شعب يعيد إنتاج عبوديته
الدكتور عزت السيد أحمد
طالما أنَّ الشَّعب لم يزل هو فلا جديد
وقع الانفصال بَيْنَ سوريا ومصر
وبعد الانفصال خطب عبد الناصر قائلاً:
أرسلت الأسطول الحربي إلى سوريا ليعيد الوحدة...
فقوطع كلامه بالتصفيق الحاد لمدة طويلة!!!
فاضطر إلى قطعه و تكملة كلامه:
إلا أنني أعدت الأسطول من منتصف الطريق لأنَّ العربي لا يقتل أخاه العربي
فانطلق التصفيق بالحماس والحدة ذاتها!!
ما هٰذا الشعب الذي في دقيقة واحد يعلن تأييه الحاد والحاسم للأمر ونقيضه في الوقت ذاته لمحض أنَّهُ صدر عن الزعيم القائد...
القصة ليست وحيدة وليست مع عبد الناصر وحده،
فبعد حرب تشرين/أكتوبر 1973م وقف السادات على منبر مجلس الشعب وافتخر بانتصار حرب تشرين
فصفق المجلس له بحدة وحماس...
وتابع فقال: وسأذهب إلى إسرائيل لتوقيع اتفاقية سلام...
فصفق المجلس له بحدة وحماس أكثر من السابق
من يصدق هٰذا التناقض؟
صحيح أن للطغاة سطوة، ولٰكن ليس إلى هٰذا الحد، إنَّ أحدا من الطغاة لم يحظ بمثل هٰذا الشعب من قبل ولا أظن من بعد. قالوا: شعوب لا تجيد إلا التصفيق!! ولٰكنَّ حَتَّى هٰذا التعبير أقل قدرة على وصف هٰذه الشعوب.
الحقيقة الأكيدة هي أن شعباً بهٰذا الطبع شعب ممسوح البصمات، لا بصمة له إطلاقاً لا نفسية ولا مادية... حَتَّى الآلة الميكانيكية لا يمكنها تقبل أمرين متناقضين وإذا فرض عليها ذۤلكَ انفرط محركها وصار بحاجة لإعادة تركيب من جديد، لأنه لا يستقيم معها أبداً أن تقوم بفعلين متناقضين.
الحقيقة الأكيدة هي أن شعباً بهٰذا الطبع لا يمكن أبداً أن ينتج حضارة ولا دولة ولا ثورة... لا يمكن أن ينتج أكثر من إعادة إنتاج عبوديته كلما اهترأت أو تعرضت للشمس أو لامستها أنسام الحرية أو حَتَّى سمعت من بعيد أنغام الحرية...
ولذۤلك لا تسغربوا أن الربيع العربي هراء، فورة نفر حر لم يستطع الآخرون الصبر على روائح الحرية فانقلبوا عليها. الربيع العربي لم يسرق من قبل أحد، الربيع العربي لم يجهض من قبل أحد، الربيع العربي لم تتآمر عليه أمريكا ولا إسرائيل... وإنما الشعب العربي الذي لا يجيد إلا قبول إملاءات الطغاة مهما تناقضت هو الذي لم يستطع أن يعيش الحرية والكرامة... ولهٰذا لم يتعاطف أحد مع السوريين مثلاً، بل اتهموا السوريين بتخريب بلدهم، وعاملوهم بازدراء لأنهم ثاروا على نظام (المقاومة والممانعة)... وأنا لا أتكلم أبداً عن الأنظمة... أتكلم عن الشعوب العربية.
هٰذا ليس وهماً، ولا اتهاماً باطلاًـ وليس جلداً للذات.
منذ أكثر من ثلث قرن والكثير من العقول المسطحة تتهمنا بجلد الذات كلما انتقدنا عقلية أمتنا المتخلفة وخيانتها لذاتها.
ترى هل انتقادنا لأمتنا هو جلد للذات؟
منذ أكثر من عشرين سنة والأمة تتعرض لهجمة تلو هجمة وتحطيم تلو تحطيم، وكلَّ مرَّةٍ أشد من سابقتها وأخطر، وها هي الأمة على حافة هاوية الانهيار الفظيع... ومع ذۤلكَ لم تتحرك الأمة إلا لترقص طرباً على أغاني الألم والقهر
لا تتخيلوا أبدا أنَّ ما ينتظر الأمة شيءٌ سهٌل أو قليلٌ...
إنَّ الأمة على حافة الانهيار التام... أكرر أكرر: الأمة على حافة الانهيار التام. وكلُّ البوادر لذۤلك واضحةٌ جليَّةٌ.
فمتى تتحرك الأمة؟
متى تكسر القمم وتخرج؟
إذا لم تخرجها هذه الزلازل الحاصلة في هٰذه الأيام فإنَّها لن تخرج أبداً أبداً
ألا هل بلغت؟ اللهم فاشهد
المفضلات