هل يئست إسرائيل من بقاء الأسد؟
الدكتور عزت السيد أحمد

سأبدأ بما كتبه شابٌّ علويٌّ اسمه عمار عجيب قائلاً: «أقول لكل أصدقائي في الساحل: الساحل محميٌّ, ليس بمشيئة علي وليس بمشيئة إيران وليس بمشيئة تركيا ولا السعودية ولا النِّظام... الساحل محمي بأوامر أمريكية. دخول ميليشيات آكلي لحوم البشر إلىٰ السَّاحل ممنوع بقرار أمريكي».
هٰذا الكلام صحيح مئة بالمئة. الذي حمى قرى العلويين وضياعهم من كتائب الثورة هو أمريكا تحديداً مباشرة وعن طريق الداعمين الخليجيين. أمريكا هي التي تمنع التشكيلات الثورية العسكرية من الاقتراب من أي قرية علوية أو شيعية في سوريا بالتهديد بالوعيد بكل ما يخطر في البال من طرق.
لماذا تفعل أمريكا ذۤلكَ؟
هل حبًّا بالعلويين؟ هل حرصاً عليهم؟ لا أريد التوغل في هٰذا التحليل. يكفي أن نعلم علم اليقين أنَّ أمريكا هي التي تمنع أي فصيل ثوري من الاقتراب من القرى والضيع العلوية والشيعية، وقد شاهدنا كيف تستنفر أمريكا كلما اقترب الجيش الحر من القرى العلوية ويرجعونهم علىٰ أعقابهم شاؤوا أم أبوا.
وفي الوقت ذاته لا أحد يجهل أن أمريكا هي إسرائيل وإسرائيل هي أمريكا. وأن إسرائيل هي الناصح والموجه الأول والأكبر للسِّياسات الأمريكيَّة في المنطقة علىٰ نحو خاصٍّ.
لا أريد العودة إلىٰ تفاصيل كثيرة في سياق الثَّوْرَة السُّوريَّة ودخول إسرائيل علىٰ الخط لمنع سقوط النِّظام، ولا أريد العودة إلىٰ أهزوجة الاحتفاظ بحقِّ الردِّ السَّابقة علىٰ الثَّوْرَة السُّوريَّة. ولٰكن لا بُدَّ من تساؤلٍ مهمٍّ في إطار الثَّوْرَة طرحه الكثيرون فيما أفترض:
إذا كانت الثَّوْرَة السُّوريَّة مؤامرةً إسرائيليَّة كما يقول النِّظام ورجالاته، وقد حلَّق الطيران الإسرائيلي غير مرَّةٍ في السَّماء السُّوريَّة وفي كلِّ مرَّةٍ قصف مواقع ومعسكرات للنِّظام، هي سوريًّة في المحصلة وليست ملك النِّظام، فلماذا لم يرد النِّظام علىٰ هٰذه الاعتداءات الإسرائيليَّة؟ وإذا كانت إسرائيل تريد القضاء علىٰ النِّظام فلماذا لم يشعل الأرض تحتها علىٰ مبدأ عليَّ وعلىٰ أعدائي؟ لماذا طبق هٰذا المبدأ علىٰ السُّوريين فقط؟
لا أريد الاستفاضة في ذۤلكَ. ولٰكنَّ أيضاً لا بُدَّ من الإشارة إلىٰ أنَّ كلَّ الاعتداءات الإسرائيلية علىٰ مواقع النِّظام في سوريا طيلة الثَّوْرَة لم تكن عدواناً علىٰ النِّظام أبداً وإنَّما كانت:
ـ لإنقاذ النِّظام في حالات بتأليب الشَّارع علىٰ الثَّوْرَة وأنَّ إسرائيل تساعد الثَّوْرَة.
ـ وفي حالات عقاباً للنِّظام علىٰ التَّمادي في أمرٍ كما حدث في القنيطرة منذ نحو شهرين.
ـ وفي حالات أُخْرَىٰ، وهي الأخطر، لمنع استيلاء الجيش الحرِّ علىٰ الأسلحة... وهٰذا ما حدث في جمرايا والمطار وقبل أمس وأمس 26/4/2015م.
علىٰ مدار اليومين الماضيين والطَّيران الإسرائيلي يصول ويجول في السَّماء السُّوريَّة يقصف الصَّواريخ البالستيَّة ومنصَّات إطلاقها في محيط دمشق والقلمون. لم تفعل إسرائيل ذۤلكَ عندما كان الأسد يطلق هٰذه الصَّواريخ علىٰ الشَّعب السُّوري، ولا أحد طلب منها الدِّفاع عن الشَّعب السُّوري، ولا سوري شريف يقبل منها أن تفعل ذۤلكَ.
قصف الصَّواريخ البالستيَّة جاء بعد يومٍ فقط من استعراض أو مناورة إطلاق الصَّواريخ التي أطلق فيها النِّظام أكثر من عشرين صاروخاً بالستيًّا لا ندري أين سقطت، ولٰكن يبدو أنَّها لم توجه إلىٰ الشَّعب السُّوري ولا خارج سوريا.
أن تُقْدِمَ إسرائيل علىٰ هٰذه الخطوة فهٰذا يعني علىٰ نحو مباشر أن إسرائيل غسلت يدها من بقاء النِّظام ولذۤلك تريد تدمير الأسلحة النوعية في أرجاء سوريا. هٰذه حقيقة أرجو أن لا نجادل فيها، لها سوابق من التصريحات الأمريكية والإسرائيلية غير قليلة. لا أريد أن أطيل في ذۤلكَ ولا أستطرد يكفيني أن النِّظام السُّوري رحب وفرح بالضربات الأمريكية في سوريا، ولم يعترض أي اعتراض ولو شفوي علىٰ الضربات الإسرائيلية لأرجاء سورية، في حين أنَّهُ هدد بمسح السعودية إن هي اعتدت علىٰ سوريا، وشن حملة إساءة بذيئة للسعودية لمحض تلميح السفير السعودي باحتمال قيام التَّحالف العربي بضربة في سوريا.
بغضِّ النَّظر عن النَّوايا السُّعوديَّة وطبيعتها، ألا يدل ذۤلكَ علىٰ أنَّهُ متخوف من الضربة السعودية وآمن من الضربة الأمريكية والإسرائيلية؟ ماذا يمكن أن نفهم غير ذۤلكَ من هٰذه التصريحات والسلوكات؟
بقناعتي أنَّهُ علىٰ قيادات الثَّوْرَة العسكريَّة أن توجه إنذاراً إلىٰ إسرائيل تهددها وتحذرها من مغبة استمرار العدوان والتَّدخل وإلا فإنَّ إسرائيل ستزيد من استباحة الأرض السُّوريَّة وتدمير ما يمكن أن يبقى من قوة ردع سورية.
لا بُدَّ لي أن أتساءل: من الذي أعطى الضَّمانات لإسرائيل كي تصول وتجول في سماء سوريا وتقصف هناك وهناك وتدمر أسلحتنا ومواقعنا؟
إذا كان النِّظام عاجزاً أو راضياً بالعدوان الإسرائيلي فهل يقبل السُّوريون ذۤلكَ؟ هل يقبل الجيش الحر ذۤلكَ؟
السُّوريون بالتَّأكيد لا ولن يقبلوا ذۤلكَ. فإذا كان أيُّ تشكيلٍ ثوريٍّ يقبل ذۤلكَ فهو ليس من الثَّوْرَة، وهو عدو للثورة وعدو للشَّعب السُّوري... وسيدفع الثَّمن بكلِّ تأكيد.
هٰذا ليس رغبةً ولا رأياً ولا موقفاً... هٰذا الحقيقة والحقيقة فقط.