تذكّرتُ أنّني أجمل ...

و القلب إذ رقّت مدامعه بكى
و انهار شوقا و اشتكى ...
و هوى إلى الفجر اتّكا ...
نحّى الزّؤان مع الحسكَ...
تلحّفت خريطة و طني ... و غفوت بين مشرقه و مغربه من المحيط إلى الخليج ... فرأيتُ في طيّات أضلعه كِلاما ... ما تقادم منها و ما استجد ... عندها بسطت تعاريج الزّمن على شاطئ الرّؤى و تناولت عود طيب و أخذت أنبش حقبا ماتت و لن تعود ... فإذ بها تُبعث من جدثها تحدّثني و تُسرّي عنّي ... بداية خفت منها و تراجعت رعبا ثم ما لبثت أن جلست إلى ركبتيها أنظر إلى دقائق الثّرى تغطّي عيونا من ماس و تقاسيم من ياقوت و جبينا من لُجين ... ثرّت الغيمات في أجفاني و أريت الدنيا على طرف لساني ... و تدحرجت روحي إلى بحور الشّعر تكيل المعاني و الكلمات و عرُجتُ إلى السّموات أتنفّس عشق وطني الأكبر فأصيح بأكوان غريبة ظلّلت عروش أوطاني ... تنحِّ دعيني أرى .. أرى محيّا وطني ... تنحِّ أرَ جلال البيداء في سقاء و خباء ... دعيني أشمّ عبق الرّمال بعد لثمة مطر دعي حصيّات وطني ترمد بها عيناي ... و رُطب النّخيل تُساقط عطاء في يديّ اصمتي و اتركيني لنحيب الرّيح يهدهدني أغفو فيوقظني ... دعيني و شأني في طيبة أسرح بين أسراب الأهرامات المشيّدة ... دعيني أقرأ في البردي " مراسيل " اللّعنة و الرّضا و أتقفّى خيوط فستان كليوباترا تنفث روما في قنّينة جمال و سمّ أفعى ... و ابتعدي عن المدينة الورديّة قصيدةُ عمران دون مهاوٍ في أجساد الجبال ... تبوح بسطوتها على العقل و الخيال و السّحر و الجلال ... نحتها الأنباط قبل الميلاد ببضع سنين زادت على الثلاثة قرون ... و اسحبي فزّاعتك عن جنان بابل ... اتركيني أنصت لقلب " أميتس" المشتاق ... و أرى افتتانها بعروش الورد و الزّهر التي امتطت تلالا في قفار ... أيّها الزّمن رفقا بي ألتقط أنفاسي في جرعة ماء ... ثم بعدها ضمّد جراحي فقد أوهموني أنّي مسخ سوّتني أتون الجهالة و دقّتني مطرقة الهمجية و تلقّاني سنديان الخواء ... قل لها تأخذ معها " شراشيبها " تلك الجاثمة في سماء اليمن حتى أرى سبأ في عزّ مجدها يرحل عنها الهدهد حاملا ذاك النّبأ الذي لولاه لهلك ... يحمل خبرا عن بلقيس الملكة التي طوّعت الذّهب و الأحجار الكريمة حتى غدت مَوطئا لقدميها ... أطلقيني أصفاد الانحطاط أطير إلى وُكنتي في بلاد المغرب لأتقفّى أثر المازيس الشّعوب الطّيبة العاشقة للأرض ... و السّواعد القويّة تشقّ جيوش الغزو و الفكر البارع الذي هزأ ذات يوم من عنجهية روما ... دعيني أيّتها الأصوات الدّخيلة أستمع ليوغرطا يهين تاج ملكها فيقول : " روما للبيع إن وجدت من يشتريها ." ماسينيسا ، كسيلة ، يوبا الأول ، يوبا الثاني الكاهنة ... و غيرها من الأسماء لازالت قصيدة تتعرّق لها الجباه و تزهو بها القلوب ... سأرفرف لأغسل أحداقي بمدائن من وطني من طنجة إلى سيرتا إلى القيروان ثم أغادير إلى الجيزة فالقدس فيونين ثم دمشق فمكة و المدينة ثم عجمان و مسقط و .. و ... بعدها و إن هلكت فقد هلكتُ أنظر إلى نفسي جميلا بديعا مترفا بالبهاء و العزّة والمجد ... مثقلا بالتّاريخ و الماضي و الحاضر ... وطني كم أنّك مبهر تُحييني على ضفاف غدران شعوبك ... شعوبك الطّيبة ... شعوبك المُحبّة و العذبة ... لن أستحي من نفسي بعد اليوم فأنا من بعيد أعود ..أعود مؤمنا أنّي لو بقيتُ على عقيدتهم أنّي البغاث و الفناء فسأذوي مهما طاف بسمائي من ربيع ... لهذا فأنا أشدو مع إيليا : كن جميلا ترَ الوجود جميلا ... ليس لأبقى مخدّرا و ليست جرعة من أفيون أنتشي لها برهة ثمّ أموت بل من إيمان أكيد أنّ الذي لا يؤمن بقدراته لن يحقّق ذاته ... فلنؤمن إذا بما نملك حتى نكون ...