداً أن تنتصر الثورة مهما كلفها ذۤلكَ من ثمن. والمهتمون أو المتابعون يدركون أن دول الخليج العربي هي التي اشترت الذمم من أجل القضاء على الثورة وليس من أجل نصر الثورة كما يتوهم الكثيرون.
قد يعترض معترض بأن الإعلام السوري والمسؤولون السوريون شوهوا الأمراء والملوك بالشتائم والاتهامات، وأنه صار لهم ثأر شخصي معه... وهٰذا في حقيقة الأمر وهم لا أساس له من الصحة. إن سيل السباب والشتائم والاتهامات التي يكيلها النظام السوري للملوك والأمراء هي رصيد شؤف لهم أمام شعوبهم لأنهم يدعمون الثورة السورية ويقفون مع الشعب السوري المكلوم الجريح المنتهك... ولا أبالغ إذا قلت إن بعضهم يدفع الملايين للمسوؤل السوري الذي يشتمهم. وفوق ذۤلكَ كله توجد تسريبات غير قليلةٍ تؤكِّد استمرار التَّنسيق بَيْنَ هٰذه الأنظمة والنِّظام السُّوري، ودفع الأموال الداعمة لصموده أمام الشعب. وبعيداً عن التسريبا انظروا إلى سلوك هٰذه الدول مع من يرفع علم الثورة السورية في بلدانهم!!! انظروا كيف يلاحقون الداعمين ويعتقلونهم!! انظروا كيف يمنعون جمع التبرعات لمساعدة السوريين المهجرين المشردين!! هل يمكن القول إن هٰذه الأنظمة تقف مع الشعب السوري أو الثورة السورية؟!