ماري حدّاد
(1895 – 1973 )
بقلم: حسين أحمد سليم
أديبة كبيرة و فنّانة معروفة في زمانها، رئيسة نقابة الفنّانين سابقا، زاوجت بين قلمها و ريشتها بجرأة المرأة اللبنانيّة الواثقة من نفسها، فأبدعت كتابة و رسما و مواقف جريئة مشهودة لها، نالت شهرة واسعة في مجالاتها و مؤلّفاتها، و تقاسمت مدينتيّ باريس و بيروت تكريسها الأدبي و الفنّي...
ماري حدّاد من مواليد مدينة بيروت في العام 1895 للميلاد و هي شقيقة السّيّدة لور حدّاد زوجة بشارة الخوري رئيس الجمهوريّة اللبنانيّة الرّاحل، و الذي كان بينها و بينه سجالات كثيرة و تحدّيات معروفة، من جرّاء إحتضانها سليم موسى العشّي، المعروف بالدّكتور داهش، و الذي ترجمت بعض كتبه للإفرنسيّة، "عشتروت و أدونيس، مزكّرات دينار، معجزات الدّكتور داهش و وحدة الأديان"...
منذ العام 1932 للميلاد، إنتقلت و إستقبلت بحماس شديد في الأوساط الأدبيّة و الفنّيّة الباريسيّة بفرنسا، و عرفت شهرة واسعة في مدينة باريس منذ العام 1933 للميلاد...
حصلت الحكومة الفرنسيّة على لوحة شهيرة لها تّمثّل إمرأة ريفيّة لبنانيّة، و ضمّتها إلى مجموعة متحف ألــ "جو دو بوم". JEU DE PAUME” " العريق، إضافة إلى لوحة "الجبلي اللبناني"... و من حينها عظمت شهرتها إلى أن ظهر إسمها في قاموس البنيزيت. BENEZIT ...
أشاد بها النّاقد العالمي لويس فوكسل LOUIS VAUXCELLES ...
شاركت و عرضت أعمالها في معارض الخريف في باريس حتّى العام 1937 للميلاد...
شاركت في المعرض العالمي في نيويورك عام 1939 للميلاد...
شاركت في المعرض الدّولي في كليفلاند – أوهايو – عام 1941 للميلاد...
و في متحف جامعة هارفارد في العام ذاته 1941 للميلاد...
شغلت ماري حدّاد بلوحاتها المميّزة و مشهديّاتها المُعبّرة عالم الغرب، فغدت في نظر روّاد حضارة الغرب رمزا لحضارة الشّرق... بحيث أنّ لوحاتها تتجلّى في رسومات صورها و لقطاتها و مشهديّاتها، جماليات المناطق اللبنانيّة المشرقة تحت سماء زرقاء و التي لها ترفل العين الباصرة، و في بعضها جسّدت نواح من معالم الجبال الجرداء، ذات المنحدرات الوعرة بشعابها الملتوية و الكثيرة الحصى، لتبرز في بعضها الآخر مسحات من سحر الغابات المليئة اللبنانيّة، على قلّتها، بأشجار الصّنوبر العالية و السّندروس و أشجار الأرز اللبناني المعمّر العظيم و الجليل، و التي جذبت إليها السّوّاح من حدب و صوب، و تغنّى بها شعراء في قصائدهم و دوّنها كتّاب في نثائرهم و نسج حكاياتها قاصّون في رواياتهم و صوّرتها ريش و ألوان الكثير من الفنّانين اللبنانيين و غيرهم في لوحاتهم و مشهديّاتهم...
الفنّانة التّشكيليّة ماري حدّاد تحملنا برهافة إحاسيسها الفنّيّة و ثقابة نظرتها إلى أرحبة الطّبيعة و مهارة ألوانها، لترود بنا على صهوات المتعة البصريّة عبر إمتدادات الحقول المزدانة بالعرعر و الأصف و الرّافلة بأشجار الرّمّان، ترتحل بنا على أجنحة الجمال اللبناني إلى بلدة عشقوت في جبل لبنان و بلدة ماكين، لتعود بنا تشاغفا إلى شوارع أسواق مدينة بيروت القديمة، ساعية بلمساتها الفنّيّة الحانية، في معظم لوحاتها، لتدخل إلى أعماقنا بحنكتها و تقنيّاتها الفنّيّة، طراوة و لطافة و دغدغات و إنتعاش أنسام لبنان...
المتتبّع لنتاجات الفنّانة التّشكيليّة ماري حدّاد، يتلمّس بشفافيّة نظراته و تحليل بصيرته، مدى التّاثّر النّفسي، الذي تتركه صور لوحاتها و هي تحمل في الكثير منها وجوها لبنانيّة من مختلف الطّبقات، إختارت منها نماذج من الجبليين ذوي الجباه العريضة و العيون العنيدة و النّظرات الشّرسة و التي فيها بريق قاتم، إضافة لوجوه الفلاّحين اللبنانيين ذوي البشرة الكامدة و على رأسهم الطّربوش، و كذلك رسمت بميزة فائقة الجمال، و جوه البدويات ذوات الجبهات الظّاهرة الموشومة بالأزرق و التي تلفّها العمّة النّسائيّة الرّيفيّة، هذا إضافة لرسمها لوجوه الحورانيات الشّبّات البشوشات ذوات الوجوه السّمراء المُدوّرة، اتي تتجلّى فيهنّ عظمة الإبداع... و في مجموعتها التّراثيّة التي يحتفظ بها ورثتها إيليّا و هادي حجّار، هناك عدد من اللوحات التي تتعلّق برسم الغلمان ذوي الصّدور البرونزيّة و العيون المخمليّة، الذين تضجّ الحياة بهم، من خلال نظراتهم التي ترسم أكثر من سؤال... ناهيك عن لوحات متنوّعة و مختلفة، رسمتها على مراحل و عبر حقبات، تعكس مدى ما تكتنز به الفنّانة الأديبة ماري حدّاد، من ثقافة واسعة و وعي باطنيّ و عرفان ذاتيّ و حضور قويّ، رغم مرور الأيّام على رحيلها...
أواسط السبعينات من القرن السّالف، حالفني الحظّ و تعرّفت لحفيدها إيليّا حجّار صاحب دار النّسر المحلّق و مجلّة بروق و رعود... و واكبني لزيارة بيتها "القصر الصّغير" في شارع سبيرز الذي كان متحفا يضمّ جميع لوحاتها التي تتماهى على جدران الغرف، و بعدها بقليل كان لي حظّ مضاعف بحيث إصطحبني قريب لي لحضور ذكرى سنويّة فقمنا بزيارة بيت حفيدها إيليّا حجّار، على بعد عشرات الأمتار عن القصر الصغير و في نفس الشّارع سبيرز، حيث أخذت وقتي لأمتّع بصري و بصيرتي بلوحاتها الكثيرة المُعلّقة على الجدران و الذي تمتليء بها صالة واسعة، بحيث رأيت بأمّ عيني موسقات الألوان فوق خامات اللوحات التي تتجسّد في كلّ منها شخصيّة الكاتبة الأديبة و الفنّانة ماري حدّاد...
ماري حدّاد المولودة في رحاب مدينة مهد الحضارات بيروت، تحملنا من خلال مكوّنات لوحاتها إلى ريادة العالم المليء بالأسرار، لترود بنا مطاوي الحقائق الخافيات خلف بهارج الظّاهرات...