ما هو
صندوق النقد الدولي؟


أدى صندوق النقد الدولي لظهور نوع من الغموض على الساحة الدولية فيما عدا بين دائرة محدودة من الاقتصاديين والمختصين بشئون المال. ويسود ارتباك ملحوظ بشأن سبب إنشائه وما الذي يقوم بعمله. وينطبع في ذهن العديد من المراقبين – ولعل ذلك لخلطهم بينه وبين البنك الدولي أو مؤسسات المعونة الأخرى – أن صندوق الند الدولي قد أنشئ لتوفير العون المالي لعملية التنمية الاقتصادية في الدول الأفقر. ويعتقد آخرون أنه عبارة عن بنك مركزي دولي يتحكم في عملية خلق النقود على النطاق العالمي. على أن هناك آخرون ينظرون إليه كمؤسسة سياسية قوية ولكن مستنكرة، تطغى عليها صبغة التبشير بالسلامة المالية، بحيث تفرض على أعضائها إتباع مسار التقشف الاقتصادي إلى حد ما. وفي الواقع فإن صندوق النقد الدولي لا يعبر عن أي من ذلك. فهو ليس بنكا تنمويا وليس بنكا مركزيا عالميا وليس وكالة يمكنها إجبار أعضائها على أداء جزء كبير من أي شيء أو ترغب في ذلك. وبدلا من ذلك فهو مؤسسة تعاونية، انضمت إليها 156 بلدا باختيارها بعد أن رأت مزايا الاستشارة مع البلدان الأخرى في هذا المنتدى للمحافظة على نظام مستقر لشراء وبيع عملاتها، ذلك أنه يمكن إتمام تلك المدفوعات بالنقد الأجنبي بين البلدان وبعضها بسهولة ودون تأخير. ويسود الاعتقاد بين أعضاء صندوق النقد الدولي بأن مداومة إطلاع الدول الأخرى على نواياها فيما يتعلق بالسياسات التي تؤثر على مدفوعات الحكومة والأفراد المقيمين في بلد معين إلى نظرائهم في بلد آخر – بدلا من إتمام تلك السياسات في سرية – هو أمر في صالح الجميع. كما يعتقدون أيضا أن تعديل تلك السياسات بين الحين والآخر _ عن طريق تخفيض قيمة العملة على سبيل المثال )، إذا ما وافق الأعضاء على أن ذلك يحقق الصالح العام، سيساعد على نمو التجارة الدولية كما سيوفر وظائف أكثر ذات دخول أعلى في اقتصاد عالمي يتجه نحو التوسع. ويقرض صندوق النقد الدولي الأموال إلى الأعضاء التي لديها مشكلات في الوفاء بالتزاماتها المالية قبل الأعضاء الأخرى، ولكن لا يكون ذلك إلا بشرط أن تشرع في تطبيق إصلاحات اقتصادية من شأنها أن تزيل هذه الصعوبات من أجل صالحها وصالح الأعضاء في مجموعهم.
وليس لصندوق النقد الدولي سلطة فعالة على السياسات الاقتصادية الداخلية للدول الأعضاء به، وذلك على العكس من شيوع الاعتقاد بهذا. وعلى سبيل المثال، فليس هناك مجال لإجبار إحدى الدول الأعضاء على أن تنفق أكثر على إقامة المدارس وإنشاء المستشفيات، وأن تنفق أقل على شراء الطائرات العسكرية. ويمكنه – وعادة ما يفعل – حث الأعضاء على القيام بأفضل استخدام للموارد النادرة وذلك بالإحجام عن الإنفاق العسكري الذي لا طائل من ورائه أو بإنفاق أموال أكثر على شئون البيئة. ولكن فمن سوء الحظ أنه يمكن للأعضاء – وعادة ما تفعل – تجاهل تلك النصيحة حسنة النية. وفي هذه الحالة، لا يمكن لصندوق النقد الدولي إلا محاولة إقناع ذلك العضو – من خلال المناقشات المنطقية – بالمنافع المحلية والدولية لإتباع السياسات التي يساندها جميع الأعضاء. وليس هناك إمكانية لإجبار عضو ما على إتباع آية سياسة. وأما السلطات التي يمتلكها الصندوق فتقتصر على مطالبة العضو بنشر المعلومات عن سياساتها النقدية والمالية، وبتجنب وضع القيود على تحويل العملة المحلية إلى العملة الأجنبية، وعلى تسوية المدفوعات للأعضاء الآخرين كلما كان ذلك مكنا.
وقد خوّل الأعضاء لصندوق النقد الدولي بعض السلطات للإشراف على سياسات مدفوعاتها، وذلك لما لهذه السياسات من أهمية قصوى على التدفقات النقدية بين الدول، وكذلك لأن الخبرة تبين أنه بدون وكالة عالمية للإشراف على تلك السياسات فإن النظام الحديث للمدفوعات بالعملة الأجنبية – ببساطة – لن يعمل. إن تحويل النقود هي النقطة المحورية للاتصال المالي بين الدول، والأداة التي لا غنى عنها للتجارة العالمية. ذلك أن كل عملة – ولتكن الدولار أو الفرنك أو آية عملة أخرى ليست مستخدمة على نطاق واسع مثل الدالاسي " عملة جامبيا " أو الجورد " عملة هايتي " – لها قيمة من منظور العملات الأخرى. وتتقلب القيمة النسبية أو التبادلية لعملات العالم الرئيسية الآن تقلبا مستمرا، لكي تثري تجار العملة أو تفقرهم، ويُعلن عن ذلك يوميا في الأعمدة المالية بالجرائد. وعلى الرغم من أن معاملات سوق الصرف، حيث تباع النقود أو تُشترى ( إلى حد كبير مثل بعض السلع كالقمح والتفاح )، ربما تبدو منعزلة عن الحياة اليومية، فإن مثل هذه المعاملات تؤثر علينا جميعا تأثيرا محيرا. وبصورة أكثر تعميما، فإننا نواجه واقعا متقلبا للقيم التبادلية إلى حد ما عندما نسافر إلى الخارج كسائحين، ويكون علينا شراء النقود المحلية أولا قبل أن نتمكن من شراء أي شيء آخر. إن شراء العملة الأجنبية يعتبر بمثابة حقيقة واقعة ليس للسائحين فقط، بل كذلك للمستوردين والبنوك والحكومات والمؤسسات الأخرى التي يلزمها اقتناء العملة الأجنبية – غالبا على نطاق واسع – قبل أن تتمكن من القيام بأعمالها التجارية في الخارج.
ولنفرض على سبيل المثال أن مستوردا للدراجات في كوبنهاجن يحاول شراء مائة دراجة يابانية من تاجر في طوكيو يبيعها بسعر ثلاثين ألف ين لكل دراجة. فلن يقبل هذا التاجر الياباني أن يتسلم المبلغ بالكرون الدانمركي، وذلك لأنه لن يحتاج إليها في الاستخدامات المعتادة – إذ لن يستطيع أن يدفع لمورديه أو العمال لديه المبالغ المستحقة لهم بالكرون أو حتى أن يشتري غذاءه من الحانوت المتواضع بجواره مستخدما النقود الدانمركية. إنه يريد المبلغ بالين الياباني. ولذلك فيجب عليه أن يحوّل مبلغا كافيا من الكرونات لتجميع مبلغ 3 مليون ين هي ثمن الشحنة. وليس من الصعب تغيير الكرونة إلى الين ( فأي بنك في كوبنهاجن سيرحب بإتمام ذلك )، وذلك لأن كلا من الحكومتين الدانمركية واليابانية ملتزمتان بقابلية تحويل عملتها الخاصة. كما لا يفرض أي بلد منهما القيود على عمليات تغيير عملتها الوطنية إلى نقود وطنية أخرى، وهذا مما يسهل كثيرا من انسياب التجارة الدولية.
ولحسن الحظ، تسمح الآن قابلية تحويل العملات التي تتم على نطاق واسع بتسهيل التحويل فيما بين معظم العملات الرئيسية في العالم. فقد أتاحت قابلية تحويل العملات فعليا إتمام عدد غير محدود من عمليات السفر والتجارة والاستثمار خلال الربع الأخير من القرن الماضي، كما أدت بدرجة كبيرة ومن خلال تعاون الدول الأعضاء مع صندوق النقد الدولي إلى إزالة القيود المفروضة على عمليات شراء العملات الوطنية وبيعها.
إن التوقعات الواثقة حاليا بأن تحويل إحدى العملات إلى الأخرى سيتم بمجرد الطلب ليجعل الأمر صعبا عند تخيل الحالات التي لم تكن هذه هي قاعدتها. ومن هنا فقد قرر المجتمع الدولي – استجابة للحالات واسعة النطاق من عدم قابلية تحويل العملة والمرتبطة بمشكلات الصرف بدرجة كبيرة – منذ خمسين عاما مضت تقريبا علاج هذه المشكلات في منتدى مشترك، ألا وهو صندوق النقد الدولي.