إن ضرورة الخروج من مقررات نتائج الحرب العالمية الثانية ب 1+5 وفق التغيير الحاصل في السياسة الدولية يقابل بترحيب أمريكي ورفض روسي -صيني ..و هو ما يفسر التضييق على موسكو في عديد المناطق ، وإن كانت مواقع النفوذ ألمجالي لها. مما يحول الصراع الدولي إلى صراع جيو سياسي لأول مرة منذ الحرب الباردة، بدءا من إسقاط نظام القذافي الذي تدخل في مناطق عدة داخل المحيط الأفريقي بخاصة، وقد اعتبر ذلك نقطة تحول في الشمال الأفريقي نحو مناطق قريبة في الجوار التونسي والمصري ، مرورا إلى برمجة الصراع داخل سوريا ، فانتقال الوضع إلى أوكرانيا ما على الحدود الروسية وفنزويلا في أمريكا اللاتينية. واحتمال انتقاله إلى بلاروسيا وكوبا وسريلانكا امتدادا إلي طهران وأنقرة وبكين في مراحل قادمة ،هو ما يخدم بقاء النظام العالمي الأحادي بزعامة الولايات المتحدة، ويكرس تقدم أوروبي نحو أوروبا الشرقية معقل معسكر حلف وارسو سابقا ، وذلك تقدم سريع و مهم من وجهة نظر الأوروبين لاستكمال حلقات الوحدة الأوروبية التي قد تعمل على انجاح التصديق على دستور موحد لعموم أوروبا. ويدعم الوضع الإسرائيلي المتقدم في الشرق الأوسط. وهو ما قد يؤدي إلى وصول برنامج الاحتجاجات إلى المناطق السالفة الذكر. هذا الوضع المخلخل لأوراق الممانعة الدولية في مواقعها بآسيا و أفريقيا وأوروبا الشرقية و أمريكا اللاتينية يعمل على تقدير سابق لاستراتيجية صادرة من البنتاغون التي يدعمها الحزب الديمقراطي بقيادة أوباما وكان قد بدء الاشتغال عليها سلفه بوش عقب أحداث 11 سبتنبر . فخدمة المصالح الأمريكية التي تتخللها مصالح أوروبية و إسرائيلية تقابل بامتناع سياسي وعسكري روسي-صيني .غير أن ورقة حلف "بريكس" لا تتجاوز عنوانها كهيئة اقتصادية نامية ينافسها الاقتصاد الألماني والانجليزي والفرنسي أوروبيا، و الاقتصاد الياباني و الاندونسي آسيويا ،وهو التضييق الذي يلاحظ على محاولات تقدم الشركات الصينية في غرب أفريقيا بإدارة من الرباط ودول مجلس التعاون الخليجي لإن الوضع الأنجلوسكسوني المتقدم في الشرق الأوسط مركز موارد الطاقة التقليدية هو ما يعطي لأمريكا و أوروبا تأثيرا مباشرا على الاقتصاد الروسي -الصيني . فالاحتياط النقذي الصيني من الدولار الأمريكي قد ينهار بأي أزمة أقتصادية تطال الولايات المتحدة الأمريكية وكذلك أوروبا، وعليه فإن جدلية الدولار و الأورو لها تأثير مباشر على الاقتصاد الروسي. حيث هدد البيت الأبيض بسحب الاستثمارات الأمريكية من روسيا وتجميد أموال مسؤولين روسيين و هو ما تشتغل عليه دوائر لندن كذلك. غير أن ذلك يؤكد أن الاقتصاد العالمي مسألة مرتبطة بشبكة الأسواق رغم ما تنتجه السياسة من لا تقاطعات . وهو ما لوحظ في الأزمة العالمية سنة 1929 التي أعقبت الحرب العالمية الأولى والتي تشبهها الآن عودة الحرب الباردة في أقصى تجلياتها.لذلك إن تحول دراسة الأسواق إلى أولوية استخبارية هو بعد يغديه الصراع الاقتصادي واشتداد التنافس على الموارد الطبيعية و مراكز الأسواق ، وهو ما يعطي أهمية كبيرة وإمكانيات أكبر لأنماط الإنفاق العسكري و أبحاث الفضاء وضخامة الانتاجية.. و ارتباط ذلك بصراع الأسواق. فالصراع الدولي في بعده الجيو سياسي يطور الذكاء الاستراتيجي ويخدم الأبعاد العسكرية اللامتقاطعة الشيء الذي يفيد وضع اللاسلم واللاحرب .لأن حرب كبرى لن تفيد المجموعة الدولية ،غير أن صعود أقطاب متعددة تقود العالم هو بمثابة إعادة لتقسيم الأدوار ومواقع النفوذ ورسم لخرائط جديدة.. . فالعالم تغير كثيرا بعد الحرب العالمية الثانية، ومجيء الحرب الباردة. وهو شرط يخدم الصراع الدولي نحو عالم متعدد الأقطاب، فالخارجية الأمريكية سواء كانت ديمقراطية أو جمهورية تعرف حدود المراحل بناء على تقديرات جديدة صادرة من استخبارات البنتاغون قد لا تكون مرتبطة بالتغييرات في العالم العربي، وقد تكون مرتبطة بتقدم تكتلات اقتصادية تنافس بوتيرة سريعة في عمق المراحل القادمة . تسعى لتشكيل عالم جديد بدأت ملامحه بالظهور و أن كانت رؤيته ضبابية وغير واضحة. وإن كان واضحا أن النظام العالمي الجديد مقبل على رسم خرائط جديدة تعيد تشكيل العالم.
نزار القريشي
صحافي مغربي