قصة ملكة سبإ فى سورة "النمل"
إبراهيم عوض
"وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ (20) لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ (21) فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ (22) إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ (23) وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ (24) أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ (25) اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (26) قَالَ سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (27) اذْهَبْ بِكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهِ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانْظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ (28) قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ (29) إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (30) أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (31) قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنْتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ (32) قَالُوا نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانْظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ (33) قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ (34) وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ (35) فَلَمَّا جَاءَ سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آَتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِمَّا آَتَاكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ (36) ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَا قِبَلَ لَهُمْ بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ (37) قَالَ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (38) قَالَ عِفْريتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آَتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ (39) قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آَتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآَهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ (40) قَالَ نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا نَنْظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لَا يَهْتَدُونَ (41) فَلَمَّا جَاءَتْ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ (42) وَصَدَّهَا مَا كَانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنَّهَا كَانَتْ مِنْ قَوْمٍ كَافِرِينَ (43) قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (44)":

"السلطان المبين" الذى أراده سليمان من الهدهد هو العذر الواضح على أنه لم يكن غائبا عن إهمال أو عصيان. و"مكث غير بعيد": لم يطل به الوقت بل ظهر سريعا. و"أحطت بما لم تحط به": عرفت شيئا لم تكن تعرفه. و"لا يهتدون": لا يرون الحق لأنهم تركوا الشيطان يصنع بهم ما يشاء، إذ تركوا عقولهم وأهملوها وانكبوا على عبادة الشمس دون تفكير فى سخف العقيدة التى سولت لهم ذلك وما فيها من انحطاط وعدم لياقة ببنى الإنسان. "ألَّا يسجدوا لله": ذلك أنهم لا يسجدون لله. و"الخَبْء": ما اختبأ فلم يدركه المدركون، لكن الله سبحانه لا يغيب عنه شىء فى الأرض ولا فى السماء، فهو الخالق الذى خلق كل شىء ووضعه فى موضعه وأعطاه كيانه وقام على حفظه، ولو تخلى عنه طرفة عين لامحى من الوجود. فكيف يمكن أن يغيب عنه شىء فى ملكه؟ "والكتاب" الذى بعث به سليمان مع الهدهد هو رسالة سفارية. "ماذا يرجعون؟": ماذا يكون رد فعلهم؟ "لا تعلوا علىَّ": لا تعصونى وتتمردوا على أمرى. "وأْتُونى مسلمين": تعالوا إلىَّ خاضعين مستسلمين. "والملأ": كبار رجال الدولة. "أفتونى فى أمرى": أشيروا علىَّ بما عندكم من رأى. "ما كنت قاطعة أمرا حتى تشهدون": لم أكن لأتخذ قرارا دون أن يكون بمحضر وموافقة منكم. "ناظرة بم يرجع المرسلون": منتظرة لأرى بأى شىء يحضر السفراء من لدن سليمان. "لا قبل لهم بها": لا يستطيعون أن يقفوا فى طريقها. "قبل أن يأتونى مسلمين": قبل أن يأتونى خاضعين لأمرى. "قبل أن يرتد إليك طرفك": قبل أن يطرف جفنك. "نكِّروا لها عرشها": أحدثوا فيه من التغييرات ما يجعله مختلفا عما ألفته منه. و"الصرح": القصر، وكان من زجاج ممرد، أى شديد الملاسة والرقة والصفاء حتى ليظن من يراه أنه والماء الذى يجرى تحت أرضيته شىء واحد. و"اللجة": الموج.
"وأوتينا العلم من قبلها وكنا مسلمين": هذا كلام ملكة سبإ. وفيه إشارة إلى ما سمعته عن سليمان وملكه وعظمته وقوته قبل أن ترد عليه. ثم تقول له: وقد استسلمنا لك لما نعلمه من قوتك وعظمة سلطانك. وليس معناه أنها أسلمت لله، فإن قوله تعالى تعقيبا على هذا: "وصدها ما كانت تعبد من دون الله إنها كانت من قوم كافرين" معناه أنها كانت تعبد الشمس وكانت كافرة من قوم كافرين. وقد صدها هذا فى البداية عن الإيمان بالله ودخول الإسلام، الذى هو دين الأنبياء جميعا. أما إعلانها الدخول فى الإسلام وتخليها عن عبادة الشمس والكفر الذى كانت عليه ففى قولها فى آخر الحوار: "وأسلمتُ مع سليمان لله رب العالمين". وبهذه الطريقة التى فسرت بها الآيات نتغلب على تقطيع المفسرين للنص الكريم وإحالة هذه الجملة على سليمان، وتلك عليها دون أن يكون هناك ما يساعد على هذا التقطيع وتلك الإحالات لا من تركيب الجمل ولا من السياق ولا من التاريخ. وقد دفعت نسبة المفسرين عبارة "وأوتينا العلم من قبلها وكنا مسلمين" إلى سليمان عليه السلام المستشرق الفرنسى بلاشير فى ترجمته للقرآن إلى القول بأن هذا يستلزم القول بأن هناك جملة ناقصة فى الكلام.
وهذه ما قاله ابن كثير مثلا محذوفا منه ما لا علاقة له بتركيب الكلام: "لما جيء سليمان عليهالسلام بعرش بلقيس قبل قدومها أمر به أن يغير بعض صفاته ليختبر معرفتهاوثباتها عند رؤيته هل تقدم على أنه عرشها، أو أنه ليس بعرشها... "فَلَمَّاجَآءَتْ قِيلَ: أَهَكَذَا عَرْشُكِ؟"... فكان فيها ثبات وعقل، ولها لب ودهاء وحزم، فلم تقدم علىأنه هو لبعد مسافته عنها ولا أنه غيره لما رأت من آثاره وصفاته، وإنْ غُيِّروبُدِّل ونُكِّر، فقالت: "كَأَنَّهُ هُوَ" أي يشبهه ويقاربه. وهذا غاية فيالذكاء والحزم. وقوله: "وَأُوتِينَا ٱلْعِلْمَ مِن قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ"، قال مجاهد: يقوله سليمان. وقوله تعالى: "وَصَدَّهَا مَاكَانَت تَّعْبُدُ مِن دُونِ ٱللَّهِ إِنَّهَا كَانَتْ مِن قَوْمٍكَـٰفِرِينَ" هذا من تمام كلام سليمان عليه السلام في قول مجاهد وسعيد بنجبير رحمهما الله، أي قال سليمان: "وَأُوتِينَا ٱلْعِلْمَ مِن قَبْلِهَاوَكُنَّا مُسْلِمِينَ"، وهي كانت قد صدها، أي منعها من عبادة الله وحده "مَا كَانَت تَّعْبُدُ مِن دُونِ ٱللَّهِ إِنَّهَا كَانَتْ مِن قَوْمٍكَـٰفِرِينَ". وهذا الذي قاله مجاهد وسعيد وحسنٌ. وقاله ابن جرير أيضاً، ثمقال ابن جرير: ويحتمل أن يكون في قوله: "وَصَدَّهَا" ضمير يعود إلى سليمان أو إلى الله عز وجل تقديره: ومنعها مَا كَانَت تَّعْبُدُ مِندُونِ ٱللَّهِ،أي صدها عن عبادة غير الله، إِنَّهَا كَانَتْ مِن قَوْمٍكَـٰفِرِينَ. قلت: ويؤيد قول مجاهد أنها إنما أظهرت الإسلام بعد دخولها إلىالصرح كما سيأتي... والغرض أن سليمان عليه السلام اتخذ قصراً عظيماً منيفاً من زجاجلهذه الملكة ليريها عظمة سلطانه وتمكنه، فلما رأت ما آتاه الله وجلالة ماهو فيه وتبصرت في أمره انقادت لأمر الله تعالى، وعرفت أنه نبي كريم وملكعظيم، وأسلمت لله عز وجل وقالت: "رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي"، أي بماسلف من كفرها وشركها وعبادتها وقومها للشمس من دون الله، "وَأَسْلَمْتُمَعَ سُلَيْمَـٰنَ لِلَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ" أي متابعة لدين سليمان فيعبادته لله وحده لا شريك له".

والآن هذا ما كتبه د. شوقى ضيف فى كتابه: "الوجيز فى تفسير القرآن الكريم" فى نفس الموضوع: "وقال لهم: أيكم يأتينى بعرشها قبل أن تأتينى مع قومها مسلمين، أى قبل أن ينزلوا بديارنا ويعتنقوا الإسلام دين التوحيد؟... قال سليمان لملئه: نكِّروا لها عرشها وغيروا ما فيه بحيث لا تعرفه لنرى أتعرفه أم لا تعرفه. فلما جاءت عُرِضَ عليها وسئلت: أهكذا عرشك؟ قالت: كأنه هو. فاستدل سليمان بذلك على رجحان عقلها. وأوتينا، أى نحن قوم سليمان بنو إسرائيل، العلم، والمراد بالعلم هنا الحكمة أو علم الشريعة منذ موسى مِنْ قَبْلها: من قبل بلقيس وقومها، وكنا مسلمين نوحد الله ونعبده لا شريك له. وصدها عن الإسلام والتوحيد ما كانت تعبد من دون الله، الشمس، مع قومها الكفار. وأراد سليمان أن يريها أثرا من آثار حضارة قومه، فطلب منها بعض مرافقيها من بنى إسرائيل أن تدخل الصرح... فانبهرت، قالت: رب، إنى ظلمتُ نفسى بعبادة الشمس وأسلمتُ مع سليمان لله ربِّ العالمين".
وعودا إلى ما قاله غسان النقيب مما هو موجود فى التفسير القاديانى العربى لنرى ماذا يقول القاديانيون عن فهم سليمان للغة الطيور وتعامله مع الهدهد واستخدامه للجن نقرأ ما يلى: "قال المفسرون عن قول سليمان: "عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ" أنه كان يفهم لغة الطيور من حمام وسمان وحجل وعصافير وغيرها كما يفهمالإنسان كلام إنسان آخر... ويقول المفسرون أيضًا أن سليمان عليه السلام كان يقول إن الحمام يقول: لِدُوا للموت وابنُواللخراب... ويقول الهدهد: من يرحم الناس يرحمه الله تعالى... وتقول الحدأة: كل شيء هالك إلا وجهه (القرطبي). إذن فقد بذل المفسرون جهدهم ليثبتوا أن سليمان عليه السلام كان يفهم منطق الطير جيدًا، وقد ضموا الضفدع إلى الطيور أثناء محاولتهم هذه. والحق أنهمقد وقعوا في هذا الخطأ لعدم فهمهم هذا الكلام الذي هو من قبيل الاستعارةوالمجاز، مع أنه يماثل قول الله ﷻ: "وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ) "البقرة:/ 188). أي أن وقت السحور في ليالي رمضان ينتهي عندما يتضح الخيطالأبيض من الخيط الأسود من الفجر. ولكن بعض الفلاحين البسطاء من بلادنا:"البنجاب" يضعون عندهم في ليالي رمضان خيطًا أبيض وخيطًا أسود، وبما أنالخيط لا يُرَى إلا في الضوء الكافي فلا يبرحون يأكلون بعد طلوع الفجرأيضًا في انتظار أن يتبين لهم الخيط الأبيض من الخيط الأسود...
ولكن ما الفائدة من تعليم منطقالطيور؟ فهل تعلَم الطيور معارف وعلومًا عظيمة حتى نقول أن سليمان عليه السلام عُلّممنطقها لكي لا يظل محرومًا من معارفها وعلومها؟ كلا، بل الواقع أن الطيورلا تملك من العقل ما يملكه أغبى وأجهل إنسان في العالم، فماذا عسى أن يتعلممنها نبي الله سليمان عليه السلام؟... الحق أن قول سليمان: "عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ" هو من قبيل الاستعارة والمجاز كما بينتُ من قبل، ولكن هؤلاء القوم لميفهموه فوقعوا في نقاش لا طائل وراءه. الواقع أن "الطير" في العربية هو كل مايطير، ويُطلق استعارةً على عباد الله المختارين المقربين الذين يحلّقونعاليًا في أجواء السماء الروحانية... وسبب إطلاق "الطير" عليهم استعارة هو أن الطيور تطير في جوالسماء، والعلوم الروحانية أيضًا تنـزل من السماء، ومن الواضح أن الشيءالذي ينـزل من فوق سيتلقاه أوّلاً مَن يطير إلى فوق... إذًن فالمراد من قول سليمان عليه السلام: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْر" أنه قد عُلِّمَ اللغة التي يُعلَّمها الذين يطيرون في سماء الروحانيةعاليًا. أي أنه قد أُعطي المعارف والحقائق التي تُعطى للأنبياء...
ثم يقول سليمان عليه السلام: "وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ". واعلم أن هذا لا يعني أنه أُوتي كل شيء في العالم، بل المراد أن اللهأعطاه كل ما كان بحاجة إليه. ذلك أن القرآن الكريم قد نقل في هذه السورةقول الهدهد عن ملكة "سبأ" أيضًا: "وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ" (الآية 24) مع أنها لم تكن تحكم إلا على منطقة صغيرة جدًا. فلو كانالمراد من قول سليمان أنه قد أُعطي كل شيء في العالم لكان معنى ذلك أنهأُعطي ملك ملكة سبأ وعرشها أيضًا، ولكان المراد من قول الهدهد أن ملكةسبأ كانت تحكم على سليمان وتملك جنوده أيضًا مع أن كلا الأمرين باطلبالبداهة. الحق أن كلمة "كل" في العربية لا تعني بالضرورة جميع أفراد جنسما، بل يُراد بها فقط كل ما هو ضروري. فمثلاً يقول الله ﷻ في القرآنالكريم: (فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ) (الأنعام: 45). أي أن الذين خلوا من قبلكم لما نسوا ما ذُكّروا به فتحنا عليهم أبواب الرقي بكل أنواعها، ثم أنـزلنا عليهم العذاب. وهنا أيضًا لايُراد من لفظ "كُلِّ شَيْءٍ" أنهم أُعطوا نعم الدنيا كلها، بل المراد أنهم أُعطوا نصيبًا من النعم العظيمةالمتوافرة في عصرهم وبلادهم...
"وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُون" (النمل/ 18): يبدو من هذه الآية أن سليمان عليه السلام كان يتأهب عندئذ لمحاربة بعضالبلاد، فجُمِع له جنوده كلهم بمن فيهم جند الجن وجند الإنس وجند الطيور. إن المفسرين بمجرد أن يقرأوا لفظ "الجن" هنا يظنون أن الجن كائنات غير مرئيةكانت تحت إمرة سليمان عليه السلام مع أنهم لو تدبروا القرآن الكريم لم يلجأوا إلىهذا التأويل الذي لا طائل منه. ولفهم حقيقة الجن علينا أن نرى أوّلاً وقبلكل شيء ما إذا كان القرآن يذكر أن الجن كانوا يحضرون إلى سليمان فقط أم أنه ذكر أنهم حضروا إلى غيره من الأنبياء الآخرين أيضًا. وعندما نفحص القرآن نقرأ فيه قول الله تعالى: "وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ * قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًاأُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِيإِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ * يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوادَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْوَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيم (الأحقاف/30- 32)... وعليه فلم يكن سليمان عليه السلام هو النبي الوحيد الذي آمن به الجن، بل قد آمنوا بموسى عليه السلام وآمنوابالنبي ﷺ بحسب القرآن الكريم. ولكن المؤسف أن المفسرين يذكرون قصصًا غريبةعن الجن الذين كانوا تحت قبضة سليمان عليه السلام. فيقولون مثلاً أنه كان يجلس علىبساط، فكان الجن يمسكون بأطرافه ويطيرون به إلى السماوات. أما الجن الذينآمنوا بالنبي ﷺ في زمنه فلا يذكر المفسرون، ولو برواية ضعيفة جدًا، أنهم قدموا مثل هذه المساعدة له ﷺ أيضًا مع أن النبي ﷺ وأصحابه قد تكبدوا عناءالسفر مرارًا، إذ لم يجدوا ما يركبون، ففي مرات كثيرة أتوه يبكون ويسألونهأن يعطيهم ما يركبونه ليخرجوا معه، ولكنه لم يجد لهم ما يركبون. فخرجوا معه ﷺ مرات كثيرةٍ حُفاةً في أسفار طويلة شاقة. ولكن هؤلاء الجن لم تلن قلوبهم القاسية رغم رؤية ما تعرض له النبي ﷺ وصحابته من آلام. كانوا يحملون سليمان عليه السلام وجنوده من مكان إلى مكان، ولكن الغريب أنهم لم يحملوا ولو عشرين من فقراءالمهاجرين إلى ساحة القتال! يقول البعض أن الجن كائنات من غير جنس الإنسان،وقد آمن هؤلاء بنبينا وبموسى وسليمان عليهم السلام.
ولكن علينا أن نرى ما إذا كان القرآن يصدق هذا المعنى أم لا. إذا كان الكلام عن الجن استعارة فلا بد أن القرآن الكريم قد بيّن مراده منها، وإذا لم نعتبر هذا الكلام من قبيل الاستعارة وقع التناقض بين آيتين من القرآن الكريم وحصلفيه الاختلاف. فعلينا أن نرى ما إذا كان اعتبار هذا الكلام استعارة يؤديإلى الاختلاف في القرآن الكريم أم العكس هو الذي يؤدي إلى الاختلاف فيه؟وليكن معلومًا أن الذين لا يعتبرون هذه الآية استعارة ويقولون أن الجن كائنات غير مرئية مثل الشيطان، وكما أن الشيطان كائن منفصل عن الإنس فالجن أيضًا كائنات غير الإنس. والجواب أن هناك إجماعًا لدى المفسرينعلى أن الشياطين المذكورين في قوله تعالى: "وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ" هم اليهود ورؤساؤهم. فإذا كان الإنس يمكن أن يسمَّوْا: شياطين فلماذا لا يسمَّون: جنًّا أيضًا؟ كذلك قال الله تعالى: "وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنْسِ وَالْجِنِّيُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا" (الأنعام/ 113). أي قد جعلنا لكل نبي أعداء من شياطين الإنس ومن شياطين الجن الذين يحرّضون الناس على النبي وجماعته. لقد صرح الله هنا أن الشياطين يكونون من الناس أيضًا. فإذا أمكن أن يكون هناك شياطين الإنس فكيف لا يكون هناك جنّ الإنس؟ بمعنى أنه كما يمكن أن يولد من الناس من يسمون: شياطينفكيف لا يمكن ألا يكون من الناس من يسمّون: جنًّا؟ لقد ثبت مما سبق بيانهأن الجن لم يكونوا في قبضة سليمان فحسب بل لقد آمنوا بموسى وبنبيّنا ﷺأيضًا. والآن نرى: إلى من بُعِث النبي ﷺ؟ يقول الله تعالى لنبيه ﷺ: "وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً" (النساء/ 80). فلو كانت كائنات خفية تسمى: جنًّا قد آمنت بالنبي ﷺ فكان منالمفروض أن يُقال: "وأرسلناك للناس والجن رسولاً". وإذا كان النبي ﷺ مبعوثًا إلى الناس فثبت أن الجن الذين قِيل هنا إنهم آمنوا به ﷺ إنما كانوا من جن الإنس، وليس كائنات غريبة خفية يتصورها الناس. كذلك ورد في الحديثعن جابر بن عبد الله رضى الله عنه أن النبي ﷺ قال:أُعطيتُ خمسَ خصال لم يُعْطَها نبي قبلي، وإحداهن "كان النبي يُبعث إلى قومه خاصة وبُعثت إلى الناس عامة". لقد صرح النبي ﷺ هنا بشكل حاسم أنه لم يوجد بين الأنبياء السابقين نبي واحدبُعث إلى أحد سوى قومه. ولكن هؤلاء المفسرين يقولون أن سليمان عليه السلام قد بُعِث إلى الجن والطيور والنمل أيضًا. ولو كان هذا صحيحًا لصار سليمان أفضل منالنبي ﷺ، والعياذ بالله، إذ كان مبعوثًا إلى الإنس وغيرهم أيضًا، بينما كاننبينا ﷺ مبعوثًا إلى الإنس فقط.

ثم إذا كان هؤلاء الجن من غير الإنس فكيفقال الله ﷻ في القرآن الكريم: "ويَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الإِنْسِ" )الأنعام/ 129)... أما إذا اعتبرناهم كائنات غير إنسانية فالسؤال الذي يفرض نفسه هنا والذي يجب أن يجيب عليه القائلون بالجن هو: لماذا لم ينصر هؤلاء الجن رسولنا ﷺ رغم إيمانهم به، ورغم أن الله تعالى أمر بنصرته ﷺ؟ الأمر الواقع أن فئة من الناس يكونون في غاية الإباءوالتمرد فلا ينقادون لأحد، ولكنهم عندما يأتون الأنبياءَ يتغير حالهم رأسًاعلى عقب فجأة. وخير مثال على ذلك هو عمر رضى الله عنه، فكان في البداية لا يتحمل سماعكلمة عن الإسلام حتى استشاط غضبًا ذات مرة، فامتشق حسامه وخرج بنية قتلالنبي ﷺ. ولكنه لما أتاه أخذ يرتعد هيبةً له ﷺ...
فثبت من هنا أن هناك أناسًا منذوي الطبائع النارية، ولكنهم عندما يأتون الأنبياءَ تخمد نارهم وتهدأ حدّتهم، وهؤلاء أيضًا يسمَّون في اللغة العربية: جنًّا. كما يراد بالجنعِليةُ القوم الذين يقيمون في القصور وراء حراسة شديدة فلا يصل أحد إلىأبوابهم بسهولة، فقد ورد في القواميس: جِنُّ الناس: معظمهم. إذًن فكلمة "الجن" في قوله تعالى: "وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ" قد أُطلقت على فرقة خاصة لسليمان عليه السلام، إذ كان رجالها من أسر عريقة، وكانوا معتادين على الإقامة في القصور وراء حراسة مشددة، وبالتالي استحقوا أن يُسَمَّوْا: جنًّا، أي الذين لا يراهم الناس عادة كونهم يعيشون بعيدًا عن أنظارالقوم. فقد ورد في القاموس أن الجن يُطلق على "كل ما استتر عن الحواس"... أي هم القوم الذين لا تسمع آذان الناس أصواتهم ولا ترى عيونهمأشخاصهم وكأنهم يعيشون منعزلين عن العالم، وبتعبير آخر، هم عِلية القوموأمراؤهم. وقد ورد هذا المعنى أيضًا في القواميس بكل وضوح. إذن كان قوامجنود سليمان عليه السلام فرقًا ثلاثًا: فرقة الحرس الخاص من عِلية القوم، وفرقة عامةالناس، وفرقة الرجال الروحانيين."
والحقيقة أننا إذا لم نفهم من الآية الكريمة أن سليمان عليه السلام كان يعرف لغة الطيور ويفهمها ما كان للآية معنى، إذ قال سليمان ذلك على سبيل الشكران والاعتراف بفضل الله عليه، مما لا بد أن يكون ما تفضل به الله عليه شيئا متميزا ليس عند غيره، وليس هناك ما ينطبق عليه ذلك فى السياق المذكور إلا أنه كان يعلم لغة الطيور. أما أن سليمان كان يسمع كلام هذا الطائر أو ذاك وهو يتحسر على البشر وينفّر من الدنيا وما فيها فهو كلام قصاصين ليس له أساس لا من القرآن ولا من الحديث ولا من التاريخ الموثوق. ثم إن كلام الطيور هو دعوة إلى النفور من الدنيا. فيا ترى من لقن الطير هذه الدعوة العدمية؟ وهل قالوا ذلك لأنفسهم فلم يلتقطوا الدود مثلا ويحرموه حق الحياة ما داموا قد صاروا بهذا الزهد العجيب؟ بل إن كلام بعض الطيور مأخوذ من هذا الواعظ أو ذلك الشاعر أو تلك الآية كقول أحد الطيور: "لدوا للموت، وابنوا للخراب"، إذ هو شطر من بيت أبى العتاهية الشاعر العباسى. يقول أبو العتاهية:
لِدُوا لِلمَوْتِ وَابْنُوا لِلْخَرابِ = فَكُلُّكُمُو يَصِيرُ إِلى ذَهابِ
وكأنه لا يكفينا سخف أبى العتاهية ونفاقه، وإلا لقد كان أحرى بطائرنا الظريف فضيلة الشيخ حمام أن يمتنع عن مديح الخلفاء ونيل جوائز الخلفاء الضخام، ودون أى عمل ينفع البشرية، ما دام يبغِّضنا فى الحياة وبناء البيوت وإنجاب الأطفال زينة الدنيا وبهجتها. ترى من علم الطيور ذلك النفاق والهلس الصفيق؟ وأما الهدهد فيقول: "من يرحم الناس يرحمه الله تعالى"، وهو ما يذكرنا بالأثر المشهور: "الراحمون يرحمهم الرحمن"... وهكذا. وأما أن فى اللغة مجازا فهذا مما لا مشاحة فيه، إنما تبدأ المشاحة والمشاحنة حين نرى من يحول كل تعبير حقيقى إلى مجازى لا لشىء سوى أنه دخل موضوعه بنية مسبقة لِلَىّ كل شىء وتحويله إلى مجاز تكذيبا لما لا يعجبه من معجزات الأنبياء، فبدلا من التصريح بأنه لا يصدق هذه النصوص يسارع إلى ليها عن معناها إلى معنى آخر يتكلفه تكلفا.
وهو يستغرب أن يكون سليمان بحاجة إلى التعلم من الهدهد مع أن أعظم طير يقل فى ذكائه عن أغبى إنسان، فكيف يكون لدى الهدهد علم أعلى مما لدى نبى كسليمان؟ والجواب أن أحدا لم يقل إنه الطيور أذكى من البشر، وهو ما يصدق على الهدهد، الذى لم يقل أحد ولا جاء فى القرآن أنه أذكى من سليمان أو أن سليمان بحاجة إلى التعلم منه، بل الأمر وما فيه أنه لطيرانه بعيدا بسرعة وسهولة يستطيع أن يطلع على ما لا يطلع عليه سليمان، الذى لا يفارق بلاده ولا يطير فى السماء بالسرعة التى يطير هو بها. وهذا مثلما نعرف نحن الآن عن طريق الأقمار الصناعية، وهى جماد لا طير، ما لم نكن نعرفه من قبل رغم أن أحدا لا يقول ولا يمكن أن يقول إن الأقمار الصناعية لها عقل وإنها أذكى من البشر.
وأما تفسيره للطير بأنهم الرجال الذين يطيرون فى سماء الروحانية فهو تفسير باطل، ولم نر أحدا استخدمه هذا الاستخدام المجازى، بل كثيرا ما يستعمل للدلالة على السرعة الشديدة. ثم هل سليمان وحده هو الملك الذى كان فى جيشه ناس روحانيون؟ ألا إن ذلك لأمر غريب. كما أن وضع القرآن للطير بإزاء الإنس والجن معناه أن الطير غير الإنس وغير الجن. ويؤكد ذلك أكثر وأكثر سؤاله عليه السلام عن الهدهد. ولا يعقل أن يترك سليمان والقرآن أسماء البشر ويستخدما عوضا عنها أسماء الطيور: فهذا هدهد، وذاك بومة، وذلك أبو قردان، وهذاك أبو فصادة، وهذلك غراب.. وهلم جرا. كذلك لا يعقل أن يترك أحد الضباط موضعه فى الجيش ويهمل مهمته التى وكلت إليه ويذهب سائحا فى البلاد البعيدة حتى يصل إلى مملكة سبإ، التى تبعد عن مملكة سليمان آلاف الكيلومترات، ويعود بسرعة شديدة، ثم لا يكتفى بهذا بل يجبه سيده الملك بقوله إن لديه من العلم ما يجهله هو، كل ذلك دون أن يكلفه أحد بهذه المهمة الاستخباراتية ودون أن يأخذ معه طعاما وشرابا وملابس ونقودا لتلك الرحلة الشاقة، ثم يدخل سبأ ويقضى فيها ما يقضى من وقت ثم يخرج ويعود دون أن يستلفت نظر أى واحد من السبئيين. ولسوف نرى كيف أن اليهود أنفسهم يفهمون الهدهد فى هذه القصة على أنه الهدهد الطائر لا الهدهد البشرى الذى يشد الكاتب الكلمة ناحيته شدا حتى يكسر رقبتها من شدة الشد والجذب واللَّىّ والعصر. وقد قرأت فى التفسير القاديانى الإنجليزى الذى حرره ملك غلام فريد أن "الهدهد" هو جنرال فى جيش سليمان. فبالله عليكم ماذا كانت أسماء ضباط وجنود الأسلحة الأخرى من مشاة وفرسان ورماة سهام ورماح واستخبارات وجواسيس؟

هذا، وقد سبق لنا فى تفسير سورة "الجن" أن عرفنا كيف أفسد القاديانيون شرح معنى الجن. وهنا نرى الكاتب القاديانى يقول إن الجن فى جيش سليمان هم فرقة خاصة به كان رجالها من أسر عريقة، وكانوامعتادين على الإقامة في القصور وراء حراسة مشددة، وبالتالي استحقوا أنيُسمَّوْا: جنًّا، أي الذين لا يراهم الناس عادة كونهم يعيشون بعيدًا عن أنظارالقوم. وهذا عجيب من القول إذ متى كان حرس الملك الخاص به يعيشون بعيدا عن الناس. فكيف يا ترى يحمونه من الناس إذن إذا كانوا لا يظهرون للناس، الذين يخشون على حياة الملك منهم؟ بل كيف تكون مهمتهم حراسة الملك ثم يوضعون هم وراء حراسة مشددة؟ ترى أهم يَحْرُسون أم يُحْرَسون؟ ثم لماذا سليمان بالذات هو الذى تستخدم له هذه المصطلحات والتسميات الشاذة دون كل الملوك جميعا من قدماء ووسطاء ومحدثين؟ وعلى هذا فقوله: "كان قوامجنود سليمان عليه السلام فرقًا ثلاثًا: فرقة الحرس الخاص من عِلية القوم، وفرقة عامة الناس، وفرقة الرجال الروحانيين" هو كلام فارغ يذكرنا بالألاعيب الأكروباتية. أما أن "الشياطين" كانت تطلق على البشر فصحيح لكن مع إضافتها إليهم كـ"شياطين الإنس" أو "شياطينهم"، أى شياطين المنافقين. أما "الشياطين" مطلقا فهم شياطين الجن. وينطبق هذا على استعمال كلمة "الجن" مجازا، إن كانت تطلق مجازا على أحد من البشر. وأما أن كلمة "الجن" تطلق على كل شخص نارى الطبع، أى عصبى المزاج، وتلتصق بهم التصاقا دائما فأين ذلك فى واقع الحياة؟ وأما أن النبى محمدا مرسل إلى الجن فقد قال هو نفسه عليه السلام: "وكان النبي يُبْعَثُ إلى قومِه، وبعثتُإلىالإنسِوالجنِّ". وهناك كلام الكاتب عن قول القرآن عن كل من سليمان وملكة سبإ إنه أوتى من كل شىء وتأكيده أنه لا يمكن أن يؤتى سليمان أو الملكة كل شىء فهو لا داعى له لأن القرآن لم يقل إن كلا منهما أُوتِىَ "كل شىء" بل "من كل شىء". وشتان التعبيران. وعلى كل حال لقد كان الكلام عن نعمة معرفته عليه السلام لغة الطير محددا وواضحا لا يحتمل تأويلا ولا بهلوانيات.
وبالمناسبة ففى التفسير القاديانى الإنجليزى ذى الأجزاء الخمسة نجد أن "تعلم سليمان منطق الطير" معناه استخدامه عليه السلام له فى نقل الرسائل. فمتى بالله كانت معرفة منطق الطير تعنى استعماله فى البريد؟ هذا تفسير حلمنتيشى لا يصلح أبدا. ثم هل كان عليه السلام هو الوحيد الذى يستخدم الطيور فى هذه المهمة حتى يقال إنها تشكل قسما كاملا من جيشه؟ وأين وجه التميز فى هذا حتى يذكره بوصفه نعمة من نعم الله العظيمة التى اختصه بها؟ ثم يعود التفسير بعد قليل فيفسر "الطير" بأنه سلاح الفرسان على اعتبار أن الطيار يطلق على الحصان الشديد السرعة. كما يستبعد هذا الكتاب أن يستخدم سليمان الهدهد الطائر فى رحلة طويلة إلى سبإ، إذ الهدهد ليس من الطيور المهاجرة كما يقول. وهذا كلام خاطئ، إذ الهدهد من الطيور التى تمارس الهجرة من بقعة جغرافية إلى أخرى. جاء فى "دائرة المعارف الكتابية" أن الهدهد "يعيش عادة فى الصحارى، ويأتى إلى أرض فلسطين فى شهر فبراير حيث يضع بيضه فى الصيف، ثم يهاجر إلى الجنوب فى شهر سبتمبر طلباً للدفء". وفى المعاجم والموسوعات الأخرى كـ"موسوعة كولومبيا" و"موسوعة أكسفورد العالمية" الإنجليزيتين و"موسوعة إنكارتا" الفرنسية نقرأ أن كثيرا من الهداهد تهاجر فى الشتاء إلى المناطق الدافئة.
كذلك يشرح هذا التفسير "الجن" بأنهم سكان الجبال الذين لا يختلطون بالناس ولم يكونوا حتى ذلك الوقت قد خضعوا لسليمان. وهو تفسير خاطئ تماما لأن سكان الجبال المزعومين هؤلاء كانوا يشكلون جزءا من جيش سليمان بما يعنى أنهم كانوا خاضعين له تمام الخضوع حتى لقد صاروا جزءا من جيشه على عكس ما يقول التفسير المذكور. أما مولانا محمد على، وهو قاديانى أيضا، فيقول فى تفسيره باللغة الإنجليزية إن هؤلاء القوم كانوا خاضعين فعلا لسليمان عليه السلام. فانظر إلى هذا التناقض الأبلق فى مسألة كهذه لا تحتمل تناقضا! ثم أين هؤلاء الناس الذين يختفون عن الأنظار ويعيشون بعيدا عن البشر كأنهم خفافيش لا يلوذون إلا بالخرائب والقفار؟ ألا إنه لتفسير عجيب ما أنزل الله به من سلطان. وأخيرا من هم أولئك الرجال المنعزلون عن البشر؟ وما أسماؤهم وأسماء قبائلهم؟ وما السبب الذى دفعهم إلى هذه العزلة وذلك الاختفاء؟ وكيف أخرجهم سليمان من عزلتهم واختفائهم؟ وهل أمرهم أن يضعوا أقنعة على وجوههم حتى يظلوا مختفين عن الأنظار فلا يعرفهم أحد؟ ولم سكت القرآن والرسول والكتاب المقدس عنهم فلم يأت على سيرتهم بشىء؟ وهل كونهم منعزلين يجعلهم صنفا آخر من الأحياء غير البشر فيذكروا بجوار الإنس كفئة خاصة من الكائنات الحية منعزلة ومستقلة ومتميزة عنهم؟ يا له من تفسير عجيب!
ومن تفسير عبد الماجد دريابادى المترجم إلى الإنجليزية نقتبس الفقرة التالية التى توافق ما قاله الأحبار اليهود عن قوات سليمان وأنها فعلا تضم البشر والحيوان والطير والأوراح والشياطين، وكذلك الزواحف والملائكة أيضا، وبنفس المعنى الذى نعرفه وبلا حذلقة فارغة:
"His rcalm is described by the Rabbis as having extendcd... over the upper world inhabited hy the angels and over the whole of the terrestrial globe with all ils inhabitants, including all the beasts, fowls, and reptiles as well as the demons and spirits.' (JE. XI. pp. 439- 440)".
وفى الفقرات التالية، وهى عن طائر الهدهد عند اليهود يتضح تماما أن ما يقوله القاديانيون فى تأويل معنى الطير، والهدهد بالذات، هو كلام لا قيمة له على الإطلاق: ففى مقال منشور بتاريخ 29 مايو 1008م فى صحيفة "الجيروزاليم بوست" الإسرائيلية عنوانه "Dirty, treif, but fit for a king, the hoopoe's our nat'l bird" يذكر آدم كريدو وجرير فاى كاشمان أن الهدهد، رغم تحريم الكتاب المقدس لحمه واعتباره إياه طائرا نجسا، قد فاز فى تصويت الإسرائيليين بالداخل والخارج فوزا كاسحا على سائر الطيور التى دخلت المنافسة الخاصة بـ"الطائر الوطنى" فى إسرائيل، وأنه فى الحكايات الشعبية اليهودية والقرآن قد قام بعمل شديد الأهمية لسليمان، إذ حاز على ثقة الملك فأرسله ليستطلع له أحوال ملكة سبإ، التى لم يكن يعرف حقيقة أمرها من حيث نظافتها والدوافع التى تحركها، وأخذ بنصيحته ونَعَتَه بـ"الحكيم".
وهناك نص هام فى هذا المجال يعود تاريخه إلى آخر القرن الثامن الميلادى تقريبا، وهو من كتابات الأحبار، ونشرته "ويكي سورس" بعد ترجمته عن العبرية والآرامية، وعنوانه "Translation: Colloquy of the Queen of Sheba"، خلاصته أن الملك سليمان أمر جيرانه من الملوك أن يقدموا عليه كى يريهم ما هو عليه من مجد ويشهدوا قدرته على التحدث مع الحيوانات والطيور والزواحف، فلبى ملوك الشرق والغرب والسمال والجنوب نداءه. وحين بدأت الحيوانات والطيور تدخل قاعة الولائم فى نظام ذاتى عند سماع أسمائهم لاحظ سليمان أن الهدهد غير موجود، فأمر بإحضاره لمعاقبته على هذا الغياب. وحين أتى الهدهد أخبر الملك بأنه أمضى أياما طوالا طائرا فى الجو دون طعام أو شراب لعله يصادف مملكة لم تصل إليها أخبار مُلْك سيده ثم يعود ويخبر الملك بما وجد، وأنه وجد مملكة بعيدة اسمها مملكة سبإ يعيش أهلها فى رغد من العيش حيث النباتات والأشجار الكثيرة والخضرة الغزيرة والأنهار التى تنبع من جنة عدن، وأن أهلها لا يعرفون الحروب ويضعون تيجانا على رؤسهم. فأمر الملك بكتابة رسالة إلى ملكة تلك البلاد يطلب فيها أن تأتى للمثول بين يديه مثل سائر الملوك، وإلا أرسل إليها جيشا جرارا من الحيوانات والطيور والجن لا قبل لها به يقضى عليها.

وطار الهدهد حاملا الرسالة تحت جناحه، وانطلقت معه طيور لا تحصى ولا تعد، ولما وصل الهدهد ورفاقه عاصمة المملكة كانت الملكة خارجة من قصرها لتأدية واجب العبادة للشمس عند بزوغها، إلا أنها لاحظت أن الشمس لم تبزغ جراء سد الطيور آفاق السماء، فشقت ملابسها وأرسلت إلى كبار رجال الدولة تستشيرهم بعدما تلقت الرسالة من الهدهد، فأَبْدَوْا استهانة بسليمان، إلا أنها كان لها رأى آخر، إذ أمرت بإعداد أسطول ضخم وملئه بالجواهر والتوابل وألوان الهدايا الأخرى، وأرسلت إلى الملك سليمان أنها فى طريقها إليه وأن الأمر سوف يستغرق سنوات نظرا لصعوبة الرحلة فى البحر. وكان على السفينة حشود من الأولاد والبنات الذين ولدوا فى نفس الساعة من نفس الشهر ونفس العام ولهم نفس الطول ونفس الشكل ونفس التسريحة وعليهم نفس الملابس كى تختبر ذكاء سليمان فى التفرقة بين الأولاد والبنات.

وحينما وصلت إلى سليمان ألفته جالسا فى مجلسه الزجاجى العجيب الذى يوهم من يدخله أن أرضه من الماء، فلما دخلت عليه رفعت ذيل ثوبها خشية أن يبتل ظنا منها أنها تخوض فى ماء، فانكشفت ساقاها، ورأى سليمان أن ساقيها مشعرتان، فأبدى استياءه لها مع الثناء على جمالها فى ذات الوقت. ثم أمدها بالعلاج الذى كان قد اخترعه للتخلص بسهولة من ذلك الشعر، والذى استعملته فى حمامها ذلك المساء وأتى بالنتيجة المرجوة، فقضت ليلتها فى غرفة نوم الملك. وقد أخذت بعد ذلك تطرح عليه طائفة من الأسئلة كى تطمئن إلى أنه حكيم فعلا كما يقال عنه، فوجدته ذا حكمة حقا إذ أجاب على كل سؤال سألته إياه رغم صعوبته الشديدة. كما استطاع التمييز بين الأولاد والبنات الذين حشدتهم معها فى أسطولها، وهو ما أكد لها أن سليمان يستحق ما يوصف به من الحكمة. ومن بين ما ألقته من أسئلة عليه: هل هو المسيح الذى وُعِدَه بنو إسرائيل؟ لكنه رغم إقراره بالنعم العظيمة التى أفاضها الله خالق السماوات والأرضين عليه وميزه بها عن سائر الملوك كما قال صرح لها بأنه ليس هو المسيح المنتظر.
ثم انتقلت الملكة إلى موضوع آخر يشغل بالها منذ وقت طويل فى بلدها ولم تجد له حلا، وهو كيف يمكن اصطياد الثعابين للحصول على عظامها كى تستعملها فى درء أضرار السحر. فأجابها سليمان مستعينا بمعلِّمه فنون السحر والشعوذة شاموداى أمير السحرة. وبعد أن أراها الملكة أملاكه وقصوره سمح لها بالعودة إلى بلادها محملة بالهدايا الثمينة ومرضيا عنها منه
كذلك صدرت سنة 2000م للكاتب اليهودى الكندى Sheldon Oberman قصة للصغار اسمها "The Wisdom Bird: A Tale of Solomon and Sheba" تحكى قصة سليمان والهدهد اعتمادا على الفولكلور اليهودى فى أوربا وإسرائيل واليمن وشرق أفريقيا وتقول إن ملكة سبإ قررت ذات يوم أن تزور سليمان بعد أن سمعت أنه أحكم رجل فى العالم، وكانت هى أيضا توصف عند البعض بأنها أحكم امرأة فى الدنيا، وطلبت منه على سبيل التحدى أن يبنى لها قصرا من مناقير الطيور، وهو ما قبله واستدعى الطيور لهذا الغرض، فقلبت الطيور كلها دعوته ما عدا الهدهد، الذى تأخر عن الحضور، مما أغضب الملك غضبا شديدا. إلا أن الطائر حين حضر أخبره أنه كان يبحث عن ثلاثة أسئلة لا يمكنه هو الإجابة عليها، فأجل الملك عقابه إلى أن يسمع ما لديه من ألغاز. ومع أن سليمان قد نجح فى الجواب عنها فقد كان مع كل سؤال يعيد النظر فى تصرفاته لينتبه فى النهاية أنه لم يراع ما كان يتصف به من الحكمة، إذ إن اعتداده بنفسه قد أنساه التفكير فى أمر الآخرين، وهم هنا الطيور، فتراجع عن فكرة بناء القصر مراعاة لحقوق لآخرين حتى لو كلفه ذلك تجاهل بعض رغباته، ورافأته الملكة على هذا، وقررا معا مكافأة الهدهد على الدور الذى قام به فخلعا عليه تاجا ذهبيا جميلا ما زال يضعه فوق رأسه حتى الآن.
وفى دراسة بعنوان "'And God gave Solomon wisdom': Proficiency in ornithomancy" لأبراهام شمش (Abraham O. Shemesh) بجامعة أرييل الإسرائيلية يذكر مؤلفها، ضمن ما يذكر، أن سليمان فى الكتابات اليهودية كان يمارس السحر ويتسلط على الشياطين ويتحكم فى مليكهم شاموداى ويستعملهم فى أغراضه المختلفة وفى علاج المرضى ووصف الدواء لهم، وأنه كان قادرا على فهم ما تقوله الحيوانات والطيور وعلى استشفاف المستقبل من حركاتها وأصواتها، وكان يتبادل الكلام مع الهدهد، وأنه استدعى حكماء الأرض من حوله وعمل لهم حفلة ضمت الحيوانات والطيور والحشرات والشياطين، وعزفت الموسيقى ودار الرقص بغية إشعار الضيوف بعظمة ملك سليمان، لكنه لاحظ أن الهدهد غير موجود، فغضب وأمر بإحضاره لمعاقبته. ولما عاد الطائر شرح لسليمان أنه ظل طائرا طيلة الأشهر الثلاثة الماضية بحثا عن بلد أو حكومة لا تأتمر بأمر سيده، وأنه وجد شعبا تحكمه امرأة هى ملكة سبإ، ثم استأذن الملك فى أن يذهب ويحضرها إليه هى ورجالها، فأمر الملك بكتابة خطاب إليها حمله الهدهد تحت جناحه فى حشد من الطيور بلغوا سبأ حين كانت الملكة خارجة لتسجد لإلهتها الشمس، إلا أنها لاحظت إظلام السماء فجأة بسبب الطيور الكثيرة التى حجبت نورها. ثم لما قرأت الرسالة، وفيها تهديد سليمان بأنها إذا لم تمثل هى ورجالها فى قصره فلسوف يرسل إليها جيشا من الحيوانات والطيور والشياطين لإيذائها هى وبلادها. وكانت النتيجة أن سافرت الملكة إلى سليمان، وهناك اطلعتْ على سلطانه العظيم وثروته الهائلة. وفى خلال القصة يتكرر حوار سليمان مع الهدهد.
وفى "الموسوعة اليهودية" كتب Joseph Jacobs وLudwig Blau فى مادة ""SHEBA, QUEEN OF: أنه لم يعثر أحد حتى الآن فى النقوش اليمنية عن أى شىء خاص بملكة سبإ، وهناك من يرى أن المقصود بما جاء فى الكتاب المقدس ليس ملكةً امرأةً بل ملكًا رجلًا كان معاصرًا لا لسليمان بل لأيوب. ويقترب كاتبا المادة فيما كتباه عن الروايات اليهودية مما كتبه أبراهام شمش المارّ ذكره. وهو نفسه تقريبا ما نجده فى مادة "Solomon" تحت عنوان جانبى هو ""Solomon and the Queen of Sheba حيث تلخص المادةُ ما جاء فى ترجوم شينى والإصحاح العاشر من سفر "الملوك الأول".
وبالنسبة إلى ترجوم شينى، الذى وردت فيه قصة سليمان وملكة سبإ والهدهد فإن بعض المبشرين والكتاب اليهود يزعمون أن القرآن قد استمد تلك القصة من ذلك الترجوم قالبين الوضع بذلك رأسا على عقب، إذ إن تاريخ ظهور الترجوم المذكور متأخر عن نزول القرآن لا العكس. وفى مادة "Targum Sheni" بـ"ويكيبيديا" الإنجليزية مناقشة للموضوع وتلخيص لما قيل بشأنه. وهناك بحث عن هذا الموضوع بعنون "Is The Qur'anic Story Of Solomon & Sheba From The Targum Sheni? " منشور فى موقع "Islamic Awarness" يفنِّد بنفس الطريقة تلك التهمة السخيفة.
وفضلا عن هذا فإن أحدا لم يستطع أن يمدنا باسم اليهودى الذى أخذ عنه نبينا عليه السلام هذه القصة، أو باسم الكتاب الذى كان فى يده صلى الله عليه وسلم وكان يشتمل عليها، أو بالدليل على أنه عليه الصلاة والسلام كان يعرف القراءة والكتابة ولم يكن أميا، أو بأسماء الأشخاص الذين شاهدوه وهو يتلقاها على يد هذا اليهوى أو ذاك أو وهو يطالع هذا الكتاب أو ذاك. والعجيب أن جوستاف فايل فى مدخل كتابه: "The Bible, the Koranand the Talmud" يؤكد أن محمدا كان يستقى مادته الكتابية من عبد الله بن سلام ومن سلمان الفارسى. ووجه العجب فى ذلك أن معظم القصص المتعلقة بأنبياء بنى إسرائيل قد نزلت فى مكة بما فى ذلك قصص سليمان فى هذه السورة، بل السورة كلها مكية. فانظر إلى التهافت العقلى والفكرى والنفسى والخلقى فى اختلاق الاتهامات وتوجيهها إلى محمد عليه السلام. ثم يزيد الكاتب الطين بلة فيفترض أن يكون الرسول عليه السلام قد تعلم الكتابة والقراءة فى أواخر حياته. يريد أن يقول إنه قد قرأ الكتابات اليهودية بنفسه واقتبس منها. وطبعا وقع هذا بعدما كان قد نزلت قصص بنى إسرائيل وأنبيائهم فى مكة. فانظر سخف المنطق وانحرافه عن مقتضيات الفكر السليم. ولو كانت الأمور تنحل بمثل هذه الافتراضات المضحكة ما تعب أحد فى إثبات أى سخف يقوله. كما ذكر فايل ورقة بن نوفل، الذى مات عقب نزول الوحى على الرسول. ومعنى هذا أنه لم يكن هناك وقت ولا فرصة لاقتباس شىء من ورقة إن كان عند ورقة شىء من قصص اليهود، بل لم تكن القصص اليهودية قد شرعت تنزل أصلا فى تلك اللحظات الأولى من الوحى، بالإضافة إلى أنه أعلن إيمانه بمحمد عليه السلام، فكيف يتعلم محمد منه؟ إن هذا قلب سمج للموازين. أما بحيرا، الذى أورد اسمه فى هذه القائمة ووصفه بأنه يهودى متعمد، فلم يقابل النبى إلا مرة واحدة وبحضور القافلة التى كان الرسول فيها وهو غلام صغير، وكانت مقابلة عابرة، وشهد له بحيرا فيها بالنبوة كما تقول الرواية التى يعتمد عليها فايل. وأنا أشك فى الرواية كلها لأنها لو كانت صحيحةً لَحَاجَّ الرسولُ بها قومَه حين كذّبوه واستشهد بالأحياء من رجال القافلة على إيمان بحيرا بنبوته، فكانت شهادة حاسمة تريحه من جدال طويل. أما ولم يشر لا هو ولا أى واحد من القرشيين الذين كانوا فى تلك القافلة وشاهدوا وسمعوا بحيرا فمعنى ذلك أن الحكاية لم تحدث. أقول هذا رغم أنها تصب فى مصلحة الإسلام والنبى عليه السلام. بَيْدَ أن دين محمد لا يحتاج إلى مثل تلك الشهادات المتهاوية التى لا تثبت على محك التاريخ والمنطق. وأما المستشرق الفرنسى ريجى بلاشير فقد اكتفى فى تعليقه على الآية فى ترجمته الفرنسية للقرآن الكريم بالإشارة إلى أن قصة ذلك الطائر موجودة فى الترجوم الثانى، ولم يزد على ذلك رغم خبث طويته تجاه القرآن ولمزاته الكثيرة الموجهة إليه وعبثه بنصه فى الترجمة المشار إليها مما وضَّحْتُه وفَضَحْتُه فى فصلين كاملين من كتابى: "المستشرقون والقرآن".

هذا عن المعجزات التى وقعت لموسى وسليمان عليهما السلام. وأحب أن أوضح رأيى فى المعجزات التى يذكر القرآن وقوعها على يد الأنبياء السابقين وما تدل عليه بالنسبة لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم. فالعجيب أنه فى الوقت الذى يرد الرسول فى القرآن على اقتراحات المشركين بإنزال معجزة بأن المعجزات عند الله لا عنده وأنه مجرد بشر رسول لا يملك من هذا الأمر شيئا، وأن المعجزات قد ثبت أنها لا تأتى بالنتيجة المرجوة، إذ الكفار يظلون كفارا بعدها كما كانوا كفارا قبلها، فى ذلك الوقت نجد القرآن ماضيا فى ذكر معجزات الأنبياء السابقين جميعا بل أحيانا ما يذكر لبعضهم معجزات لم ترد فى الكتب الخاصة بأديانهم كمعجزة صنع عيسى من الطين طيرا ينفخ فيه فيكون طيرا حقيقيا بإذن الله مثلا. ودائما ما أقول: لو أن محمدا هو مؤلف القرآن ما فتح هذا الباب ولأغلقه بالضبة والمفتاح حتى لا يفتح على نفسه بابا من التعنت والمشاكسة لأنه ما دام يذكر لزملائه من الأنبياء السابقين معجزات فلم لا يأتى هو أيضا بمعجزات مناظرة لها؟ وعلى من يعترض من أتباع الأنبياء السابقين على إنكار محمد لمعجزاتهم أن يثبت العكس وأنه كانت لهم معجزات. وهيهات أن يستطيع أحد ذلك، فقد مضى كل ذلك فى أطواء التاريخ، ولا يمكن استرداده ليراه الناس ويعرفوا أن محمدا بإنكاره ذلك لا يقول الصدق. وعندى أن هذا من أعظم الأدلة على صدقه صلى الله عليه وسلم.
ليس ذلك فقط، بل لقد كان بمكنة محمد بل كان ينبغى لمحمد، ما دامت الحكاية تأليفا فى تأليف وتلفيقا فى تلفيق، ألا يعرض صورهم فى قرآنه نقية كريمة نبيلة كما هو الحال فى القرآن ويشوههم حتى يبدو هو شمسا ساطعة ما إن تظهر حتى تطمس أنوارهم جميعا. وفى هذه الحالة لن يكون بحاجة إلى اختراع أو تلفيق بل كل ما عليه هو أن يذكر ما كتبه الكتاب المقدس عنهم ويتمسك به أتباعهم ويرون أنه هو الصواب الذى لا صواب غيره، فيذكر أن نوحا كان سكيرا كبيرا حتى ليخلع فى غمرة سكره وغيابه عن الوعى كل ملابسه ويصير عريانا كما ولدته أمه وينطرح على الأرض كأى سكران طينة فيدخل ابنه عليه فيرى سوأته على نحوٍ مُزْرٍ، ويذكر أن إبراهيم تنازل عن زوجته سارة الجميلة للملك الذى كان طامعا فيها راضيا بما وهب الملك له من مواشٍ لقاء هذا التنازل، ويذكر أن لوطا قد سقته ابنتاه خمرا حتى فقد رشده ثم نامتا معه وحبلتا منه وهو لا يدرى كُوعَه من بُوعِه وأنجبت كل منهما أُمَّة كاملة من ولدها الذى حملته به فى الحرام منه، ويذكر أن موسى حين قتل المصرى إنما قتله عن عمد وتخطيط وسبق إصرار ودون ندم أو استغفار، ويذكر أن هارون هو الذى صنع العجل لبنى إسرائيل ليعبدوه فى غياب موسى مع ربه فوق الجبل، ويذكر ما يقوله العهد القديم عن داود وزناه بامرأة جاره وقائد جيشه المخلص وتخلصه منه بمؤامرة إجرامية دنيئة لا يرتكبها أعتى عتاة القتلة المحترفين حتى يخلو له وجه المرأة، التى صارت أم ابنه سليمان، ويذكر أن سليمان هو صاحب "نشيد الأناشيد"، الذى فيه وفيه وفيه من كلام جنسى رهيب فى فحشه، وأنه عصى أمر ربه له بألا يتزوج من نساء الوثنيين، ثم لم يكتف بهذا بل أقام لهن فى قصره أصناما يعبدنها من دون الله... إلخ، إلخ، إلخ. لكن القرآن لم يفعل شيئا من ذلك قط. فما دلالة هذا كله؟ لا دلالة له سوى أن محمدا نبى كريم من عند رب العالمين.
وعَوْدًا إلى المعجزات نقول إنها لا تمثل للمؤمن بالله وبالنبوات أية مشكلة: فالله من جهة قادر على كل شىء، وهو خالق كل شىء على الوضع الذى نشاهده، ويستطيع سبحانه أن يغير هذا الوضع كما يشاء متى يشاء فى الموضع الذى يشاء مع من يشاء. كذلك فإيماننا بالنبوة معناه إيماننا بما هو فوق الواقع، فالنبوة ليست حدثا يوميا أو اعتياديا بل حدثا خارقا، إذ ليس بمكنة أحد مهما كان ذكاؤه وقدرته على التصرف وبراعته فى الحديث ورقيه فى السلوك أن يكون نبيا لمجرد أنه أراد أن يكون نبيا، بل النبوة تنزل على ناس اختارهم الله ولم يختاروا هم أن يكونوا أنبياء. بل إن النبوة لتجشمهم كثيرا جدا من المتاعب والأهوال حتى لتتعرض حياتهم لمؤامرات القتل فى كثير من الأحيان ويقضون عمرهم كله فى معاناة ومشاكل ما كان أغناهم عنها لو لم يكونوا أنبياء. ثم إن النبوة لا تقدم لصاحبها تعويضا عن تلك المعاناة المتصلة التى لا يقدر البشر عموما، إلا من أقدره الله، على تحمل آلامها وإزعاجاتها. بل إن قومهم قد يعرضون عليهم أن يعوضوهم عن النبوة بالمال والمنصب والرئاسة إن تركوا ما يدعون إليه، كما حصل مع نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، لكنه كان يرفض بكل قوة وتصميم رغم ألوان المقاساة التى كانت تنصب عليه من كل الاتجاهات انصبابا: فى الشوارع وفى الأندية وفى البيت وعند المسجد الحرام وفى الأسواق، شائعات وشتائم واتهامات وإهانات وتهكمات ومحاصرات وقمامات وأشواك ترمى عليه أو أمام بيته، وحجارة يضرب بها، وإجلاب عليه كلما قدم على جماعة يتحدثون بغية عرض دعوته عليهم، وتصفيق وصفير استهزاء به، وهو ما كان كفيلا أن يجعل النبى من هؤلاء يتراجع عن خطته لو كان هو مخطط النبوة ومؤلف الكتاب الذى يزعم أنه ينزل عليه، ما دام لا ينوبه من هذا كله سوى وجع الدماغ، بل وقد يكلفه حياته ذاتها، وبالمقابل ليس هناك أى شىء يمكن أن يعوضه عما يلقى من هذه المعاناة الفادحة على الإطلاق.
ثم إن الأنبياء عند من يؤمنون بهم هم أناس صادقون لا يكذبون ولا يدلسون ولا يخترعون، بل مستقيمون يحترمون أنفسهم ويحترمهم غيرهم إلى أن يعلنوا نبوتهم، فعندئذ وعندئذ فقط يستدير أعداؤهم مائة وثمانين درجة فيتهمونهم بالكذب والجنون والسحر والكهانة والاتصال بالشياطين مع أنهم لم يروهم يكهنون أو يمارسون السحر أو يكذبون أو يتصرفون تصرف المجانين قط. وما داموا صادقين، وما دامت الكتب التى يتلونها على قومهم قد نزلت عليهم من السماء فعلا كما يقولون ما داموا صادقين ولا مصلحة لهم فى الكذب وادعاء النبوة فمن الطبيعى أن نصدق بما ترويه تلك الكتب من معجزات الرسل السابقين، وبخاصة أن الأنبياء الذين يتلون فى كتابهم السماوى تلك المعجزات لا منفعة لهم فى ذلك، فهم لا يتقربون إلى أتباع أولئك الأنبياء بل يحتوى الكتاب الذى جاؤوا به على انتقادات حادة لأولئك الأتباع حتى قبل أن يصطدموا بهم وتقوم بين الفريقين خصومات ومعارك مما يدل على أن ذلك كله صادق وجدير بالثقة، وليس هناك ما يدعو أبدا لتكذيبه أو التشكيك فيه.
وبالنسبة لى لقد حللت شخصية النبى محمد تحليلا شاملا فى ضوء الاتهامات التى يوجهها إليه المستشرقون والمبشرون من أنه كاذب اخترع الإسلام اختراعا وألف القرآن عن وعى وعمد وزعم أنه موحى به من السماء، أو أنه كان صادقا فى تصوره أنه نبى، لكنه تصور قائم على الوهم، فهو ليس مخادعا بل مخدوعا، أو أنه كان مريضا بمرض عصبى كالصرع والهوس والهلوسة، واتضح لى أن ذلك كله غير صحيح ولا ينطبق شىء منه على النبى محمد عليه السلام، كما درست القرآن من نفس الزاوية لأرى هل يمكن أن يكون هذا الكتاب من تأليف بشر أم هل هو من عند رب العالمين، ولم أجد فيه ما يدل على أنه نتاج عقل بشرى أو صدر عن نفسية بشر. بل على العكس إن فيه أحيانا مخالفة لرغبات الرسول عليه السلام ومواقفه وأحكامه ومعاتبات شديدة الوقع على النفس، مما لا يمكن أن تكون من اختراع النبى أبدا، إذ كل شىء يدعو إلى طمسها تماما وعدم رفع الستار عن أى منها. وإضافة إلى ذلك يمتلئ القرآن بنصوص تؤكد أن محمدا لا يتمتع بأى شىء غير بشرى، فهو لا يعلم الغيب ولا يدرى ما يُفْعَل به ولا بقومه، وهو مجرد عبد من عباد الله لا يزيد ولا ينقص، وسوف يحاسب كما يحاسب سائر البشر، ولو خرج عن الخط المرسوم له فى المهمة النبوية التى أسندت له فلسوف يعاقَب عقابا شديدا، كما كان أول من يطبق الأوامر والنواهى التى جاء بها، وأكثر الناس عبادة لربه وخشية له وامتلاء بعظمته وشعورا بقدرته. وهذا كله إلى جانب النبوءات التى تحقق بعضها فى حياة الرسول وبعضها بعد وفاته صلى الله عليه وسلم، وعلى رأسها انتصار الإسلام على الدين كله وفشل الكفار والمنافقين واليهود فى تعويقه رغم ما بذلوا كلهم من جهود هائلة فى هذا السبيل وانتهاء الأمر بخضوع الجميع له بعد هزائمهم.
وهناك المبادئ والقيم التى يدعو إليها القرآن والرسول عليه السلام من إيمان بالله وتوحيد له وبغض للأوثان وأداء للعبادات وصدق وأمانة وعفة وصحو عقلى واحترام للوعد والمواعيد وتخطيط لكل شىء وعطف على الفقراء والمساكين واليتامى والمسحوقين وإخراج نسبة من المال لكل من يعانى بوصفها حقا لهم لا تفضلا من المعطى، ومن احترام للمرأة ورفق بها وصبر عليها وعلى تقلب مشاعرها وتقدير لما تتحمله فى الحمل والوضع والولادة، ومن سعى وراء العلم ومحاربة للخرافة وبغض لها وحرص على النظافة والنظام والجمال وعزة النفس وتعاون على الخير والبر والتقوى ونفور من العدوان والنميمة والغِيبَة، ومن إكثار للعمل وإتقان له وإقلال من الكلام على قدر المستطاع، ومن استثمار للوقت فيما هو مفيد للذات وللأسرة وللوطن وللأمة وللإنسانية واجتهاد فى إتمامه حتى لو قامت القيامة... إلخ. بالله ماذا فى هذا مما يمكن أن يُكْرَه الإسلام من أجله أو يُبْتَعَد عنه؟ إن محمدا لو افترضنا المستحيل وقلنا إنه ليس بنبى فسيبقى أنه جدير بالاحترام والإجلال والتمجيد، وبأن تقام له التماثيل فى الشوارع والميادين والمؤسسات الوطنية، وأن تؤلف عنه كتب المديح والثناء والإشادة الواسعة المستمرة، فإن النظام الذى أتى به لهو نظام عبقرى بديع. فما بالنا وهو نبى كريم اختاره الله على عينه وفضَّله على جميع إخوانه الأنبياء والمرسلين تفضيلا؟

وقد سبق أن قلت آنفا إن محمدا لا يمكن أن يكون كاذبا مدعيا للنبوة ولا يمكن أن يكون مخدوعا واهما متصورا خطأ أنه نبى، وما هو بنبى، ولا يمكن أن يكون مريضا بمرض عصبى، وإن القرآن لا يمكن أن يكون من تأليف بشر لا من ناحية الروح السائد فيه، وهو الروح الإلهى بكل وضوح وسطوع، ولا من ناحية النبوءات التى صدقت كلها ولا من ناحية آياته التى تعرضت فى ذلك الزمن المبكر لأشياء قال فيها كلمته التى طابقت العلم الحديث بشأنها، وهذا كله موجود فى كتابى: "مصدر القرآن". ثم إن أسلوب القرآن يختلف اختلافا شاسعا عن أسلوب الحديث رغم اتحاد الموضوعات بينهما واتحاد السياق فيهما واتحاد نوع المخاطبين بهما واتحاد الوقت الذى كان يتوجه فيه صلى الله عليه وسلم بهذا وذاك إلى قومه من المنكرين والمسلمين على السواء... إلخ. ولى فى موضوع الأسلوب هذا كتاب كامل كبير يقع فى ستمائة صفحة عنوانه "القرآن والحديث– مقارنة أسلوبية" ثبت من خلال المقارنات الكثيرة العميقة والحاسمة بين الطرفين فيه أنهما مختلفان اختلافا شديدا فى الأسلوب. فماذا يريد الواحد منا أكثر من هذا؟

وهنا أصل إلى ما أريد، فالمطلوب التركيز على جوهر الدين والمبادئ التى أتى بها النبى والقيم التى دعا إليها ولون الحضارة التى أنشأها والثقافة التى خلقها، أما المعجزات فلا ينبغى بل لا يصح أن تكون مثارا للتنطع: أولا لأن القرآن سد باب المعجزات بالنسبة لمحمد صلى الله عليه وسلم، فلا داعى للتمحك بها لأنه لم يَدَّعِها لنفسه بل ذكرها للأنبياء السابقين عليه. وثانيا فهذه المعجزات لا يمكن للمعترض على مجيئها فى القرآن أن يخضها للتجربة المعملية لأنها مضت فى التاريخ الأول ولا يمكن استعادتها لوضعها تحت المراقبة والاختبار. وثالثا لأن المعجزات ليست غاية بل مجرد وسيلة لإقناع الناس بصدق الرسالة، فإذا اقتنعنا بصدق الرسالة مباشرة عن طريقها هى لا عن طريق معجزة من المعجزات فالجدير بنا ساعتئذ أن نؤمن بها لا أن نمضى فى التنطع وإثارة المشكلات والعقبات حتى لا نؤمن لا لأن الرسالة غير جديرة بالإيمان بها بل لأننا اتخذنا موقفا مسبقا منها لمرض فى القلب وسخف فى العقل، ولن نغيره مهما كانت النتيجة. ورابعا لم نسمع البتة أن اليهود اعترضوا على شىء مما جاء فى القرآن عن سليمان والنملة أو سليمان والهدهد وعرش ملكة سبإ. وعلى هذا الأساس سوف أتناول الحديث عن معجزات فهم كلام النملة، والحوار مع الهدهد، واستطاعة الذى عنده علم من الكتاب الإتيان بعرش ملكة سبإ من اليمن إلى فلسطين فى غمضة عين.