قراءة في مناظرة بين الأديبين مولود معمري و الطاهر وطار

من الصعوبة بمكان أن نضع كل ثقافة في إطارها الصحيح، طالما هناك من يبيع الأفكار الإستعمارية الغربية القديمة و الحديثة في غلاف وطني براق من اللغة العربية، يقول منظرون أن من أبرز معالم هذه الثقافة يبرز في قضية لا يختلف عليها اثنان و هي وحدة الأمة العربية و الإسلامية، و طرحوا السؤال التالي: أين نحن من هذه الوحدة في ظل التشتت و التجزئة التي تعيشها الأمة العربية و الإسلامية اليوم؟ و بالتالي فالذين صنعوا التجزئة تركوا آثارهم قبل أن يرحلوا و توارثتها الأجيال جيلا بعد جيل، فكل ثقافة تعبر عن هويتها و كل مجتمع ينتمي إلى ثقافته، يقود هذا الوضع إلى الحديث عمّا حققته الثقافة العربية والثقافة الأمازيغية و الثقافة الإسلامية أمام إصرار التيار "الفرانكفوني" على فرض وجوده و من حقه ذلك طبعا، لأنه يرى أن الثقافة الغربية ثقافة راقية، و باقي الثقافات مبنية على التعصب و التشدد، فكانت النتيجة أن تعرصت الثقافة العربية إلى التمييع، و أدى هذا التمييع إلى تنامي ظاهرة الإغتراب الثقافي بل الذوبان في مختلف معانيه

التقرير الذي تناوله الأديب الجزائري مولود معمري حول الثقافة في أول ملتقى ثقافي دعا إليه الرئيس الراحل هواري بومدين و احتضنته مدينة قسنطينة لإقامة حوار موضوعي أساسه دراسة أسباب الركود الثقافي الذي لازم البلاد منذ الإستقلال حضرته وجوه أدبية و فكرية و قد تحولت مداخلة الأديب مولود معمري إلى مناظرة بينه و بين الأديب لطاهر وطار حينما تطرق مولود معمري إلى المشاكل التي يعيشها قطاع الثقافة مقدما نبذة من تاريخ اتحاد الكتاب الجزائريين و المغالطات التي كانت على حساب الثقافة في الجزائر، فقد صنف مولود معمري الثقافة إلى تيارين: تيار عربي مسلم و تيار غربي و لقي تصنيفه للثقافة رد فعل الأديب الطّاهر و طّار الذي قال أن الثقافة هي إمّا رجعية برجوازية و إمّا ثورية تقدمية مهما كان الحرف الذي تُكْتَبُ به و حتى الطرح الذي قدمه الطاهر وطار لقي انتقادات بعض المثقفين، الذين علقوا بالقول: كيف يمكن تصنيف الثقافة تصنيفا دينيا، لمجرد أنها تكتب بلغة القرآن؟ أو يكتبها عرب ينتمون إلى الإسلام و طرحوا السؤال التالي: هل العرب المسيحيون في لبنان و مصر مثلا المثقفون باللغة العربية يمكن أن نسمي ثقافتهم ثقافة عربية مسيحية، و كيف يتناسى مولود معمري الثقافة التي تكتب باللغة الفرنسية و باقلام جزائرية بأن يضيف لها صفة الغربية المسيحية و ينفي بجرة قلم كل التيارات الثقافية و مذاهبها المتعددة التي أثرت في المثقف الجزائري سواء كان مثقفا بالعربية أو الفرنسية.
و بصدق العبارة يرى البعض أن المثقف الحقيقي يجب ان يرتفع عن ما يسمى بالسفاسف و الجزئيات حتى و إن مسّته كفرد مثلما نراه اليوم و الملاسنات بين المثقفين عبر المنابر و مواقع التواصل الإجتماعي بلغت حدود المساس بحريتهم الفردية و خير دليل الإنتقادات التي توجه لبعض المثقفين أمثال المفكر محمد أركون و الروائي أمين الزاوي و غيرهم من باب التضييق عليهم و حتى لا تطبق عليهم صفة المثقف الملتزم ، و كان باستطاعتهم حل المشاكل بالحوار دون اللجوء إلى الطرق القانونية مثلما تعرض له المفكر سعيد جاب الخير، إن الركود الثقافي في الجزائر كما يرى ملاحظون يتمثل في غياب التشجيع المادي و المعنوي للإنتاج الوطني أدبيا كان أم فنيا و عدم تبنّيه من طرف المؤسسات الثقافية و كذلك دور النشر، كما يتمثل في انعزال المثقف عن الجماهير، حيث ساهم هذا الإنعزال و غياب المسؤولية في فتح الباب أمام الغزو الثقافي الأجنبي.
ربما هذا ما أراد مولود معمري الإشارة إليه، و هو الذي مُنِعَ من تقديم محاضرته حول التراث الأمازيغي في الجزائر، و أصبح في نظر العروبيين خطرا يهدد الثقافة الوطنية رغم أن كل التيارات الثقافية تصنف نفسها في خانة الملتزم بقضايا الجماهير، ثم كيف نشرح مفهوم الثقافة الوطنية المرتبطة بالهوية هل تتوقف هذه الثقافة عند حدود تأليف الأناشيد الوطنية و الملحمات و المسرحيات و إنجاز الأفلام الثورية، و هذا يتطلب بالضرورة وجود المثقف الثوري، الذي هو مطالب اليوم أن يكون حاضرا بقوة لمواكبة التطورات التي تعيشها البلاد و المخاطر التي تهددها من كل جانب، أي أنه ينزل إلى الساحة و يلتقي بالجماهير، والملاحظ أن مثقفو الأمس نزلوا بفكرهم إلى الشارع ليحتضنوا الجماهير و منهم الأسماء السالفة الذكر و آخرون كالأستاذ مصطفى الأشرف الذي كان يدافع بقوة عن اللغة القومية و النهوض بالتراث الجزائري مثله مثل المؤرخ عثمان سعدي الذي كان أكثر المتعصبين للغة القومية و كذلك الأستاذ عبد الرحمان بوشامة المفتخر بعروبته و كان من بين المطالبين بضرورة الرجوع إلى الأصل و بعث الشخصية الجزائرية، أي أن يكون في الجزائر أدب جزائري و مسرح جزائري و سينما جزائرية بعيدا عن الإقتباسات كما كنا نرى في سنوات غير بعيدة في المسرح حيث غالبا ما تكون المسرحيات اقتباسا لمسرحيات "موليير" و تترجم إلى اللغة العربية.
إن بعث الثقافة الجزائرية الأصيلة كان الهدف منه خدمة الإنسان الكادح في جزائر الثورية و كان هذا مطلب الأديب الطاهر وطار، مع ضرورة التفتح على الثقافات العالمية التي تتوافق والإتجاهات الثورية، من أجل الصعود إلى قمة الفكر الذي صعد به أدباء و مفكرون جزائريون الذين نسجوا بأقلامهم صورة حية للواقع الجزائري أمثال الأديب محمد ديب رغم أنهم كتبوا بلغة غير اللغة العربية، و آخرون رفضوا الإنكماش الفكري، هؤلاء سار على نهجهم مثقفون محدثون واكبوا عجلة التغيير التي كانت تدور بسرعة و أسقطوا كما يقال الوصايات الطوطمية، ثم ماهي نوعية التغيير المطلوب داخل المجتمعات العربية حتى يمكن الوقوف في وجه الغزو الثقافي و الغزو الفكري. فبالعودة إلى موقف الطاهر وطار فهو يطرح عدة إشكاليات حول كيف يمكن أن نضع الثقافة الدينية و بالخصوص الثقافة الإسلامية في إطارها الصحيح في ظل التعددية الثقافية، فأن نقول ثقافة إسلامية يعني هناك ثقافة جينية تقابلها وهي الثقافة المسيحية و الثقافة اليهودية و ثقافات أخرى فرعونية ، هندوسية و غيرها..
كيف نقدم ثقافتنا للآخر و نحن لم نتفق على ثقافة معينة داخل البلد الواحد؟
من الصعوبة بمكان أن نضع كل ثقافة في إطارها الصحيح، طالما هناك من يبيع الأفكار الإستعمارية الغربية القديمة و الحديثة في غلاف وطني براق من اللغة العربية، يقول منظرون أن من أبرز معالم هذه الثقافة يبرز في قضية لا يختلف عليها اثنان و هي وحدة الأمة العربية و الإسلامية، و طرحوا السؤال التالي: أين نحن من هذه الوحدة في ظل التشتت و التجزئة التي تعيشها الأمة العربية و الإسلامية اليوم؟ و بالتالي فالذين صنعوا التجزئة تركوا آثارهم قبل أن يرحلوا و توارثتها الأجيال جيلا بعد جيل، فكل ثقافة تعبر عن هويتها و كل مجتمع ينتمي إلى ثقافته، كما يتعلق الأمر بالبيئة ، فالأديب مولود معمري مثلا نشأ في بيئة تختلف عن البيئة التي نشأ فيها الأديب الطاهر وطار، أو محمد ديب أو مولود فرعون، أو حتى أمين الزاوي أو واسيني الأعرج و اسماء كثيرة نشأ أصحابها في بيئة مختلفة ، فلكل منهم مكونات ثقافية و خلفيات ثقافية ، اجتماعية و دينية، و تنوع فكري أيضا، ثم أن العلاقة مع الأخر في إطارها الثقافي لا تكون على مستوى محلي فقط، بل التعامل مع الدول مرهون بإعلاء شأن البعد الثقافي في العلاقات الدولية، الأمر يتعلق هنا باللغة و المحافظة على الأصول و الثوابت باعتبار أنها جزء من الحفاظ على الذات (الجماعية).
و قد تطرق بعض الباحثين إلى موضوع "المشترك الإنساني" الذي يجعل الثقافات و الحضارات تتعايش دون صدام في إطار احترام الآخر، و طرحوا السؤال التالي: كيف نقدم ثقافتنا للآخر و نحن لم نتفق على ثقافة معينة داخل البلد الواحد كما يحدث في بلدان المغرب العربي و بالخصوص الجزائر؟، يقود هذا التساؤل إلى الحديث عن ما حققته الثقافة العربية والثقافة الأمازيغية و الثقافة الإسلامية أمام إصرار التيار "الفرانكفوني" في فرض وجوده و من حقه ذلك طبعا، لأنه يرى أن الثقافة الغربية ثقافة راقية، و باقي الثقافات فهي مبنية على التعصب و التشدد، فكانت النتيجة أن تعرصت الثقافة العربية إلى التمييع، و أدى هذا التمييع إلى تنامي ظاهرة الإغتراب الثقافي، بل الذوبان في مختلف معانيه، و كما يقول المنظرون فالثقافة ليست فقط كلمات تُكْتَبُ أو فكر يُطْرَحُ أو تراث يكتسبه جيل بعد جيل ليحافظ عليه من أجل تحقيق الإستمرارية ، بل السلوك ثقافة أيضا ، حتى يمكننا أن نثبت أننا ذوي ثقافة معينة ( التوحش و التحضر) ثقافة تختلف عن الثقافات الأخرى، و لنقف مع المفكر الجزائري مالك بن نبي ، فهو يرى بأن الثقافة تُعَرَّفُ بصورة علمية على أنها مجموعة الصفات الخلقية و القيم الإجتماعية التي يتلقاها الفرد منذ ولادته كرأسمال أولي في الوسط الذي ولد فيه، فهي المحيط الذي يعكس حضارة معينة و الذي يتحرك في نطاقه الإنسان المتحضر، فمالك بن نبي يربط الثقافة بالتاريخ و التربية حتى تشكل الثقافة نسقا متكاملا، و قد بسط مالك بن نبي مشكلة الثقافة من الوجهة التربوية و الأخلاقية و قال هي في جوهرها مشكلة توجيه الأفكار.
ما يمكن قوله هو أن العولمة و كذلك العالم الإفتراضي فتح الباب على مصراعيه للطعن في الأفكار و المفاهيم و باسماء مستعارة، و بالتالي صعب التحاور مع شخص حقيقي و آخر مجهول الهوية و الإنتماء، لا يُعْرَفُ عنه شيئا منهجه الفكري و منهجه التحليلي و إلى أيّ تيار ينتمي، و لذلك ظلت القدرة على التطور محدودة، ظل غيرنا ينتج و نحن نقلد و نقتبس فكان المثقف في الجزائر مستهلكا أكثر ما هو منتج، و العيب ليس فيه، بل يعود إلى الأسباب التي تم التطرق إليها في البداية، فهل نعزي أنفسنا إذن لأننا ننتمي إلى العالم الثالث و لم نفكر في كيف يمكننا أن نواجه التحديات و التغلب عليها لمواكبة العصر و المشاركة في بناء حضارته، و من ثمّ يمكن التأثير في الرأي العام الذي يحرك الأمّة التي تعيش عصرها و تتجاوز الإنحرافات و تحقق النهضة و التجديد، لقد دعا بعض المثقفين الغيورين إلى تكريس الأمن الثقافي مثلما ذهب في ذلك الأستاذ محمد محفوظ ليس مجرد هدف ثقافي فكري بل كهدف حضاري ينطوي على جوانب سياسية و وطني لا تقل اهمية عن الجوانب الثقافية كونه عنصرا من عناصر النهضة الإجتماعية و مظهرا من مظاهر القدرة على التحرر و المؤثرات الخارجية الوافدة، و ألأمن الثقافي كما يراه هو يعني توفير الثقافة الصالحة للناس حتى يتمكنوا من خلالها أن يعيشوا حياتهم المعاصرة بشكل سليم و إبجابي و يحققون ذاتهم الثقافية الحضاريةلأنه لا يمكن تصور مجتمعا بلا ثقافة كما لا يمكن الحصول على ثقافة بدون مجتمع لأنها بحاجة إلى الكيان الإنساني الذي يساهم في تطويرها.

علجية عيش بتصرف
للمقال مراجع