بكين كانت أول عاصمة للثقافة العربية في بلاد الصين

من خلال وثائق المؤرخ الجزائري محمد الميلي

تعود العلاقات الثقافية العربية الصينية إلى اتفاقية التعاون الثقافي التي ابرمتها المنظمة العربية للتربية و الثقافة و العلوم مع جامعة الدراسات الأجنبية ببكين عام 1987 و شاركت الصين و البلاد العربية في ندوة كان موضوعها: "الندوة العالمية للحوار بين الثقافات العربية و الثقافات الأخرى" ،احتضنتها تونس شاركت فيها الجزائر و المغرب و ممثلون عن كل القيادات الثقافية في العالمين الغربي و العربي إلا أن الصراع العسكري الصيني العربي أثر على العلاقات الثقافية بين الصين و العالم العربي، حتى فترة سقوط الخلافة العبّاسية التي كان لها أثر في تطوير العلاقات الثّقافية العربيّة الصّينية، كانت بكين أول عاصمة للثقافة العربية يقول المؤرخ الجزائري محمد الميلي أن الصين و الأمة العربية يستطيعان بالتعاون المشترك أن يقدما النموذج القدوة لعلاقات بشرية راشدة يكون بها القرن الـ:21 قرن سلام و وئام، ترتاح فيه من الحروب التي أتخنت جسمها طيلة القرن الـ:20 لأن التجربة الصينية عرفت كيف تواجه الأزمة و لم ترتم في احضان الغرب

يقول المؤرخ الجزائري محمد الكيلي أن مسيرة التواصل العربي الصيني طويلة جدا بدأت منذ زمن بعيد تعود إلى فترة قبل ظهور الإسلام و توسعت فيما بعد، فقد كتبت كتب التاريخ الصيني عدة رحلات اشتكشافية قامت بها شخصيات صينية إلى بلاد العرب، قبل الإسلام من أهمها رحلة الصيني تشانغ تشيان zhang quian المتوفي عام 114 قبل الميلاد و كان قد أرسله امبراطور الصين هان وودي han wu di و قد قام هذا الرحالة برحلتين متتاليتين، الأولى كانت عام 139 قبل الميلاد حيث وصل إلى بلدان ىسيا الوسطى و أفغانستان، وكانت الرحلة الثانية عام 119 ق م وكان هذا الرحالة ضمن وفد صيني ، قاموا برحلتهم إلى ما بعد النهرين و بلاد الشام و الإسكندرية، و من هذه الرحلات عرف الصينيون الجَمَل و هذا في القرن الثالث قبل الميلاد، كانت هذه الرحلات بداية العلاقات العربية الصينية، كما أعطت دفعا قويا في الجانب التجاري بين العرب و الصين، كانت الصين تصدر الحرير و المنسوجات و الحديد و ألأواني الصينية في نفس الوقت كانت تستورد من بلاد فارس و البلاد العربية العطور و البخور و الأحجار الكريمة و العقاقير و المكسرات، و هذا يعني ان العلاقات الإقتصادية بين الصين و هذه الدول سبقت العلاقات الثقافية.

و قد تضمنت الكتب الصينية عدة روايات و أخبار عن بلاد العرب، فهل هذا يعني ان الصين السباقة في الكتابة و التأريخ للأحداث؟ يقول المؤرخ محمد الميلي أن جزء بلدان غربي الصين ( shi ji) أن بلاد العرب تقع غرب بلاد فارس و تحيط بها البحفي آسيا و تدمر اسيلان ر، ما جعل العلاقات التجارية والثقافية قوية مرت بعدة محطات مثل تسيلان في آسيا و تدمر في بلاد الشام و موانئ البحر المتوسط، و قد كان العرب أسبق الأمم و الشعوب في محاولة سبر أغوار المجتمع الصيني و التعريف به و بحضارته من خلال كتاباتهم، فقد كتب عن الصين كثير من الرحالة و الجغرافيين العرب و كتبوا عن عاداتهم و تقاليدهم و ظروف عيشهم و من الرحالة الذين ذكرهم المؤرخ محمد الميلي: التاجر سليمان السبراني، ابن الفقيه و اليعقوبي، و المسعودي و ابن رستم و الإدريسي و الغرناطي و القزويني و ابن البيطار و ابن سعيد الدمشقي و الوردي و ابن بطوطة و التقشبندي، من هنا بدأ العرب في تدوين تاريخ الصين و أخبار اهلها، بالمقابل بدأ الصينوين يؤرخون للإسلام و حياة المسلمين و هو ما جاء في "كتاب المراسيم في التاريخ" سجل فيه دو هوان صلاة المسلمين و المحرمات التىي جاء بها القرآن كتحريم أكل لحم الخنزير، و السؤال الذي يمكن أن يطرح هنا هو كالتالي: هل كان هناك تواصل لغوي بين الرحالة العرب و الصينيين؟ بمعنى هل كان الرحالة العرب يتقنون اللغة الصينية و كيف تعلم الصينيون اللغة العربية؟، خاصة و أنه في تلك الفترة لم تكن هناك ترجمة.

سقوط الخلافة العبّاسية كان له أثر في تطوير العلاقات الثّقافية العربيّة الصّينية

تشير الكتابات التاريخية أن أول سفارة عربية في الصين كانت في فترة حكم الإمبراطور قاو زونغ ( 650-684م) و هذا التاريخ يتطابق مع الفترة التي حكم فيها الخليفة عثمان بن عفان، بعدها بدأت البعثات العربية إلى الصين، حسبما السجلات الصينية الرسمية فإن البعثات بلغت 39 بعثة و ذلك ابتداءً من عام 656 م إلى غاية 778 م، هذه الأرقام ذكرها الدكتور "لي تشينغ تشونغ" في بحث له قدمه في الندوة العالمية للحوار الثقافي، إلا أن هذا الباحث أشار إلى التصادم الذي وقع بين العرب و الصينيين في المجال العسكري عندما حاول قتيبة بن مسلم في عهد الوليد بن عبد الملك غزو الصين بجيش كبير، حيث قام بغزو إحدى الإمارات في آسيا الوسطى و اسمها "فرغانة" كانت تحت حماية الصين فغزتها قبائل من التبت بتأييد الجيوش العربية، فالتجأ أميرها إلى القائد الصيني تشانغ ياو سونغ zhang xiao song و أرسل هذا الأخير جيشه و هزم القبائل الغازية والجيش العربي وعاد الأمير إلى عرشه مرة أخرى، و هكذا توالت الغزوات من أجل احتلال أكبر مدن الصين، و بالخصوص قبائل التتاري التي كانت لها أطماع كبيرة للسيطرة على الثروات الصينية،

و قيل أن الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور أرسل جيشه لنجدة امبراطور الصين سو زونغ su zong و إطفاء الفتنة التي حلت بالإمبراطورية الصينية، و يتضح من هذا كله أن التصادم العسكري الصيني العربي أثّر بشكل كبير في المجال الثقافي وخاصة في مجال الطباعة، لأن الصين كانت معروفة بصناعة الورق و خلق هذا الصراع أزمة كبيرة، قبلها كان العرب أكبر المستفيدين مما أنتجه المثقفون الصينيون و فنيّيها ، حيث أقاموا (أي العرب) في سمرقند ورشة لصناعة الورق و أحدثت هذه الورشة ثورة في عالم الكتابة، و ظهرت لأول مرة كتابة صينية عن البلاد العربية على يد مثقف صيني اسمه دو هوان du huan عندما كان أسيرا في معركة تالاس، في المقابل استفاد الصينيون من خبرة العرب الطبية إلا أن العرب لولا تطور الصين كذلك في المجال الطبي لما اكتشفوا خصائص الأعشاب الطبية كما جاء به ابن البيطار في كتابه "جامع المفردات" ، يروي المؤرخون عن شمس الدين عمر و هو ينتمي إلى بيت النبوة ، فقد حرص هذا الأخير على تعليم الناس و بناء المدارس و نشر القراءة و الكتابة في المدن الصينية التي تولى حكمها، للإشارة أن المستشرق غوستان لوبون اعترف ان العرب أصحاب الفضل في نقل الثقافة العلمية إلى الصين، خاصة أيام الإمبراطورية المغولية التي كانت سببا في سقوط الخلافة العباسية و هذا السقوط كان له اثر كبير في تطوير العلاقات الثقافية العربية الصينية فكانت بكين أول عاصمة للثقافة العربية في بلاد الصين.

علجية عيش