(محمد عبده أول رحّالة يزور الجزائر و يلقي فيها دروسا)
لقد وقع المشارقة و المغاربة في ازمة تتمثل في انقسامهم إلى تيارات فكرية بعضها أصولي تقليدي و بعضها تحديثي تقدمي، و قد دفعتهم هذه الأطروحات إلى إلغاء الآخر ففشلوا في بناء نموذج الدولة القطرية و هم الذين تحدثوا عن الوحدة و كرسوا الإقليمية و الحدود بين الأقطار العربية، و لذلك سقط مشروع النهضة العربية، بدليل ما نشهده الآن من عمليات التطبيع مع إسرائيل، كما أن الأزمة تتمثل في غياب الوعي في معالجة القضايا كملف القضية الفلسطينية و الصحراء الغربية، من الباحثين الذين تطرقوا إلى هذه الإشكالية الأستاذ عبد المالك خلف التميمي من الكويت حيث قال أن هناك مصالح استراتيجية حيوية يحددها موقف الدول الغربية و الشرقية، هذا الوضع سببه ضعف الجامعة العربية و عدم قدرتها على اتخاذ القرارات

قليلون هم الذين تطرقوا إلى إشكالية العلاقة بين المشرق و المغرب العربيين و تطوّرها و الوقوف على ومضاتها و إيجابياتها، و ما الأسباب الأخرى للإشكالية سياسية و اجتماعية؟ و هل المسألة ثقافية بحتة أم دخلت بها و معها عناصر، فكانت هذه الدراسة التي أجراها الباحث عبد المالك خلف التميمي الذي عرض رؤيته من خلال كتابه "أضواء على المغرب العربي"، و الدكتور عبد المالك خلف التميمي من مواليد الكويت خريج جامعة إنجلترا قسم التاريخ و تمكن من صياغة تصور تاريخي متكامل للتاريخ العربي المعاصر، ولكونه عايش الغزو العراقي للكويت فقد كرس قلمه و فكره الأكاديمي في معالجة الواقع العربي مشرقا و مغربا، كان من بين الذين ـأثروا بالثورة الجزائرية فكان له أن يفتح نافذة على المغرب العربي، إلا أن النظرة كانت عربية مشرقية و لم تكن مغاربية، بدأ الكاتب هذا الجزء من دراسته بالوقوف على الخلفية التاريخية لهذه العلاقات التي كانت في أعقاب الفتوحات الإسلامية عندما تمت أسلمة الشمال الأفريقي و تعريبه في القرن الأول الهجري و كانت الهجرات القبلية من المشرق العربي تصل و تستقر في المغرب العربي كما ساهمت التجارة في تطوير هذه العلاقات إلى أن كان هناك تبادل عائلي في إطار الإنصهار و الحج ، أصبح فيه المغرب العربي عربيا مسلما هوية و انتماءً.
من أشهر الهجرات الشرقية يذكر الكاتب الهجرة الهلالية في منتصف القرن الخامس الهجري، بحثا عن الذهب و الفضة التي كانت تزخر بهما افريقيا، متخذين الطريق الصحراوي عبر مصر و السودان إلى مناطق الصنهاجيين في الشمال الأفريقي، و قد قدم الصنهاجيون تسهيلات للتجار المشارقة و فتحوا لهم طريق التجارة، كان للرحالة من العلماء دورا في تطوير العلاقات، تركت آثارا عندما تبنى المشارقة فكرة القومية العربية على أساس علماني في مرحلة الإستعمار و بعيد الإستقلال لأسباب موضوعية، و قد كان الكاتب منصفا عندما أضاف أن في المغرب العربي كان هناك اندماج كبير للعروبة بالإسلام في النشاط الثقافي قام به أفراد و مؤسسات تعليمية و ثقافية، و كان طابع التعليم و الثقافة دينيا حتى نهاية القرن التاسع عشر، و الفضل يعود للرحالة على غرار ابن حوقل في القرن العاشر و البكري في القرن الحادي عشر و الإدريسي و ابن بطوطة في القرن الثالث عشر و أوائل القرن الرابع عشر و العمري و ابن خلدون في القرن الرابع عشر و الحسن الوزان في القرن السادس عشر و غيرهم، و حول رحلات المشارقة إلى الجزائر و رحلات الجزائريين إلى المشرق، كان محمد عبده أول شخصية مشرقية دينية تقوم برحلة إلى الجزائر أواخر القرن التاسع عشر و ألقى خلالها عدة دروس في قسنطينة و مدينة الجزائر و كان لها أثر كبير في أوساط المثقفين الجزائريين لما كان يتمتع به محمد عبده من أفكار متحرّرة و آراء مستنيرة، ثم رحلة ابن باديس إلى الشام و الحجاز للإطلاع على حركة النهضة في المشرق و اتصاله بالمفكرين المشارقة مثل رشيد رضا و البيطار و غيرهم، فكان هناك وعي للنخبة المثقفة بالواقع و أحوال الأمة.
كان لمحمد عبده و الأفغاني دور في ان تستقي حركة الإصلاح الجزائرية أصولها الأولى، ما يؤكد أن المسألة الثقافية و الفكرية تمتد جذورها في التاريخ لعدة قرون، هل كان الدكتور خلف التميمي منصفا عندما قال أن الفكر العربي تاريخا هو فكر مشرقي، و هل كان يريد القول أن المغرب العربي كان تابعا للمشرق العربي فكرا و ثقافة؟ أو أنه اقتبس ثقافته منه؟، إن مثل هذا الكلام يجعل القارئ المغاربي يتساءل إن كانت فعلا هناك تبعية فكرية أو ثقافية للمشرق العربي؟، و هل لا يوجد مفكرون و علماء مغاربة؟ و هل لم يكن هناك إنتاج إبداعي فكري ثقافي مغاربي؟ ، فما نقرأه عن فكر المغاربة من علماء و مؤرخين و إبداعهم لاصلة له بالتبعية الفكرية، أما قول الكاتب بأن المركزية المشرقية سيطرت على الثقافة العربية، فهذا راجع كما أردف هو إلى احتكاك المشارقة بالغرب، بالإضافة إلى أن نضج الحركة القومية العربية مشرقيا سببها اتفاقية "سايس بيكو" اثناء الحرب العالمية الأولى و ظهور الحركة الصهيونية و نشاطها لإقامة الوطن القومي، حيث عجلت في تقسيم المشرق العربي، ثم أن الظروف التي عاشها المغرب العربي طيلة فترة الإستعمار تسببت في ضعف و تدمير المراكز العلمية و الثقافية، فكان من الصعب أن يستعيد ثقافته و تراثه في وقت قصير.
العرب في المشرق و المغرب فشلوا في بناء نموذج الدولة القطرية
لم تقف نخبة المغرب العربي مكتوفة الأيدي بل عملت على استعادة موروثها الثقافي، و لذا عمل المغاربة على إنشاء "جبهة وطنية مغاربية" ( تونسية- جزائرية - مغاربية) خلال عقدهم مؤتمر لهم في القاهرة في فيفري 1947 لمواجهة الإستعمار و العمل من أجل الإستقلال و وحدة أقطار المغرب العربي، و لم يتوقف المغاربة عند الإهتمام بقضيتهم الوطنية، بل تفاعلوا مع القضايا العربية الأخرى و بالأخص القضية الفلسطينية التي كانت تواجه الإستعمار الصهيوني الذي كان يسعى لإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين، إلا أنهم انقسموا و تحولوا من أشقاء إلى أعداء بسبب ملف الصحراء الغربية التي تبعته مسألة التطبيع، و رفع الأشقاء المغاربة شعار الكراهية و العدائية و لم يعد لمشروع اتحاد المغرب العربي حديث ولا حتى مشروع الدولة القطرية، حيث فشل العرب في المشرق و المغرب في بناء نموذج الدولة القطرية و لذلك سقط مشروع النهضة العربية، بدليل ما نشهده الآن في الساحة العربية و عملية التطبيع مع إسرائيل.
لقد وقع المشارقة و المغاربة في أزمة تتمثل في انقسامهم إلى تيارات فكرية بعضها أصولي تقليدي و بعضها تحديثي تقدمي، فضلا عن الأطروحات التي دفعتهم إلى إلغاء الآخر، و الأزمة كذلك تتمثل في غياب الوعي في معالجة القضايا كملف الصحراء الغربية ، و قد خص لها المؤلف فصلا خاصا في آخر الكتاب، و دون الدخول في التفاصيلحول موقع الصحراء الغرببة، فتاريخ وجود شعب الصحراء الغربية يرجع إلى القرن الثاني بعد الميلاد عندما رحل عدد من البربر الصنهاجيين باتجاه الصحراء بحثا عن مستقر آمن، حيث أسس فيها أبناؤهم الدولة المرابطية، و في القرن التاسع الميلادي بدأت القبائل العربية الحسّانية تصل إلى الصحراء، و الشعب الصحراوي يتكون من عنصرين هما العرب و البربر، لم تكن هناك حدود معترف بها بين الشعبين الصحراوي و المغربي، يقول الدكتور خلف التميمي أن التطورات التي حدثت في عصر المرابطين قد تثير قضية الحق التاريخي بعكس ما يطالب به المغرب اليوم و هو أن المرايطين قد خرجوا من الصحراء الغربية و حكموا المنطقة كلها بما فيها المغرب، و لذلك كانت المغرب في ذلك الوقت و بذلك المعنى تابعة للصحراء و ليس العكس، مما يفسر عدم تبعية الصحراء الغربية للمغرب، لأنه لم يكن هناك دمج ترابي بين المغرب و الصحراء الغربية و يتضح ذلك من خلال الإتفاقية المغربية الإسبانية التي وقعت بين الطرفين في عام 1767م، ثم تلتها اتفاقية بين فرنسا و اسبانيا لتحديد الحدود عام 1902 .
ماذا عن الموقف الجزائري؟
أما الجانب الجزائري يرى الدكتور خلف التميمي فإن الجزائر تخشى إن نجحت المغرب في الإستيلاء على الصحراء أن تعود المغرب للمطالبة بإقليم تندوف في جنوب الجزائر الغني بمعدن الحديد، كما أن الخلافات السياسية و الحدودية و الإيديولوجية بين المغرب و الجزائر لها تاثيرها على العلاقات بين البلدين و على موقف الجزائر من قضية الصحراء، و هذا الخلاف السياسي و الإيديولوجي مع المغرب يجعل الجزائر في موقف معارض لسياسة المغرب و مؤيد للثورة في الصحراء، في المقابل يرى صاحب الدراسة أن هناك مصالح استراتيجية حيوية في منطقة المغرب العربي و القارة الإفريقية يحددها موقف الدول الغربية و الشرقية، فالأسطول السادس يرابط قرابة السواحل الإفريقية الشمالية، و إن الغرب يستورد الغاز الجزائري و النفط من أكثر من بلد، كما ان بعض الدول الغربية تحصل على الفوسفات من المغرب و الصحراء الغربية، ما جعل الولايات المتحدة الأمريكية تدخل طرفا في قضية الصحراء الغربية منذ عام 1975 كوسيط يسهم في حل المشكلة، أما عن العرب فقد انقسموا بين مؤيد و مدعم لقضية الصحراء الغربية وبين معارض حيث وقفت بعض الدول العربية إلى جانب المغرب في مطالبها بضم الصحراء بعضها بدافع قومي و بعضها الآخر من أجل خلق كيانات جديدة، يضاف إلى هذا الوضع ضعف الجامعة العربية و عدم قدرتها على اتخاذ قرارات في ظل الخلافات العربية و تردي الأوضاع في الوطن العربي.
قراءة علجية عيش