هل صمد بشار الأسد لأنه مقاوم أم لأنه مقاول؟

الدكتور فيصل القاسم


أشعر أحياناً برغبة شديدة للبصق في وجه أولئك الممانعجيين والمقاومجيين الذين يتفاخرون بصمود النظام السوري في وجه "المؤامرة الكونية" التي يزعمون أن أمريكا وإسرائيل تقودانها ضد بشار الأسد. لا شك أن الكثير من هؤلاء المشعوذين يعلمون علم اليقين أنهم يكذبون، ويضحكون على الرعاع الأسدي الذي انطلت عليه لعبة الممانعة والمقاومة فعلاً، وصدق أن نظام الأسد عدو حقيقي للصهيونية والامبريالية. قال صمد قال. تصوروا أن أمريكا التي تحرك العالم بالهاتف انهزمت أمام "العملاق" الأسدي المزعوم، وأن جيش أبو شحاطة قلب العالم رأساً على عقب، وجعل أمريكا سيدة العالم تعيد حساباتها ومخططاتها بفعل صموده. كم في إعلام المماتعة والمقاولة من المضحكات المبكيات.

إن صاحب أي عقل سليم في أوساط الممانعجيين والمقاومجيين كان يجب أن يسأل سؤالاً بسيطاً: لماذا باركت أمريكا سقوط اثنين من أقوى حلفائها في المنطقة، وهما الرئيسان المصري حسني مبارك والتونسي زين العابدين بن علي، بينما غضت الطرف عن الرئيس السوري بشار الأسد المفترض أنه ألد أعداء الامبريالية والصهيونية وقلعة الصمود والتصدي في المنطقة الذي يشتم

الأمريكيين والإسرائيليين ليل نهار منذ نصف قرن من الزمان؟ أليس من الأولى أن تحمي أمريكا حلفاءها في مصر وتونس من السقوط، وتستغل فرصة الثورة السورية للانقضاض على "عدوها" التاريخي نظام الأسد؟ هل لاحظتم ماذا فعلت أمريكا بالرئيس العراقي صدام حسين عندما تحداها فعلاً، وحاد عن الصراط الأمريكي المستقيم؟ لقد جعلت منه عبرة لمن يعتبر، لا بل أعادت بلده العراق إلى العصر الحجري كما توعد وزير الدفاع الأمريكي الأسبق رامسفيلد في بداية الغزو الأمريكي للعراق عام 2003. وقد نفذ الأمريكيون وعيدهم بالعراق ورئيسه وشعبه. والنتائج واضحة أمامنا، لأن صدام تحدى أمريكا فعلاً.

هل يُعقل يا ترى ألا تستغل أمريكا فرصة الثورة السورية على طاغية الشام، وتنتقم من عدوها المزعوم الذي يتحداها إعلامياً منذ عقود؟ ألا تقول أبجديات السياسة إن الدول تتربص عادة بخصومها حتى تحين الفرصة المناسبة لتنقض عليهم وتأخذ بثأرها؟ لماذا لم تستخدم أمريكا مع نظام الأسد إلا التصريحات الإعلامية الهلامية السخيفة التي صارت مثاراً للسخرية والتهكم حتى لدى تلاميذ المدارس؟ ماذا فعلت أمريكا ضد نظام الأسد سوى ترداد مقولة إن الأسد فقد شرعيته، تلك المقولة النكتة؟ نحن نعرف أن أوصال النظام السوري ترتعد فوراً عندما يعرف أن أمريكا جادة في تصريحاتها. وكثيرون يتذكرون كيف عاش رموز النظام السوري أسوأ ايامهم بعد الغزو الأمريكي للعراق وإمكانية دخول القوات

الأمريكية إلى سوريا. وفي تلك الأيام، كما يعرف الكثيرون، حزم كبار قادة الجيش والأمن السوري حقائبهم فعلاً كي يكونوا على أهبة الاستعداد لمغادرة سوريا فوراً إلى إيران في حال دخل الأمريكيون سوريا فعلاً. اسألوا المسؤولين والإعلاميين السوريين المخضرمين عن هذه المعلومة كي تتأكدوا بأنفسكم كيف كان المسؤولون السوريون الكبار أيام الغزو الأمريكي للعراق يتحسسون رؤوسهم، ويسألون أي مسؤول عربي أو أجنبي كان يزور دمشق في تلك الأيام فيما إذا كان الأمريكيون جادين فعلاً في غزو الشام بعد العراق. هل تذكرون تلك الأيام يا كبار قادة النظام السوري؟ لا شك أنكم تذكرونها جيداً، وتذكرون كيف كنتم تتلقفون في تلك الأيام العصيبة أي معلومة أو خبر حول احتمالية الغزو الأمريكي لسوريا.

وكيف ننسى كيف خرج الجيش السوري من لبنان خلال ساعات عندما أرادت أمريكا بذلك. لقد خرج علينا الرئيس السوري وقتها على جناح السرعة في "خطاب تاريخي" لينفذ الأمر الأمريكي فوراً. لم تكن أمريكا تمزح وقتها كما تفعل اليوم، بل كانت جادة. وشتان بين الجد واللعب الأمريكيين. وكي لا نذهب بعيداً: هل تذكرون ماذا فعلت العائلات القريبة من النظام لمجرد أن أوباما هدد بشكل كوميدي فقط بضرب النظام بعد استخدام الكيماوي؟ لقد هربت كل العائلات القريبة من الأسد عبر المطارات اللبنانية. لم تتجرأ حتى على السفر من مطار دمشق. وقد أوردت هذا الخبر تحديداً

صحيفة الأخبار اللبنانية التابعة لحزب الله اللبناني، وليس مصادر المعارضة السورية.

آه كم كما كنا مغفلين عندما اعتقدنا أن حسني مبارك هو الذخر الاستراتيجي لإسرائيل، وظننا أن بشار الأسد هو عدوها الأول. لو كان مبارك وبن علي من الحلفاء الاستراتيجيين لأمريكا لما سقطا خلال أسابيع. ولو كان بشار الأسد عدواً لأمريكا وإسرائيل لما صمد خمس سنوات. الذخر الاستراتيجي لم يكن في القاهرة، بل كان وما زال في الشام. وسيبقى حتى ينتهي من إكمال المخططات الصهيونية والأمريكية الموكلة إليه، وبعدها ستفعل به أمريكا ما فعلت بكل عملائها عبر التاريخ كشاه إيران وأمثاله.

عن موقع أورينت نت