قلعة رشيد مهد الحجر الذي اكتشفه الفرنسيون واستولى عليه الانجليز

أ. د. محمود أحمد درويش
استاذ الآثار الإسلامية
كلية الآداب جامعة المنيا
أهمية موقع مدينة رشيد
كان لموقع مدينتي الإسكندرية ورشيد على البحر المتوسط وعلى مدخل نهر النيل أثر كبير في زيادة الاهتمام بتحصينهما.
كان الرخيت (Rekhyt) هم سكان الدلتا القدماء قبل الوحدة السياسية بين الجنوب والشمال قي الأسرة الأولى، وأطلق عليهم أفضل الناس (رخيتو)، وقاوموا الملك مينا أثناء زحفه لتوحيد الشمال والجنوب، ولما قامت الوحدة اندمج الرخيت مع سكان مصر العليا واشتركوا في تكوين العنصر المصري القديم.
رشيد التي اشتق اسمها من الاسم الفرعوني (Rekhyt)، الذي تحول إلى الاسم القبطي "رشيت" (Rachit - Rht)، ثم إلى رشيد فيما بعد.
رشيد التي انفرد أهلها باسم الرخيتو وتعني: أفضل الناس، حيث اتخذوه اسما لهم عندما استأثروا به عن بقية الشعب المصري، وقد ذُكرتها البرديات القبطية باسم رشيت (Rachit - Rht)، ثم رشيد فيما بعد.
إنها مدينة المطر والخير والزهور .. حيث تعني كلمة رشيت في المعجم الوسيط: عجين فطير يعمل رقاقاً ويقطع طولاً ويكسر حين يجف، ويطبخ باللبن غالباً. ورشت السماءُ ـُ رَشًّا: أمطرت، أَو جاءت بالرّشِّ. ويُقال: رشّت العين. ويُقال: أرض مرشوشة.
كانت بولبتين سوقا رائجة وكان بها معبد كبير (معبد بولبتينوم)، كان يضم نسخة من القرار الذي أصدره مجمع الكهنة للملك بطليموس الخامس (أبيفانس) عام (196 ق.م).
قامت رشيد على أطلال مدينة بولبتين ، فقد عثر على آثار فرعونية ترجع إلى عصر بسماتيك الأول ونخاو، ويوجد جزء من عمود عليه كتابات من الجانبين محفوظ بالمتحف البريطاني ويرجع إلى عهد بسماتيك الأول، وهناك جزء آخر يرجع إلى عهد نختنابو الأول عليه نقش يظهر الملك أثناء تقديمه قربانا .
في عصر الأسرة التاسعة عشر قام الملك مرنبتاح ببناء تحصينات، وذلك للدفاع عن البلاد ضد هجمات قراصنة البحر، وهذا يوضح الخطر الذي كانت تتعرض له الحدود الغربية والسواحل المصرية . وقد قام الملك رمسيس الثالث ببناء تحصينات أخرى على طول شواطئ البحر المتوسط لحماية الحدود الشمالية والغربية لمصر
أقام بسماتيك الأول (664-610 ق.م) معسكرا برشيد سمى المعسكر الميليزي عام (663 ق.م)، كان يضم الميليزيين من سكان بعض جزر اليونان وغيرهم من القوات المرتزقة التي استخدمها في جيش مصر .
ذكر ديودور الصقلي أنه عند كل مصب من مصبات النيل نشأت مدينة شيدت بها تحصينات وقلاع عالية على جانبي النهر .
اكتشاف حجر رشيد والظروف التي مر بها هذا الاكتشاف
هذا المرسوم هو المشهور بحجر رشيد الذي قام بإكتشافه في أغسطس سنة (1799) بيير فرانسوا كسافييه بوشار (1772-1832)، وكان ضابطا مهندسا بالحملة الفرنسية أثناء قيامه بأعمال هندسية عند قلعة قايتباي "سان جوليان" قرب رشيد، وعثر على الحجر تحت أنقاض هذه القلعة أثناء إجراء تعديلات وإعادة بناءها وترميمها لتلائم الأسلحة الفرنسية الحديثة من مدافع وبنادق عندئذ وقع بصره على حجر الجرانوديوريت الذي يبلغ ارتفاعه مترا واحدا، ويصل عرضه الى (73) سنتيمترا وسمكه (27) سنتيمترا.
حصول الانجليز على الحجر ونقله إلى المتحف البريطاني
المعروف أنه بعد العثور عليه أسرع بوشارد إلى قائده الجنرال مينو وسلمه إياه، فاحتفظ به الأخير في منزله في الإسكندرية لمدة عامين. على أن خبر ذلك تناهى إلى بونابرت فأمر بتسليمه إلى أعضاء المجمع العلمي المصري لدراسته وتحقيق رموزه، فلما استعصى عليهم ذلك، أمر باستنساخه وإرسال نسخ منه إلى علماء أوروبا آنذاك، وظل حجر رشيد مع علماء الحملة حتي جاء موعد الرحيل عن مصر عام (1801).
لما كانت الاتفاقية تقضي بخروج جنود الحملة مصر ونقلهم إلي فرنسا على سفن الأسطول الإنجليزي الذي يحاصر شواطئ الإسكندرية، فإن قائد الأسطول الإنجليزي هتشنسون أصر أن يسلم الفرنسيين كل ما في حوزتهم من اكتشافات أثرية عثروا عليها في مصر إلي الإنجليز ومنها حجر رشيد. وتم لهم ذلك بالفعل، وأخذ الإنجليز حجر رشيد ووضعوه في المتحف البريطاني عام (1802) والذي مازال قابعاً فيه حتى الآن.
ربما شعر الفرنسيون بغصة في حلوقهم بعد أن سلبهم الإنجليز هذا الحجر ، فبموجب المادة (16) من معاهدة الاستسلام عين الجنرال هاتشنسون لمهمة مصادرة القطع الأثرية التي جمعها الفرنسيون أثناء إقامتهم.
طلب مينو الاحتفاظ بحجر رشيد على أنه ملكية شخصية، ولكن علماء الحملة الفرنسية برئاسة جيفري سانت هيلير رفضوا تسليم أعمالهم العلمية، وأصروا على أخذها معهم إلى فرنسا.
وافق هاتشنسون على ترك الأعمال العلمية لأعضاء الحملة الفرنسية ولكنه أصر على أخذ حجر رشيد، وعندئذ قال مينو: "هل تريده سيدي الجنرال؟... يمكنك أخذه طالما أنت الأقوى ويمكنك أن تلتقطه وقتما ترغب".
أرسل الجنرال هاتشنسون الكولونيل تيلور لأخذ الحجر من مخزن بالإسكندرية، وكان بهذا المخزن المقتنيات الشخصية لمينو، وكان الحجر مغطى بسجادة مزدوجة،
طبقا لشهادة شاهد عيان وهو الرحالة الإنجليزي وتاجر الآثار إدوارد كلارك الذي قال بأن الحجر كان يسلم بواسطة موظف فرنسي وأحد أعضاء المعهد المصري، وطلب الموظف الفرنسي السرعة في نقل الحجر قبل أن يدرك الجنود الفرنسيون ذلك .
أهمية القلعة والتعربف بالحفائر التي تمت بها عام 1985
من الناحية الأثرية؛ فقد تأكد من خلال التنقيبات الحديثة والتي تمت بقلعة بولبتين أن هذه القلعة تتشابه مع قصور مرنبتاح ورمسيس الثالث والتي كانت تمثل قلاعا ذات عناصر معمارية استخدمت أساسا للقلاع في عهود مرنبتاح ورمسيس الثاني ورمسيس الثالث.
وتأكد من خلال الدراسة التاريخية والمعمارية والدراسات المقارنة أن هذه القلعة ترجع إلى هذه الفترة، وقد أدخلت عليها التجديدات فيما بعد، فقلعة بولبتين استخدمها بسماتيك الأول وأقيم عليها رباط المتوكل في العصر العباسي وفنار الظاهر بيبرس المملوكي وانتهى الأمر بالسلطان المملوكي قايتباي الذي تنسب القلعة إليه أيضا.
والغريب أن تؤكد بعض المراجع أن السلطان قايتباي هو منشئ القلعة رغم أن الأعمال التي قام بها لا تتجاوز تعديل المزاغل لتتوافق مع المكاحل (المدافع) التي بدأ استخدامها في هذه الفترة، وتعديل بعض التفاصيل الداخلية، وترميم ما كان متهدما منها في هذه الفترة.
وقد عثرنا على أكثر من خمس عشرة قطعة من الجرانيت تحمل نقوشا هيروغليفية أثناء حفائر القلعة عام (1985)، وهذه القطع أعيد استخدامها في بناء القلعة، وتحمل أسماء ملوك من الأسرة السادسة والعشرين.
قامت رشيد على أطلال مدينة بولبتين، فقد عثر على آثار فرعونية ترجع إلى عصر بسماتيك الأول ونخاو، ويوجد جزء من عمود عليه كتابات من الجانبين محفوظ بالمتحف البريطاني ويرجع إلى عهد بسماتيك الأول، وهناك جزء آخر يرجع إلى عهد نختنابو الأول عليه نقش يظهر الملك أثناء تقديمه قربانا.
وهناك العديد من الأعمدة والتيجان الجرانيتية والرخامية من الطرز الكورنثية والأيونية التي أعيد استخدامها في العديد من العمائر الإسلامية بمدينة رشيد، وكثيرا ما نجد الأعمدة والتيجان بجميع العمائر بما في ذلك قلعة قايتباي والمنازل والمساجد.