الإعتقال نظام قمعي ابتكرته فرنسا ضد الأهالي و السلطة تسير على خطاها

(أصغر محتجز في محتشدات فرنسا كان عمره ثلاثة أسابيع)
(منظمات حقوق الإنسان اعتبرت "الإعتقال" جريمة)
(ما سر عداء القرمزلي لعلي بن حاج؟)
قد يستطيع الحاكم قمع الرأي الآخر لبعض الوقت، لكنه لا يستطيع ذلك طول الوقت، لأنه لابد أن يضعف و ينهار يوما أمام التيار الجارف للسنن الكونية التي ترفض تجاهل الآخر و اعتقاله و تعذيبه أو نفيه أو حتى اغتياله دون تهمة ثابتة أو دون محاكمة، من هنا فإن عطمة الحاكم و حنكته لا تظهر إلا في قدرته في معايشة الآخر و التعامل معه بأسلوب مرن مستعينا بلغة الحوار ، لقد عاشت الجزائر هكذا تجربة، فماذا لو استدعى الرئيس الحالي عبد المجيد تبون أنصار الفيس و تحاور معهم و طرح كل واحد منهم تصوره لمستقبل البلاد مثلما استدعى الأحزاب السياسية الأخرى في الفترة التي عقبت الحراك الشعبي حين خرج الجزائريون إلى الشوارع في مسيرات سلمية لم يعشونها أيام مسيرات الفيس أو عشية الإستقلال ، كان الحراك الشعبي ثورة سلمية تفاعلت معه السلطة و الجيش بحكمة حتى لا يتكرر سيناريو 1991 و رغم عودة الهدوء إلى الساحة ما يزال مسلسل الإعتقالات مستمرا من أجل تخويف الشعب و ترهيبه

يعترف أحد النفكرين الفرنسيين و هو أولفييه لوةكورغرانميزون أن فرنسا ابتكرت الإعتقال كنظام قمعي ضد الأهالي كعقوبة خاصة بهم و اضافت له الحجز و التغريم الجماعي و اعتبرها فاحشة من حيث هي تستخدم في قمع أفعال ليست محددة و بالتالي مشروعيته ليس محل جدل، و قد اعتمد هذا المفكر على أطروحات الحقوقي لارشي و ركتفيلد، و اشار الإثنان ان السلطة الفرنسية تتبنى العلاج الأعجل و الأكثر فعالية من عمل العدالة البطئء و غير المؤكد، فكان "الإعتقال" إحدى مزابا السلطات الفرنسية، اعتقال دون اي تهمة ثاتة ،اتهمة هي الإخلال بالنظام العام و تهديد أمن الدولة ، هذا الحكم كان يطبقه العسكريون الفرنسيون غداة احتلال الجزائر سنة 1830، فقد كتب لارشي يقول: ليس لدينا في قانوننا الفرنسي من عقوبة تماثل الإعتقال، فهي تناقض جميع المبادئ ، إنها تقمع جميع الأفعال سواء كانت واقعة تحت طائلة نص أم لم تكن و سواء عرّضت حياة المواطنين الخاصة للخطر ام لم تعرضها ، و يخلص إلى القول: إنها عقوبة فريدة كما أنه ليس ثمة نص يحدد الوقائع التي يمكن أو يجب أن ينطق فيها بالإعتقال، لقد بدأ الإعتقال يطبق ضد الأهالي منذ الجمهورية الثالثة اختطته مَلَكية يوليو و الإمبراطورية الثانية و استمرت على هذا النهج بل وسعت نطاق تطبيقه، و يمكن إفرازه إما بصفة رئيسية أو بصفة تكميلية لعقوبة سبق لمحكمة النطق بها.
و لا يتوقف الإعتقال عند هذا الحد، بل يمتد إلى مصادرة الأملاك و ذلك بمراسيم مثلما حدث في الهند الصينية و في كاليدونيا الجديدة، كما طبق نظام جديد يكون مكملا للإعتقال ، ألا و هو " النفي" كعقوبة مضاعفة في جزيرة الصنوبر و في افريقيا الغربية الفرنسية، أما الحجز فمدته عشر (10) سنوات عقابا لكل من ارتكب أفعال التمرد ضد سلطة فرنسا و المتسببين في الإضطرابات السياسية الخطيرة و المناورات التي من شانها الإخلال بالأمن العام، كانت أول تجربة للحجز طيقت في الجزائر ضد مجموعة من الأهالي تم وضعهم في محتشادات تقع في قلب منطقة صحراوية لكن بعد ذلك وقعت تعديلات من خلال صدور قانون 15 يوليو (جويلية) 1914 المتضمن تنسيق تنظيم الأهالي، حيث ألغت الحجز داخل السجون و استبدلته بالوضع تحت الرقابة و حددت المدة بسنتين، كما حددت التهمة ( العداء للسيادة الفرنسية، خطابات سياسية أو دينية من شانها المساس بالأمن العام، و غيرها) ولدى الحاكم صلاحية إبعادهم ( نفيهم) ،هذه التدابير طيقت على باقي الشعوب مثلما حدث في الكونغو البلجيكي و في أوغندا كما ظهر نظام الأبارتيد في جنوب افريقيا ضد السكان السّود.
انتقادات لإعتقال فرنسا الأهالي في الجزائر
وقد لقي اعتقال الأهالي الجزائريين عدة انتقادات من قبل منظمات حقوق الإنسان باعتباره يشكل تعسفا في السلطة، لأنه تقييد للحريات، و كانت هناك مطالب بوقفه و إلغائه، ففي سنة 1901 تاسست لجنة حماية الأهالي و الدفاع عنهم، و اشترطت هذه اللجنة إلغاء المرسوم الخاص بالأهالي في كاليدونيا الجديدة، و اعتبرت اللجنة الإعتقال سلاح رهيب و غير شرعي بل "جريمة"، إن احتجاز الجزائريين تم إلغاؤه بموجب أمر 07 مارس 1944 تأكيدا على المساواة و الحقوق، إلا أنه بعد قيام ثورة نوفمبر 1954 عادت السلطات الفرنسية لمثل هذه التدابير، اي الإعتقالات بطريقة تعسفية بقيادة جي موليه في إطار قانون 16 ملرس 1956 حفاظا على أمنها العام، يؤكد حقوقيون أن التعريف القانوني للإعتقال مستحيل إذ أنه لا يناسيب شيئا متساويا قي القانون الفرنسي و هو لا يقوم على أي مبدأ معروف، و لكي تعطي فرنسا للإعتقال صبغته الشرعية أصدرت عدة قوانبن لممارسة الإعتقال في المتروبول في محتشدات و أطلقت عليها اسم "مراكز إيواء"، تقول تقارير أن الإعتقال طبق منذ مائة و سبعة عشر ( 117) سنة في إيالة الجزائر و تم تطبيقه في المتروبول لمدة سِتُّ (06) سنوات في الفترة بين 1938-1944 .
لم يطبق الإعتقال ضد الأهالي الجزائريين فقط بل حتى ضد الفرنسيين المسلمين ، حسب الأرقام فتحت فرنسا 24 مر كز حجز CRA و خارج الأهالي الجزائريين حجزت فرنسا 242 قاصرا من ابناء الشعوب التي استعمرتها يبلغ 80 بالمائة منهم أقل من عشر (10) سنوات، كان أصغر محجوز رضيع يبلغ من العمر 03 أسابيع فقط وضع بمركز حجز مدينة رين رفقة والديه، هذه التدابير اعتبرتها منظمات حقوق الإنسان خرقا للإتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، الملاحظ أنه بالرغم من ذلك، فلا لوم على فرنسا التي مارست هذه التدابير التعسفية و لا حتى على إسرائيل التي اعتقلت أشخاصا و حجزهم دون محاكمة ( 15 ألف فلسطيني من مختلف الأعمار قيدت حريته فيهم حتى الأطفال و هذا خلال الإنتفاظة الأولى وحدها)، لأن الأنظمة العربية و من بينها الجزائر تمارس في حق شعوبها نفس السياسة التي انتهجتها الدول القوية المستعمِرة ، نعم هي نفس السياسة التي انتهجتها السلطة الجزائرية ، وهي تواجه التيار الإسلامي حيث كانت هناك اعتقالات دون محاكمة و التهمة هي الإخلال بالنظام العام دون دلائل، و بخاصة المحسوبين على الجبهة الإسلامية للإنقاذ.
ما سر عداء القرمزلي لعلي بن حاج ؟
لا يسع العودة إلى الوراء لإسترجاع أحداث العشرية السوداء، بل يكفي الوقوف على ما حدث مؤخرا في ستينية استقلال الجزائر حيث تميزت هذه السنة بتقديم استعراضات عسكرية في شوارع العاصمة بعد انقطاع دام سنوات ، عندما اعتقلت السلطات ابن الشهيد علي بن حاج و هو الرجل الثاني في الجبهة الإسلامية للإنقاذ (الفيس) المُحَلّة حتى تمنعه من حضور الإستعراضات العسكرية و كأنه ليس مواطنا جزائريا له كل الحقوق المدنية و السياسية بعد دخول قانون الوئام المدني و المصالحة الوطنية حيز التنفيذ، ( اللهم إن كان كل شيئ شكلي، أي على الورق فقط لإستغفال الشعب و الرأي العام ، رغم أنه في كل مناسبة تصدر مراسيم عفو شامل على المعتقلين و الذين كانوا في صف المعارضة، لاشك أن الملاحقات التي تعرض لها الشيخ علي بن حاج و اعتقالاته المتكررة سببها الفتاوي التي كان يطلقها و دعوته للجهاد لبناء الدولة الإسلامية و تطبيق الشريعة ، كان أول اعتقال له يوم 30 جوان 1990 من طرف مدنيين مسلجين أمام مقر المؤسسة الوطنية للتلفزيون، تشير أرقام أن عدد الاعتقالات التي تعرض لها علي بن حاج تصل إلى حدود 380 اعتقال ، كما دخل السجن 04 مرات بأحكام متفاوتة بين 09 أشهر و 05 سنوات و 12 سنة و لعل استمرار مسلسل اعتقال علي بن حاج سببه هو إصرار هذا الأخير على معارضة النظام، و انتقاده الرئيس الحالي و شنقريحة، لدرجة أن السلطة اعتبرته خطرا على البلاد ، و لا يحق له ممارسة أي نشاط سياسي أو التفكير في الوصول إلى الحكم ، خاصة و أن علي بن حاج كان في سنة 2014 قد عبر عن رغبته في الترشح للرئاسيات
لقد أثارت فتاوبه جدلا كبيرا و أخضعت للدراسة و التحليل من قبل كثير من المهتمين بالإسلام السياسي، من بين هؤلاء أبو عبد الرحمان الأثري بن يخلف قرمزلي في رده على المقدسي و الجماعات الإسلامية المسلحة في الجزائر في كتاب له بعنوان: (درء شبهات التكفير عند ابي محمد المقدسي و الجماعات الإسلامية المسلحة) صدرت طبعته الأولى في 2013 عن دار العثمانية و قبل الوقوف على موقف أبو عبد الرحمان الأثري من الجبهة الإسلامية للإنقاذ يتوجب طرح السؤال التالي: لماذا التيار افسلامي في الجزائر؟ ألم تكن في البلاد العربية و الإسلامية تيارات إسلامية نادت بتطبيق شرع الله؟، ألم تكن في مصر حربا أهلية؟ ، ألم تكن في تونس حربا أهلية؟ و في ليبيا و في لبنان و في السودان و في العراق، كل هذه الدول و غيرها عاشت الحرب الأهلية و ذاقت مرارتها ، فلماذا الجزائر بالذات؟، لاشك أن هذا يؤكد أنها مستهدفة ، و السؤل يفرض نفسه، لماذا الفيس باذات؟، و لماذا كل هذا التحامل على علي بنحاج؟ ، أليس في الجزائر تيارات إسلامة أخرى سواء كانت تتفق في الغاية و تختلف في المنهج ، فهذه التيارات الإسلامية لم يحدث لها ما حث للفيس الذي صودرت أصواته في انتخابات 1991 ، و أمر النظام بوقف المسار الإنتخابي، هو الفيس الذي التف حوله الشعب الجزائري كله و منح له أصواته من أجل تغيير النظام و محاربة الفساد؟ و السؤال الثالث: كيف نسمي الذين يقتلون الشباب بالسمّ ( المخدرات) و في أي خانة يمكن وضعهم؟، أليسوا إرهابيين أيضا؟
ليست هذه الورقة دفاعا عن الفيس و أنصاره أو كما يلقبونهم بـ: les fissistes و إنما هي الحقيقة التي تحاول السلطة وأدها ، لقد تحدث عبد الرحمان الأثري عن أهل السنة و الجماعة و موقفهم من شرع الله و ضرورة تطبيقه بطريقة أو بأخرى حتى لو لزم الأمر استخدام العنف عملا بما جاءت بها بعض آيات القرآن الكريم، إلا أن موقف الأثري اتخذ طابع الهجوم على الفيس عندما قال في الصفحة رقم 449 أن هذه الجماعة بعض أفرادها حملوا السلاح و خرجوا على الحاكم بدعوى إقامة دولة إسلامبة، و لنتأمل في عبارة "دعوى" التي تحمل في طياتها مشاعر استفزازية و كأن حاملي هذه الدعوة مراهقين سياسيين، ماذا لو كان حاكمٌ في دولة دستورها يتبنى الإسلام عقيدة، حاكمٌ جائر، طاغية ، يبيح في بلاده المحرمات كشرب الخمر تحت غطاء اقتصادي؟ و يقول في الصفحة نفسها الفقرة الثانية ما يلي: "وعندما كانوا يُسْألون عن موقفهم من المشاركة في العمل السياسي و عن ماضيهم في انتمائهم للجبهة الإسلامية للإنقاذ، كانوا يقولون: نحن اضطررنا لذلك (أي الحزبية) ، و قد رأيناهم ما إن وضعوا السلاح حتى عادوا يطالبون بحقهم الدستوري في ممارسة العمل السياسي بل جعلوا ذلك شرطا لتركهم العمل المسلح كما سمعنا ذلك من قادتهم كالمسمى مدني مزراق أمير تنظيم الجيش الإسلامي المسلح للإنقاذ"، كان هذا كلام أبو عبد الرحمان الأثري الذي كما يقال يحاول صب الزيت على النار لإعادة إحياء فتنة نائمة.
إن طعن أبو عبد الرحمان الأثري في الفيس سببه الوحيد هو أنه من الرافظين لفكرة "الجهاد" في الجزائر مستدلا في ذلك بكبار العلماء (الألباني، الباز و العثيمين) و كانت هذه الفتاوي سببا في نزول عددا تجاوز 1000 مسلح ( الصفحة 452) ، طبعا لا ينكر أحد أن فتاوي هؤلاء العلماء في الدعوة إلى الصلح و السلم أمر جميل و لا يقوم بهذه المبادرات إلا عاقل، فلا أحد يقبل العنف و التطرف مهما اختلفت اشكاله و اساليبه، كان علماء الجزائر لاسيما المنضوون تحت راية رابطة الدعوة الإسلامية التي أسسها الشيخ أحمد سحنون رحمه الله و رغم أن الشيخ عباسي مدني و علي بن حاج و محفوظ نحناح و عبد الله جاب الله كانوا من بين أعضائها، إلا أن قادة الرابطة و منهم الشيخ سحنون نفسه كانوا مخالفين لبعض مواقف الجبهة الإسلامية للإنقاد خاصة ما تعلق بالعمل المسلح ، فقد كان الشيخ أحمد سجنون رحمه الله يدعوا إلى السلم و التعقل في الرد على أعداء الإسلام و مواجهتهم و بالأخص التيارات التي كانت و لا تزال تطالب بأنسنة الدين و إلغاء التراث، و تيارات أخرى تريد مركسة الإسلام، فقد ظهرت هذه التيارات في الفترة التي بدأت الصحوة الإسلامية المعاصرة تتعاظم و ترد على مزاعم الذين قالوا أن الإسلام مجرد ثورة و القرآن كتاب نظرية الثورة.
و لذا اختلف الشيخ أحمد سحنون مع عباسي مدني بعد تأسيس هذا الأخير الجبهة الإسلامية للإنقاذ و دعوته إلى تحكيم شرع الله بالقوة، كون الظرف في تلك الفترة كان ملغما، و هذا لا يعني أن أحمد سحنون لا يتفق تماما مع عباسي مدني، فقد كانت بينهما صداقة حميمية و تلاحم فكري و قواسم مشتركة في كثير من المسائل من بين أهم القضايا التي تم الإتفاق عليها هي التمكين لدين الله في الأرض، إلا أنهما اختلفا في الطريقة و المنهج، فنظرة الشيخ أحمد سحنون كانت متفتحة وأكبر من أن تحصر في حدود حزب قد لا يقوى على التحمل في الانتخابات، فأراد جمع من حوله كل المشتغلين في الحقل الإسلامي تحت رابطة الدعوة الإسلامية، وبالرغم من أنه كان مستبشرا خيرا بالجبهة الإسلامية لتبنيها النهج الإسلامي، إلا أنه كان مصرا على موقفه الرافض للعمل المسلح في مواجهة النظام سواء خلال عقد الثمانينات في عهد بويا علي أو عقد التسعينات بعد إلغاء الانتخابات ومصادرة اختيار الشعب للحلّ الإسلامي، والجبهة الإسلامية للإنقاد أنشات في مارس 1989 بعد التعديل الدستوري و إدخال التعددية الحزبية التي فرضتها انتفاضة 05 أكتوبر 1988 ، حيث اعترفت الحكومة الجزائرية رسميا بالجبهة الإسلامية للإنقاذ FIS في مطلع شهر سبتمبر 1989 تراسها منذ تأسيسها الشيخ عباسي مدني و هو داعية و منظر تربوي خريج جامعات أجنبية و ينوب عنه علي بن حاج ، يقول أبو عبد الرحمان الأثري في الصفحة 455 من الكتاب: قد يكون للتكفيري شبهة قوية يستقيها من أحكام الجهاد، لكننا لم نجد في المتحزب إلا اتباع الهوى المحض.
أما عن علي بن حاج يضيف أبو عبد الرحمان الأثري أنه يجمع بين الفكرين : ( الحزبي و التكفيري)- و ذكر الرسالة التي كتبها علي بن حاج بعنوان "فصل الكلام في مواجهة ظلم الحكام" (جاء ذلك في الصفحة 256) يقول أبو عبد الرحمان الأثري في هامش هذه الصفحة متهما علي بن حاج أنه هو من علّم الناس التكفير فابتلاه الله باصحاب مكفرين و ذكر ما نشرته مجلة الجماعة الإسلامية المسلحة العدد العاشر مؤرخة في سبتمبر 1996 حول سلفية علي بن حج ، و يقال أن علي بن حاج كان ضحية جماعة "الجزأرة" الذين لقبوه بابن تيمية الصغير، و يضيف ان سلوكات علي بن حاج ماهي إلا حماس شاب تاثر بفتاوٍ أهلها ليسوا علماء، هي في الحقيقة تعقيبات من صاحب الكتاب تَشَتَمُّ فيها ريح الكراهية و العدائية، ما يمكن قوله أن الفيس بقيادة عباسي مدني و علي بن حاج كان هدفهم بناء دولة إسلامبة تطبق فيها الشريعة الإسلامية تحترم فيها المرأة و تصان فيها الحرمات و تتحقق فيها العدالة الإنسانية ، ثم أن دعوة الفيس لإنشاء ميليشيات كان الهدف منها تحصين البلاد من أي عدواني صليبي خاصة و أن هذه الدعوة تزامنت مع حرب الخليج، لكن المسؤولين في حكومة حمروش اعتبروها تحضيرا لحرب أهلية و بالتالي فهي خطر على البلاد و على مسارها الديمقراطي، قد يتساءل القارئ هل الفيس أول من أنشأ ميليشيات مسلحة؟ ألم يسبقه أحمد بن بلة للإطاحة ببومدين؟، إذن العنف لم يكن وليد ظهور الفيس، بل كان موجودا قبل إعلام الفيس الجهاد، أراد أنصار الفيس أن يثبتوا للسلطة بأنها في وادٍ و الأمة في وادٍ آخر.
هذا هو عباسي مدني و هذا هو علي بن حاج
ينحدر الشيخ عباسي مدني إلى ولاية بسكرة جنوب شرق الجزائر، من اسرة محافظة متدينة، انخرط في العمل الثور و أدخل السجن، و كان من بين أعضاء رابطة الدعوة الإسلامية التيأسسها الشيخ أحمد سحنون رحمه الله، كان الشيخ عباسي مدني كما تقول التقارير يسير نحو ثورة براغماتية بأسلوب براغماتي و قد وصفه البعض بالمراوغ ، له لسان مجادل يتسم بالحدة و الصرامة، كان يحمل مشروع حلم من حسن البنّا إلى مصطفى بويعلي، لكنه وجد نفسه محاصرا برشاشات الجيش الجزائري لإقتياده إلى حيث اقتيد ذات يوم من نوفمبر 1954، فعباسي مدني مجاهد قبل كل شيئ، و مفكر و منظر تربوي، خريج جامعات أجنبية، توفي عباسي مدني في المنفى ، و لما أعيد جثمانه إلى وطنه منعت السلطة عائلته من حضور تشييع جنازته ، أما عن علي بن حاج الملقب بـ: ابن تيمية الصغير هو من مواليد 16 ديسمبر 1956 بتونس، ينحدر من ولاية أدرار في الجنوب الجزائري و هو ابن الشهيد محمد الحبيب بن محمد الطيب بن حاج، درس علي بن حاج على يد الشيخ عمر العرباوي أحد أعضاء جمعية العلماء المسلمين و كان يحضر حلقاته العلمية في التوحيد وأصول الفقه والفقه المقارن، و كان أكثر تاثرا بابن تيمية و ابن القيم الحوزية و بعلماء ودعاة جزائريين ، يتميز علي بن حاج بثقافة إسلامية واسعة و على دراية بالأمور الفقهية بحيث لا يستطيع أن يجادله فيها أحد إلا كبار العلماء، يملك علي بن حاج لغة خطاب قوية كما عرف بعدائه للديمقراطية لدرجة أنه أفتى بأنها كفرٌ، يقول البعض وبالأخص الخصوم أن علي بن حاج سلفيٌّ على الطريقة "الوهابية" لدرجة أنه وجهت له تهمة التبعية لآل سعود ، و لايزال علي بن حاج يتعرض للإعتقال إلى اليوم بسبب أو بدون سبب ، لاشك أن هذه الهجمات كمن يصب الزيت على النار لإعادة إحياء الفتنة من جديد و ما اعتقال حاج في ستينية استقلال الجزائر ماهي إلا وسيلة لتذكير الناس لما فعله الفيس في فترة من الفترات.
خلاصة القول أن الخطاب اديني في الجزائر تغير، بحيث فقد ذلك الحماس و لعل ذلك راجعا إلى توقف ملتقيات الفكر الإسلامي، لدرجة أن الجزائريون اصبحوا يشكون أن "العلمنة" دخلت خطبة الجمعة بحيث أصبح الخطيب يمدح النظام و الحاكم ، بعدما مُنِعَ من التحدث عن أي شيئ يجري في الساحة أو التعليق عليه كما أصبحت الخطب تعدّ للخطيب و يتلقى تعليمات ماذا ينبغي أن يقول و ما لا ينبغي، ما جعل الأمور تختلط و المعايير تنقلب، هي تناقضات لا تنتهي لأن السياسة لا دين لها، فالسلطة تعرف كيف تحرك مواقع قطع الشطرنج لصالحها ، فمن قال إذن أن التغيير انطلق و رياحه هبّت؟ ، فمهما كانت مرجعية الحاكم أو مرجعية الحزب او الدولة أو حتى المرجعية الدينية، و مهما كانت الإختلافات في الرؤى و التوجهات و الإيديولوجيات، فالإنتماء جزائري، و الشعور جزائري و الحدث جزائري و الحُلم أيضا جزائري، كلّ يطمح إلى تحقيقه من الزاوية التي يراها هو صائبة لصيانة المجتمع الجزائري من كل المخاطر التي تهدد هويته و عقيدته.

ورقة أعدتها علجية عيش