يَا أَنْتِ الظَّالِمَةْ...

بِقَلَمِ: حُسَيْنَ أَحْمَدَ سَلِيْمَ (آلِ الحَاجّْ يُوْنُسَ)
كَاتِبْ نَاقِدْ وَفَنَّانْ تَشْكِيْلِيْ بَاحِثْ, مِنْ بِقَاعِ لُبْنَانْ الشِّمَالِيْ, قَرْيَةِ النَّبِيْ رَشَادَةْ, نَجْمََةَ هِلاَلِ بَلْدَاتَ غَرْبِيْ بَعْلَبَكْ...

يَا أَنْتِ...
يَا مَنْ رَفَلَ لَكِ تَقْدِيْرًا وَإِحْتِرَامًا, كُلُّ مَا فِيْ دَوَاخِلِيْ مِنْ بَصِيْرَةٍ فِيْ بَصِيْرَتِيْ, قَبْلَ أَنْ يَرْفُلَ لَكِ طَرْفُ بَصَرِيْ الدَّامِعِ أَبَدًا, يَسْكُبُ الدَّمِعَ مِدْرَارًا مِنَ مُعَانَاةِ الأَمْسِ لِحِرْمَانِ اليَوْمِ وَسَرَابِ الغَدِ...
يَا أَنْتِ...
يَا مَنْ مَالََ لَكِ تَفَكُّرِيْ تَعَقُّلاً, قَبْلَ أَنْ يَمِيْلَ لَكِ قَلْبِيْ حُبًّا وَعِشْقًا, فَكُنْتِ الجَوْهَرَ الَّذِيْ بِهِ يَكْتَنِزُ عَقْلِيْ وَوِجْدَانِيْ, وَكُنْتَ الرُّوْحَ الَّتِيْ تَنْتَعِشُ بِهَا رُوْحِيْ, وَكُنْتِ إِطْمِئْنَانَ نَفْسِيْ بِذِكْرِ اللهِ, وَكُنْتِ مَوْسَقَاتَ قَلْبِيْ فِيْ إِبْتِكَارِ سِيْمْفُوْنِيَّاتِهِ...
يَا أَنْتِ...
يَا مَنْ تَشَاغَفَ لَكِ عَقْلِيْ المُقَلْبَنِ بِالحُبِّ وَالعِشْقِ, وَهَفَا لَكِ تَفَكُّرًا فِيْ رُؤَاهُ وَفَلْسَفَاتِهِ وَإِبْدَاعَاتِهِ وَإِبْتِكَارَاتِهِ, قَبْلَ أَنْ يَتَشَاغَفَ لَكِ وَبِكِ فُؤَادِيْ فِيْ نُبْلِ الأَحَاسِيْسِ وَطُهْرِ المَشَاعِرَ, وَقَبْلَ أَنْ يَتَوَجَّدَ بِكِ حَنِيْنِيْ, وَهُوَ يُمَارِسُ سِيَاحَةَ الإِرْتِحَالِ فِيْ إِمْتِدَادَاتِ شَرَايِيْنِيْ, يَتَهَجَّدُ لِلَّهِ...
يَا أَنْتِ...
يَا مَنْ قَلْبَنْتُ عَقْلِيْ طَوْعًا وَإِيْمَانًا وَإِطْمِئْنَانًا بِالمَوَدّةِ وَالرَّحْمَةِ لإَجْلَكِ, بَعْدَ عِنَادٍ لاَ مَثِيْلَ لَهُ فِيْ شُرْعَةَ قُوَّةِ ثَبَاتِ الفِكْرِ المُتَعَقْلِنِ, وَعَقْلَنْتُ قَلْبِيْ قَدَرًا بَالحَكْمَةِ وَرَجَاحَةِ المَوْقِفِ وَجَرْأَةِ البَوْحِ مَعَكِ وَلَكِ وَبِكِ, وَأَعْلَنْتُ لَكِ الحُبَّ قَدَاسَةً, وَأَفْصَحْتُ لَكِ عَنِ العِشْقِ طَهَارَةً, مِنْ قَلْبِ المَوَدَّةِ والرَّحْمَةِ...
يَا أَنْتِ...
يَا مَنْ إِطْمَأْنَنْتُ نَفْسًا لَكِ وَقَدَرًا رُوْحِيًّا, تَرْفُلِيْنَ إِيْمَانًا بِذِكْرِ الله, عَلَىْ ذِمَّةِ كُلِّ الأَنْبِيَاءِ وَالرُّسُلِ وَالأَوْصِيَاءِ, وَعَلَىْ الإَيْمَانِ الفِطْرِيِّ بِكُلِّ الرِّسَالاَتِ السَّمَاوِيَّةِ, لأَنَّهَا وَاحِدٌ تَنَزَّلَتْ مِنْ لَدُنِ اللهِ, وَتُدْرِكِيْنَ أَنَّ النَّفْسَ أَمَّارَةٌ بِكُلِّ السَّوْآتِ إِنْ لَمْ تُؤْمِنْ إِطْمِئْنَانًا بِذِكْرِ اللهِ...
يَا أَنْتِ...
يَا مَنْ كُنْتِ وَمَا زِلْتِ وَسَتَبْقَيْنَ وَمَضَ الوَعْيِيْ فِيْ وَعْيِيْ البَاطِنِيِّ, وَهَالَةَ العَرَفَانٍ فِيْ مَطَاوِيْ عَرَفَانِيْ الذّاتِيِّ, وَقِوَامَ وَجْدَانِيْ فِيْ قِوَامَتِهِ, وَنَسِيْجَ ضَمِيْرِيْ فِيْ صَحْوَتِهِ, لأَنَّكِ مِنْ بَدَائِعَ صُنْعِ اللهِ فِيْ التَّكْوِيْنِ, وَبِكِ تَتَجَلَّىْ عَظَمَةُ اللهِ وَوِحْدَانِيَّتِهِ...
يَا أَنْتِ...
يَا مَنْ إِخْتَرْتُكِ قَنَاعَةً إِيْمَانِيَّةً مِنْ بَيْنِهِنَّ جَمِيْعًا, لَيْسَ لأَنَّكِ أَجْمَلَهُنَّ وَأَحْسَنَهُنَّ وَأَفْتَنَهُنَّ وَأَبْهَاهُنَّ وَأَيْنَعَهُنَّ وَأَسْحَرَهُنَّ, بَلْ لأَنَّكِ أَفْضَلَهُنَّ نُضُوْجًا فِيْ الوَعْيِيْ وَالعَرَفَانِ وَأَعْلَمَهُنَّ فِيْ فَلْسَفَةِ المَنْطِقِ وَإِسْتِنْبَاطِ مَا وَجَبَ إِسْتِنْبَاطُهُ مِنْ مَصَادِرِهِ...
يَا أَنْتِ...
يَا مَنْ تَوَّجْتُكِ دُوْنَ غَيْرَكِ فِيْ اللهِ حَبِيْبَتِيْ وَمَعْشُوْقَتِيْ, وَرَفَعْتُكِ لِلْعُلاَ رِفْعَةً وَسُمُوًّا وَقَدَاسَةً وَطَهَارَةً, وَحَمَلْتُكِ عَلَىْ صَهَوَاتِ أَجْنِحَتِيْ الأَثِيْرِيَّةِ وَعَرَجْتُ بِكِ فِيْ بُعْدِ البُعْدِ, وَفَضَّلْتُكِ وَآثَرْتُكِ عَلَىْ كُلِّ حَبِيْبَةٍ وَمَعْشُوْقَةٍ أُخْرَىْ مِنْ مَثِيْلاَتُكِ...
يَا أَنْتِ...
يَا مَنْ حَمَلْتُكِ فِيْ كَيْنُوْنَتِيْ مَاضِيًا وَحَاضِرًا وَمُسْتَقْبَلاً, أَتَحَدَّىْ بِكِ كُلَّ الأَشْيَاءِ, وَمَا تَعِبْتُ اَوْ كَلَلْتُ أَوْ مَلَلْتُ أَوْ أَصَابَنِيْ الوَجَلُ أوَ قَارَبَنِيْ الخَوْفُ...
يَا أَنْتِ...
يَا مَنْ كَتَبْتُكِ فِيْ مَحَارِفِيْ وَكَلِمَاتِيْ وَخَوَاطِرِيْ وَوِجْدَانِيَّاتِيْ نَثْرًا وَشِعْرًا, وَيَا مَنْ صِغْتُ بِكِ كَلِمَاتِيْ وَكِتَابَاتِيْ, وَتَوَّجْتُكِ أَمِيْرَةَ قِصَصِيْ وَرِوَايَاتِيْ, وَيَا مَنْ وَسَمْتُكِ الأَسْرَارَ الدَّفِيْنَةَ فِيْ قَلْسَفَتِيْ وَإِجْتِهَادَاتِيْ...
يَا أَنْتِ...
يَا مَنْ بَارَكْتُ بِكِ مَنْظُوْمَةَ مَحَارِفِ لُغَةَ الضَّادِ وَاللُغَاتِ الأُخْرَىْ وَالأَعْدَادِ وَالأَرْقَامِ, وَبِكِ تَبَارَكَتْ كُلُّ العَنَاصِرَ الهَنْدَسِيَّةَ, بَدْءًا بِالنُّقْطَةِ الإِشْرَاقِيَّةِ, فَتَشْكِيْلُ الخَطِّ بِأَنْوَاعِهِ, فَالمُسَطَّحَاتُ وَالحُجُوْمُ وَالكُتَلُ وَكُلُّ الأَشْيَاءِ...
يَا أَنْتِ...
يَا مَنْ شِئْتُكِ مَنْظُوْمَةَ هَالاَتِ أَطْيَافِ الأَلْوَانِ, المُنْبَثِقُةُ حُزَمًا وَسَيَالاَتَ مِنْ جَوْهَرِ اللَوْنِ الأَبْيَضِ فِيْ قَوْسِ الضَّوْءِ نُوْرُ الله فِيْ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ, مِنْ أَرْدَانَكِ تَشِعُّ كُلَّ سَيَّالاَتَ الأَلْوَانِ مِنْ أَثِيْرِيَّاتِ الأَصْفِرِ فَالأَخْضَرِ فَالأَزْرَقِ فَالبَتَفْسَجِيْ...
يَا أَنْتِ...
يَا مَنْ إِقْتَرَنْتَ بِكِ عَلَىْ بَرَكَةِ الله وَسُنَّةَ الله, وَوِفْقَ شَرَائِعَ اللهِ فِيْ السَمَاوَاتِ وَالأَرْضِ, وَوَفَّيْتُ وَأَخْلَصْتُ فِيْ وَعْدِ وَعْدِيْ وَعَهْدَ عَهْدِيْ وَقَسَمَ قَسَمِيْ, وَحَفِظْتُ الأَمَانَةَ الَّتِيْ حَمَلْتُهَا مِنْ صَاحِبِهَا, وَكُنْتُ مُؤْتَمَنًا عَلَيْهَا بِكِ...
يَا أَنْتِ...
أَبَدًا, لَمْ وَلَنْ وَلاَ رَاوَدَتْنِيْ الخَيَانَةُ لَكِ يَوْمًا, وَلَمْ وَلَنْ وَلاَ تَرَاءَىْ لِيَ فِعْلُ الغَدْرِ فِيْ البُعْدِ الخَيَالِيْ, أَوْ فِيْ عَالَمِ الإِفْتِرَاضِ وَالسَّرَابِ, رُغْمَ كُلِّ الإِغْرَاءَاتِ وَرُغْمَ كُلِّ الإِغْوَاءَاتِ, وَرُغْمَ كُلِّ الإِفْتِتَانِ, وَرُغْمَ كُلِّ التَّتَدَاهِيْ, وَرُغْمَ كُلِِّ التَّكَايُدِ...
يَا أَنْتِ...
جِئْتُكِ اليَوْمَ وَبَعْدَ زَمَنٍ تَرَكْتُهُ لَكِ فُسْحَةً تَتَفَكَّرِيْ, عَلَّكِ تَسْتَيْقِظِيْنَ مِنْ غَفْوَتِكِ وَغَفْلَتِكِ وَغَبَاءَكِ وَجَهْلَكِ وَعِنَادَكِ وَتَعَنُّتَكِ, وَكَمْ كُنْتُ أُحَدِّثُ نَفْسِيْ بِوَمَضِ يَقْظَةِ ضَمِيْرَكِ, وَلَمْحَةِ عَوْدَةِ الحَيَاةَ لِوِجْدَانَكِ, كَيْ تُقْسِطِيْ عَدَالَةً فِيْ أَمْرُكِ الظَّالِمِ لِيْ, وَفِعْلَكِ الجَائِرِ بِيْ, وَلُصُوْصِيَّتُكِ الَّتِيْ مَارَسْتِيْهَا فِيْ سَلْبِيْ كُلَّ حُقُوْقِيْ فِيْ خُصُوْصِيَّاتِيْ وَإِبْدَاعَاتِيْ وَإِبْتِكَارَاتِيْ, وَلَكِنْ لاَ حَيَاةَ لِمَنْ يُنَادِيْ عِنْدَ صَمْتِ حِجَارَةِ وَتُرَابِ القُبُوْرِ عَلَىْ بَقَايَا رُفَاتِ الأَمْوَاتِ الَّتِيْ إِقْتَاتَتْ بِهَا الدِّيْدَانُ وَمَاتَتْ فِيْ جَوْفِ القُبُوْرِ بَقَايَا الدِّيْدَانِ, لِذَلِكَ جِئْتُكِ أُقَاضِيْكِ مِنْ عَلَىْ مِنَصَّةِ القَضَاءِ القَدَرِيِّ الَّذِيْ لاَ يَطْلُمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ, عِنْدَ مِيْزَانِ العَدَالَةِ الزَمَنِيِّ, لَمْ وَلَنْ وَلاَ أَشْتُمُكِ أَوْ أَلْعَنَكِ أَوْ أَسُبَّكِ, لأَنَّنِيْ مُتَمَسِّكٌ بِحَبْلِ الله وَتَقْوَىْ الله وَرِضَا الله, جِئْتُ رَافِعًا أَكُفِّيْ لِلْسَّمَاءِ, أَمُدُّ ذِرَاعَيَّ لِرَبِّ العًلاَ, ضَارِعًا مُتَضَرِّعًا, مُسْتَغِيْثًا مُتَهَجِّدًا, خَاشِعًا قَانِتًا, هَاجِعًا فَوْقَ سِجَّادَةِ صَلاَتيِ, مُضَّجِعًا عِنْدَ عِبَادَاتِيْ لِلَّهِ, أُصَلِّيْ قِيَامًا وَرُكُوْعًا وَسُجُوْدًا وَتَسْلِيْمًا, فَجْرًا وَظُهْرًا وَعَصْرُ وَغُرُوْبًا وعَشَاءُا, أُقَدِّمُ شَكْوَايَ لِلَّهِ مَعْ كُلِ صَبَاحٍ وَمَسَاءٍ, وَمَعْ كُلِّ شُرُوْقِ شَمْسٍ وَغُرُوْبِها, وَاضِعًا مَظْلُوْمِيَّاتِيْ عَلَىْ يَدَيْكِ فِيْ عُهْدَةِ الله, مُوَكِّلاً بِكِ الله وَقَضَاءَ اللهِ وَعَدَالَةِ اللهْ, وَمَنْ غَيْرِ اللَّهِ يُنْصِفُنِيْ مِنْكِ؟؟؟...