فلهلم شبيتا والدعوة إلى استبدال العامية بالفصحى
إبراهيم عوض

هو مستشرق ألمانى ولد عام 1853م، ومات عام 1883م، وعاش شطرا من حياته فى مصر، وتولى إدارة دار الكتب المصرية. وما يهمنا هنا هو الكتاب الذى وضعه بالألمانية سنة 1880م يعرض فيه قواعد النحو والصرف الخاصة بالعامية المصرية استنادا إلى معرفته لها من خلال معايشته للمصريين واختلاطه الواسع بهم. وقد تُرْجِم الكتاب إلى الإنجليزية بعد ذلك تحت عنوان "An Egyptian Alphabet for the Egyptian People"، وهى النسخة التى أعتمد فى هذا الفصل على طبعتها الثانية الصادرة عام 1904م بفلورنسا.
وفى هذا الكتاب يقترح المؤلف الشيطان على المصريين أن يتركوا العربية الفصحى ويكتبوا بالعامية المصرية بحروفها التى اخترعها كما يقول من أجلهم ومن أجل راحتهم، فهو يحبهم، ولهذا لا يتركهم يعانون ويقاسون جراء استعمالهم عربية القرآن القديمة التى لا تصلح لهم ولا للعصر الحالى، بل لا بد من هجرها والانتقال إلى استعمال العامية، التى ينبغى أن تكون هى لغتهم الجديدة بكتابتها الجديدة. وهذه الكتابة الجديدة تتكون من أربعة وثلاثين حرفا كلها حروف لاتينية. أى أنه يريد أن يقطع صلتنا تماما بالتراث الحضارى العظيم الذى تركته لنا الثقافة العربية الإسلامية ونتحول إلى العامية المصرية، التى يصر دائما على تسميتها بـ"اللغة" لا "اللهجة". وهو يذكرها دائما بجانب الإنجليزية والفرنسية والألمانية وغيرها كى يوحى لقارئه المصرى أنها لغة قائمة بذاتها وليست لهجة من لهجات اللغة العربية مثلما للإنجليزية والفرنسية والألمانية لهجاتها التى تتكلم بها شعوبها فى حياتها اليومية وتعبر بها عن حاجاتها السريعة المباشرة وتقضى بها أشغالها العابرة.
وأولا وقبل كل شىء هل هناك لغة مصرية خاصة يتحدث بها المصريون جميعا؟ الجواب أنه لا توجد مثل تلك اللغة، وهذا إن عددنا العامية لغة. لماذا؟ لأن اللغة التى يتكلم بها مثلا أهل شفا، القرية الملاصقة لقريتى، تختلف عن اللغة التى نتكلمها نحن فى قريتنا، فهم مثلا يقلبون القاف الفصحوية إلى جيم جافة بينما نحن نقلبها همزة، وهم يعطشون الجيم الفصحوية بينما نحن ننطقها جيما جافة، ونحن مثلا نقول ما معناه: "ما الخبر؟" على النحو التالى: "خَبَرِيه؟" بإمالة المدة التى تلى الياء، أى ننطقها شيئا بين الألف والياء، أما أهل شفا فيقولون: "خَبَرَيْه؟". ونحن نسمى "البَيْضة": "بِيضَة" بإمالة مدة الباء، أما سكان بعض العزب التابعة لقريتنا أو لقرية قريبة من قريتنا فيقولون: "دحية"، كما يقولون عن "البراز": "وَسَخ" فى حين نقول نحن: "خَرا". وفى أول إقامتى فى المدينة الجامعية فى منتصف ستينات القرن الماضى كنت أسمع زميلا لنا آتيا من الصعيد يسكن معنا فى نفس الممر يكرر فى كلامه كلمة "ضِوَّخْت" فلا أفهم ما يقصد، إلى أن سألت وعرفت أنه يقصد ما نقصده نحن بقولنا: "دِلْوَأْت"، أى "دلوقت" (هذا الوقت). كذلك فبعض المصريين يقولون حين يأتى ذكر مصيبة أو كارثة: "يا ساتِر!"، أى "اللهم استر وأزح هذه الغمة"، وبعضهم يقول: "يا سِتِّير". وبعضهم يقول فى مثل ذلك السياق: "يا خَرَابِى"، وبعضهم: "يا خَرَاشِى"، وبعضهم: "يا لَهْوِى"، وبعضهم: "يا لَهْوِتِى"، وبعض ثالث: "يا دَهْوِتِى". وبعضنا يدعو على من يكره قائلا: "جاتَكْ مصيبة"، وبعض آخر يقول: "نِصِيبِة". و"البكاكيم" فى قريتنا هى "القُرَص" فى قرية أخرى. وكانت كلمة "البكاكيم" تثير ضحك كثير من زملائنا فى المدرسة الثانوية بطنطا ممن لا يعرفونها. وبالمناسبة فمفردها "بَكُّومَة"، وسمعت بعضهم يقول: "بَكُّومِى". و"البَتَّاوِى" عندنا هو خبر رقيق طرى مصنوع من الدقيق والسمن واللبن فى حين أنه عند آخرين نوع من الخبز العادى، وينطقون اسمه هكذا: "بَتَّاوْ" بتسكين الواو. ونحن نسمى الخبز الذى كانت تخبزه نساء القرية فى البيوت: "عِيشْ مِرَأْرَأ"، أى "مُرَقْرق" بينما يسميه قوم آخرون: "عيش بَط"، وبعض ثالث: "عيش مِرَحْرَح". وفى قريتنا نسمى نوعا من الخبز طريا وأغلظ كثيرا من "العيش المرقرق" وفيه لبن: "عِشْخاص" (عيش خاص)، وهى تسمية لا أذكر أنى سمعتها فى أية قرية أخرى أو فى أية مدينة. كذلك هناك من يقول: "فَلافِل"، ومن يقول: "طَعْميَّة". وهناك من يقول: "يا ولد"، ومن يقول: "يا وَلَهْ"، ومن يقول: "يا وَلَا"، ومن يقول: يا لَهْ"، ومن يقول: "يادْ"، ومن يقول: "ياضْ"... إلخ. وهذه أمثلة ذكرتها كيفما اتفق، وهى مجرد إشارة سريعة إلى أنه لا توجد لغة مصرية واحدة لأهل مصر كما يقول هذا المستشرق الماكر، بل تختلف تلك اللغة (إن سميناها: "لغة"، وهى فى الحقيقة مجرد لهجة من لهجات اللغة العربية شأننا شأن اللهجات فى جميع لغات الدنيا) من إقليم من أقاليم مصر إلى آخر بل من قرية إلى أخرى قد تكون ملاصقة لها كما هو الحال عندنا نحن وجيراننا من أهل قرية شفا. ولولا وجود الفصحى وردّ كل شىء إليها ذهنيا دون أن نعى ذلك فى الغالب ما تفاهمنا نحن أصحاب العاميات المختلفة فى مصر وحدها، فما بالنا لو بسطنا رقعة الموضوع وتحدثنا عن لهجات البلاد العربية جمعاء؟ والغريب أن شبيتا نفسه يقول شيئا شبيها بهذا الذى أقول عن تعدد اللهجات فى مصر، بل إنه أقر بأنه كان ينبغى أن يكون اسم الكتاب "قواعد عامية أهل القاهرة" لا "أهل مصر"، لكنه ككل شيطان مريد لا يتوقف عن الوسوسة بالشر مهما ظهر من معايبه وأخطاره ومخازيه والثمار المرة السامة التى تنتج عنه.
ثم ما الذى يشغل بال ذلك الأوربى الخبيث فى أمر لغتنا حتى ليصعب عليه حالنا كما يقول، فيحركه حبه لنا نحو اختراع تلك اللغة التى يسميها كاذبا: "لغة أهل مصر"، والتى بيَّنّا أنها ليست لغة أهل مصر، بل هى فى أحسن أحوالها لغة بعض أهل القاهرة؟ هذه أول مرة أرى أو أسمع أن أحدا غريبا عن أهل بلد ما تأخذه الشفقة عليهم فيخترع لهم لغة تزيدهم معاناة بزيادة صعوباتها، ويكفى أن حروفها تبلغ أربعة وثلاثين حرفا لا ثمانية وعشرين، إضافة إلى أنها حروف لاتينية لا عربية، وهذا معناه أنه سوف تنقطع صلاتنا بالفصحى تماما، ومن ثم لن نكون قادرين على قراءة القرآن ولا فهمه ولا على التعامل مع تراثنا العربى الإسلامى أصلا، وسوف تكون الفصحى غريبة علينا غرابة اللاتينية على الأوربيين الآن، ثم يدعى أنه قد صنع ذلك حبا لنا وغيرة على مصلحتنا ورغبة فى تسهيل تحصيل العلم علينا. والمريب أنه يزعم أن المصريين فى ذلك الوقت لم يكونوا يفهمون الفصحى قط، بل كانت بالنسبة لهم أوانذاك مثل اللاتينية لأهل إيطاليا أو اليونانية القديمة لليونان المحدثين. يقول هذا رغم أن العوام فى مصر يستمعون إلى القرآن، وهو بالفصحى، ويستمعون إلى خطبة الجمعة وغيرها من الخطب، وهى بالفصحى، ويستمعون إلى نشرات الأخبار والأحاديث الإذاعية التى يلقيها الكتاب والمفكرون وعلماء الدين، وهى بالفصحى، ويلقون بآذانهم طول النهار تقريبا إلى إذاعة القرآن الكريم بقرآنها وأحاديثها النبوية ومواعظ علمائها وتفسيراتهم للقرآن وفتاواهم وتعليقاتهم على الأحداث، وكل ذلك بالفصحى، وأولادهم يقرأون الكتب ويفهمونها، وهى مؤلفة باللغة الفصحى، التى يكتب أولئك الأولاد بها أيضا دروسهم وذكرياتهم وخواطرهم. ثم إذا كان هو وسائر المستشرقين الأعاجم يستطيعون التعامل مع الفصحى العربية فكيف يظن أنه قادر على إقناعنا بصعوبة الفصحى على أبنائها متى تعلموا وارْتَقَوْا؟ أم ترى الغربيين وحدهم هم الآدميين الذين يستطيعون الفهم، ونحن لا؟ وهذا الشيطان يسمى العربية الفصحى: "العربية الكلاسيكية (أى التقليدية)" أو "العربية القرآنية" أو "العربية القديمة". وكلها تسميات تشى بما فى نفس هذا الشيطان.
ومن هنا فهو يكذب حين يقول إن هذه اللغة الجديدة بحروفها اللاتينية المحورة لن تمنعنا من قراءة القرآن. كيف يا ترى؟ علم ذلك عند المستشرق الصغير سنا الشيطان الأريب فكرا ورأيا وتخطيطا مدمرا. ذلك أننا متى ما اعتمدنا اللغة الجديدة كما يسميها واستعملناها بدل اللغة الفصحى، التى يسميها ذلك الشيطان بـ"اللغة القديمة"، وهى تسمية لها ما بعدها، فكيف يمكننا أن نفهم الفصحى وأن نكتب بها، وقد صارت لغة أجنبية تماما عنا؟
إن بعض المستشرقين يحاجوننا بأن ذلك قد حدث مع اللاتينية، التى كانت تكتب وتقرأ بها أوربا ثم هجرتها وتحولت إلى لهجاتها من إيطالية وأسبانية وفرنسية... ولكن من قال إن ما حدث للاتينية لا بد أن يحدث مع العربية؟ وإذا كان هذا أمرا يحتمه التاريخ والتطور كما يقال فلم لا نترك التاريخ والتطور يقولان كلمتهما؟ إن كاتبا كجرجى زيدان لا يمكن اتهامه بممالأة الفصحى يؤكد أن العامية إفساد للغة (انظر كتابه: "تاريخ آداب اللغة العربية"/ مطبعة الهلال/ 1914م/ 4/ 269). بل إنه فى سنة 1892م قد كتب مقالا يرد فيه على وليم ولكوكس، الذى كان يدعو فى ذلك الحين إلى استبدال العامية بالفصحى والحذو فى ذلك حذو الإنجليز، الذين هجروا اللاتينية واصطنعوا لهجة محلية بدلا منها. ويقوم رده على أن اللاتينية بالنسبة للإنجليز كانت لغة غريبة بخلاف العربية، التى هى لغة العرب القومية، وبغيرها لا تقوم لهم وحدة. ولا ينسى زيدان دور القرآن المجيد فى حفظ العربية فيقول: "لولا القرآن والمحافظة عليه منذ صدر الإسلام وعَوْدُنا إليه فى إصلاح ما تفسده الطبيعة من لغتنا لتشتت شمل الشعر العربى كما حصل فى الأمم التى كانت تتكلم اللغة اللاتينية، فضلا عن أن العامية منحطة عن الفصحى كثيرا، وليس لها أن تقوم مقامها، فإنها أرقى لغات العالم" (جرجى زيدان/ مختارات جرجى زيدان/ مطبعة الهلال/ القاهرة/ 1927م/ 187- 189). وبالمثل يرى إبراهيم اليازجى، وهو نصرانى كجرجى زيدان فلا يمكن القول بأنه متعصب للفصحى دينا، أن العامية فساد تنبغى محاربته (انظر مقاله: "العامية والفصحى/ مجلة "البيان"/ أول أغسطس 1897م/ 282- 288).
ومما تناوله فلهلم شبيتا فى كتابه أيضا أن العربية قد حلت فى مصر بعد الفتح الإسلامى محل اللغة القبطية، التى يصفها بأنها لغة البلاد الأصلية. بالضبط كما يقول البعض إن الإسلام دين طارئ من الخارج على مصر، أما النصرانية فهى دين مصر الأصلى، متجاهلا أن النصرانية قد أتت هى أيضا من الخارج، ولم تكن دينا مصريا أصيلا بهذا المعنى، إذ كان للمصريين، قبلها وحتى بعد اعتناق طوائف منهم لها، ديانات أخرى. وهذا الذى يقوله شبيتا تدليس فى تدليس لأن لغة البلاد الأصلية هى أقدم لغة كان الناس فى بلادنا يتكلمونها أول شىء، وكيف يا ترى يمكننا التوصل إلى تلك اللغة؟ إن هذا أمر مستبعد تماما. ومن ثم فاللغة العربية هى لغة البلاد الآن، وهى لغة أصلية. ولأن شبيتا لا يستطيع المناداة بإحلال اللغة القبطية محل العربية فقد اكتفى مرحليا بالدعوة إلى هجر الفصحى واللجوء إلى العامية، التى يسميها: لغة، ويقول كاذبا مدلسا إنها هى اللغة المصرية. وأتصور أنه كان يضع تخطيطه على أساس أن يفعل الزمن فعله ويصير المصريون بعد نبذهم لغة القرآن مهيَّئين للتحول من العامية إلى القبطية لأن التحول آنذاك لن يثير الحساسية والنفور اللذين يثيرهما المناداة بالتحول من الفصحى، التى يسميها هذا الشيطان بـ"اللغة القديمة"، إلى العامية، التى ينعتها بـ"اللغة الجديدة".
وهو يرى أن تعليم العوام كتابة العامية وتحويل التأليف والكتابة من الفصحى إلى العامية كفيلان بتثقيف الشعب الأمى الذى لا يستطيع القراءة أو الكتابة بالفصحى، والذى لو احتاج أحد منه إلى كتابة رسالة لجأ إلى كاتب محترف. والرد ميسور جد ميسور على هذا الكلام الكاذب. ذلك أنه ما دام هناك من تعلم قراءة الفصحى وكتابتها كذلك الكاتب الذى يحبر للعامة الرسائل فمن السهل على العامة أن يتعلموا الفصحى قراءة وكتابة حتى لو أخطأوا فى نحوها وصرفها. فالمسألة ليست صعوبة الفصحى كما هو واضح، بل مسألة الأمية، التى لو زالت لكان باستطاعة أى عامى أن يقرأ الفصحى ويكتبها على نحو أو على آخر. وهذا ينطبق على العوام فى كل لغة، أم ترى العامى الإنجليزى لمجرد تعلمه الألفباء الإنجليزية سوف يكتب كما يكتب شكسبير أو ملتون أو الدكتور جونسون أو بوزويل؟ إن العامى عندنا كان يلجأ إلى من يكتب له خطاباته لا لأن الفصحى صعبة بل لأنه لا يستطيع أن يقرأ أو يكتب أصلا. وأولاد العوام يتعلمون فى المدارس والجامعات باللغة الفصحى ويتفاعلون معها بكل أريحية.
وهو بسبب عجز العامة عن الكتابة والقراءة يدعونا إلى التخلى عن لغة القرآن حتى لا يقع ذلك العامى فريسة لمن يخدعه ويجعله يوقع على بياض ويستولى على أمواله. ويتجاهل هذا الشيطان أننا حتى لو انتقلنا إلى العامية لظل ذلك العامى عرضة لخداع المخادعين لأنه ما دام أميا فستظل المشكلة قائمة. فالعبرة إذن ليست فى العامية والفصحى بل فى الأمية ومعرفة القراءة والكتابة. أما الخداع فكلنا يمكن أن نقع فيه عوامَّ أو خواصَّ. وأنا أتابع هذه الأيام قضية بين أخوين متعلمين خدع أصغرها، وهو مدرس عادى، أخاه الأكبر الحاصل على الدكتوراه من أرقى الجامعات الأوربية وجعله يختم له دون أن يدرى على أوراق بأنه باع له عدة فدادين من أرضه. بل إن أحد العوام الأميين فى قرية أعرفها زور أوراقا بأنه اشترى فدان أرض كان بعض التجار قد اشتروه، وكتب لافتة على رأس الفدان يراها الغادى والرائح بأن الأرض متنازع عليها أمام المحاكم ولا يجوز التصرف فيها، مما اضطر التجار المذكورين إلى مساومته حتى رضى بثلث مليون جنيه نظير الانسحاب من الميدان، إذ هم يعلمون أنهم لو لجأوا إلى المحاكم لطال الأمر سنوات تقف فيها دورة الفلوس وينعدم المكسب، وهم يريدون بيع الأرض مساكن واستثمار فلوس البيع فى شراء أرض جديدة وبيعها والكسب من ورائها. وقد عوضوا المبلغ الضخم الذى دفعوه للأمى الخبيث بأن زادوا على سعر البيع الذى كانوا قد حددوه لكل قيراط عشرة آلاف جنيه، وكأنهم لم يدفعوا للأمى الشرير شيئا. فما رأى شبيتا فى تينك الواقعتين اللتين كان المضرور المخدوع فيهما هو الطرف المتعلم أو الأرقى تعليما؟
وقد تناول بعض المستشرقين، وهو وليم ولكوكس، سنة 1993م الخيط من هذا الكتاب وأشباهه من الكتب التى يدعو فيها واضعوها إلى استخدام العامية بدلا من العربية الفصحى فأكد فى خطبة له نشرها بعد ذلك فى مجلة "الأزهر" المصرية أن استخدام العامية سيؤدى إلى دوران عجلة التقدم العلمى وما يترتب عليه من اكتشافات واختراعات، متجاهلا عن قصد وخبث أن العامية بطبيعتها فقيرة لا تستطيع أن تقوم بحاجات العلم، إذ وظيفتها هى قضاء الحاجات اليومية السريعة العملية، وأما فى مجالات الفكر والفلسفة والآداب والعلوم الإنسانية والطبيعية والرياضية فليست مؤهلة لها، وتحتاج إلى أشواط طويلة مرهقة كى تستطيع أن تقوم ببعض ما يزعم الداعون إليها أنها قادرة على النهوض بتبعاته. ثم إن كذب هؤلاء يتضح على تمامه متى عطفنا وجوهنا نحن الماضى المتحضر الزاهى فى تاريخ العرب والإسلام، إذ سوف نجد أن كل التراث الفلسفى والأدبى والنقدى والعلمى على اختلاف ألوانه وأشكاله إنما تم التفكير والكتابة والجدل والخلاف والأخذ والرد فيه باللغة الفصحى لا بهذه اللهجة أو تلك. ولدينا الجاحظ والقاضى عبد الجبار والكندى والفارابى وابن سينا والغزالى وابن طفيل وابن رشد وابن سلام وابن قتيبة وابن المعتز وأبو الفرج الأصفهانى والقاضى الجرجانى وجابر بن حيان والبتانى والخوارزمى وابن النديم والطبرى والمقريزى وياقوت الحموى والسيوطى وابن عبد ربه وابن زيدون وابن رشيق والآمدى وابن المقفع والباقلانى والشوكانى والزبيدى ومئات بل آلاف الكتاب والعلماء والأدباء والنقاد والمفكرين والمؤرخين، وكلهم كان يستخدم الفصحى ويعبر بها عما يريد التعبير عنه من فكر وأدب ونقد وتاريخ وفلسفة وعلوم طبيعية ورياضيات وطب ولم يخطر لواحد منهم قط أن يستعمل العامية رغم أنه يتكلم العامية فى الشارع وفى بيته وفى شراء ما يحتاجه من الدكاكين والأسواق.
والعامة فى عصرنا، كما قلنا، تستمع إلى الخطب الدينية والسياسية ونشرات الأخبار والأغانى الفصحوية وتفهمها وتتفاعل معها، والطلاب فى المدارس والجامعات يتعلمون بالفصحى ويجيبون على أسئلة الامتحان بالفصحى، والتعليمات الرسمية فى كل مكان مصوغة بالفصحى. فكيف يقول المستشرق الخبيث ما يقول عن العامية وأنها كفيلة بأن تفتح لنا أبواب التقدم؟ ثم هل علماء أوربا ومفكروها وأدباؤها ونقادها وفلاسفتها فى عصر ذلك المستشرق أو فى عصرنا هذا أو فى أى عصر كانوا يستعملون العامية ويهملون الفصحى فى تفكيرهم وتعبيرهم كما يريدنا هو أن نفعل حين نفكر ونكتب؟ فلم ينبغى أن ننبذ لغة تراثنا وحاضرنا وننتقل إلى العامية؟ إن ذلك المستشرق يريد منا أن نلغى عقولنا ونصدق المزاعم الكاذبة التى يرددها والتى لا يمكن أن يقتنع بها أى إنسان لديه مُسْكَة من عقل وفكر. ولكن الشياطين لا ييأسون ويظلون يرددون الباطل ويلحون عليه معرفة منهم أن هناك دائما فى الدول المتخلفة من هو جاهز لتبنى ما يقولون رغم عواره الفاحش. وقد سمعنا، بتأثير من هذا السخف الساخف، من يدعو إلى هجر الفصحى واتسعمال العامية، ومن يريد منا أن ننبذ حروفنا العربية ونتبنى حروف اللاتين... وهكذا. وهذا وأمثاله هو عَرَضٌ من أعراض الهزيمة والتخلف والشعور بالهوان وتصديق كل ما يقوله الغربيون المتفوقون علينا مهما يكن من تهافته وتفاهته وتضعضعه وانحطاطه ومجافاته للمنطق والعقل.
ولا بد، فى هذا السياق، من توجيه الانتباه إلى أن موسوعة "ويكيبيديا" قد تبنت تلك الدعوة إلى استعمال العامية وتسميتها بـ"اللغة المصرية"، والتعامل معها على أنها لغة قائمة بذاتها. وهو ما لم تفعله "الويكيبيديا" مع أية لغة أخرى رغم أنه ما من لغة فى العالم إلا ولها لهجاتها. فلماذا لم تصنع "ويكبيديا" هذا الصنيع مع غير لغة الضاد؟ ولقد أشرت إلى ذلك عدة مرات فيما كتبت. وقد لاحظت أن تلك الموسوعة قد حذفت ترجمتى من قاعدة بياناتها، فلم يعد هناك من سبيل إلى الوصول إليها. وقد أخبرنى بعض تلاميذى وأصدقائى أنهم حاولوا إعادة تلك الترجمة فلم يفلحوا قط لأن "ويكبيديا" قد منعت إدخال أية مادة باسمى. وهو تصرف عجيب من "ويكيبيديا". فهل لتلك الموسوعة أغراض تستلزم حذف ترجمتى بالذات دون سائر الكتاب والأساتذة المصريين والعرب من أمثالى؟ ولكن لماذا؟ وهل لهذا علاقة باستنكارى الشديد لإفراد تلك الموسوعة نسخة منها لما تسميه زورا وبهتانا بـ"اللغة المصرية"، والمقصود العامية المصرية، وهو ما لم تفعله مع أية لهجة أخرى من لهجات أية لغة من لغات العالم؟
وفى مقال لناصر عبود قاسم بموقع "المدارس الإسلامية" نقرأ ما يلى تحت عنوان "الدَّعْوَةُ إِلَى العامّيةِ- نَشْأتُها ودُعَاتُها": "إن الدعوة إلى العامية قد أحدثت بركانًا فكريًا لم يخمد أواره فى عقول الباحثين إلى يومنا هذا، وقامَ بعض الغيورين على اللغة العربية، وشمّروا عن سواعدهم، ومشقوا يراعهم، وتسلّحوا بإرادتهم، وردّوا على ذلك بتأليف الكتب القيمة، والرسائل والأطاريح المعتبرة، والمقالات والبحوث الرصينة، مما عاد بالنفع على لغتنا العربية الفصحى، حتى إن البعض يرى أن فكرة المجامع اللغوية التى أُنشِئتْ فى مصر وسوريا وغيرها من الدول العربية لم تكن إلّا ثمرة نتيجة لتلك الحملات الشعواء على لغة العرب. وكان دعاة اللهجة العامية يرون بضرورة استخدامها ليس على مستوى التخاطب اليومى فحسب، بل ذهبوا إلى أبعد من ذلك حيث أكّدوا على ضرورة إدخالها فى كتابة الصحف والمجلات والكتب، والمناهج الدراسية بصورة عامة.
ولم تكن هذه الفكرة وليدة اليوم، بل انبثقت عام 1880م فى مصر على يد المستشرق الألمانى ولهلم سبيتا حين قام بتأليف كتابه الموسوم بـ"قواعد اللغة العامية فى مصر". وبالرغم من أن الكثير من الكُتّاب والمفكرين قد أشاروا بأصابع الاتهام نحو الدول الاستعمارية والحملات التبشيرية بالوقوف وراء هذه الفكرة لمحقِ لُغةِ القُرآنِ الكريم فقد ذهبتْ الكاتبة المصرية بنت الشاطئ إلى أن سبيتا لم يكن ينطلق من منطلق استعمارى، بل كانت تراه متأثرًا بفكر العالم البريطانى تشارلز روبرت داروين صاحب كتاب "أصل الأنواع" ونظريته الموسومة بـ"النشوء والارتقاء" ونقلَ تطبيق هذه النظرية من الكائنات الحية إلى اللغات بصورة عامة، واللغة العربية بصورة خاصة، إذ عدَّ اللغة بأنها كائن حى ينشأ ويتطور ثم يموت، ويرى أن اللغة العربية الفصحى ميتة سريرياً، وستوارى الثرى عاجلًا أو أجلًا بسبب استعمار الدولة العثمانية الغازية للوطن العربى وسياسة التتريك المتبعة لها، ويُطبّق فكرة "الصراع من أجل البقاء" عليها، إذ يرى أن العاميةَ خاضت، وما زالت تخوض المعركة مع الفصحى، وأنها فى طور الانتصار، وأن عملية "الانتخاب الطبيعى" أو "بقاء الأصلح" تنطبق على العامية، إذ يراها بأنها الأقوى. وبطبيعة الحال: الأقوى هو الأقدر على الصمود بوجه عاديات الزمان".
وهذا الكلام المعزوّ إلى بنت الشاطئ موجود فى كتابها: "لغتنا والحياة" (دار المعارف/ ط 2/ 1991م/ 99 وما بعدها). وهى تستبعد أن يعمل شبيتا الألمانى لمصلحة الاستعمار البريطانى. ثم إنه، كما تقول، قد كتب كتابه بالألمانية التى لا يعرفها المصريون. لكنها لم تتطرق إلى نظرية داروين فى النشوء والارتقاء على عكس ما قاله الكاتب الناقل. ورغم ذلك فحتى لو ثبت أنه لم تكن هناك أصابع استعمارية تحرك شبيتا، فلا أظنه كان منطلقا من أفكار داروين عن التطور، إذ لم نسمع أن دارون قد تدخل بنفسه أو دعا غيره إلى التدخل لتسريع التطور فى أى نوع من الأنواع. وقد قلت آنفا إن شبيتا لو كان يرى أن مصير اللاتينية واختفاءها وحلول لغات أخرى متولدة عنها محلها هو أمر طبيعى حتمى لقد كان الأحرى به أن يترك العربية لنفس المصير تصل إليه وصولا طبيعيا دون تدخل يد من الخارج. وأما أنه كتب كتابه بالألمانية غير المعروفة فى مصر بما يترتب عليه من أن ما كتبه لن يؤثر فى المصريين ولن يؤتى ثماره المرة فإننا نتساءل: ولمن كتب كتابه إذن، وكل ما فيه موجه إلى المصريين والعقل المصرى ويخطط لمحو الفصحى وإحلال العامية محلها؟ ثم إن المستشرقين يعرف بعضهم لغات بعض، فهو يكتب بلغة بلده مثلما يكتب البريطانى بالإنجليزية، والفرنسى بالفرنسية، والإسبانى بالإسبانية، والإيطالى بالإيطالية، فيقرأ المستشرقون الآخرون ذلك ويفهمونه تمام الفهم، ويتفاعلون بل يتعاونون معه، ويضيفون إليه، وينشرونه فى أبحاثهم ومؤلفاتهم.
هذه واحدة، والثانية أن تتالى كتابة المستشرقين الموجودين فى مصر على اختلاف جنسياتهم فى هذا الموضوع ودعوتهم بنفس الدعوة دليل على أنه أمر بُيِّت بليل، وعلى أن كتابة شبيتا كتابه بالألمانية ليست عائقا أمام المستشرقين من غير الألمان كما وضحتُ. وعلى أية حال لقد ترجم كتابه إلى الإنجليزية. فما القول فى ذلك؟ والثالثة أنه لا شبيتا ولا غيره ممن نادى بذلك من الأجانب قد أشار إلى داروين ونظريته فى "النشوء والارتقاء". وأنا هنا أراد على دعوى اتكاء شبيتا على نظرية دارون فى حد ذاتها رغم أن بنت الشاطئ لم تتطرق، حسبما شرحت، إلى هذا الموضوع؟ ورابعا لا ينبغى أن ننسى زعم شبيتا بأن الفصحى تقف حائلا بين جماهير المصريين والتعلم، فهل هذه أيضا تنطلق من نظرية دارون؟ وخامسا فإن التطور الداروينى هو كلام خاص بالكائنات الحية لا الأفكار. وسادسا هل يعقل أن شبيتا كان يعمل من أجل مصلحة المصريين؟ ترى منذ متى ترمى الحدأة كتاكيت؟ ولو كان يعمل لصالح مصر فلماذا، بدلا من ذلك، لم يدع إلى استقلال مصر وتخليصها من الاستعمار البريطانى؟ وسابعا كيف يعمى هذا المستشرق عن الحقيقة التى تخزق عينيه وعينى كل من كان على شاكلته، وهى أن التراث العربى والإسلامى على مدى بضعة عشر قرنا كان كله مصوغا فى قالب الفصحى بينما لم يكن هناك شىء عامى؟ ثم هل يمكن أن نصدق جهله بما ترجمه الأوربيون فى بدايات عصر النهضة من كتب العرب والمسلمين فى الطب والفلك والرياضيات والجغرافيا والصيدلة والأحياء والنباتات والفلسفة وغير ذلك فى مختلف المجالات؟ كيف يا ترى يجهل واحد مثله تلك الحقيقة؟
ولقد ذكرت بنت الشاطئ فى الفصل الخاص بالمستشرقين من كتابها: "تراثنا بين ماض وحاضر" أن الغربيين قد استطاعوا بطرقهم ووسائلهم المختلفة إحراز مئات الألوف من مخطوطات تراثنا هذا واستعانوا به فى نهضتهم الحديثة. وشبيتا بكل تأكيد يعرف هذا لكنه يعمل رغم ذاك على الإطاحة بلغة القرآن خارج أسوار الحياة. تقول بنت الشاطئ إنه لم يكن مطلعا على الكتابات العربية الراقية بل على النصوص العربية الممسوخة بتأثير لغة الترك عليها، ومن ثم فله عذره فى تصوره أن الفصحى لا تصلح لتعليم المصريين. وهذا كلام من بنت الشاطئ غير مقبول، إذ ليس شبيتا، وهو مدير دار الكتب المصرية، بالذى يجهل التراث العربى والإسلامى على مدى القرون المتطاولة ويجهل أنه كان مصبوبا كله فى قالب الفصحى الراقية التى لم يمسها اللسان التركى على أى وضع. هذا ما لا يمكن أن يكون. ثم لقد تحررت العربية من التأثير اللغوى التركى منذ زمن، وكان رفاعة وتلامذته والشدياق وأحمد تيمور وأخته عائشة وجمال الدين الأفغانى ومحمد عبده وكل شعراء العصر يستعملون الفصحى الصافية غير المَشُوبة بأى شَوْبٍ من اللسان التركى. بل لقد كان الشدياق يصدر صحيفة "الجوائب" العالمية من قلب الآستانة ذاتها بالعربية الفصحى الراقية، وينشر كتبه فى الأدب واللغة والسياسة من هناك.
وثامنا لو كانت العامية أقوى من الفصحى وسوف تحل محلها فلماذا يتدخل شبيتا أو غيره فى هذا الصراع بين المستويين اللغويين؟ ترى متى كان القوىّ بحاجة إلى من يتدخل لصالحه كى يصرع الضعيف؟ وتاسعا فإن العربية كانت قد انتصرت على التركية واستقلت عنها وظهر فيها شعراء يشار إليهم بالبنان، وترجمت إليها كتب العلم والقصص، وألف فيها رفاعة وغير رفاعة كالشدياق والبستانى واليازجى ويعقوب صروف وجرجى زيدان وغيرهم الكتب القيمة فى ميادين علمية وأدبية دقيقة، فكيف يستدعى شبيتا أو بنت الشاطئ هذه النقطة تبريرا لدعوته تلك؟ وهبه لم يكن يعرف فعلا شيئا عن تاريخ العربية وكنوزها الفكرية والعلمية والأدبية فلم إذن أقدم على الحديث فى موضوع يجهله كل هذا الجهل؟ إن هذا لا يصنعه عاقل. أتراه كان مجنونا أو أحمق أخطل حتى يقتحم ميدانا يجهله ولا يعرف ماذا يقول فيه أو يدع؟
وعاشرا لم يا ترى لم يَدْعُ شبيتا بنفس الدعوة بالنسبة للغات الأوربية؟ سيقول إن هذه اللغات لا تحتاج إلى شىء من ذلك لأن شعوبها تعرفها جيدا وتفهمها جيدا. وهنا مربط الفرس. ذلك أن المسألة ليست مسألة عامية وفصحى بل مسألة تقدم ثقافى نتج عنه أن الجموع الأوربية تعلمت وتثقفت، ويوم تتعلم شعوبنا وتتخلص من الشعور بالهوان والانسحاق أمام الغرب وتعرف أن العلم هو أساس التقدم والتحضر والقوة والرفاهية والاستقلال الحقيقى فلسوف يتقدمون كما تقدمت الشعوب الأوربية. وحادى عشر لو كانت العامية هى طوق النجاة للمصريين فلم يا ترى فرض الإنجليز لغتهم وسيلة للتعليم فى مصر ولم يفرضوا العامية، ودعنا من الاستعمار الفرنسى فى الجزائر، الذى فرض الفرنسية فرضا على أهلها العرب والمسلمين وعمل بكل ما وسعه من جهد وتخطيط ومكر وعسف على محو اللغة العربية؟ الجواب هو أن رقبة اللغة العربية هى المرادة. وقد تحقق شىء من ذلك فى عهد الاحتلال البريطانى لبلادنا الحبيبة من خلال فرضه للغته زمنا على المصريين أداة للتعلم.
ومما ينبغى التعريج عليه فى هذا السياق الإشارة إلى ما تركته فى نفوس بعض المصريين آنذاك دعوة شبيتا ومن على شاكلته من الغربيين ممن نادَوْا بمخاصمة الفصحى لحساب العامية، وإهمال الحروف العربية لصالح الحروف اللاتينية، فقد ظهر مثلا ضمن من ظهروا سلامة موسى وأعلن خصومته للفصحى رغم أنه كان يكتب بها كتابة صحيحة إلى حد بعيد، ويتضح ذلك بوجه خاص فى كتابه: "اللغة العربية والبلاغة العصرية". وهو فى واقع الأمر لا يخاصم الفصحى فقط، التى يسميها: "لغة القرآن"، وهى تسمية لها دلالتها حين يستعملها مثله، بل يخاصم الحضارة العربية الإسلامية كلها حتى إنه ليستغرب كيف أن مؤلفينا يكتبون عن على بن أبى طالب ومعاوية بن أبى سفيان وخالد بن الوليد وحسان بن ثابت ولا يكتبون بدلا من ذلك عن هنرى فورد وأمثاله من الغربيين وأساليب الحياة فى بلادهم. وقد عزا كل ما نحن فيه من تخلف فى هذه المرحلة من تاريخنا نحن العرب والمسلمين إلى اللغة مرددا كلاما متهوسا لا منطق فيه بل بغض وتعصب غليظ. وعلى الجانب الآخر ظهر عبد العزيز فهمى وشن حملة شعواء حمقاء على الحروف العربية داعيا إلى استبدال الحروف اللاتينية بها. وهو فى هذه الدعوة يذكرنا بامرأة جميلة ذات شعر حريرى ظل بعض النساء من ذوات الشعر الليفى القبيح يزيِّنَّ لها أن تحلق شعرها وتلبس بدلا منه شعرا مستعارا خشنا لا حلاوة فيه، فصدقت ونفذت ما قيل لها بحجة أن هذه هى تقليعة الوقت، ففقدت بهذا العبث فى شعرها سحرها وفتنتها، وهى تظن حمقا منها وبلاهة أنها بمسايرتها للبدعة السائدة قد ازددات فتنة على فتنة، وسحرا إلى سحرها الأصلى.