لك الخيار

هل كان لا بد أن تختفي من جديد في هذا الوقت الذي بدأت أعي فيه أنك هنا ، تحومين من حولي وتتمثلين لي في كل ما يحيط بي من شجر ونهر وكهف ومنبع وصخرة ؟
كنت قد بدأت أنصت إلى ترنيمة شجية تنبئني بقربك مني منذ بزغ الفجر وأنا على ضفة الغدير أنعش قدمي بمائه البارد .
وتجلى لي وجهك مع طلوع النهار هناك في الأفق الغافي .. فما شعرت إلا وأنا أنهض كالنائم ميمما وجهي شطر ذاك الأفق المتورد شيئا فشيئا ..
ومع بزوغ أول شعاع من الشمس واكتساب السماء زرقتها المعتادة تذكرت صفاء بشرتك وبهاء عينيك اللتين طالما تمنيت أن أسبح في أعماق بحرهما إلى غير رجعة . ثم وجدت نفسي أذرع الحقول منتشيا بملامسة سنابل القمح الصفراء البهيجة كأنها جدائل شعرك الأشقر تلامس وجهي وتحجب عني رؤية الطريق .
هل طاوعك قلبك على الهروب رغم ولعه بكلماتي التي طالما انتشت بها روحك كما انتشى بها قلبك ؟
أيكون هروبك واختفاؤك مجرد نزوة أم اختبارا لمدى قدرتي على فراقك من جديد ، ولم لا ، تعودي على ذلك ؟ ..
ألا فاعلمي أنني تعودت عليك مذ بزغ نجمك في سماء حياتي ، وأدمنت عليك حين صارت كلماتي تتهافت على خاطرتي وحرفي يندفع متلهفا لمعانقة كل حرف من اسمك الرباعي الأبعاد .
لن أعاتبك إن اختفيت إلى الأبد كما يأفل نجم فقد بريقه.. ولن ألومك إن اختار قلبك الانسحاب قبل الأوان . سألملم أوراق خريفي المتساقطة وأصيغها كلمات من جديد ، وسأشكلها لترسم لي خريفا جديدا ، أبهى وأجمل .
اذهبي وانسحبي من حياتي واختفي من سمائي إن كان هذا يروق لك أو ابقي إن شئت .. فلك الخيار .. أما أنا فقد اخترت أن أنصهر مع أحلامي إلى أجل غير مسمى ، ربما لأستفيق يوما ما وأجد خريفي الجميل قد عاد من جديد بأشهى الأخبار .