الخضر (ع) و حركة الإصلاح الإجتماعي

حسين أحمد سليم

قراءة الآيات القرآنيّة بتفكّر مُعمّق, و وعي و عرفان و علم, هو المدخل الصّحيح و القويم لفهم الحقائق و جلاء أسرارها في سياقات السّور القرآنيّة المباركة... و ولوج آيات سورة الكهف في كتاب الله تعالى على هذه القاعدة من الوعي و العرفان و التّفسير و التّأويل المنطقي, هو المدخل الصّحيح لحركة فهم حقائق الحياة النّموذجيّة, حيث تتجلّى واضحة من خلال ما تكتنز به كهوف و أسرار الآيات، التي إختلف فيها عِلم الأرض الجليّ في معالم الظّاهر عن علم السّماء المكنون بأسرار و حجب الباطن...
حركة فعل الإبحار في ظاهر الآيات وصولا لباطنها بالتّفكّر و التّحليل العقلي المتّزن, يكشف للعاقل عمليّة التّباين بين علم الأرض المبنيّ على قراءة الظّواهر للأشياء و الأفعال, و علم السّماء المبني على سبر خصائص و أسرار الأشياء و النّتائج, بحيث يظهر جليًّا ما تقدّمنا به, و واضحا في رحلة العبد الصّالح الموسوم بالخضِر (ع) مع النّبي موسى (ع) حيث كان الخضر (ع) رمزًا لعِلم السّماء الذي كان مكشوفا للخضر (ع)، و النّبي موسى (ع) الذي كان رمزًا لعلم الأرض المبني على ظواهر الأشياء...
نستطيع من خلال قراءتنا للآيات القرآنيّة في سورة الكهف, التي تروي لنا قصّة العبد الصّالح الخضر (ع) و لقائه بالنّبي موسى (ع), بحيث نستنتج جملة المشاهد في ثنايا القصّة القرآنيّة و التي تتلخّص بعناوين رئيسيّة ثلاثيّة هي: السّفينة و الغلام و الجدار، و قد جاء العبد الصّالح الخضر (ع) بأمر الله تعالى, ليكشف الحقائق و جلائها و هو ينطلق في سبر حركة الحياة في المجتمعات، كاشفا عن خفاياها و فاضحا أسرار ما يعتورها من إنحرافات و مظالم, و معه النّبي موسى (ع) يرى و يراقب و يشاهد، و يبني على الظّواهر, فكان يستغرب و يستهجن و يعترض و يعاتِب، و لا يستطيع مع أفعال العبد الصّالح الخضر (ع) صبرًا، بل كان (ع) يعترض وَفْقًا للعلم الظّاهر الذي يحمل كنبي مرسل لقومه, خفِي عليه العلم الباطن الذي شاءه الله تعالى للعبد الصّالح الخضر (ع)، و تتجلّى رحمة الله بما أرسل به الله سبحانه العبد الصّالح الخضر (ع) للنّبي موسى (ع), و ما هي إلاّ معجزات مكنونة الأسرار ليكشف له عن أسرار و كهوف و خفايا الحياة، و ما ينطوي فيها من خفايا أسرار الأسرار و طوياها الدّفينة، لا يعرفها إلاّ من لا تدركه الأبصار سبحانه و تعالى...
المعجزة الأولى التي بهرت النّي موسى (ع) و أثارته مستغربا و معترضا, هو حادث خرق السّفينة في الظّاهر الفعلي من قبل الخضر (ع), بحيث كشف حادث خرق السّفينة عن نموذج مثال لفساد الملِك أو الحاكم ليس فقط في ذلك الزّمن، بل في كلّ حقب التّاريخ... و في المعجزة الثّانية للخضر (ع) أمام النّبي موسى (ع), كشف حادثُ قتل الغلام عن حركة فساد النَّشء أو الأسرة في المجتمع الذي لا يلتزم قوانين السّماء... لتأتي المعجزة الثّالثة على يديّ الخضر (ع)، و تميط اللثام عن السّرّ الدّفين للجدار, بحيث كشف حادث الجدارِ عن فساد المجتمع ككلّ أو إنحراف الرّعية عن مسارات الإستقامة التي أمر بها الله تعالى...
و بناء لما تقدّم مستنبطا و مُفسّرا من حقائق قصّة الآيات القرآنيّة في سورة الكهف فيما يخصّ قصّة العبد الصّالح الخضر (ع) و لقائه النّبي موسى (ع), بحيث نستطيع أن نختصر القصّة, بثلاثيّة ترميزيّة متكاملة هي: السّفينة و الغلام و الجدار, بحيث كانت رموزًا إكتنزت بها الآيات القرآنيّة, دلالة على فساد و خلل و إنحراف عمَّ المجتمع و طمَّ أفعاله... فكان العبد الصّالح الخضر (ع) رجمة سمائيّة شاءها الله تعالى، ليُصلح هذا الفساد في المجتمع و أيّ مجتمع آخر على شاكلته، بحيث إذا تعمّقنا في سياقات الرّوايات التّاريخيّة للمجتمعات السّالفة, نستطيع أن نستقريء ما كان قد تعوُّدوا عليه أهل الأرض في تلك المجتمعات و حسبوا أنّه وضعٌ طبيعي، فألِفوه و تآلفوا معه و تفاعلوا مع حركات أفهال تلك الحياة القاهرة دون أن ينبثوا بكلمة رافضة أو يحرِّكوا ساكنًا في وجه الحاكم المنحرف الفاسد, و هو ما نعيشه اليوم في شتّى بقاع الأرض, سيّما ما حلّ بفلسطيننا المغتصبة من زمر الصّهاينة, و ما يسود وطننا العربيّ من فساد و إنحراف لبعض الحكّام الذين نصّبوا أنفسهم قادة للنّاس و هم لا صلاح لهم ما لم يُصلحوا أنفسهم بداية...
فالسّفينة كانت لقوم فقراء ضعفاء شرفاء، يكدّون ليلا و نهارا بالعمل في البحر ليُحصّلوا قوتهم و قوت أشقّائهم الذين لا يستطيعون على العمل بسبب عاهاتهم... و كذلك الغلام الكافر الفاسد المنحرف الذي سيرهق أبواه, الذين كانا من الأتقياء و من أولئك الضّعفاء الفقراء الشّرفاء، الذين سيصطدمون يومًا مُقدّرا مع عُتاة من الجبّارين أقوياء مستكبرين، هم أولئك الذين يُشكّلون مجتمع بيئة أهل القرية البخلاء الذين رفضوا إقراء ضيوفهم, العبد الصّالح الخضر (ع) و رفيقه النّبي موسى (ع)...
و بالعودة إلى تفسير سياقات الآيات القرآنيّة في سورة الكهف و الخاصّة بقصّة العبد الصّالح الخضر (ع) و النّبي موسى (ع), يتبيّن لنا أنّ الغلام الذي قتله الخضِر (ع) كان يحمل في طبيعته خُبثَ فئةِ الظّالمين الأقوياء, المستكبرين في الأرض، كحال ذلك الملك الظّالم: الرّمز الأكبر لكلّ جبّار عنيد مستكبر و كافر... فكانت الثّلاثيّة إصطدامًا بين فئتين: فئة ضعيفة مسكينة، و فئة قويّة متجبِّرة، و جاء العبد الصّالح الخضر (ع) رحمة من الله تعالى, ليكشف سرّ الله إلى الأرض بضرورة عدم السّكوت على كلّ ظالم مستكبر و متسلّط قاهر بغير حقّ، و الضّرب بيد من حديد على كلّ متكبّر و ظالم جبّار, و الثّورة على كلّ حاكم و حكم لا يعمل بما أمر الله و أتى به الأنبياء و الخلفاء و الأئمّة و الصّالحين من العباد...
و نحن نستقريء الآيات القرآنيّة المباركة يُمكننا أن نستجلي أهمّ دعائم قيام صروح المجتمعات هو: إنّ معالم الإصلاح الإجتماعي في حياة البشر, و الذي قدَّمه لنا العبد الصّالح الخضر (ع)، هو مشيئة الخالق عدالة و رحمة في خلقه, و هو مراد حكمة الله في الأرض، و هو ما قد ختم القرآن القصّة بها, و أوضح الهدف النّهائي في أنّ كلّ شيء, قام به العبد الصّالح الخضر (ع) برفقة النّبي موسى (ع), كان جرى و تمَّ بمراد الله و مشيئته و وحيه للعبد الصّالح الخضر (ع)...
و نحن نشرف على الإنتهاء من حركة فعل الإستقراء لقصّة العبد الصّالح الخضر (ع) و لقائه بالنّبي موسى (ع) عند مجمع البحرين, نستطيع أن نؤكّد على بعض الوسائل الهامّة التي يُمكن أن تساعد على قيام و نجاح أيّ مشروع إصلاحي إجتماعي...
فالهدف المنشود من الإصلاح الإجتماعي, يجب أن يكون مشروعًا أوّلاً, قبل اللجوء إلى حركة فعل حسن التّدبير و فعاليّة حسن السّياسة النّافعة التي تُعنى بشؤون النّاس, و إن بإعتماد فنون الحيلة أو إستعمال مطاوي الدّهاء أو اللجوء إلى فعل الكيد، و الكيد هو التّدبير في السّرّ و الخفاءٍ، و نعرف بما أتانا في القرآن الكريم على لسان سيّد الأنبياء و المرسلين (ص) إنّ كيد الشّيطان ضعيفا, و كيد الله فوق كل كيد...
و ما كان كيد العبد الصّالح الخضر (ع) و تدبيره الخفيّ إعتمادا على ما أتاه وحيا من الله تعالى, و إستخدامه الحيلة في عمليّة خرق السّفينة ليجعل فيها عيبا ما, إلاّ ليفرَّ هؤلاء النّفر الأخوة المساكين الفقراء, الذين يعملون في البحر من ذلك الملِك الجبّار المُتسلّط و المستكبر, الذي كان يُمارس الحكم ظلما و يأخذ كلّ سفينة غصبًا عن أصحابها...
و من يتأمّل بتفكّر و عمق و هدوء, يعرف بأنّ هذا الكيد الذي تمّ تنفيذه, و الذي هو من تدبير الله في مُجمل القّصة كلِّها, مشابهًا لمرحلة مبكّرة في قصّة النّبي موسى (ع) في أيّام طفولته، و الذي غفل عن إدراك المغزى بطبيعته البشريّة مع العبد الصّالح الخضر (ع) عندما قام بخرق السّفينة...
ففي مرحلة الطّفولة من عمر النّبي موسى (ع) لجأت أمّه إلى فعل الكيد و إستعمال حركة التّدبير بوحي من الله, بحيث قذفته في التّابوت في اليمّ ليأخذه و يلقيه بالسّاحل ليأخذه عدوّ الله و عدوّه و يلقي الله سبحانه عليه محبّته و يُصنع تحت رقابته و عينيه...
الوضع الذي ساق النّبي موسى (ع) للتّعلّم من العبد الصّالح الخضر (ع) و ركوبه البحر في السّفينة, مشابه تماما و النّبي موسى (ع) و هو طفل, حيث كان في عرض البحر ضعيفًا كهؤلاء المساكين الذين يعملون في البحر، و قد ألقته أمّه كيدًا في البحر خوفًا من الفرعون الظالم، و كذلك قام العبد الصّالح الخضر (ع) بخرق السّفينة لينجو المساكين من الملك الظّالم، و كلّ ذلك كان يجري و يحدث بكيد من لدن الله، و علم من ذات الله، و تقدير من حكمة الله... و حتّى يشرح العبد الصّالح الخضر (ع) للنّبي موسى (ع) في سياقات القصّة الثّلاثيّة المعجزات, الفرق الشّاسع بين علم الأرض الظّاهر و علم الكون الباطن الدّفين و المكتنز بالأسرار المحجوبة عن الأبصار...
و الخلاصة, ما هي إلاّ الأسباب الظّاهرة المُقدّرة للغاية المضمرة في الباطن، و السّتار الذي تراه العيون البصيرة لليد السّحريّة, التي لا تراها الأنظار و لا تدركها الأبصار، إنّما تتحسّسها البصائر في العقول المُتفكّرة, هي يدُ الله تعالى المدبِّر المهيمن العزيز الجبّار القويّ الغفّار...
و بالإنتقال إلى القصّة الثّانية للعبد الصّالح الخضر (ع) مع النّبي موسى (ع), تنجلي فيها أفعال المفسدة لذلك الغلام, الذي كان أبواه مؤمنين فخشينا أن يُرهقهما طغيانا و كفرا... تلك حكمة الله تعالى التي فسّرها العبد الصّالح الخضر (ع) بأنّ الله سيعوّض الأبوين ولدًا آخر خيرا منه زكاة و قرب رحما...
و في هذا الوضع المشابه لوضع النّبي موسى (ع) عندما دخل مدينة في مصر غفلة من أهلها, و سارت القصّة و إنتهت بقتل النّبي موسى (ع) و احدًا من أهل مصر، ليأتي النّاصح الأمين, الذي يطلب من النّبي موسى (ع) الخروج من مصر, لأنّ الملأ يأتمرون على قتله, و خرج النّبي موسى (ع), ليبدأ مرحلة جديدة في حياته في أهل مدين، و عوَّضه الله خيرًا على خير في المكان الجديد الذي أقام فيه، و أنعم الله عليه فى زمن آخر جديد أفضل...
إنّ النّبي موسى (ع) لم يستطع صبرًا أمام حادثة قتل الغلام من قبل العبد الصّالح الخضر (ع)، لأنّه ببساطة و حسب العلم الظّاهر, فإنّ العبد الصّالح الخضر (ع) قتلَ نفسًا زكيّة بغير نفس، و لكن في العلم الباطن فإنّ في رؤى العبد الصّالح الخضر (ع) أنّ هناك تدبيرًا خفيًّا من الله سبحانه و تعالى، و درء المفسدة المتمثّلة في كفر الغلام و إنحرافه, و ما هو إلاّ إصلاحٌ إجتماعيّ لحال الأبوين... و في هذه الحالة تبرز الحقيقة مجلوّة بعد هذا الفعل الظّاهر, الذي هو فوق مستوى التفكّر الإعتيادي, و الذي لا يفهمه البشر في صورة خفيّة أخرى, كتعويض إلهي بغلام آخر صالح و مؤمن, يخفض لأبويه جناح الذّلّ من الرّحمة, و تحقيقا تربويا و إجتماعيا أبعد لحركة فاعلة في تغيّر حال النّشء و الأسرة فيما يعقب, بتدبير من الله تعال وفق ما هو مطلوب لإستمرار المجتمع كما أمر و يأمر الله, تنفيذا لما أتى به الرّسل و الأنبياء...
و بالإنتقال إلى رحاب المعجزة الثّالثة و التي تُعنى في حركة الإصلاح الإجتماعي، و خلاصتها أنّ العمل الصّالح لا يذهب و لا يضيع، ففي القرية التي إستطعم النّبي موسى (ع) و العبد الصّالح الخضِرُ (ع) أهلَها, و أبوا أن يضيفوهما, كان الإثنان بمثابة غريبين دخلا إلى قرية، و هما في حالة جوع شديد، و أبسط الأشياء أنَّ القوم يتمثّلون الكرم في أنفسهم و طبيعتهم، إذا دخل غريب القرية أطعموه و لو لم يكن جائعًا، أو على الأقل عرَضوا عليه الطّعام، فإذا كان جائعًا وجب عليهم إطعامه، و لكنّ أهل هذه القرية التي دخلها النّبي موسى (ع) و العبد الصّالح الخضر (ع) قابلوهما بلُؤْم و نَذالة... ذلك أنّ النّبي موسى (ع) و العبد الصّالح الخضر (ع) كانا جائعين و غريبين طلبا الطّعام من أهل القرية، و لو لُقمة تقيم أَوْدَهما، و تسكِت جوعهما، فرفضوا و أبوا أن يطعموهما حتّى اللُّقمة الصّغيرة...
و بينما كانا يتجوّلان في القرية, إذا بالعبد الصّالح الخضر (ع) يجد جدارًا متهدّمًا في القرية, فيبنيه و يجمِّله و يجدّده، و هنا ثارة ثائرة النّبي موسى (ع) و لم يُطِقْ صبرًا، قائلا للعبد الصّالح الخضر (ع): هؤلاء النّاس رفضوا إعطاءنا لقمة و نحن جائعان، و أنت تقوم بهذا العمل لهم مجّانًا تقدّم لهم خدمة، تبني لهم جدارًا متهدّمًا جزاءً على هذا اللؤم، و هذه النّذالة... و هنا تأتي الحقيقة المستورة في العلم الباطن, لتبيّن للنّبي موسى (ع) الحكمة في بناء الجدار, فهذا الجدار لم يكن خيرًا لأهل القرية الذين تخلَّوْا عن مبادئ الشّهامة، بل كان خيرًا لأبناء رجل صالح يُخشى عليهم من أهل القرية الذين لا يرعَوْن عهدًا و لا يصدقون وعدا، و لا يطعمون جائعًا... و لأنّ أهل القرية يفعلون ذلك, لا يطعمون الجائع، و لا ينفقون شيئًا في سبيل الله، فقد منع الله سبحانه و تعالى عنهم الخير، و أبقاه لأولاد رجل كان صالحًا و توفّاه الله, ذلك أنّ العمل الصّالح للأبِ يبقى لأولاده في الدّنيا و ينفعهم...
إذا تأمّلنا تفكّرا ببعض تفاصيل حياة النّبي موسى (ع) السّابقة, يتبيّن لنا موقفٌ مشابهٌ قدّم فيه عمل الخير، و جلَب المصلحة للنّاس، و لم يفكّر في الأجر الذي عاتب عليه العبد الصّالح الخضر (ع) عندما بنى الجدار و لم يتّخذ عليه أجرًا، لقد رفع النّبي موسى (ع) و كان معروفًا بالقوّة و المنَعة, الحجَرَ عن بئر مدين، و سقى الغنم لإبنتي العبد الصّالح النّبي شعيب (ع)...
و إتّضح فيما بعد من سياقات الآيات القرآنيّة في قصّة النّبي موسى (ع) و النّبي شعيب (ع), أنَّ في عمل الخير العميم للنّبي موسى (ع), حيث تقاضى أجره الذي لم يطلبه من تقرير كلام النّبي شعيب (ع) بالزّواج من إحدى إبنتيه على أن يأجره ثماني حججٍ، فسبحان الله مقدِّر الأقدار، و عالم ما تنطوي عليه الأنفس من الأسرار...
و ما نحن كبشر و مخلوقات عاقلة من بداع صنع الله تعالى, إلاّ كالواقفين وراء الحجب و الأستار، لا يُكشف لنا عمّا وراءها من الخفايا و الأسرار إلاّ بمقدار ممّا الله شاء، و كأنَّنا في هدأتنا بعد معرفتنا لمثل هذه القصص القرآنيّة, إلاّ أن نُردِّد ما قاله النّبي المختار (ص): لو صبَر أخي موسى....لو صبر لعلّمنا الكثير ممّا تُخفيه كهوف الحياة و أسرارها و التي تحجب و تواري الحقائق عنّا و عن علمنا الظّاهر...
و خلاصة ما تعلّمناه من قصّة العبد الصّالح الخضر (ع) و لقائه النّبي موسى ع): أنّ على الإنسان ألاّ يأخذه الغرور فيما يعلم و لا يغترَّ بظواهر الأشياء، و أن يعلم أنّ هناك حقائق مخفيّة شاءها الله لحكمة و تدبير، و ليعلم كلّ إنسان أنَّ كلَّ قدر قد يقع عليه, ليس له فيه إختيار, فيه حكمة جليلة من رحمة الله...
و الحكمة في التّقديرات الإلهيّة, ليست دائمًا ظاهرة للعيان من بني البشر و هم الضّعفاء و الفقراء لله تعالى... و لقد حاول العبد الصّالح، الخضر (ع) القيام بالإصلاح السّياسي و الإجتماعي و الإنساني, وَفْقَ علم الله وتقديره, حسب ما ورد على لسانه في سياق القصّة: و ما فعلته عن أمري....
و ما قام به العبد الصّالح الخضر (ع), ما هو إلاّ قانون سماوي لإرساء قواعد ثورة لا تبقي و لا تذر على الفساد الخلقي و الإنحراف السّياسي في المجتمع و رفض للحاكم المستكبر الظّالم و حرب لا هوادة فيها على كلّ معتد زنيم أثيم و محتلّ غادر لئيم...