نظرة دونية للعلويين.. وراء التكتيتك العسكري الإيراني في سورية!

راني جابر – أورينت نت


من حرب الخليج إلى سورية: أمواج البشر في التكتيك العسكري الإيراني!

عشرات الجثث للجيش النظامي والمليشيات الشيعية تناثرت في ساحات المعارك الأخيرة في حلب وحوران، في إحدى أعظم معارك الثورة السورية حتى الآن .
جوازات سفر إلى الجنة هو ما يعثر عليه الثوار السوريون لدى قتلى عناصر الميليشيات الشيعية، الذين لم يعودوا يحملون (مفاتيح بلاستيكية للجنة) كتلك التي أعطاها الخميني لميليشياته خلال حرب الخليج الأولى ضد العراق بل استبدلوها بجوازات السفر إلى الجنة تلك.

 تكتيك الأمواج البشرية القاتل!
خرج الإيرانيون من حرب الخليج الاولى بهزيمة نكراء، جاءت بعد ثمانية سنوات من القتال ومليون ونصف قتيل، ومما يعرف عن تلك الحرب هو استخدام الإيرانيين لتكتيك قتالي يدعى الأمواج البشرية، يقتضي ذلك التكتيك الهجوم بحشد غفير من المشاة الذين (يركضون باتجاه خطوط العدو) حيث يفترض أن الكثرة العددية سوف تساعد على التفوق على القوى المدافعة وأسلحتها وإحداث خرق في خطوط دفاعها .

فخلال الهجوم يُستنزف الطرف المدافع من كل النواحي سواء الأسلحة والذخيرة أو الاجهاد النفسي والبدني للعناصر، وحتى كشف نقاطه الدفاعية وأسلحته وتطهير حقول الألغام بتفجيرها عبر الدوس عليها، وعادة لا يوجد اهتمام بالخسائر البشرية لهكذا هجمات حتى لو أبيدت القوة التي تنفذ الهجوم بشكل كامل، ولو تطلب الأمر تكراره أكثر من مرة، وغالبا ما كان العناصر يركضون في مناطق مفتوحة مكشوفين تماماً لكل أنواع الأسلحة... وهذا التكتيك كان أحد أسباب الخسائر البشرية للإيرانيين في الحرب فقد تبلغ خسائرهم في الهجمة الواحدة مئات إلى آلاف من القتلى!

 تنظيف الألغام بالبشر!!
عادة ما استخدم الايرانيون في تكتيكهم هذا العناصر الثانوية لقواتهم من الوحدات شبه العسكرية (الباسيج) والمدنيين وحتى العجائز والأطفال بعمر تسع سنوات، وغالباً ما يمهد هذا التكتيك للهجمات الأساسية للقوى العسكرية النظامية المسلحة جيداً بعد أن يكون الطرف المدافع قد أنهك أو تنجح الهجمة نفسها في اختراق خطوط الدفاع.

يوحي هذا التصرف بالاستهتار الكبير من القيادة الايرانية بحياة جنودها خلال تلك الحرب لحد الزج بهم لتنظيف حقول الألغام تمهيداً لهجوم الدبابات بتلك الطريقة (تذكر بعض الروايات عن استخدام النظام السوري لهذا التكتيك خلال حربه في لبنان حيث دفع المشاة للتقدم قبل الدبابات في حقول الألغام بهدف تطهير الطريق لها بتفجير الألغام تحت أقدام الجنود).

 خزان بشري "تابع" من غير الإيرانيين!!
سبعة وعشرون عاماً مرت منذ هزيمة إيران في تلك الحرب، وقد تكون أقسى خسارة للإيرانيين هي خسارتهم البشرية، ففي حرب الخليج الأولى كانت إيران دولة منفردة بالكاد تسيطر على حدودها، أما الآن فالنطاق الجغرافي والديموغرافي الذي تسيطر عليه إيران بشكل عقائدي يعتبر واسعاً جداً ويمتد من افغانستان وصولاً إلى سواحل البحر المتوسط وحالياً اضيف إليه اليمن بسيطرة الحوثيين على قسم منه.

هذا النطاق الواسع أعطى الايرانيين ميزة مهمة في استراتيجيتهم وحربهم سواء في سوريا وغيرها، ألا وهي وجود خزان بشري كبير من التابعين للمشروع الايراني (من غير الإيرانيين)، وبالتالي عدم الحاجة إلى إرسال جنود إيرانيين إلى المناطق التي يسعون للسيطرة عليها بعدد كبير، بل يستخدمون العناصر الموالية لهم من تلك المناطق بالوكالة كرأس حربة في أي معركة لهم.

ويستخدم الإيرانيون التحريض العقائدي لضمان استمرار هذا الدفق من المقاتلين، وقد عوض هذا الكم البشري الكبير عن التخلف التقني للجيش الإيراني وحلفائه إضافة إلى أن هذه الميليشيات تحارب عادة ضد قوات أقل منها تسليحاً بشكل كبير.

 ما الذي يكسبه الإيرانيون؟!
ما الذي يكسبه الإيرانيون من دفع مرتزقتهم و الميليشيات الموالية لهم إلى الخطوط الأولى:
يحقق الإيرانيون مجموعة من الأهداف بدفع عناصر غير إيرانية إلى خطوط القتال الأولى أولها استهلاك الخصم وانهاكه تقريباً بدون وقوع خسائر بشرية ملحوظة في العناصر الإيرانية، ويعود حرص القيادة الإيرانية على ذلك لإدراكها بالتغير الكبير في بنية وأفكار المجتمع الإيراني بين حرب الخليج الأولى وهذه الحرب، ومعرفتها أنها سوف تعرض نفسها للخطر ولخروج الأمر عن السيطرة داخلياً في حال وصلت الخسائر البشرية إلى حد كبير، فالجيل الجديد من الإيرانيين ليس مستعداً لتحمل نفس الخسائر التي وقعت في حرب الخليج الأولى، مع أنه يشاطر جيلها نفس الأفكار والحقد الطائفي والعرقي وربما بدرجة أكبر بسبب التربية التي تلقاها بل يريد الانتصار و(أخذ الثارات) بدون خسائر .

والسبب الثاني هو رغبتهم بإضعاف حتى الفئات والأحزاب التي يتحكمون بها ووقوع قتلى بينهم يخدم هذا الهدف وهذا الأمر يتضح بشكل جلي على الأرض السورية.

فالخسائر البشرية في صفوف جيش النظام وحتى الميليشيات الشيعية (من غير الإيرانيين) ليست ذات قيمة كبيرة للإيرانيين ولاستراتيجيتهم وخططهم طالما أنهم لم يقاسوا خسائر كبيرة ضمن العناصر الإيرانية نفسها ولا تزال ضمن الحدود الدنيا ولم تصل لعدة آلاف لحد الآن، فالإيرانيون يقودون المعارك بضباطهم ولكن القوة الفعالة على الأرض هي الميليشيات الشيعية (العراقية في الغالب) وجيش النظام مع كم من العناصر الايرانية، حيث يقع جيش النظام في الدرجة السفلى للأهمية، ويوضع هؤلاء عادة في الخطوط الأولى ويدفعون للمعارك بدون اكتراث بخسائرهم.

 النظرة الدونية للعلويين!
على الرغم من الفتوى التي أصدرها (الإمام موسى الصدر) بطلب من حافظ الأسد باعتبار العلويين جزءاً من الشيعة، لكن الحقيقة والواقع يقول غير ذلك، فالإيرانيون لديهم نظرة دونية لكافة العناصر غير الشيعية وغير الفارسية التي تقاتل معهم وعلى رأسهم السنة والعلويين، و في مرتبة أقل الشيعة العرب.
فلا يمانع الإيرانيون في حدوث كم كبير من الخسائر البشرية في جيش النظام والطائفة العلوية خلال هذه الحرب (التي يفترضون أنها ستنتهي بانتصارهم) لتسهيل السيطرة على البقية الباقية منها وهو شكل من أشكال التطهير العرقي غير المباشر، وهذا الأمر ينطبق بشكل كبير على الميليشيات العراقية المكونة من العرب الشيعة أو من في حكمهم من شيعة العراق والذين ينظر إليهم الايرانيون نظرة دونية أيضاً ولا يمانعون حصول كم كبير من الخسائر فيهم لنفس السبب، ولذلك يدفعونهم إلى خطوط القتال الأولى حالهم كحال جيش النظام تقريباً.

يتلوهم في سلم الترتيب المقاتلون الشيعة من دول أخرى كأفغانستان وغيرها والذين يعتبرون قليلي العدد مقارنة بالشيعة العراقيين واللبنانيين من حزب الله وهم اضافة لكونهم مقاتلين عقائديين فهم بشكل أو بأخر مرتزقة ومستوى العداء التاريخي معهم أقل بكثير من العداء التاريخي للعرب (حتى الشيعة منهم) .

 عناصر حزب الله أكثر أهمية!
أما عناصر (حالش) فهم أكثر أهمية في هذه المرحلة لعدة أسباب أولها مستوى تدريبهم الأعلى من مستوى تدريب جيش النظام والميليشيات العراقية، لكنهم لا يزالون أقل قيمة من الإيرانيين والاهتمام الظاهري للحزب بتخفيض عدد قتلاه ينبع من رغبته في المحافظة على حاضنته الاجتماعية من شيعة لبنان، وحتى عدم رغبة إيران بالتأثير على الوضع الداخلي للحزب في لبنان بسبب طبيعة التوازنات الطائفية في لبنان، وتعرض الحزب لخسائر بشرية كبيرة سوف تؤثر على وضعه في لبنان ككل، إضافة لصغر حجم القوى البشرية للحزب التي لا تحتمل خسائر كبيرة.

 قيادة إيرانية وقودها الأمم الأخرى!
وعلى رأس الهرم بالنسبة لأهمية العناصر يأتي الضباط والعناصر الإيرانيون الذين يديرون المعارك، دافعين بجنود الأمم الأخرى للصف الأول كما كان يفعل الأكاسرة خلال حروبهم القديمة ولنفس السبب.

ما يجب فهمه من ما سبق ذكره هو أن التعويل في هزيمة النظام والايرانيين في سوريا بقتل عدد كبير من قواتهم أو الميليشيات الشيعية لوحده هو أمر لا يكفي وليس منطقياً كفاية لهزيمتهم لأنهم حتى الآن لم يتكبدوا خسائر يعجزون عن تعويضها بشرياً، فالحل الافضل هو السيطرة على الأرض ومنعهم من العودة إليها ثم نقل الحرب إلى أرضهم فهم حتى اللحظة لايزالون يقاتلون في أرض أعدائهم وبجنود من العبيد، فأخر حرب خاضتها إيران قبل الدخول إلى سوريا خسرت فيها مليون ونصف من ذكورها، ومع ذلك لم تتوقف عن العودة لنفس المشروع ولكن بعد أن دفعت بجنود رخيصين من أعدائها التاريخيين إلى خطوط القتال الأولى.