المايستروا الامريكي والحف العربي الاسرائيلي .. دوافعه واسبابه


لكي نفهم ما يدور في منطقة الشرق الاوسط وبالتحديد في المنطقة العربية لابد من الرجوع قليلا ً للخلف من الزمن ، ففي عام 1955 وقف الزعيم الراحل جمال عبد الناصر بكل قوته امام حلف بغداد التي انشأته بريطانيا والمكون من العراق وتركيا وايران وباكستان ، ولكن في الاساس صاحبة الفكرة هي الولايات المتحدة الامريكية ، حيث وعدت اعضاؤه بالمساعدات الاقتصادية والعسكرية وان لم تشارك فيه بشكل مباشر وانشئ هذا الحلف بعد القمة العربية ومعاهدة الضمان الاجتماعي ، ولكن احبط هذا الحلف بثورة عبد الكريم قاسم في العراق عام 1958 وكان هدف هذا الحلف هو محاصرة النفوذ السوفيتي في المنطقة واخذ هذا الحلف عدة مسميات منها حلف بغداد او الحلف المركزي وهي من اساسيات توزيع النفوذ في العالم في الحرب الباردة بعد الحرب العالمية الثانية بين الاتحاد السوفيتي وامريكا ودول الغرب .

لقد غيرت الازمة الاوكرانية المفاهيم الدولية في توصيف الاقطاب في العالم بعد انهيار الاتحاد السوفيتي وكان لابد من ميكانزمات لتغيير واقع القوة الامريكية المنفردة بكل الخيارات الاقتصادية والامنية ، وان كانت ساحة اوكرانيا هي بؤرة تغيير مفاهيم الصراع الدولي وتقسيم النفوذ سواء في اوروبا او في منطقة الشرق الاوسط بالتحديد ، فهناك دول نامية وهي اعضاء في مجلس الامن مثل الصين وروسيا وربما تعمل ايران بامتلاكها السلاح النووي وحيازتها على الصواريخ الباليستية طويلة المدى والتي تعمل خارج الغلاف الجوي لان تكون عضوا في مجلس الامن مستقبلا ً ، الازمة الاوكرانية لها ارتدادات فعلا على منطقة الشرق الاوسط ولها ايضا ارتدادات على طبيعة المفاوضات مع ملف ايران النووي والقضية الفلسطينية بما فقدته من اي اوراق قوة اصبحت في احد ملفات الدول الاقليمية وما يسمى دولة اسرائيل ، اي ان الحل السياسي للقضية الفلسطينية اصبح بعيد المنال في ظل الاوضاع المتغيرة في العالم وفي المنطقة كما قلت السبب هو البرنامج السياسي الذي اعتمدته السلطة ومنظمة التحرير وحركة فتح الرسمية .

بلنكن وزير خارجية امريكا اصبح يقيم في المنطقة لعدة ايام في لقاءات قد تتقاطع مع بعضها ، فمنها دول تحضر هذا اللقاء ومنها دول لا تحضر ، ففي اجتماع شرم الشيخ كان اللقاء بين الخارجية الامريكية ومصر والامارات وهي دول لها معاهدات واتفاقيات مع اسرائيل تلاها لقاء ربما لتكوين فضاء عربي بين مصر والاردن والعراق ، ربما تتقاطع هذه اللقاءات في الهدف والرؤية الامنية والاقتصادية والذي دفع لهذه اللقاءات وبالتسارع المشهود هو ما احدثته الازمة الاوكرانية من تغيير في اسس التعامل مع النقد العالمي وهو الدولار مما سبب ازدياد في اسعار الطاقة وبالتالي ارتفاع الاسعار في جميع ما يخص السلع والمنتجات وادوات التكنولوجيا والاجهزة ، حتى السلة الغذائية .. المهم هنا ان تلك الاجتماعات كانت تحت سقف مقاومة النفوذ الايراني في المنطقة ولم يكن في صلب الموضوع البحث عن حل سياسي للقضية الفلسطينية التي هي اهم العوامل لاستقرار المنطقة ، فقد شهدت الارض المحتلة عمليتين احداهما في النقب والاخرى في الخضيرة ومن قام بها شابين من ام الفحم ، علما ان ام الفحم كانت من مسببات الانتفاضة الاولى والذي قام بتلك العمليات هم فلسطينيين من 48 ويحملون المواطنة الاسرائيلية وهذا يعني ان كفة الصراع لا تقتصر على غزة والضفة المقيدة امنيا ومقيدة حصارا في غزة ، وبالتالي وبما يمثله فلسطينيي الداخل والذين يشكلون 20 % من سكان فلسطين المحتلة قد يدفعون الى حل الدولة الواحدة المتساوية في المواطنة والحقوق وهذا يعني ان فكر حل الدولتين اصبح منتهي بدواعي امنية واقتصادية متشابكة .

اذا قمة النقب تنعقد في ارض فلسطينية محتلة منذ عام 1948 ومن هنا تاكيدا من الدول المشاركة بقبول دولة اسرائيل كدولة اقليمية قد تكون هي طليعة التحرك في المنطقة امام النفوذ الايراني بما تعتمد عليه السياسة العسكرية والامنية الاسرائيلية من ضرب لقواعد ايران في سوريا واختراق الامن الايراني في ضرب عدة مفاعلات ومواقع استراتيجية في داخل ايران وربما من خلال هجوم سيبراني ايضا ً واغتيال علماء ايرانيين ، ولكن ماذا سيضيف هذا الحلف العربي لاسرائيل ؟! ام ماذا ستضيف اسرائيل من حماية للدول المشاركة ؟ اذا اصبح الخيار هو الانتماء للفلك الامريكي الاسرائيلي .. ام الانتماء للفلك الروسي الذي بلا شك سيحسم ويحقق كل اهدافه الامنية والعسكرية والجغرافية في اوروبا ومنطقة الشرق الاوسط .. هل نصل لمرحلة التوازن والحرب الباردة ام ستتنازل امريكا عن قيادتها للعالم واحداث تراجعات في قيمة الدولار في السوق النقدية الدولية ، المهم هنا بالنسبة للفلسطينيين هل القضية الفلسطينية والتي تتحدث عنها السلطة بشكل رسمي .. هل هي على سلم الاستحقاق المركزي في تلك الاحلاف ام غير ذلك ؟! ، فاليوم يزور الملك عبد الله وولي العهد والمقاطعة ويلتقي بالرئيس عباس وسبق ان اعلن عن هذه الزيارة ان الهدف منها ليس البحث في حلول سياسية مطروحة بل للتهدئة وعدم استفزاز الفلسطينيين في شهر رمضان وعدم استفزاز الفلسطينيين وخاصة ان العالم يهتم الان بالازمة الاوكرانية ، ومطالبة الجانب الاسرائيلي بوقف تلك الاستفزازات في القدس ومناطق الضفة وبحث تسهيلات اقتصادية لقطاع غزة ، فالاسرائيليين معنيين بالتهدئة ايضا وخاصة ان الاسرائيليين اخذوا على عاتقهم عدم السماح لايران بالحصول على سلاح نووي وهم على اختلاف كامل مع الدور الامريكي والسياسة الامريكية والغربية في الملف الايراني .

في اجتماع النقب فلنتبين البعد السياسي من خلال المؤتمرات الصحفية التي عقدت من المشاركين فيه :


  • بلنكن لم يتطرق للقضية الفلسطينية سياسيا بل تطرق لها من خلال مفهوم الحل الاقتصادي الامني والدفع الى الاستقرار من خلال التسهيلات الاقتصادية في الضفة الغربية ودعم السلطة .
  • الموقف المصري الوحيد الذي تحدث عن حل الدولتين كمفتاح للاستقرار في المنطقة .
  • الموقف الاماراتي تحدث ايضا عن العمل المشترك الاقليمي للنمو في المنطقة اقتصاديا وامنيا ومحاربة الارهاب .
  • الموقف الاسرائيلي لم يتحدث لم يتطرق اطلاقا الى الجانب الذي يخص القضية الفلسطينية بل تطرق الى العمل الاقليمي المشترك مع الدول العربية واتساع رقعة التعاون ربما مع دول اخرى وهذا ما اكده وزير خارجية امريكا بلنكن ايضا .


اذا ساحة التغيير اوكرانيا وساحة التفعيل في المنطقة هو مواجهة الملف الايراني ، علما بان السعودية لم تحضر هذا المؤتمر وقطر ودول عربية اخرى لها علاقات مع اسرائيل ومن هنا ربما تشهد الشهور القادمة تغيير في الجيوسياسيا في المنطقة ، فامريكا كالعادة تتحرك كما تحركت في حلف بغداد وتصنع احلاف محلية في حين انها مصرة على الوصول لاتفاق مع الجانب الايراني وهو اعتراف بقوة ايران الاقليمية ومناطق نفوذها في اليمن وفي سوريا ومناطق اخرى .

اذا اين الفلسطينيين وقضيتهم من هذه الاحلاف التي تجاوزت القضية الفلسطينية الى احلاف اقليمية قد نصل فيها ايضا الى مفاهيم الحرب الباردة ومقتضياتها ودسورها ومحاذيرها .

بقلم / سميح خلف