كيف تنبأ هنتنچتون بالصراع السني الشيعي؟
الدكتور عزت السيد أحمد

عندما قرأت هنتنچتون في مطالع هذه الألفية
وقرأت رؤيته للصراع الطائفي الإسلامي، وخاصة السني الشيعي، قرَِّ في نفسي أنَّ السياسة الغربية تعد العدة لإشعال هذه الفتنة. وراد ذهني على الفور قول چولدا مائير، أو ربما موشي دايان: ما زالت القنبلة الموقوتة في حوزتنا أي الطائفية.
وقلت في نفسي: هذا حلم إبليس في الجنة...
قلت ذلك بناء على معرفتي بالسنة وعقليتهم وتفكيرهم لأنهم لا يمكن أبداً أبداً أبداً أن ينجروا إلى صدام طائفي مع الشيعة... إنهم يعترفون بهم ويحترمونهم
ولكن بعد سنة ونصف من الثورة السورية وجدت نفسي أمام هاجس مختلف عن انطباعي الأول عن هنتنچتون، وراحت سياط السؤال تجلد مخيلتي:
ترى هل يعرف صناع القرار الغربيين ومنهم هنتنچتون عن الطوائف الإسلامية أكثر مما نعرف نحن وأكثر مما يعرف أهل الطوائف أنفسهم؟
أن نكون أمام مشروع ومخطط غربي لهذا الصراع فهذا شبه مؤكد. ولكن الذي حدث لا يمكن أن يكون هو المخطط الغربي. الغرب ركب الحدث ولعب فيها بعدما وقع، وليس قبل أن يقع، أعني أن ما وصلنا إليه من صراع طائفي في سوريا والمنطقة هو وليد المنطقة، وليد التدخل الشيعي الإيراني واللبناني والحوثي والباكستاني... في سوريا بطريقة طائفية صريحة، وليس هذا الأمر قراراً أمريكياً، ليست الولايات المتحدة هي التي أمرت الشيعة بالدخول إلى سوريا والدفاع عن النظام على أساس طائفي، ليست أمريكا هي التي أمرت رجال الدين الشيعة بالتصريح في الخطب وعلى مختلف المنابر باستنفار الشيعة للجهاد في الشام ضد أتباع يزيد... أمريكا مسرورة من ذلك، وتغذيه لك ما تستطيع...

لا يمكن أن ننكر أن أمريكا تسعى إلى ذلك، ولكن لا يمكن أن أصدق أن الشيعة يفعلون ذلك امتثالاً لقرار أو إملاء أمريكي. ولذلك أجدني في حيرة شديدة أما نبوؤة صاموئيل هنتنچتون قبل نحو عشرين سنة في مقال الذي محاضراته التي ألقاها عام 1992م لقراءة آفاق ما بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، وتوسع فيها لتصير بحثاً ثم كتاباً.

وأسأل: ما الذي تعرفه بعد يا هنتنچتون؟

وماذا يوجد في عقول صناع القرار الغربي بعد؟

منذ مطالع عصر النهصة العربية في أواخر القرن الثامن عشر انتبه الرواد إلى ضرورة القراءة، القاءة، القراءة... ولكن مضت السنين ونحن لا نقرأ، ولا نفهم، ولا نعمل، فصرنا أضحكومة بل خرقة تمسحح أمم الأرض بنا أحذيتها.

دعوني أسنحضر المثال الشعبي الذي يقول:

اللي بيعمل حاله زبالة ينعثه الدجاج

وهذه أمتنا جعلت من نفسها ممسحة لأمم الأرض.