Public
Edit


هل كان محمد حسين هيكل ملحداً؟

وما قصة كتابة "حياة محمد"؟

د. إبراهيم عوض

كان كثير من الناس ينظرون إلى الدكتور هيكل قبل أن يكتب "حياة محمد" وغيرها من الدراسات الإسلامية على أنه ملحد. وقد صوّر فتحى رضوان، رحمة الله عليه، هذه النظرة فى الفقرة التى افتتح بها ترجمته له فى كتابه "عصر ورجال" والتى جاء فيها على لسان زميل من زملاء صباه قوله: "لما مات ابن الدكتور هيكل كان (أى هيكل) يصرخ من شدة الألم، ثم ارتمى على الأرض وأنشب أظافره فيها وأخذ يتمرغ... أما أنا فقد كنت أقول فى نفسى: لعلك تعلم أن الله حقّ!"، ثم عقب الأستاذ رضوان علـى هـذا قائلا: "وصدّقنا يومها حديث زميلنا لأنه أكّد لنا أنه من أقرباء زوجة الدكتور هيكل"[1].
وقد أشار إلى هذا أيضا الأستاذ المازنى رحمه الله، وذلك حين كتب معلقا على انتقال هيكل باهتماماته من الغرب إلى الشرق واتجاهه إلى الكتابات الإسلامية فقال: "كنت فى أول الأمر وقبل أن تتصل أسبابى بأسبابه فى حيرة من أمره، لا أرى له عناية تذكر بالأدب العربى والتاريخ العربى، وكنت فوق ذلك أسمع أنه ملحد"[2].
وهو نفس ما قاله كذلك سامى الكيالى، إذ وصف الأثر الذى ترکـه صـدور كتب هيكل الإسلامية فى نفوس القراء قائلا إن "الرجعيّين، وكان هيكل فى عقيدتهم كطه حسين من الملحدين، تساءلوا: كيف يكتب هذا الملحد عن أبى بكر وعمر؟"[3].
ومن قَبْلُ يكتب د. محمد غلاب، وهو بصدد الحديث عن هيكل ومؤلفاته سنة 1931م، فيقول: "لم نشأ أن نثقل على الدكتور هيكل فنسأله عن عقيدته الدينية، لأننا نعلم أن هذا ليس من اختصاصنا، وإنما هو شىء بين الإنسان وربه ليس للناس أن يتطفلوا بالأسئلة عنه، وفوق ذلك فإن إيمانه أو إلحاده لا يزيد ولا ينقص من قيمته الأدبية فى نظر الناقد النزيه والعالم الدقيق"[4]. وهى عبارة لها مغزاها، وإلا فما الذى دفعه إلى فتح ملف هذه القضية إذا لم يكن هناك لغط حول عقيدة هيكـل فى ذلك الحين؟
وفى سنة ١٩٨٢م يكتب محمد عبد الغنى حسن مقالاً بعنوان "بين الإقليمية والفرعونية والإسلامية" يرصد فيه التطور الفكرى فى حياة الدكتور هيكل وثقافته وكيف أنه كان يؤمن فى بادئ الأمر بالفرعونية ويولّى وجهه شطر مصر القديمة على حساب العروبة والإسلام ثم تحول بفعل عدة عوامل عن هذه الدعوة الفرعونية إلى فكرة العروبة ليبلغ هذا التحول ذروته بتأليف كتابه "حياة محمد". وفى هذا المقال تحدث الأستاذ محمد عبد الغنى حسن أكثر من مرة عن عودة هيكل إلى الإيمان بالعروبة والإسلام، فما السبب فى هذا التحول يا تُرَى؟[5].
لقد حدث فى أوائل الثلاثينات أن نشطت الجهود التبشيرية بين المسلمين فى مصر نشاطا مخيفا، إذ لجأ المنصِّرون من أجل إغراء السُّذَّج من العوام والأطفال الأبرياء وخَتْلهم عن دينهم إلى وسائل ملتوية مما أدّى إلى ارتياع الناس وضيقهم بموقف الحكومة السلبى حينئذ، وتألفت لذلك جمعية لمقاومة هذا النشاط التدميرى كان من أعضائها الشيخ المراغى (شيخ الأزهر آنذاك) والدكتور محمد حسين هيكل. وقد أدت مشاركة الدكتور هيكل فى هذه الجمعية إلى التفكير فى الوسيلة المثلى التى يستطيع هو شخصيا من خلالها أن يقاوم تلك المؤامرات الشيطانية، وانتهى به الأمر إلى أن أفضل شىء يمكنه فعله هو أن يبحث حياة الرسول عليه السلام ومبادئه بأسلوب علمى ويقدمه تقديما يقنع المسلم وغير المسلم بصدقه صلى الله عليه وسلم وعظمته[6]. ويضاف إلى ذلك ما أولاه من ضراوة هجوم المبشرين الجامح على الرسول الكريم بغية تحطيم الروح المعنوية لدى المسلميـن. ومـن هنـا كان ظهور "حياة محمد" الذى ألب على مؤلفه طائفة ممن كانوا يشايعونه قبلا فى دعوة التجديد وجَعَلَهم يتهمونه بالرجعية لأنه دفع بالحجة مطاعن المستشرقين ومن يتابعونهم من شباب المسلمين على النبى  ولم يحاول أن يضع القرآن الكريم موضع النقد العلمى. وهم يقصدون بذلك مرافأة المستشرقين والمبشرين على دعواهم بأن القرآن ليس إلا صناعة محمدية ترجع إلى مصادر بشرية[7].
وقد عدّ شيخ الصحفيين الأستاذ حافظ محمود، رحمه الله، "حياة محمد" لهيكل "فتحا عظيما فى كتابة السيرة كتابة عصرية سار فى ضوئها طه حسين والعقاد والحكيم وغيرهم فيما كتبوه عن السيرة"[8] بما يفيد بوضوح تام أن هيكل قد سبق هؤلاء إلى كتابة السيرة المحمدية. وهو نفس ما يقوله الأستاذ فتحى رضوان أيضا، إذ يؤكد أن مؤلفات كبار الكتاب فى مصر وخارجها عن صدر الإسلام بخاصة كانت ثمرة التراجم الإسلامية التى أخرجها هيكل، و "أن كتب العبقريات للعقاد وكتاب "محمد" للحكيم كانت كرَجْع الصدى من كتاب هيكل". ثم يضيف قائلا: "لقد استمر كبار الكتاب فى هـذا الاتجاه الذى سبقهم إليه هيكل حتى أخرج العقـاد إسلامياته المتعـددة، مثل كتاب "حقائق الإسلام وأباطيل خصومه" و"الفلسفة القرآنية"، وحتى أخرج طه حسين "مرآة الإسلام" بعد كتابه "على هامش السيرة"... إلخ"[9].
أما عند د. طه عمران وادى فالأمر بخلاف ذلك، إذ يقول: "فى السنوات الأولى من ثلاثينيات هذا القرن يغزو مصرَ وغيرها من بلدان الشرق حركةٌ تبشيرية واسعة النطاق فيعتصم كثير من رواد الحركة الفكرية فى مصر بحِمَى دينهم المقدس يـُحْيُون ذكراه وقصص رسوله. وقد لجأ إلى هذا كثير من الأدباء فى مصر مثل الأستاذ العقاد، رحمه الله، الذى سبق الجميع بعبقرياته وبدأها بـ "عبقرية محمد"، ثم الدكتور طه حسين فى كتابه "على هامش السيرة"، ثم أصدر الدكتور هيكل مؤلفه الضخم "حياة محمد"، وبعده أخرج كتاب "فى منزل الوحى". بل إن الأستاذ توفيق الحكيم أخرج كتابا عن محمد بعد ذلك بمدة فى ثوب تمثيلى..."[10]، أى أن العقاد هو السابق فى هـذا المضمار، يليه د. طه حسين بكتابه "على هامش السيرة"، ثم يأتى بعدهما د. هيكل فتوفيق الحكيم.
والواقع أن تواريخ صدور الكتب التى ألفها هؤلاء الأربعة عن الرسول عليه الصلاة والسلام هى على النحو التالى: كتاب طه حسين "على هامش السيرة" (الجزء الأول) سنة ١٩٣٣م[11]، ثم کتاب "حياة محمد" للدكتور هيكل سنة 1935م[12] (وليس سنة ١٩٣٤م كما جاء فى كتاب د. طه وادى[13]، وأغلب الظـن أنه سهو)، ثم "محمد" لتوفيق الحكيم سنة ١٩٣٦م[14]، ثم كتاب "عبقرية محمد" للعقاد سنة ١٩٤٢[15]. وعلى ضوء هذه التواريخ يمكن للقارئ أن يراجع ما نقلناه هنا عن الباحثين الثلاثة ويصحح ما لا يتسق معها.
ولعل من المفيد أن نقارن بين مناهج هؤلاء الأربعة فى تناولهم للسيرة: فالدكتور طه حسين، كما قال سامى الكيالى، "أحبَّ أن يقدم إلى قراء العربية صورا رائعة من الأساطير العربية التى لا تقل فى روعتها وأثرها عن الأساطير اليونانية، فكان لنا كتابه "على هامش السيرة". وهو صفحات مشرقة من تاريخنا القديم بل هو صورة رائعة قوية كانت مدفونة فى بطون كتب السيرة فجلّاها بأسلوبه الأخاذ، وإذا هى آيات من الأدب الأسطورى الجميل. لقد عرض هذه الأحداث الجسام التى سبقت ولادة النبى محمد فتحدّث بنزعة قصصية رائعة عن قريش وتُبّع؛ عن الحجاز واليمن، عن بلاد الحبشة وما جاورها. وقد ربط بين هذه القصص وبعض الأساطير القديمة، وبين نشأة اليهودية واصطدامها بالوثنية ونشأة المسيحية واصطدامها بالوثنية واليهودية معاً، وانتهى من هذه القصص والحركات التى رافقت الديانتين إلى ولادة الإسلام بعد أن صـور بلاد العرب وعاداتها ورجالاتها وطبيعتها وقصصها ونشأة أديانها بأسلوب غاية فى الدقة، واستطاع أن يضفى على التاريخ لونا من طلاوة الأدب وفتح باب المثولوجيا الإسلامية على مصراعيه"[16]. ومع ذلك فقد كان هناك من انتقد هذا التصوير الأسطورى للسيرة، ومنهم بل على رأسهم د. محمد حسين هيكل نفسه[17].
أما "محمد" لتوفيق الحكيم فهى عبارة عن تقديم السيرة النبوية فى هيئة حوار مسرحى، "وهى مستمدة من المصادر الإسلامية: من كتب السيرة وما تناولها من كتب التاريخ والطبقات والحديث والشمائل، ولكن الكاتب لم يقرأها بقريحة المؤرخ أو فكر الفقيه أو بطريقة المحدِّث. إنما أخذهـا أخذا فنيـا مـن ناحيـة طبيعته الفنية فقص الحوادث مستخلصة من كتب السيرة كما وصلتنا، ولكن بعد أن رتبها فى قالب حوار قصصى وأجلاها فى إطار مسرحى"[18]. وقد قوبل هذا العمل من جهةٍ بالاستحسان لطرافته، إذ كانت تلك أول مرة توضع فيها سيرة الرسول عليه السلام فى قالب مسرحى، لكنه قوبل من جهة أخرى بالانتقاد لأن المؤلف لم يعط نفسه الحرية فى صياغة السيرة تبعاً لفكرته الخاصة عن الرسول بل التزم بما جاء فى الكتب القديمة ولم يـَحِدْ عنه فكان فى عمله براعةٌ فى الحوار وفى وصف هيئات الأشخاص، لكنـه خـلا من العقـدة والبناء المسرحى المحكم[19].

وفى "عبقرية محمد" يرسم العقاد صورة لشخصية الرسول عليه السلام من كل جوانبها، مبرزا عظمته الخلقية والنفسية والعقلية، لكنه لا يهتم بتقديم حوادث سيرته مرتبة على تواريخ السنين. ذلك أن "عبقريات العقاد ليست سيرا بالمعنى التاريخى المألوف، وإنما هى صور تشخّص الملكات والأخلاق، ولذلك قلما احتفل فيها بالأحداث والوقائع. وحتى أرقام السنوات التى وُلِد فيها أصحاب العبقرية وتُوُفّوا قلّما وقف عندها لأنها لا وزن لها فى الصورة التى قصد بها إلى رسم المزايا والخصائص الخلقية والنفسية والإنسانية للعبقرية... وقد مضى[20] يرسم فى محمد  المثل الأعلى فى الشخصية الدينية القدسية مستمدا من التاريخ الذى لا خلاف فيه، غير مَعْنِىً بما يُرْوَى من الخوارق التى رافقت ميلاده وقيل إنها كانت إرهاصا لرسالته، لأن وراءها من حوادث الكون وحقائق التاريخ ما يصوّر حاجة الدنيا حينئذ إلى الرسالة المحمدية حاجة يوضحها الواقع أكثر مما يوضحها الخيال. وهو واقع مثّل العقاد من خلاله عبقرية محمد النبى الداعى بكلّ ما تَخلّقت فيه من أشعة آدمية كفلت إبلاغ الدعوة التى ارتكزت على مخاطبة العقل وفصاحة اللسان، وعبقرية محمد الإنسان فى رحمته وبره وعطفه وشرفه ونزاهته الذى عاش وفاقا لأسمى مبادئ الخلق الاجتماعى والإنسانى معيشة لو لم تقترن برسالته النبوية لكان حقا على الإنسانية أن تَعُدّه عبقريا بملكاته النفسية العظيمة. وهى ملكات نفذ من خلالها العقاد لدحض ما يتقوله خصوم الإسلام على المثل الكامل من تعدد أزواجه ومن حمله السلاح، وهو لم يحمله إلا دفاعا عن نفسه ودعوته"[21].
ونصل إلى كتاب هيكل، وهو يقوم على ترتيب وقائع السيرة النبوية ترتيبا تاريخيا بعد تمحيصها والتحقق من صحتها وتحديد تاريخ كل منها، ولكن يسبق ذلك كلّه حديثٌ مفصّل عن فارس والروم وبلاد العرب ومكة ونسب الرسول عليه السلام، مع التوقف بخاصة عند جده عبد المطلب وأبويه وعمه أبى طالب.
وقد أعلن هيكل منهجه فى كتابه "حياة محمد" مبينا أنه إنما يعتمد على القرآن أوّلا، أما المصادر الأخرى فإنه يجعل القرآن حاكما عليها، فما وجده فى هذه المصادر متعارضا مع ما ورد فى القرآن عنه  أو عن دعوته ردّه ولم يأخذ به[22]. ومعنى هذا أنه يقتصر على القرآن الكريم وحده كما يُفْهَم من كلام د. محمد رأفت سعيد، الذى قال إن "المصدر الذى اعتمد عليه هيكل فى كتابة السيرة النبوية هو القرآن الكريم"[23]. والواقع أنه من غير الممكن الاكتفاء، عند تسجيل سيرة النبى عليه السلام، بما جاء فى القرآن، إذ إن كتاب الله لا يكاد يحتوى على شىء من وقائع السيرة ولا يذكر نسب الرسول الكريم ولا أسماء زوجاته أو أبنائه ولا عددهم... إلخ، والذى فيه من ذلك إنما ورد على سبيل الإيجاز الشديد الذى هو إلى التلميح أقرب منه إلى التصريح، وهذا من المعروف لكل أحد. وعلى أية حال فهذه عبارة هيكل أسوقها بنصها. قال: "ولقد تبينت أن أصدق مرجع للسيرة إنما هو القرآن الكريم، فإن فيه إشارة إلى كل حادث من حياة النبى العربى[24] يتخذها الباحث منارا يهتدى به فى بحثه ويمحّص على ضيائه ما ورد فى كتب السنة وما جاء فى كتب السيرة المختلفة"[25]. وفوق ذلك فالكتاب، كما ذكر هو نفسه فى تقديمه، يعتمد على مراجع أخرى من كتب التفسير والحديث وأسباب النزول والتاريخ ودراسات المستشرقين[26] والمسلمين المحدثين مما سرد أسماءه فى "سجل المراجع" فى صدر الكتاب.
ثانی عناصر هذا المنهج هو التقيد بقواعد النقد العلمى، الذى يؤكد هيكل أن الكتب القديمة تفتقر إليه، إذ كانت كثرتها (كما يـقـول) توضع لغاية دينية تعبدية، ولذلك لم يأخذ بأسلوبها ونهجها[27]. ومن هنا رأيناه يهمل ذكر المعجزات إهمالا تاما أو يكاد، وحجته فى ذلك أن الذين درسوا تلك الكتب القديمة قد لاحظوا "أن ما روته من أنباء الخوارق والمعجزات ومن كثير غيرها من الأنباء كان يزيد وينقص دون مسوّغ إلا اختلاف الأزمان التى وضُعِت هذه الكتب فيها، فقديمها أقل رواية للخوارق من متأخرها، وما ورد من الخوارق فى الكتب القديمة أقل بعدا عن مقتضى العقل مما ورد فى كتب المتأخرين... فلا بد للباحث فى هذه الكتب جميعا بحثا علميا أن يضع مقياساً يعرض عليه ما اختلفت فيه وما اتفقت عليه. فما صدّقه هذا المقياس أقره الباحث، وما لم يصدقه وضعه موضع التمحيص إذا كان مما يقبل التمحيص"[28].
فأما تمحيص أى شىء قبل قبوله فذلك أمر لا أظن أن فيه خلافا. لكن اختلاف الروايات حول قضية من القضايا لا يدل بالضرورة على عدم صحتها، ومن ثم لا ينبغى أن يُتَّخَذ تُكأَةً لرفضها. وبالنسبة للمعجزات فإن كتب الصحاح تروى منها عدداً غير قليل، بيد أننا فى ذات الوقت نقرأ فى القرآن الكريم مثلا قوله سبحانه ملقِّناً نبيه بأن يردّ على من يتحدَّوْنه أن يأتيهم بمعجزة تدل على صدق رسالته فيفجر لهم من الأرض ينبوعا أو يكون له بيت من زخرف أو يَرْقَى فى السماء وينزّل عليهـم كتابا يقرأونه بقوله لهم: "سبحان ربی! هل كنت إلا بشرا رسولاً؟"، كما نقرأ تعقيبَه عز وجلّ على هذا بقوله: "وما مَنَعَنَا أن نرسل بالآيات (أى بالمعجزات) إلا أن كذّب بها الأولون"[29]، وهو ما يدل أصرح دلالة على أن السماء لم تُبَال بتحدى أولئك الكفار من قومه عليه السلام ولم تنزل عليه أيّاً من الآيات التى اقترحوا عليه، فما العمل إذن؟ إن القرآن بطبيعة الحال مقدَّم على غيره من المصادر والمراجع عند حدوث تعارض بينهما. ولقد أوضح هيكل ذلك، وإن لم يذكر هذه الآيات التى تنبئنا أن عصر المعجزات قد ولَّى رغم تعضيدها الشديد لموقفه. لكن يبقى هذا السؤال: ألا يمكن أن يكون هذا التعارض وهميا أو على الأقل ظاهريا ويكون الكلام فى الآيات خاصا بالمعجزات التى كان الكفار يتعنتون على النبى بها لا بالمعجزات التى تنزل إكراماً له عليه السلام وتفريجا عنه وتثبيتا لقلوب المؤمنين فى بعض ساعات الحرج؟ ذلك أن رفض كل ما أجمعت عليه كتب الصحاح من المعجزات هو أمر من الصعوبة بمكان. ومع ذلك فإن رفض هيكل أو عدم اطمئنانه لمعجزة الحمامتين والعنكبوت والشجرة التى تروى بعض كتب السيرة وقوعها على باب غار ثور قائلة إنها كانت السبب فى عدم محاولة الكفار دخول الغار حيث كان يختبئ والصِّدِّيق أثناء هجرتهما إلى المدينة، هو أمر مفهوم ولست أرى فيه شيئا، إذ إن سيرة ابن هشام، وهى أقدم السير جميعا، لا تورد هذه المعجزة ولا تشير إليها على أى نحو البتة كما أوضح المؤلف[30]، بل ولم يشر إليها القرآن أيضا مجرد إشارة.
أما بالنسبة لواقعة الإسراء والمعراج فالملاحظ أن هيكل لم يحاول، على الأقل فى ظاهر الأمر[31]، أن يرجح أحد الآراء التى قيلت فيها، وهى هل كان الإسراء والمعراج بالروح والجسد جميعا أو كانا بالروح فقط أو كان الأول بهما معاً والآخر بالروح فحسب؟ بل كل ما قاله إن "لكل رأى من هذه الآراء سندا عند المتكلمين" وإنه "لا جُنَاح على من يقول بواحدٍ دون غيره من هذه الآراء"[32]، وهو ما يفيد أنه لا ينكر على من يؤمن بأن معجزة الإسراء والمعراج كانت بالروح والجسد معا. والسبب فى ذلك، فيما نعتقد، هو أن الإسراء والمعراج قد ذُكِرا فى القرآن الكريم، وهو ما لا يستطيع ردّه مهما كان له هو نفسه من تفسير لهما مختلف.
وقد طبق هيكل المنهج العلمى عند تمحيصه تهمةَ الصَّرْع التى قَرَف بها بعض الكتاب الغربيين نبيّنا عليه السلام، فبيّن أن أعراض الصرع تختلف تماما عن أعراض الوحى كما سجلتها كتب السيرة والأحاديث. وقد رجع فى هذا إلى الأطباء وكتب الطب[33]، وبهذه الطريقة العلمية فَنَّدَ تلك الفرية السخيفة التى حاول بها هؤلاء الغربيون تلطيخ صورة الرسول والوحى الذى كان ينزل عليه، وذلك بالادعاء بأنه كان مريضاً يحتاج إلى العلاج لا نبيا رسولاً جاء ليَطِبّ لأمراض الناس النفسية والاجتماعية والأخلاقية والروحية.
الهوامش:
1- فتحی رضوان/ عصر ورجال/ ٤٦٥
2- محمد حسين هيكل فى عيون معاصريه/ إعداد نبيل فرح/ ٣٤
3- المرجع السابق/ ۸۷
4- السابق/ ٥٤. وقد سبق أن أشرنا إلى انتقاده الشديد له بسبب كلامه عن الأصول الأدبية للقرآن الكريم وتحديه إياه أن يريها لنا.
5- السابق/ 115، 117، 118
6- انظر د. محمد حسين هيكل/ مذكرات فى السياسة المصرية/ مكتبة النهضة المصرية/ 1951م/ 1/ 328
7- انظر د. محمد حسين هيكل/ فى منزل الوحى/ ٢١، وحياة محمد/ ۹/ مكتبة النهضة المصرية/ 1965ـــــ ١٩٦٦م/ ۱۷ – ۱۸، وانظر أيضا فتحى رضوان/ عصر ورجال/ ٥٩٢ ــــ ٩٥٤، ود. عبد العزيز شرف/ محمد حسين هيكل فى ذكراه/ سلسلة "أقرأ" (العدد٤٣١)/ ۱۹۷۸م/ ١٩٣ وما بعدها.
8- محمد حسين هيكل فى عيون معاصريه/ ۹۷
9- فتحی رضوان/ عصر ورجال/ ٥٩٤ – ٥٩٥
10- طه عمران وادى/ الدكتور محمد حسين هيكل - حياته وتراثه الأدبى/ ۱۲۱
11- انظر مثلاً د. سهير القلماوى/ ذكرى طه حسين/ سلسلة "اقرأ" (العدد ۳۸۸)/ ١٩٧٤م/ 159. أمّا الجزء الثانى والثالث فقد صدرا فى ١٩٤٢م و ١٩٤٣م على الترتيب (نفس المرجع والصفحة).
12- انظر ثبت مؤلفاته الموجود فى صدر طبعات كتبه الأخيرة، وإن كان قد نُشر عدد من فصول هذا الكتاب قبل ذلك فى بعض أعداد "السياسة" و "السياسة الأسبوعية" منذ سبتمبر ١٩٣٢م كما جاء فى الببليوجرافيا التى أعدها د. حمدى السكوت ود. مارسدن جونز/ ۱۹۷
13- ص/ ۱۲۹ من ذلك الكتاب.
14- حسب ما هو مذكور فى ثبت مؤلفاته الذى يجده القارئ فى صدر كثير من أعماله، ومنها مسرحية (السلطان الحائر" على سبيل المثال/ 5. وانظر كذلك "توفيق الحكيم" للدكتور إسماعيل أدهم والدكتور إبراهيم ناجى/ دار سعد مصر/١٩٤٥م/ ۹۸، ۱۷۳، و "وداعا توفيق الحكيم" / إعداد نبيل فرج ومحمد السيد عيد/ وزارة الثقافة - المركز القومى للآداب/ ۱۹۸۸م/ ٣٤٠، و "85 شمعة فى حياة توفيق الحكيم" لمحمد السيد شوشة/ دار المعارف/ ١٠٩. وقد ذكر إسماعيل أدهم وإبراهيم ناجى أنها كتبت قبل ذلك التاريخ (بين عامى 1932م و 1935م تحديدا). وقد بدأ الأمر بكتابة فصل من حياة الرسول فى قالب تمثيلى لمجلة "الرسالة"، التى كان يصدرها المرحوم الزيات (انظر كتابهما "توفيق الحكيم"/ 175).
15- انظر "مع العقاد" للدكتور شوقى ضيف/ سلسلة "اقرأ" (العدد 629)/ 1964م/ 64
16- سامى الكيالى/ مع طه حسين/ ط2/ سلسلة "اقرأ" (العدد ١١٢)/ 1/ 81-82
17- انظر فى ذلك "محاكمة فكر طه حسين" لأنور الجندى/ دار الاعتصام/ ١٩٨٤/ص ١٨٢ وما بعدها. ويجد القارئ رأى هيكل فى هذا الموضوع فى جريدة "السياسة"، بتاريخ1/ 12/ ۱۹۳۳م، و 25/ 12/ 1937م.
18- إسماعيل أدهم وإبراهيم ناجى/ توفيق الحكيم/ ۱۷۳
19- المرجع السابق/ ۱۷۳ - ۱۷۸. ومن الذين تناولوا هذا العمل فى حينه المرحوم مصطفى صادق الرافعى (الرسالة/ ١٠ فبراير/ ١٩٣٦م)، وإسماعيل مظهر (المقتطف/ 3 مارس ١٩٣٦م)، ومحمد صبيح (المقطم/ ۲۷ مارس ١٩٣٦م)، وأحمد الصاوى محمد (مجلتى/فبراير/ ١٩٣٦م).
20- أى العقاد فى كتابه "عبقرية محمد".
21- د. شوقى ضيف/ مع العقاد/ ٨٦ ـــ ٨٨
22- انظر "حياة محمد"/ ۱۸، ٦٤
23- انظر ملخصات الأبحاث الخاصة بــــ "ندوة محمد حسين هيكل وجهود الاستنارة المصرية"/ ٥٤.
24- فى الكلام مبالغة، وإلا فهل فى القرآن إشارة إلى زواجه من خديجة مثلاً وأبنائه منها وسفره فى تجارتها إلى الشام، أو تحكيم قريش له فى نقل الحجر الأسود، أو موت أبيه قبل أن تكتحل عيناه بنور الدنيا وموت أمه فى الأبواء وهى عائدة به من يثرب، أو كفالة جده ثم عمه له بعد ذلك، أو اشتراكه فى حرب الفجار، أو تحنثه فى غار حراء كل يوم... إلخ... إلخ؟
25- حياة محمد/ ۱۸
26- المرجع السابق/ 19-20
27- حسب د. رأفت سعيد أن هيكل قد ضرب عن هذه الكتب القديمة صفحا فلم يعتمد عليها البتة، على حين أن كل ما فعله هيكـل هـو أنه فقط لم يأخذ بمنهجها، وهذا غير ذلك. ومع ذلك فقد عاد د. هيكل فوصف التفكير الإسلامى بأنه "تفكير علمى الأساس على الطريقة الحديثة فى صلة الإنسان بالحياة المحيطة به" (حياة محمد/ ۲۲).
28- السابق/ ٤٧ - ٤٨. وقد سبق أن ذكر أن الشيخ محمد عبده وأضرابه ممن هبوا للردّ على المستشرقين لم يسلكوا فى ردهم الطريقة العلمية (ص/ ١٥). وهو کلام غريب بالنسبة لمحمد عبده بالذات، ويزيده غرابة أنه لم يبين لنا كيف. ومع ذلك فقد ذكر هو نفسه أن محمد عبده ومحمد رشيد رضا والمراغى لم يهتموا بالمعجزات المنسوبة للنبى عليه السلام (ص/ 52-54).
29- الإسراء/ 9٠ - ٩٤
30- انظر "حياة محمد"/ ۲۱۲ - ۲۱۳. ومع ذلك فسوف نراه فى كتابه "الصديق أبو بكر" يروى نبأ العنكبوت الذى خيم على فوهة الغار رواية المصدق له (انظر ص/ 40 من ذلك الكتاب/ مطبعة مصر/ ١٣٦١هــــ).
31- ذلك أن كلامه فى بعض الأحيان قد يوحى بأنه يقول بالإسراء والمعراج الروحيين (ص/ ١٩٣ - ١٩٦)، وهو ما فهمه د. طه عمران وادى من هذا الكلام (انظر كتابه "محمد حسين هيكل ــــ حياته وتراثه الأدبى"/ 143).
32- حياة محمد/ 193
33- ص/ 40-41



Public
Edit


هل كان محمد حسين هيكل ملحداً؟

وما قصة كتابة "حياة محمد"؟

د. إبراهيم عوض

كان كثير من الناس ينظرون إلى الدكتور هيكل قبل أن يكتب "حياة محمد" وغيرها من الدراسات الإسلامية على أنه ملحد. وقد صوّر فتحى رضوان، رحمة الله عليه، هذه النظرة فى الفقرة التى افتتح بها ترجمته له فى كتابه "عصر ورجال" والتى جاء فيها على لسان زميل من زملاء صباه قوله: "لما مات ابن الدكتور هيكل كان (أى هيكل) يصرخ من شدة الألم، ثم ارتمى على الأرض وأنشب أظافره فيها وأخذ يتمرغ... أما أنا فقد كنت أقول فى نفسى: لعلك تعلم أن الله حقّ!"، ثم عقب الأستاذ رضوان علـى هـذا قائلا: "وصدّقنا يومها حديث زميلنا لأنه أكّد لنا أنه من أقرباء زوجة الدكتور هيكل"[1].
وقد أشار إلى هذا أيضا الأستاذ المازنى رحمه الله، وذلك حين كتب معلقا على انتقال هيكل باهتماماته من الغرب إلى الشرق واتجاهه إلى الكتابات الإسلامية فقال: "كنت فى أول الأمر وقبل أن تتصل أسبابى بأسبابه فى حيرة من أمره، لا أرى له عناية تذكر بالأدب العربى والتاريخ العربى، وكنت فوق ذلك أسمع أنه ملحد"[2].
وهو نفس ما قاله كذلك سامى الكيالى، إذ وصف الأثر الذى ترکـه صـدور كتب هيكل الإسلامية فى نفوس القراء قائلا إن "الرجعيّين، وكان هيكل فى عقيدتهم كطه حسين من الملحدين، تساءلوا: كيف يكتب هذا الملحد عن أبى بكر وعمر؟"[3].
ومن قَبْلُ يكتب د. محمد غلاب، وهو بصدد الحديث عن هيكل ومؤلفاته سنة 1931م، فيقول: "لم نشأ أن نثقل على الدكتور هيكل فنسأله عن عقيدته الدينية، لأننا نعلم أن هذا ليس من اختصاصنا، وإنما هو شىء بين الإنسان وربه ليس للناس أن يتطفلوا بالأسئلة عنه، وفوق ذلك فإن إيمانه أو إلحاده لا يزيد ولا ينقص من قيمته الأدبية فى نظر الناقد النزيه والعالم الدقيق"[4]. وهى عبارة لها مغزاها، وإلا فما الذى دفعه إلى فتح ملف هذه القضية إذا لم يكن هناك لغط حول عقيدة هيكـل فى ذلك الحين؟
وفى سنة ١٩٨٢م يكتب محمد عبد الغنى حسن مقالاً بعنوان "بين الإقليمية والفرعونية والإسلامية" يرصد فيه التطور الفكرى فى حياة الدكتور هيكل وثقافته وكيف أنه كان يؤمن فى بادئ الأمر بالفرعونية ويولّى وجهه شطر مصر القديمة على حساب العروبة والإسلام ثم تحول بفعل عدة عوامل عن هذه الدعوة الفرعونية إلى فكرة العروبة ليبلغ هذا التحول ذروته بتأليف كتابه "حياة محمد". وفى هذا المقال تحدث الأستاذ محمد عبد الغنى حسن أكثر من مرة عن عودة هيكل إلى الإيمان بالعروبة والإسلام، فما السبب فى هذا التحول يا تُرَى؟[5].
لقد حدث فى أوائل الثلاثينات أن نشطت الجهود التبشيرية بين المسلمين فى مصر نشاطا مخيفا، إذ لجأ المنصِّرون من أجل إغراء السُّذَّج من العوام والأطفال الأبرياء وخَتْلهم عن دينهم إلى وسائل ملتوية مما أدّى إلى ارتياع الناس وضيقهم بموقف الحكومة السلبى حينئذ، وتألفت لذلك جمعية لمقاومة هذا النشاط التدميرى كان من أعضائها الشيخ المراغى (شيخ الأزهر آنذاك) والدكتور محمد حسين هيكل. وقد أدت مشاركة الدكتور هيكل فى هذه الجمعية إلى التفكير فى الوسيلة المثلى التى يستطيع هو شخصيا من خلالها أن يقاوم تلك المؤامرات الشيطانية، وانتهى به الأمر إلى أن أفضل شىء يمكنه فعله هو أن يبحث حياة الرسول عليه السلام ومبادئه بأسلوب علمى ويقدمه تقديما يقنع المسلم وغير المسلم بصدقه صلى الله عليه وسلم وعظمته[6]. ويضاف إلى ذلك ما أولاه من ضراوة هجوم المبشرين الجامح على الرسول الكريم بغية تحطيم الروح المعنوية لدى المسلميـن. ومـن هنـا كان ظهور "حياة محمد" الذى ألب على مؤلفه طائفة ممن كانوا يشايعونه قبلا فى دعوة التجديد وجَعَلَهم يتهمونه بالرجعية لأنه دفع بالحجة مطاعن المستشرقين ومن يتابعونهم من شباب المسلمين على النبى  ولم يحاول أن يضع القرآن الكريم موضع النقد العلمى. وهم يقصدون بذلك مرافأة المستشرقين والمبشرين على دعواهم بأن القرآن ليس إلا صناعة محمدية ترجع إلى مصادر بشرية[7].
وقد عدّ شيخ الصحفيين الأستاذ حافظ محمود، رحمه الله، "حياة محمد" لهيكل "فتحا عظيما فى كتابة السيرة كتابة عصرية سار فى ضوئها طه حسين والعقاد والحكيم وغيرهم فيما كتبوه عن السيرة"[8] بما يفيد بوضوح تام أن هيكل قد سبق هؤلاء إلى كتابة السيرة المحمدية. وهو نفس ما يقوله الأستاذ فتحى رضوان أيضا، إذ يؤكد أن مؤلفات كبار الكتاب فى مصر وخارجها عن صدر الإسلام بخاصة كانت ثمرة التراجم الإسلامية التى أخرجها هيكل، و "أن كتب العبقريات للعقاد وكتاب "محمد" للحكيم كانت كرَجْع الصدى من كتاب هيكل". ثم يضيف قائلا: "لقد استمر كبار الكتاب فى هـذا الاتجاه الذى سبقهم إليه هيكل حتى أخرج العقـاد إسلامياته المتعـددة، مثل كتاب "حقائق الإسلام وأباطيل خصومه" و"الفلسفة القرآنية"، وحتى أخرج طه حسين "مرآة الإسلام" بعد كتابه "على هامش السيرة"... إلخ"[9].
أما عند د. طه عمران وادى فالأمر بخلاف ذلك، إذ يقول: "فى السنوات الأولى من ثلاثينيات هذا القرن يغزو مصرَ وغيرها من بلدان الشرق حركةٌ تبشيرية واسعة النطاق فيعتصم كثير من رواد الحركة الفكرية فى مصر بحِمَى دينهم المقدس يـُحْيُون ذكراه وقصص رسوله. وقد لجأ إلى هذا كثير من الأدباء فى مصر مثل الأستاذ العقاد، رحمه الله، الذى سبق الجميع بعبقرياته وبدأها بـ "عبقرية محمد"، ثم الدكتور طه حسين فى كتابه "على هامش السيرة"، ثم أصدر الدكتور هيكل مؤلفه الضخم "حياة محمد"، وبعده أخرج كتاب "فى منزل الوحى". بل إن الأستاذ توفيق الحكيم أخرج كتابا عن محمد بعد ذلك بمدة فى ثوب تمثيلى..."[10]، أى أن العقاد هو السابق فى هـذا المضمار، يليه د. طه حسين بكتابه "على هامش السيرة"، ثم يأتى بعدهما د. هيكل فتوفيق الحكيم.
والواقع أن تواريخ صدور الكتب التى ألفها هؤلاء الأربعة عن الرسول عليه الصلاة والسلام هى على النحو التالى: كتاب طه حسين "على هامش السيرة" (الجزء الأول) سنة ١٩٣٣م[11]، ثم کتاب "حياة محمد" للدكتور هيكل سنة 1935م[12] (وليس سنة ١٩٣٤م كما جاء فى كتاب د. طه وادى[13]، وأغلب الظـن أنه سهو)، ثم "محمد" لتوفيق الحكيم سنة ١٩٣٦م[14]، ثم كتاب "عبقرية محمد" للعقاد سنة ١٩٤٢[15]. وعلى ضوء هذه التواريخ يمكن للقارئ أن يراجع ما نقلناه هنا عن الباحثين الثلاثة ويصحح ما لا يتسق معها.
ولعل من المفيد أن نقارن بين مناهج هؤلاء الأربعة فى تناولهم للسيرة: فالدكتور طه حسين، كما قال سامى الكيالى، "أحبَّ أن يقدم إلى قراء العربية صورا رائعة من الأساطير العربية التى لا تقل فى روعتها وأثرها عن الأساطير اليونانية، فكان لنا كتابه "على هامش السيرة". وهو صفحات مشرقة من تاريخنا القديم بل هو صورة رائعة قوية كانت مدفونة فى بطون كتب السيرة فجلّاها بأسلوبه الأخاذ، وإذا هى آيات من الأدب الأسطورى الجميل. لقد عرض هذه الأحداث الجسام التى سبقت ولادة النبى محمد فتحدّث بنزعة قصصية رائعة عن قريش وتُبّع؛ عن الحجاز واليمن، عن بلاد الحبشة وما جاورها. وقد ربط بين هذه القصص وبعض الأساطير القديمة، وبين نشأة اليهودية واصطدامها بالوثنية ونشأة المسيحية واصطدامها بالوثنية واليهودية معاً، وانتهى من هذه القصص والحركات التى رافقت الديانتين إلى ولادة الإسلام بعد أن صـور بلاد العرب وعاداتها ورجالاتها وطبيعتها وقصصها ونشأة أديانها بأسلوب غاية فى الدقة، واستطاع أن يضفى على التاريخ لونا من طلاوة الأدب وفتح باب المثولوجيا الإسلامية على مصراعيه"[16]. ومع ذلك فقد كان هناك من انتقد هذا التصوير الأسطورى للسيرة، ومنهم بل على رأسهم د. محمد حسين هيكل نفسه[17].
أما "محمد" لتوفيق الحكيم فهى عبارة عن تقديم السيرة النبوية فى هيئة حوار مسرحى، "وهى مستمدة من المصادر الإسلامية: من كتب السيرة وما تناولها من كتب التاريخ والطبقات والحديث والشمائل، ولكن الكاتب لم يقرأها بقريحة المؤرخ أو فكر الفقيه أو بطريقة المحدِّث. إنما أخذهـا أخذا فنيـا مـن ناحيـة طبيعته الفنية فقص الحوادث مستخلصة من كتب السيرة كما وصلتنا، ولكن بعد أن رتبها فى قالب حوار قصصى وأجلاها فى إطار مسرحى"[18]. وقد قوبل هذا العمل من جهةٍ بالاستحسان لطرافته، إذ كانت تلك أول مرة توضع فيها سيرة الرسول عليه السلام فى قالب مسرحى، لكنه قوبل من جهة أخرى بالانتقاد لأن المؤلف لم يعط نفسه الحرية فى صياغة السيرة تبعاً لفكرته الخاصة عن الرسول بل التزم بما جاء فى الكتب القديمة ولم يـَحِدْ عنه فكان فى عمله براعةٌ فى الحوار وفى وصف هيئات الأشخاص، لكنـه خـلا من العقـدة والبناء المسرحى المحكم[19].

وفى "عبقرية محمد" يرسم العقاد صورة لشخصية الرسول عليه السلام من كل جوانبها، مبرزا عظمته الخلقية والنفسية والعقلية، لكنه لا يهتم بتقديم حوادث سيرته مرتبة على تواريخ السنين. ذلك أن "عبقريات العقاد ليست سيرا بالمعنى التاريخى المألوف، وإنما هى صور تشخّص الملكات والأخلاق، ولذلك قلما احتفل فيها بالأحداث والوقائع. وحتى أرقام السنوات التى وُلِد فيها أصحاب العبقرية وتُوُفّوا قلّما وقف عندها لأنها لا وزن لها فى الصورة التى قصد بها إلى رسم المزايا والخصائص الخلقية والنفسية والإنسانية للعبقرية... وقد مضى[20] يرسم فى محمد  المثل الأعلى فى الشخصية الدينية القدسية مستمدا من التاريخ الذى لا خلاف فيه، غير مَعْنِىً بما يُرْوَى من الخوارق التى رافقت ميلاده وقيل إنها كانت إرهاصا لرسالته، لأن وراءها من حوادث الكون وحقائق التاريخ ما يصوّر حاجة الدنيا حينئذ إلى الرسالة المحمدية حاجة يوضحها الواقع أكثر مما يوضحها الخيال. وهو واقع مثّل العقاد من خلاله عبقرية محمد النبى الداعى بكلّ ما تَخلّقت فيه من أشعة آدمية كفلت إبلاغ الدعوة التى ارتكزت على مخاطبة العقل وفصاحة اللسان، وعبقرية محمد الإنسان فى رحمته وبره وعطفه وشرفه ونزاهته الذى عاش وفاقا لأسمى مبادئ الخلق الاجتماعى والإنسانى معيشة لو لم تقترن برسالته النبوية لكان حقا على الإنسانية أن تَعُدّه عبقريا بملكاته النفسية العظيمة. وهى ملكات نفذ من خلالها العقاد لدحض ما يتقوله خصوم الإسلام على المثل الكامل من تعدد أزواجه ومن حمله السلاح، وهو لم يحمله إلا دفاعا عن نفسه ودعوته"[21].
ونصل إلى كتاب هيكل، وهو يقوم على ترتيب وقائع السيرة النبوية ترتيبا تاريخيا بعد تمحيصها والتحقق من صحتها وتحديد تاريخ كل منها، ولكن يسبق ذلك كلّه حديثٌ مفصّل عن فارس والروم وبلاد العرب ومكة ونسب الرسول عليه السلام، مع التوقف بخاصة عند جده عبد المطلب وأبويه وعمه أبى طالب.
وقد أعلن هيكل منهجه فى كتابه "حياة محمد" مبينا أنه إنما يعتمد على القرآن أوّلا، أما المصادر الأخرى فإنه يجعل القرآن حاكما عليها، فما وجده فى هذه المصادر متعارضا مع ما ورد فى القرآن عنه  أو عن دعوته ردّه ولم يأخذ به[22]. ومعنى هذا أنه يقتصر على القرآن الكريم وحده كما يُفْهَم من كلام د. محمد رأفت سعيد، الذى قال إن "المصدر الذى اعتمد عليه هيكل فى كتابة السيرة النبوية هو القرآن الكريم"[23]. والواقع أنه من غير الممكن الاكتفاء، عند تسجيل سيرة النبى عليه السلام، بما جاء فى القرآن، إذ إن كتاب الله لا يكاد يحتوى على شىء من وقائع السيرة ولا يذكر نسب الرسول الكريم ولا أسماء زوجاته أو أبنائه ولا عددهم... إلخ، والذى فيه من ذلك إنما ورد على سبيل الإيجاز الشديد الذى هو إلى التلميح أقرب منه إلى التصريح، وهذا من المعروف لكل أحد. وعلى أية حال فهذه عبارة هيكل أسوقها بنصها. قال: "ولقد تبينت أن أصدق مرجع للسيرة إنما هو القرآن الكريم، فإن فيه إشارة إلى كل حادث من حياة النبى العربى[24] يتخذها الباحث منارا يهتدى به فى بحثه ويمحّص على ضيائه ما ورد فى كتب السنة وما جاء فى كتب السيرة المختلفة"[25]. وفوق ذلك فالكتاب، كما ذكر هو نفسه فى تقديمه، يعتمد على مراجع أخرى من كتب التفسير والحديث وأسباب النزول والتاريخ ودراسات المستشرقين[26] والمسلمين المحدثين مما سرد أسماءه فى "سجل المراجع" فى صدر الكتاب.
ثانی عناصر هذا المنهج هو التقيد بقواعد النقد العلمى، الذى يؤكد هيكل أن الكتب القديمة تفتقر إليه، إذ كانت كثرتها (كما يـقـول) توضع لغاية دينية تعبدية، ولذلك لم يأخذ بأسلوبها ونهجها[27]. ومن هنا رأيناه يهمل ذكر المعجزات إهمالا تاما أو يكاد، وحجته فى ذلك أن الذين درسوا تلك الكتب القديمة قد لاحظوا "أن ما روته من أنباء الخوارق والمعجزات ومن كثير غيرها من الأنباء كان يزيد وينقص دون مسوّغ إلا اختلاف الأزمان التى وضُعِت هذه الكتب فيها، فقديمها أقل رواية للخوارق من متأخرها، وما ورد من الخوارق فى الكتب القديمة أقل بعدا عن مقتضى العقل مما ورد فى كتب المتأخرين... فلا بد للباحث فى هذه الكتب جميعا بحثا علميا أن يضع مقياساً يعرض عليه ما اختلفت فيه وما اتفقت عليه. فما صدّقه هذا المقياس أقره الباحث، وما لم يصدقه وضعه موضع التمحيص إذا كان مما يقبل التمحيص"[28].
فأما تمحيص أى شىء قبل قبوله فذلك أمر لا أظن أن فيه خلافا. لكن اختلاف الروايات حول قضية من القضايا لا يدل بالضرورة على عدم صحتها، ومن ثم لا ينبغى أن يُتَّخَذ تُكأَةً لرفضها. وبالنسبة للمعجزات فإن كتب الصحاح تروى منها عدداً غير قليل، بيد أننا فى ذات الوقت نقرأ فى القرآن الكريم مثلا قوله سبحانه ملقِّناً نبيه بأن يردّ على من يتحدَّوْنه أن يأتيهم بمعجزة تدل على صدق رسالته فيفجر لهم من الأرض ينبوعا أو يكون له بيت من زخرف أو يَرْقَى فى السماء وينزّل عليهـم كتابا يقرأونه بقوله لهم: "سبحان ربی! هل كنت إلا بشرا رسولاً؟"، كما نقرأ تعقيبَه عز وجلّ على هذا بقوله: "وما مَنَعَنَا أن نرسل بالآيات (أى بالمعجزات) إلا أن كذّب بها الأولون"[29]، وهو ما يدل أصرح دلالة على أن السماء لم تُبَال بتحدى أولئك الكفار من قومه عليه السلام ولم تنزل عليه أيّاً من الآيات التى اقترحوا عليه، فما العمل إذن؟ إن القرآن بطبيعة الحال مقدَّم على غيره من المصادر والمراجع عند حدوث تعارض بينهما. ولقد أوضح هيكل ذلك، وإن لم يذكر هذه الآيات التى تنبئنا أن عصر المعجزات قد ولَّى رغم تعضيدها الشديد لموقفه. لكن يبقى هذا السؤال: ألا يمكن أن يكون هذا التعارض وهميا أو على الأقل ظاهريا ويكون الكلام فى الآيات خاصا بالمعجزات التى كان الكفار يتعنتون على النبى بها لا بالمعجزات التى تنزل إكراماً له عليه السلام وتفريجا عنه وتثبيتا لقلوب المؤمنين فى بعض ساعات الحرج؟ ذلك أن رفض كل ما أجمعت عليه كتب الصحاح من المعجزات هو أمر من الصعوبة بمكان. ومع ذلك فإن رفض هيكل أو عدم اطمئنانه لمعجزة الحمامتين والعنكبوت والشجرة التى تروى بعض كتب السيرة وقوعها على باب غار ثور قائلة إنها كانت السبب فى عدم محاولة الكفار دخول الغار حيث كان يختبئ والصِّدِّيق أثناء هجرتهما إلى المدينة، هو أمر مفهوم ولست أرى فيه شيئا، إذ إن سيرة ابن هشام، وهى أقدم السير جميعا، لا تورد هذه المعجزة ولا تشير إليها على أى نحو البتة كما أوضح المؤلف[30]، بل ولم يشر إليها القرآن أيضا مجرد إشارة.
أما بالنسبة لواقعة الإسراء والمعراج فالملاحظ أن هيكل لم يحاول، على الأقل فى ظاهر الأمر[31]، أن يرجح أحد الآراء التى قيلت فيها، وهى هل كان الإسراء والمعراج بالروح والجسد جميعا أو كانا بالروح فقط أو كان الأول بهما معاً والآخر بالروح فحسب؟ بل كل ما قاله إن "لكل رأى من هذه الآراء سندا عند المتكلمين" وإنه "لا جُنَاح على من يقول بواحدٍ دون غيره من هذه الآراء"[32]، وهو ما يفيد أنه لا ينكر على من يؤمن بأن معجزة الإسراء والمعراج كانت بالروح والجسد معا. والسبب فى ذلك، فيما نعتقد، هو أن الإسراء والمعراج قد ذُكِرا فى القرآن الكريم، وهو ما لا يستطيع ردّه مهما كان له هو نفسه من تفسير لهما مختلف.
وقد طبق هيكل المنهج العلمى عند تمحيصه تهمةَ الصَّرْع التى قَرَف بها بعض الكتاب الغربيين نبيّنا عليه السلام، فبيّن أن أعراض الصرع تختلف تماما عن أعراض الوحى كما سجلتها كتب السيرة والأحاديث. وقد رجع فى هذا إلى الأطباء وكتب الطب[33]، وبهذه الطريقة العلمية فَنَّدَ تلك الفرية السخيفة التى حاول بها هؤلاء الغربيون تلطيخ صورة الرسول والوحى الذى كان ينزل عليه، وذلك بالادعاء بأنه كان مريضاً يحتاج إلى العلاج لا نبيا رسولاً جاء ليَطِبّ لأمراض الناس النفسية والاجتماعية والأخلاقية والروحية.
الهوامش:
1- فتحی رضوان/ عصر ورجال/ ٤٦٥
2- محمد حسين هيكل فى عيون معاصريه/ إعداد نبيل فرح/ ٣٤
3- المرجع السابق/ ۸۷
4- السابق/ ٥٤. وقد سبق أن أشرنا إلى انتقاده الشديد له بسبب كلامه عن الأصول الأدبية للقرآن الكريم وتحديه إياه أن يريها لنا.
5- السابق/ 115، 117، 118
6- انظر د. محمد حسين هيكل/ مذكرات فى السياسة المصرية/ مكتبة النهضة المصرية/ 1951م/ 1/ 328
7- انظر د. محمد حسين هيكل/ فى منزل الوحى/ ٢١، وحياة محمد/ ۹/ مكتبة النهضة المصرية/ 1965ـــــ ١٩٦٦م/ ۱۷ – ۱۸، وانظر أيضا فتحى رضوان/ عصر ورجال/ ٥٩٢ ــــ ٩٥٤، ود. عبد العزيز شرف/ محمد حسين هيكل فى ذكراه/ سلسلة "أقرأ" (العدد٤٣١)/ ۱۹۷۸م/ ١٩٣ وما بعدها.
8- محمد حسين هيكل فى عيون معاصريه/ ۹۷
9- فتحی رضوان/ عصر ورجال/ ٥٩٤ – ٥٩٥
10- طه عمران وادى/ الدكتور محمد حسين هيكل - حياته وتراثه الأدبى/ ۱۲۱
11- انظر مثلاً د. سهير القلماوى/ ذكرى طه حسين/ سلسلة "اقرأ" (العدد ۳۸۸)/ ١٩٧٤م/ 159. أمّا الجزء الثانى والثالث فقد صدرا فى ١٩٤٢م و ١٩٤٣م على الترتيب (نفس المرجع والصفحة).
12- انظر ثبت مؤلفاته الموجود فى صدر طبعات كتبه الأخيرة، وإن كان قد نُشر عدد من فصول هذا الكتاب قبل ذلك فى بعض أعداد "السياسة" و "السياسة الأسبوعية" منذ سبتمبر ١٩٣٢م كما جاء فى الببليوجرافيا التى أعدها د. حمدى السكوت ود. مارسدن جونز/ ۱۹۷
13- ص/ ۱۲۹ من ذلك الكتاب.
14- حسب ما هو مذكور فى ثبت مؤلفاته الذى يجده القارئ فى صدر كثير من أعماله، ومنها مسرحية (السلطان الحائر" على سبيل المثال/ 5. وانظر كذلك "توفيق الحكيم" للدكتور إسماعيل أدهم والدكتور إبراهيم ناجى/ دار سعد مصر/١٩٤٥م/ ۹۸، ۱۷۳، و "وداعا توفيق الحكيم" / إعداد نبيل فرج ومحمد السيد عيد/ وزارة الثقافة - المركز القومى للآداب/ ۱۹۸۸م/ ٣٤٠، و "85 شمعة فى حياة توفيق الحكيم" لمحمد السيد شوشة/ دار المعارف/ ١٠٩. وقد ذكر إسماعيل أدهم وإبراهيم ناجى أنها كتبت قبل ذلك التاريخ (بين عامى 1932م و 1935م تحديدا). وقد بدأ الأمر بكتابة فصل من حياة الرسول فى قالب تمثيلى لمجلة "الرسالة"، التى كان يصدرها المرحوم الزيات (انظر كتابهما "توفيق الحكيم"/ 175).
15- انظر "مع العقاد" للدكتور شوقى ضيف/ سلسلة "اقرأ" (العدد 629)/ 1964م/ 64
16- سامى الكيالى/ مع طه حسين/ ط2/ سلسلة "اقرأ" (العدد ١١٢)/ 1/ 81-82
17- انظر فى ذلك "محاكمة فكر طه حسين" لأنور الجندى/ دار الاعتصام/ ١٩٨٤/ص ١٨٢ وما بعدها. ويجد القارئ رأى هيكل فى هذا الموضوع فى جريدة "السياسة"، بتاريخ1/ 12/ ۱۹۳۳م، و 25/ 12/ 1937م.
18- إسماعيل أدهم وإبراهيم ناجى/ توفيق الحكيم/ ۱۷۳
19- المرجع السابق/ ۱۷۳ - ۱۷۸. ومن الذين تناولوا هذا العمل فى حينه المرحوم مصطفى صادق الرافعى (الرسالة/ ١٠ فبراير/ ١٩٣٦م)، وإسماعيل مظهر (المقتطف/ 3 مارس ١٩٣٦م)، ومحمد صبيح (المقطم/ ۲۷ مارس ١٩٣٦م)، وأحمد الصاوى محمد (مجلتى/فبراير/ ١٩٣٦م).
20- أى العقاد فى كتابه "عبقرية محمد".
21- د. شوقى ضيف/ مع العقاد/ ٨٦ ـــ ٨٨
22- انظر "حياة محمد"/ ۱۸، ٦٤
23- انظر ملخصات الأبحاث الخاصة بــــ "ندوة محمد حسين هيكل وجهود الاستنارة المصرية"/ ٥٤.
24- فى الكلام مبالغة، وإلا فهل فى القرآن إشارة إلى زواجه من خديجة مثلاً وأبنائه منها وسفره فى تجارتها إلى الشام، أو تحكيم قريش له فى نقل الحجر الأسود، أو موت أبيه قبل أن تكتحل عيناه بنور الدنيا وموت أمه فى الأبواء وهى عائدة به من يثرب، أو كفالة جده ثم عمه له بعد ذلك، أو اشتراكه فى حرب الفجار، أو تحنثه فى غار حراء كل يوم... إلخ... إلخ؟
25- حياة محمد/ ۱۸
26- المرجع السابق/ 19-20
27- حسب د. رأفت سعيد أن هيكل قد ضرب عن هذه الكتب القديمة صفحا فلم يعتمد عليها البتة، على حين أن كل ما فعله هيكـل هـو أنه فقط لم يأخذ بمنهجها، وهذا غير ذلك. ومع ذلك فقد عاد د. هيكل فوصف التفكير الإسلامى بأنه "تفكير علمى الأساس على الطريقة الحديثة فى صلة الإنسان بالحياة المحيطة به" (حياة محمد/ ۲۲).
28- السابق/ ٤٧ - ٤٨. وقد سبق أن ذكر أن الشيخ محمد عبده وأضرابه ممن هبوا للردّ على المستشرقين لم يسلكوا فى ردهم الطريقة العلمية (ص/ ١٥). وهو کلام غريب بالنسبة لمحمد عبده بالذات، ويزيده غرابة أنه لم يبين لنا كيف. ومع ذلك فقد ذكر هو نفسه أن محمد عبده ومحمد رشيد رضا والمراغى لم يهتموا بالمعجزات المنسوبة للنبى عليه السلام (ص/ 52-54).
29- الإسراء/ 9٠ - ٩٤
30- انظر "حياة محمد"/ ۲۱۲ - ۲۱۳. ومع ذلك فسوف نراه فى كتابه "الصديق أبو بكر" يروى نبأ العنكبوت الذى خيم على فوهة الغار رواية المصدق له (انظر ص/ 40 من ذلك الكتاب/ مطبعة مصر/ ١٣٦١هــــ).
31- ذلك أن كلامه فى بعض الأحيان قد يوحى بأنه يقول بالإسراء والمعراج الروحيين (ص/ ١٩٣ - ١٩٦)، وهو ما فهمه د. طه عمران وادى من هذا الكلام (انظر كتابه "محمد حسين هيكل ــــ حياته وتراثه الأدبى"/ 143).
32- حياة محمد/ 193
33- ص/ 40-41