حدثنا نبهان بن يقظان قال: لقيت سُهيلا ذات الزُّمَين، مُغتما فقلت إلى أين؟ ما الخطبُ يا صاح، صباحُك ربَاح. قال أبحث عن دار، لا قصر ولا غار. جارها أكرم جار، وهواؤها لا بارد ولا حار. مضاءة منوّرَه، محروسة مسوّرَه. ولا ضير في الكراء، إن تعذّر الشراء. أو أرض للبيع، في أي مكان رِيع. شرطَ أن تكون حذوَ الجامعَه، بلا عواقبَ مانعه. إذ بناتي في ريعان الشباب، ما لهن والصعاب؟ ومن كان في عمر الزهور، فأوْلى به السرور. ولا بأس إن كانت فسيحه، تليق بجيّد القريحه. أجعلُ نصفَها حديقه، كتلك الدور العتيقه. والغرفَ على أحسن طراز، كما تُردّ على الصدور الأعجاز. وأريد البيت صوبَ القِبله، ولا بيت بعده أو قبْلَه. على طريق واسعه، ذات أشجار ماتعه. تؤتي أكلها كل حين، ويا حبذا نهرٌ كالسّين. لكنني تاجر كما تعلم، لا طرقَتْك أم قشعم. فأخشى أن تستغرق الدار مالي، ولست ممن لا يبالي. فليت البيت عمارَه، أجعل سافلها تجارَه. فخيرُ المال ما أثمر، وقد أفلح من ادّخر. ولقد بدا لي أن أنشئ مدرسه، في هذه البلدة المفلسه. لكن أصْدُقك القول، لا حول لي ولا طول. فمِن أين لي بشريك يَنفع، محنكٍ شرّابٍ بأنقُع. ثقةٍ ذي مال، لا يحبّ قيل وقال. وما أفعلُ بشحمة الرُّكى، ومن شكا وبكى. لكني أرى المدينة في كساد، على جهل وفساد. فما العمل، ومن أسأل؟ وهبْ أن لي مال قارون، وقوة شارون. أليس الدولار إلى انهيار؟ فليس كالذهب، يُغني عن التعب. ولست أبغي الثراء، ولا أدّعي زهد أبي الدرداء. لكني أضْيَع من سراج في شمس، فأعِنّي بجهرٍ أو همس. بُغيتي منزل، رزقٌ وموئل. لا كبير، ولا صغير. ليس من صنعة الحَضَر، ولا يشبه بيوت المدَر. يكون لي سَكنا، حِرزا وأمنا. فهل تُعينني بسِمسار، يأتيني بهذي الدار.
قال نبهان بن يقظان: قلت نِعم الدار، ونِعم القرار. لكن أنّى لي بسِمسار، يبحث في اليمّ عن مسمار. لكن أرافقك في هذه الملحمَه، حتى يقضي الله أمرا أبرَمَه. حفاوةً لا مَأربَه، وفاءً لذي مَقربَه. فإن نعثرْ على العنقاء، فإبليس من العُتقاء. وإن يخبْ مسعانا، فواللهِ قد كفانا، أنْ قد غامرْنا في شرف مَروم، ولم نقنعْ بما دون النجوم. ثم أنشأت أقول:
ألَا أبلغْ سُهيلا أنّ دارًا ... بوَقواقٍ مؤثَّثةً تُباعُ
وما سمعتْ بها أُذْنٌ يقينًا ... وما كانتْ محاسنُها تُشاعُ
ولا عينٌ رأتْ بيتًا نظيرًا ... ولا وفّتْ عجائبَها يَراعُ
وقد ذُكِرتْ بأسفارٍ ثِقالٍ... بتَبجيلٍ وأوصافٍ تُذاعُ
فأدرِكْ بيتكَ المأمولَ وانهَضْ ... وإلّا فالتّحِيّةُ والوَداعُ