"الرمزية" في أدب "المقاومة"
الجزائر تغير رؤساؤها و تغير حكوماتها لكن موقفها لم يتغير تجاه القضية الفلسطينية، و هي البلد العربي الوحيد الذي التزم بدعمه لفلسطين على كل المستويات، لأن العلاقات التاريخية الجزائرية الفلسطينية لها خصوصية لا يمكن تجاهلها، خاصة و أنها قسمت الرّغيف و النّزيف مع الشعب الفلسطيني ، هذا ما قاله قال محمد أسعد قادري مسؤول للمفوضية العربية لحركة “فتح” و رئيس جمعية الأخوة و الصداقة الجزائرية الفلسطينية
تميزت الكتابة الأدبية في فلسطين بالرمزية، خاصة في القصة القصيرة و دورها في مقاومة الاحتلال، حيث اتخذ الأدباء الفلسطينيين "الرمز" كأداة للكتابة في ظل الحصار المشدد عليهم و تقييد حريتهم في التعبير و الكتابة ، فخصوصيات التجربة الفلسطينية في عالم الكتابة في ظل الحصار المشدد على الكُتَّابِ، لها ميزة خاصة، لأن " الأرض" هي القيمة الأساسية عند الكتاب و الشعراء الفلسطينيين، كون الصراع كله كان و ما زال يدور حول الأرض، و يعتبر الأديب أحمد حسين أول من وضع أسس القصة القصيرة التي تدور حول المقاومة، و كتب هذا الأخير قصصا ترسم وضع الفلاح الفلسطيني في ظل الاحتلال، حيث كانت ضريبة الدخل السيف المسلط على الفلاحين ، في قصة كتبها بعنوان "الإله" بيّن فيها كيف تصادر إسرائيل الأراضي الفلسطينية، و الحقيقة أن القصة القصيرة جاءت بعد نكسة 1967، و كان الشعر الأسبق في الكتابة عن فلسطين.
و يعتبر أدب المقاومة أدب التعديل في صراع الأنا و كشف الآخر و مواجهته، و الانتصار عليه، كما يمكنه أن يحقق أهدافا من خلال مناهج متباينة، فهو بمثابة الدعوة إلى النضال و توثيق التاريخ و نقل المعاناة، و الدعوة إلى الصمود و رفض الهجرة و رفض التعامل مع المحتل، و اللجوء إلى الكفاح المسلح، علاوة على تمجيد البطولات، و قد اختلفت التسميات في أدب المقاومة عبر مراحله التاريخية، فمن أدب المنافي و أدب الانتفاضة إلى أدب النكبة.. الخ، مما جعل العديد من النقاد يسلطون الضوء على هذا النوع من الأدب، الذي بدا لأول وهلة لونًا جديدًا من ألوان الأدب الحديث، ليشمل أسماءً لمبدعين في عالم الشعر والرواية والمسرحية والقصة أمثال سميح القاسم، كما ظهر في تلك الفترة العديد من شعراء الثورة أو المقاومة أمثال إبراهيم طوقان، وعبد الرحيم محمود، الذي اشتهر بقصيدته "الشهيد"، و لم يستثن أدب المقاومة الكتابات النسوية، حيث شكلت كل من الروائية سحر خليفة مع الشاعرة فدوى طوقان القاسم المشترك في حمل رسالة الدفاع عن الحرية بكل أشكالها بدءًا من حرية الوطن وحتى حرية المرأة.
و الحقيقة أن أدب النكبة يطلق على مجموعة الأحداث والمجازر التي قامت بها العصابات الصهيونية بحق الإنسان والأرض في فلسطين عام 1948 وما سبقه، فمعظم الكتابات الفلسطينية تدور حول أدب النكبة، و قد ركزت هذه الكتابات على نوع خاص من الأدب، ألا و هو أدب "الهجرة"، فأكثر ما تناولت الرواية الفلسطينية هي تصوير النكبة وأحداثها و رسم الصورة الواقعية لمخيمات اللاجئين، و من الأسماء البارزة في عالم الرواية الفلسطينية نقف رواية "الطوق" للروائي "غريب عسقلاني"، الذي تعبر كتاباته عن مسيرة الشعب الفلسطيني و اللاجئين، بحكم ارتباطه بمخيم اللاجئين و حياتهم و معيشتهم اليومية في المخيم، لقد كان غريب عسقلاني من الروائيين الذين أسسوا للمشهد الأدبي في فلسطين، و يلاحظ في الكتابات الفلسطينية أن الكتاب من قصاصين و روائيين و شعراء كذلك بعد تشديد الرقابة عليهم لجأوا إلى استعمال "الرمزية" من أجل مواصلة إبداعهم، فتجدهم يركزون على الأمثال الشعبية لخدمة الفكرة المسيطرة على القصة، أو الحديث عن الأم و ابنها مثلما هو الشأن في قصة "أم الخير" الرمزية، و هي امرأة ترمز إلى فلسطين، و ابنها هو الفلسطيني، و آخرون اعتمدوا على رسوم الحيوانات مثل رأس الغراب أو الذئب، و هذه الفئة هي الأكثر تأثرا بالأسلوب الرمزي ، أما مصادر أدب المقاومة فهي متنوعة منها الواقعية، التاريخية و الدينية و غير ذلك.
و يمكن القول أن هناك قاسم مشارك بين أدب المقاومة عند الكتاب الجزائريين و الفلسطينيين ، كان للأمير عبد القادر موقف مشرف عندما خيرته فرنسا المكان الذي يقيم فيه بعد إصدار قرارها بنفيه، فكان له أن يختار مدينة عكّا ، وعندما التقى ياسر عرفات و أبو جهاد بالقيادة الجزائرية التي مثلها الطاهر الزبيري و هواري بومدين وطلبوا من الجزائر أن تدعمهم بالسلاح من أجل القيام بالثورة و تحرير فلسطين، فما كان على الجزائر إلا أن تسلم مستودعاتها التي في سوريا و لبنان، و معلوم أنه يوجد الآن سبع ( 07) قرى جزائرية في الشمال الفلسطيني ، و هناك مدينة مشتركة جزائرية فلسطينية تسمى سنخ تقع بجانب بحيرة طبرية في القدس، كما يوجد حي المغاربة خصص للجالية الجزائرية في فلسطين، و هذا إن دل على شيء فإنما يدل على مدى توطيد العلاقة بين الجزائر و فلسطين ، قُسِّمَ فيها الرغيف و النزيف مع الشعب الفلسطيني.
علجية عيش