متاهات

بقلم: حسين أحمد سليم

أبحثُ عنِ المجهولِ في كينونتي ليلَ نهار,
أبحثُ في خفايا نفسي ما إختبأ منَ الأسرارْ,
أبحثُ عنْ سِرَّ وجودي المخبوءِ خلفَ السِّتارْ,
أتوجّسُ خيفة ذاتي مِمّا تُخبّيءُ ليَ الأقدارْ,
تُخاطرني في البعد هالاتُ سيّالاتٍ منَ الأفكارْ,
تتراءى لي تجلّياتُ الفراديسِ و ما فيها من اللينوفارْ,
جنائنُ و عيونٌ و عصافيرُ و حمائمُ و مختلفُ الأطيارْ,
و سندسٌ و أغصانٌ غضّةٌ و ارفةٌ و تشكيلُ أشجارْ,
و ورودٌ يانعةٌ من كلّ الأنواعِ و مساكبُ من الأزهارْ,
كيفما يمّمتُ وجهي ثمّةَ تتدلّى من الأغصانِ الأثمارْ,
يغرورِقُ تفكّري خشوعًا لله في علاه العزيزُ الجبّارْ,
و تجتاحني من حيثُ لا أدري أمواجَ من الأفكارْ,
كأنّها سيّالاتٌ من خيوطٍ ذهبيّةٍ من شمسِ النّهارْ,
أستجدي القوّةَ من الضّعفِ و أمتشقُ السّيفَ البتّارْ,
لستُ ألهو بين الجدِّ و اللعبِ أحزمُ أمري و أختارْ,
فالنّفسُ بالسّوآتِ أمّارةً تحتجبُ خلفَ الأستارْ,
تنفخُ في جمرها خِلسةً حتّى تتّقدُ الجمارْ,
و تنتفضُ من هدأتها تتلظّى لهبًا و تتأجّجُ النّارْ,
تشتعِلُ كُلّ الأشياءِ من حولي و مياه البحارْ,
و تُفتقدُ المياهُ على حينِ غفلةٍ في مجاري الأنهارْ,
و تعصِفُ الرّياحُ العاتيّة من كلّ خافقٍ و يتعاظمُ الإعصارْ,
و تُحتجبُ الأشياءُ من وطيسِ السّاحِ ويكسوها الغبارْ,
و تُزهلُ كُلّ الأشياءِ و تعُمَّ الفوضى كُلّ الدّيارْ,
هنا غبارٌ و هناكَ دخانٌ و لهاهنالكَ تحترِقُ القفارْ,
إلى المجهولِ نحزمُ الأمرَ و نتأبّطُ حركة الفعلِ قرارْ,
كُلُّ الأصواتِ سكنتْ في الحناجرِ و أسدِلَ عليها السّتارْ,
و لمْ أعُدْ أسمعُ غير صهيلِ الخيولِ خلف عواصِفِ الغبارْ,
و جعجعةَ شياطينٍ و قرقعةَ سيوفٍ و نهيقَ حمارْ,
لستُ أنسى نِدرَ الخضرِ و إن إمتدّ بي للخضرِ المسارْ,
لا همّ عندي إنِ إعتليتُ صهوةَ حِصانٍ أو ركبتُ حِمارْ,
فالغاياتُ تُبرِّرُ الوسائلَ في هذا الزّمنِ الكافرِ القهّارْ...