نَصْ/ناصٌّ (خواطر عابرة).
هذه خواطر أولية أحببت تسجيلها هنا قبل إعادة النظر فيها تمحيصا وتصحيحا وقبل فرارها من الذهن، والذّاكرة خوّانة، عن ثنائية النَّصِّ والنَّاصِّ، أو إن شئتم: عن زوج النَّاصِّ والنَّصِّ، إذ النّاصّ أسبق وجودا من النّصّ، فهذه بديهية لا تحتاج إلى نقاش؛ وحديثي هنا عن النّصّ الأدبيّ الفنّيّ وليس عن أيّ نصّ منطوق أو مكتوب حتى يكون حديثنا محصورا في الإبداع الأدبي فقط كما أنني لا أرغب في الدخول إلى متاهات تعريف النص "العلمية" ونظرياته الأدبية، فهذا حديث آخر ليس محله هنا، والنَّصُّ عَمَل وهو مع النَّاصِّ كوجهي قطعة النقد في العُمَل.
النّصّ الأدبي، منثورا كان أو منظوما، قطعة كلامية مبتدعة يعبر به صاحبُه، النَّاصّ، عما يختلج في نفسه ويعتلج في ذهنه في موضوع ما بطريقة أدبية فنية تروق للمتلقي أو لا فيتفاعل معها إيجابا أو سلبا حسب ذائقته الأدبية وحسب تأثره بما يتلقى من رسالة النَّاصِّ إليه؛ فنحن في أي عمل أدبي أمام ثلاثة عناصر أساسية: النَّاصُّ (المرسل)، والنّصّ (الرسالة)، والمتلقي (المرسل إليه معروفا كان أو مجهولا) ولابد من وجود تفاعل ما قويا كان أو ضعيفا بين النّاصّ وما يعبر به من خلال نصّه والمتلقي؛ بيد أن حديثي هنا ليس عن المتلقي وإنما عن العنصرين الآخرين المكونين لنظام التواصل الأدبي: النَّصّ والنَّاص، أو النّاص والنّص إذا أخذنا بالأسبقية في الوجود.
النّصّ الأدبي انعكاس دقيق واضح أو هو تعبير "ضبابي" عما يجيش في نفس مبدعه فهو كالمرآة المجلوة أو الصَّدِئة تعكس إما بدقة ما يدور في خلد الكاتب وإما تعكس صورة باهتة عن ذلك الجيشان النفسي المستتر أو المضمر في أعماق الكاتب، وكلما ازداد الكاتب صدقا مع نفسه ومع قرائه وكان متمكنا من أدواته التعبيرية كلما ازداد نصه وضوحا وجلاء وشفافية فيكاد القارئ أن يرى ما في داخل الكاتب ولذا تجد الكاتب، لما يبذله فيه من جهد، يرتبط بنصه ارتباطا عاطفيا عميقا لأنه جزء من نفسه، وما أغلى النفس على صاحبها، فكأن الناص هو نصه أو كأن نصه هو.
ومن هذه العلاقة العاطفية يمكننا أن نفهم ما يحدثه النَّقْدُ الأدبي الصّارم والصّادم والصريح، أو سوء فهم المتلقي لسبب ما، من انفعال عنيف عند ربِّ النَّصّ، أو أب النَّصّ، فترى الكاتب ينبري مدافعا ومنافحا ومكافحا ومناضلا ومقاتلا عن نصه كأنه في حلبة نزال أو ميدان قتال، وقد يرى بعض النقاد أن الكاتب الذي يقف مدافعا عن نصه بشراسة ولا يتقبل نقد النقاد لنصه وليس لشخصه إنما يحكم على نصه بالفشل، فنقد النص ليس هو نقد الشخص ألبتة وشتان بين النقدين.
هذا وللحديث بقية إن شاء الله تعالى...
المفضلات