لماذا كلما زادوا تشويها بداعش زاد أنصارها
الدكتور عزت السيد أحمد

وما زالوا يتساءلون:
من الذي يدفع الناس للإعجاب بالدولة الإسلامية؟
ما سر زيادة المعجبين بتنظيم الدولة الإسلامية؟
لماذا يزداد المبايعون للدولة الإسلامية؟
لا أريد الكلام في الظروف الموضوعية التي تفرضها إيقاعات السياسة الأمريكية والغربية ومعها الأنظمة العربية القائمة علىٰ الاستبداد والقهر والاستلاب والازدواجية التي تفرض علىٰ المواطن العربي والمسلم أن تكون لديه ردود أفعال عنفية محقة في الدفاع عن نفسه وهويته وكرامته ودينه ضد هٰذه الممارسات السفيهة كلها الصادرة عن الأطراف الآنفة ضد العربي وضد المسلم.
أكرر لا أريد الحديث فيها فالحديث فيها طويل وقد سبق الكلام فيها غير مرة في موضوع علىٰ مدار عشرات السنين الماضية. أريد الآن أن أقف عند المشهد المدهش الذي يحير السياسيين وخاصة الغربيين من تزايد جماهيرية تنظيم الدولة الإسلامية، وزيادة انصارها ومعجبيها وحَتَّىٰ من يبايعونها، علىٰ الرَّغْمِ من كل حملة التشويه المذهلة التي يخوضها العالم أجمع ضد الدولة الإسلامية من تسليط الضوء علىٰ وحشيتها ودمويتها ونهجها التكفيري وغير ذۤلكَ كثير مما لا يخطر ببال إبليس....
مع ذۤلكَ كله، وبعد ذۤلكَ كله يزداد الإقبال علىٰ تأييد الدولة الإسلامية ومناصرتها ومباعتها!!!
ما السر؟ ما السبب؟
كتبت في ذۤلكَ غير مرَّة منذ سنة علىٰ الأقل، وتحدثت في ذۤلكَ في عدد من اللقاءات التلفزيونية منذ بدأت الحملة علىٰ تنظيم الدولة الإسلامية عندما كان اسمها دولة الإسلام في العراق والشام وأطلقوا عليها اسم داعش تقزيماً وتحقيراً. الأسباب القديمة هي ذاتها تتكرر، ورُبَّما من دون أدنى تغيير. بغض النَّظر عن الأسباب الموضوعية السابقة التي تمت الإشارة إليها، فإنَّ عاملاً أساسيًّا من عوامل إقبال الناس علىٰ علىٰ الدولة الإسلامية هو حملة الافتراء والتشويه الصريحة الموجهة ضد تنظيم الدولة الإسلاميَّة.
عندما يرى الإنسان الكذب والافتراء يجد نفسه أمام ضرورة التعاطف مع هۤؤلاء الذين يتك الافتراء عليهم. أي إنَّ العملية التي يمارسها الإعلام العربي والعالمي تأتي بعكس مبتغاها. وهٰذا هو الطبيعي. هم يشوهون الدولة الإسلامية من أجل تهميشها ومحاصرتها وعزلها، ولۤكنَّهُم يفترون عليها باختلاق الكذب والافتئات، ولذۤلك ستكون النتيجة عكسية بالضرورة. سيقول أي واحد: لو أنهم وجدوا لها عيوباً لفضحوها، ولأنهم لا يجدون لها عيوباً يفترون عليها.
الأمثلة علىٰ ذۤلكَ كثيرة منذ بداية الحرب التَّشويهيَّة ضدَّ تنظيم الدَّولة الإسلاميَّة، التي أعلن حسن نصر الله منذ أيام أنَّها لم تعد تنظيماً وإنما أصبحت دولة، وأعلن ذۤلكَ أكثر من سياسي أمريكي أيضاً. وفي حين قال إينشتين يوماً غير بعيد: الغباء هو أن تفعل الأمر نفسه مرتين وتتوقع نتيجة جديدة، فإن المجتمع الدولي المناهض والمحارب لتنظيم الدولة الإسلامية ما زال يكرر الخطأ ذاته ويريد نتائج جديدة. طريقة الافتراء والإفتئات علىٰ الدولة الإسلامية هي ذاتها منذ البداية لا تتغير. لا أعيد ما كان سابقاً أقف عند مشهد تدمر.
عندما بدا أن الدولة الإسلامية عازمة علىٰ دخول تدمر جن جنون السوريين والإعلام العالمي خوفاً وهلعاً، كتبت في 18/5/2015م تعقيباً علىٰ ذۤلكَ:
أضيق ذرعاً بالبشرية القذرة
السوريون أشكالاً وألواناً
العرب أشكالاً وألواناً
الغرب الشرق
كلهم مستنفرون استنفاراً عجائبيًّا منذ أيام تخوُّفاً علىٰ آثار تدمر، ولۤكنَّهُم صمتوا صمتاً مطبقاً عن أثار لا تقلُّ أهميَّة وقيمةً دمرها النظام مثل مسجد العمري بدرعا عمره 1400سنة، مسجد خالد بن الوليد بحمص وفيه ضريح ابن الوليد وعمره 1400سنة، قلعة المرقب، قلعة الحصن وغيرها... لم يتحرك ضميرٌ واحدٌ من أجلها!!!
هل المشكلة في الآثار أم فيمن يدمر الآثار؟
دليل النفاق والقذارة العالمية أنَّهُم يدينون الفعل حسب الفاعل وليس الفعل ذاته، يتباكون علىٰ الأثر حسب من يدمره لا حسب قيمة الأثر، أمريكا دمرت أعز آثار العراق ولم يتفوَّه أحدٌ في العالم اعتراضاً إلا المساكين أصحاب الآثار.
المشكلة ليست في حماية آثار تدمر... المشكلة هي أنَّهُم يريدون توليع الاحتجاج علىٰ تنظيم الدَّولة الإسلامية... لا أكثر.
هٰذه هي القصة بحذافيها حذفوراً حذفوراً.
بعد هٰذا الكلام بأم احتلت الدولة الإسلامية مدينة تدمر، وأعطت التطمينات للأهالي وحَتَّىٰ العالم علىٰ الآثار، فنهض رموز الافتراء والتشويه ببدعة مضحكة. مثلها مثل كثير من الانتقادات الموجهة للدولة الإسلامية، كثير من الانتقادات الموجهة لها لا تخلو من أن تفرض الضحك عليك.
ولٰكن أن تصل الأمور بوسائل الإعلام المحترفة مثل البي بي سي إلى إعداد تقارير إخبارية تقول بأنَّ وجود طائر أبو منجل بتدمر يواجه خطر الانقراض بسبب وجود داعش... فهذا أمر لا يدعو إلىٰ الضحك ولۤكنَّهُ يدعو إلىٰ الاندهاش غير المحدود.
مثل معظم خطوات تنظيم الدولة غير المتوقعة وبصواب ما فيها من صواب وخطأ ما فيها من خطأ، لم تمض أيام علىٰ ذۤلكَ حَتَّىٰ قامت الدولة بخطوة مفاجئة هي تدمير سجن تدمر عن بكرة أبيه تدميراً شاملاً. لماذا؟ ما الفائدة؟ ما الغاية؟ سلوك مربك مع كل ما ثار من تساؤلات وتسويغات.
نقد ورفض والاحتجاج على قيام الدولة الإسلامية بتدمير سجن تدمر أمرٌ عاديٌّ ولا يمكن الاعتراض عليه. ولٰكن أن يقال إنَّهَا دمرته لإخفاء أدلة إدانة النظام الأسدي، وإخفاء معالم جرائم الأسد... فهٰذا نقدٌ غير سطحي إِنَّهُ نقد غبي.
جرائم النظام في كل شهر بل في كل أسبوع أسبوع من عمر الثورة تفوق جرائمه في سجن تدمر مئات آلاف المرات، وكلها مصورة موثقة بالدليل والبرهان القاطع ومنشوره في مختلف وسائل النشر... وكلها أدلة لا يمكن تدميرها ولا إزالتها... فماذا حدث؟ هل اعترض أحد؟
من الذي حاكم النظام أو سيحاكمه؟
وهل يعقل أن يحاكم النظام أو يدان علىٰ جرائم سرية في حين أن ملايين أضعافها عدة وشدة ووحشية مورست بالعلن؟
فقط عندما نفكر بالمنطق يمكن أن نصل إلى نتيجة صحيحة. والبياضون لا يمكن إلا أن يبيضوا. هكذا تصميمهم وبنيتهم النفسية والعقلية. تخيل مثلاً أن تضع أمامك الكلب وتقضي وقتاً طويلاً في إقناعه أن لا يعوي. ماذا يمكن أن تكون النتيجة؟
من هٰذا القبيل تقريبا وسائل الإعلام ويمكن القول بالمطلق: لا تريد إيصال الحقيقة... لا تريد توضيح الحقيقة... لا تريد أن يفهم الناس. إنها تريد أن تقول ما يريد صاحبها أو ممولها أن يقوله، وأن يقنع الناس به، ويفرضه علىٰ الناس... علىٰ ألسنة ضيوف لا يجدون الفرصة للكلام بوضوح أو صراحة، ناهيكم عن أنَّ بعضهم يجتر ما تريد القناة لتظل تستضيفه.
مثل هۤؤلاء الضيوف يحسب المتطفلون والمتسلقون أنهم عندهم يشاركوا في الافتراء الرائج يمكن أن يحصلوا علىٰ معجبين أكثر. من أجل المعجبين نكسر عنق الحقيقة والمنطق، وفوق ذۤلكَ لا يمكن تكون النتيجة كما يرجون. لأنَّ الدفاع عن الباطل لا يمكن أن يكون إلا بالباطل، فنصحح الخطأ بالخطأ فيولد خطأ ثالث وهكذا. وهكذا يتسع جمهور الدولة الإسلامية وتمتد.