أعتاب الصّيف ... تلفح آخر وريقات خضراء على جسدِ الأفنان ... و تنهال على الحقول شقّا بمعاول الشمس .... و الخريف الباهِت ... ينظر من وراء حجاب ليختار له أماكنَ حيث يكون أحلى و أبهى و أخرى حيث يكون عاصفا متمرّدا مجنونا ماطرا رهيبا ... أمّا بيتي فحجرُ جدرانه حجرٌ صوّان جمَعتْه طينٌ طيّبة خالطتها عيدان قشّ ذهبية علقت بتعاريج البيادر بعد الحصاد ... و قِرميده الآجوري ، خضاب أميرةٍ بين زرقة السّماء و ألوان الأرض ... بيتي تحُفّهُ أشجار التّين و الزّيتون و شجيرات الورد و السّور المفتون ... بُثّت في أفْنيته حصوات من رماد الفجر و قواقعُ حلازين منسية
أراه ودقا تسكبه الغيمات و برق يشقّ سكون اللّحظات ... سأسرع إلى ملاءاتي أدخلها و دجاجاتي و فنجان قهوتي تحت تينتي ... سأغلق النّوافذ المجنّحة و سأكتم دلال ستائر بيضاء تغازل الأنسام ... اعذروني ... لكن ما رأيكم لو ساعدتموني ... ؟
كانوني و الأثافي و إبريق قهوتي الغافي سأكافئكم بقهوة أوراسية بنكهة الشّيح البرّي و القرنفل ... ستشربونها و أنتم تستمعون لنحيبِ الرّيح و نقراتِ المطر و الأكثر من هذا تشمّون رائحة التّراب يرويه الغيث و عبيق الجذوع و الأغصان المبتلّة و الحجر ... بل ستشمّون عبير الوردات لا يُخرسُ قصائدَ حُسنها شيء لا حرٌّ و لا صقيع ... و ستأتيكم رائحة التّين مسك أثير ... لكن أياكم و الشّكوى من دخّاني و طقطقات ناري و عيداني ... ستجلسون على الحصير و تداعبون خلجان الرّماد و تسكبون نظراتكم تيها في عرانيس اللّهب ... كم ملعقة سكّر ؟ ملعقتان أو أكثر آه تريدونها دون حلو يحلّيها ..؟ تكفيكم بنكهتها الأوراسية فيها ...
لا تعجبوا لسقف بيتي و لا لرقّة حالي ... ثرائي في روحي و قلبي و فسحة فكري و خيالي ...
قد تعودون يوما ... اجعلوه يوم شتاء حتى نحيك من خيوط السّماء رثاء ... و نسعد مع الثّلج بأعذب لقاء و نغنّي للنار و الحطب و الفَناء و للصّدق و الوفاء ... ثم نُبعث مع الصّباح في سلال نور... ذكرى اختارت بقاء ...
تحياتي لكم...
المفضلات