إذا حاولنا النظر من منظار شامل فسنجد أن أوروبا لا حول لها ولا قوة أمام الدب الروسي على بلادته وبلاهته، لا سيما إذا انكفأت أمريكا بسبب أزماتها الاقتصادية الداخلية التي يقول بعض خبراء الاقتصاد أنها أزمات مختلفة هذه المرة لتعمقها في الداخل الأمريكي وهو ما سيؤدي إلى انفجار قريب قد لا تحمد عقباه في بلاد العم سام. وعلى الرغم من هذا التضعضع الأمريكي، فعلى الروس أن يحذروا أشد الحذر من أمريكا الضعيفة، فالشواهد التاريخية تؤكد أن بعد خروج أمريكا ذليلة منكسرة من فييتنام، عملت على استخدام القوة غير المباشرة ضد الروس السوفييت عبر المجاهدين في أفغانستان (الذين كافأتهم بجزاء سنمار لاحقا) وورطتها في حرب ضروس خرج منها الاتحاد السوفييتي المتغطرس ذليلا منكسرا هو الآخر، وما لبثت أمبراطوريته الشيوعية أن انهارت بعد ذلك ببضع سنين.
ولعل نظرة بسيطة لخارطة أوروبا الشرقية تؤيد فكرة أن الصراع -إذا تطور في أوكرانيا- سيتطور لا محالة إلى مآلات يصعب التكهن بها. فالدول المحيطة في أوكرانيا ستشعر بكل تأكيد بخطورة أي تواجد روسي عسكري مباشر في أوكرانيا، خاصة وأن بعضها كسلوفاكيا وبولندا ورومانيا -ومن بعيد- تركيا تدور فعلا في الفلك الأمريكي. ومن هنا فإن أي خطوة من الدب الروسي بوتين لا بد أن تكون محسوبة من جميع الجوانب، وإلا فربما ستقع رقبته في المقصلة.
أما أوروبا الغربية -المحشورة بالزاوية- فأظن أن أمامها ثلاثة خيارات، إذا افترضنا خروج أمريكا من دائرة الاستقطاب الحاد في أوروبا الشرقية:
الأول
: أن تستسلم للدب الروسي وتقر له بالسيادة الفعلية على أوكرانيا، وذلك لكي تأكل منه كعكة الغاز ولا يغلق عليها الحنفية فلا تجد من الطاقة شيئا. لكنها بذلك ستقع بأتون فضيحة كبرى قد تكون لها تداعيات داخلية شديدة الوطأة.
الثاني: أن تعترض بشدة على روسيا وتهددها بالتصعيد، فتصبح أبواب الحرب مشرعة (على غرار حرب القرم في منتصف القرن التاسع عشر) لكن موازين القوى ليس بصالح أوروبا الغربية.
الثالث: أن تلجأ أوروبا الغربية إلى القوة الناعمة والضرب بالوسائل الخفية وغير المباشرة (هجوم وسائل الإعلام - الجاسوسية - تأجيج الشارع الروسي الناقم ضد نظام بوتين والأوليغارك - تحريك الأقليات ضد النظام... إلخ). وهو ما أرجحه.
أما عن التأثير المباشر علينا في المنطقة، فلا أرى ذلك. إلا أن دخول القوى العظمى في صراع طويل مع بعضها البعض ربما يؤدي إلى تحريك "سنّة التدافع" في صالحنا كمسلمين، لكن على شرط تحريك "سنة التغيير" في داخلنا نحو الأفضل قبل ذلك.
ولله الأمر من قبل ومن بعد.
المفضلات