من ذخائر المكتبة العربية: كتاب: "الخصائص" لابن جنید. إبراهيم عوضصاحب هذا الكتـاب هـو عثمان بـن جـنـى، وكُنيته أبو الفتح، رغم أنه لم يكن له ابن باسم "الفتح"، فأسماء أولاده الثلاثة هى: "علىّ وعال وعلاء" وكان أبوه "جنى" مملوكاً روميّاً. ويختلف الناس فى ضبط هذا الاسم فمنهم من يشدّد يـاءه وكأنه نسبة إلـى "الجن" كصاحب "وفيات الأعيان". وقد تابعه فيما يبدو محقق "معجم الأدبـاء"، إذ ضبطه هكذا: "ِجنیّ". أما محمد على النجار مثلا فإنه يرى أن الكلمة يونانية، أصلها ""gennaius فعربت إلى "جنى"، فهى من ثم ليست نسبا حتى تشدّد ياؤها. كما أنها ليست لها علاقة بالجنّ، وإنما معناها فى اليونانية: كريم أو نبيل أو عبقرى... إلخ، وهو ما أشار إليه ابن جنى فى رواية عنه، إذ قال إن معنى اسم أبيه بالرومية "فاضل"[1].وقد ولد ابن جنى بالموصل، وليس هناك اتفاق على سنة ميلاده، وإن جعلوها فى بداية القرن الرابع الهجرى (بعضهم يجعلها فى 300هـــــ، وبعضهم بعد ذلك بسنتين، وفريق ثالث يتأخر إلى سنة عشرين، وبعـض رابـع يؤخـرها سنتين أخرين). أما وفاته فالراجح أنها كانت فى ٣٩٢هـــــ[2].وقد تعلّم ابن جنى على أبى على الفارسى، وكانت له معه صحبة، كما كان يجله ويشيد دائما بعلمـــه. ومـن أساتذته أيضا المبرد وثعلب والكسائى وأبو الفرج الأصفهانى. وكان صديقا للمتنبى: التقى به فى بلاط سيف الدولة وبلاط البويهيين. وكان كل منهما يحترم مواهب الآخر ويذكرها مثنيا مادحا.وكان ابن جنى وقوراً عفيف اللسان. كما كان ذا عين واحدة. ويجوّز محمد على النجار أنه ربما "كان فى لسانه لكنة لمكانه من العجمة من جهة أبيه". والذى حدا بالأستاذ النجار إلى هذا القول ما ذكر عن ابن جنى من أنه كان إذا تكلم يشير بيديه. فرأى أنه ربما كان يستعين على اللكنة المدعاة بهذه الإشارة. وإنى لاستبعد هذا التفسير، إذ لو كان لابن جنى لكنة لكان قد أشار إليها مترجموه، ولكن شيئا من ذلك لم يحدث. علاوة على أن من الصعب تصوّر أن يتصدى ابن جنى للتدريس منذ شبابه الباكر وهو يعانى هذا العيب فى منطقه، وأى تدريس؟ إنه تدریس العربية نحوا وصرفاً وأصواتا وفلسفة. ولقد هجاه بعض معاصريه من الشعراء، وذهبوا فى هجوهم كل سبيل، حتى إن أحدهم قد تلاعب بكلمة "جنىّ" وعَدّ ابن جنى من الجن[3]. فلو كان فى كلامه تلك اللكنة المزعومة أفكانوا سيعفونه من التهكم عليه بسببها والتندر بها؟وما دمنا بسبيل أعجميته فيستحسن أن نذكر حبه الشديد للعرب ومدحه لهم وإشادته بسليقتهم اللغوية والأدبية، تلك الإشادة التى يوغل فيها إيغالا. فهو فى ذلك مثل ابن قتيبة بل أكثر. وقد وقف محمد على النجار عند أبيات له يفتخر فيها بأرومته الرومية وينسب نفسه إلى القياصرة، فقال إنه "قد يطيب لبعض الناظرين فى هذا أن يستنبطوا منه شعوبية ابن جنى وتفضيل بنى الأصفر على العرب"، ولكنه سرعان ما يفنّد هذا الوهم الذى يمكن أن يفد على ذهن بعض الناس مرتكزا على بعض ما جاء فى "الخصائص" من مدح للعرب وحسهم الّلغوى.وحسناً فعل الأستاذ النجار فى نفى هذا الوهم، فإن مثل ابن جنى فى تدينه وحبه للعرب وثنائه المغالى فيه عليهم ورأيه أن الله إنما اختارهم لحمل رسالته لما يتمتعون به من مواهب ومزايا ينفردون بها لا يمكن أن يكون شعوبيا. والذى يرجع إلى الأبيات المذكورة وسياقها من القصيدة التى وردت فيها سيرى أن ابن جنى يتمدح فى تلك القصيدة بأنه:له كلف بما كلفت به العلماء من العربفهو، كما ترى، يفتخر من خلال مدحه للعلماء العرب. وفضلا عن ذلك، فإن الأبيات محل الكلام إنما جاءت ردا على بعض من كانوا يحسدونه وينتقصون من فضله، ذاكرين أنه ليس عربيا ولا ذا مالٍ، فردّ عليهم بأنه إذا لم يكن ذا نسب فإن علمه هو نسبه. ومع هذا فإذا كان لا بد من نسب فهو رومىّ، والروم ليسوا بالقوم الهيّنين، فهم... وهم... وهم... . وكان آخر ما افتخر به من روميته أن النبى عليه السلام قد دعا لهم، ولعلّه، كما ذكر بعض الباحثين[4]، يشير إلى أن النبى عليه السلام، فيما جاءت به الروايات، قد دعا لهرقل فى الوقت الذى لعن فيه كسرى ودعا الله أن يمزق ملكه، وذلك لاختلاف موقف كلا العاهلين من الرسالة التى بعث بها النبى عليه الصلاة والسلام إليه كما هو معروف. وهذه هى الأبيات:فإن أصبح بلا نسب فعلمى فى الورى نسبیعلى أنى أؤول إلـى قروم سادة نجــــــــــــــب قياصرة إذا نطقـوا أرمّ الدهر ذو الخطـبأولاك دعا النبى لهم کفی شرفاً دعـاء نـبیفهذا عن النسب. أما عن قلة المال فقد قال مفتخرا بما ألف من كتب وبثَّ من علم:وإما فاتنى نشب كفانى ذاك من نـشـبوإن أركب مطا سـفـر مجدّ الورّد والقَـرَبفإنى مخلد خَلَفـاً يضاهى الشمس من كثبإذا لم يبق لى عقـب أقامت خير ما عقـبموشحه مرشحـة لنيل الغاى من كــثبيُصمّ صدى الحسود لهـا ويخرق أطرُقُ الرُكُـبِأزول وذكرها بـــــــــــــــاق على الأيام والحق... إلخفالمسألة، كما قد أتضح، ليست مفاخرة من ابن جنى للعرب بل هى دفاع عن النفس ضد من حاولوا إهانته وتحقيره بأنه لا نسب له ولا نشب، وهى محاولة حمقاء يأباها الإسلام والعقل والذوق المتحضر، فالناس بمواهبهم وأعمالهم وإنجازاتهم، ولا فضل لجنس على جنس إلا بمقدار ما أفادت البشرية والحضارة منه. وليس العرب بدعاً بين الناس.والإسلام هو الذى أنهضهم وبوأهم ماتبوأوه من مكانة وجعل لهم السيادة على الروم والفرس وغير الروم والفرس. ولولا الإسلام ما كنا ندرى ماذا كان يكون مصيرنا نحن العرب ولا أى دور كنا سنستطيع النهوض به على مسرح التاريخ. والإسلام ينظر إلى من يبغون النيل من الآخرين على أساس من الجنس أو العرق على أنه عصيبة جاهلية حمقاء. وعلى كل حال فقد أدى ابن جنى للعرب خدمات جليلة قلّ من يمكنه أن يقوم بها من بين العرب الخلّص أنفسهم. وهو بعد إن لم يكن عربيا دماً فهو عربى لغة وحضارة وديناً. وهذا هو المهم. ولابن جنى من المؤلفات بضع عشرات، وكلها أو معظمها فى علوم اللغة، وأشهرها: سرّ صناعة الإعراب، والفَسْر (شرح ديوان المتنبى)، والمذكر والمؤنث، والمحتسب فى شواذ القراءات، والمنصف (شرح كتاب التصريف للمازنى)، وشرح الفصيح (فصيح ثعلب)، ثم الخصائص، وهو الكتاب الذى عقدنا له هذا الفصل. ومعظم كتب ابن جنى إما لا يزال مخطوطا وإما مفقود لا علم لنا به إلا مما ذكره القدماء عنه.وقد ألف ابن جنى "الخصائص" لبهاء الدولة البويهى ابن عضد الدولة. وقال فى مقدمته مخاطبا إياه: "هذا (أطال الله بقاء مولانا الملك السيد المنصور المؤيد بهاء الدولة وضياء الملة وغياث الأمة، وأدام ملكه ونصره وسلطانه ومجده وتأييده وسموه، وكبت شانئه وعدوه) كتاب لم أزل على فارط الحال وتقادم الوقت ملاحظا له، عاكف الفكر عليه، منجذب الرأى والروية إليه...". ثم بين فى هذه المقدمة نفسها أن الموضوع الذى عالجه فى كتابه هذا لم يسبق لأحد أن طرقه، اللهم إلا شذرات يسيرة عند أبى بكر بن السراج والأخفش الأوسط، ثم جاء هو ففتح بابه واسعا وفصّل القول فيه وتعمق.وهـو يسمى موضوع كتابه "أصول النحو". على أن الكتاب ليس خاصا بأصول النحو، أى فلسفته والبحث عن علله الأولى، وحدها، بل يجمع بين ذلك وبين أصول الصرف والصوتيات، وبعض المباحث اللغوية العامة كمسألة أصل اللغة ونشأنها... وذلك كله إلى جانب ما يسمى بالاشتقاق الأكبر (أو الكبير)، وهو محاولة إرجاع كل الكلمات التى تشترك فى ذات الحروف، أيا كان ترتيب هذه الحروف، إلى معنى واحد عام، ممّا سنعرض له بالنقاش المفصّل فى حينه، وهو أهم مباحث الكتاب.والكتاب يقع فى ثلاثة مجلدات، ويبدأ بباب "القول على الفصل بين الكلام والقول"، وفيه يحاول ابن جنى التفرقة بين "الكلام" و "القول"، فالكلام "كل لفظ مستقل بنفسه مفيد لمعناه، وهو الذى يسميه النحويون: الجُمَل، نحو: زيد أخوك، وقام محمد، وضرب سعيد، وفى الدار أبوك، وصَةْ، ومَةَ"، أما القول "فأصله كل لفظ مذل به اللسان تاما كان أو ناقصا، فالتام هو المفيد، أعنى الجملة وما كان فى معناها، من نحو: صَهْ، وإيه. والناقص ما كان بضد ذلك، نحو: زيد، ومحمد، وإن، وكان أخوك... فكل كلام قول، وليس كل قول كلاما. هذا أصله، ثم يُتّسع فيه فيوضع القول على الاعتقادات والآراء. ومن أدل الدليل على الفرق بين الكلام والقول إجماع الناس على أن يقولوا: القرآن كلام الله، ولا يقال: القرآن قول الله. وذلك أن هذا موضع ضيق متحجر لا يمكن تحريفه ولا يسوغ تبدل شىء من حروفه، فعبر لذلك عنه بالكلام الذى لا يكون إلا أصواتا تامة مفيدة، وعدل به عن القول الذى قد يكون أصواتا غير مفيدة وآراء مُعْتَقَدة".وليست هذه هى التفرقة الوحيدة بين الكلمتين عند ابن جنى، فقد فرّق قبل ذلك بين الكلمتين تفرقة من نوع آخر، وذلك عن طريق تطبيق ما سماه "الاشتقاق الأكبر" عليهما، فجاء الكلام فى هذا الاشتقاق أول شىء فى الكتاب. وهو يرى أن الكلمات المركبة من "القاف والواو واللام"، أيا كان ترتيب هذه الحروف فيها (سواء كانت "ق ل و" أو "و ق ل" أو "و ل ق" أو "ل و ق" أو "ل ق و") كلها تدل على الخفة والحركة، على حين أن الكلمات المتركبة من حروف الكاف واللام و الميم (وهى "ك ل م" و "ك م ل" و "ل ك م" و "م ك ل" و "م ل ك") تدل كلها على القوة والشدة. وهو يشرح كيف يتحقق معنى الخفة والسرعة فى كل كلمة متكونة من الأحرف الثلاثة الأولى، ويفعل الشىء نفسه مع الكلمات المتكونة من الأحرف الثلاثة الأخيرة. ونكتفى نحـن بمناقشة بعض ذلك، فمثلا يری أن القول يخف له الفم واللسان، وأن "القِلْو" (وهو حمار الوحش) قد سُمِّىَ كذلك لخفته وإسراعه، وأن "الوقل" (وهو الوعل) سمى وقلا لحركته، وأن البسر والسويق مثلا إذا قلوتهما جفّا وخفّا، وأن العقاب قد سميت "لِقوة" لخفتها وسرعة طيرانها... إلخ. أما الكلام فهو سبب لكل شرّ وشدة فى أكثر الأمر، وأن الشىء الكامـل أقوى وأشد منه إذا كان ناقصا، وأن ملك العجين، أى إنعام عجنه، يجعله شديدا قويا... .وهكذا .ونظرة إلى هذا الكلام ترينا الاعتساف الذى يركبه ابن جنى، على ما فى ذلك من لوذعية تخطف الأبصار، فالتفرقة الأولى بين القول والكلام هى تفرقة اصطلاحية عند النحاة، ومع ذلك فإنه يعلّل بها تسمية الناس للقرآن بأنه "كلام الله" وعدولهم عن أن يقولوا عنه إنه "قول الله"، وكأن تلك التفرقة هى وضع لغوى قديم، مع أن الله سبحانه قد ذكر القول دائما فى القرآن مقصودا به الكلام المستقل المفيد، كقوله سبحانه: "قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى"، و "إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا"، و "إلا قول إبراهيم لأبيه لأستغفرن لك"، و "فأعرض عنهم وعظهم وقل لهم فى أنفسهم قولا بليغا"، و "فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى" إلخ. بل لقد وصف الله قرآنه بأنه "قول": "إنه لقول رسول كريم"، و "إنا سنلقى عليك قولا ثقيلا"، مثلما وصفه بأنه "كلام": "وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه"، دون أن يفرق بين هذا وذاك.هذه واحدة. والثانية أن ابن جنى قد جعل القول والكلام يتقاطعان، إذ قال إن كل كلام هو قول، وإن لم يكن كل قول كلاما. ورغم هذا فهو، عن طريق "الاشتقاق الأكبر"، يجعل الفرق بينهما فرقا حاسما لا سبيل إلى عبوره، فالكلمات المركبة من "ق و ل" (ومنها "القول") تدل على الخفة والحركة، على حين أن تلك المركبة من "ك ل م" تدل على الشدة والشر فالقول يخف له الفم واللسان، أما الكلام فيؤدى فى الغالب إلى كل شر وشدة. وإننا لنتساءل: أليس القول هو أصل كل كلام؟ فكيف تخف أعضاء النطق للأول ولا تخف للثانى؟ وكيف يكون الكلام سبب كل بلية ولا يكون القول كذلك؟ هذا إن سلمنا أن الكلام هكذا فعلا، وهو ما لا نسلم به، فالكلام يؤدى إلى الخير مثلما يؤدى إلى الشرّ، والناس إذا تكلموا فإنهم يقصدون بكلامهم تحقيق الخير لأنفسهم قطعـا، وقد يقصدون كذلك تحقيق الخير للآخرين. أما قوله مثلا إن "العُقاب" سميت "لقوة" لسرعتها فى الطيران. فهل العقاب هى وحدها السريعة فى طيرانها؟ أليست كل الطيور تقريبا كذلك؟ وحمار الوحش (القلو) هل هو فقط السريع دون سائر الحيوانات؟ وماذا عن الحصان؟ وماذا عن الغزلان؟ وماذا كذلك عن النعامة وهى مضرب الأمثال فى السرعة؟ وماذا عن الأسود؟ وماذا عن الذئاب والفهود والنمور... إلخ؟ وهل ملك العجين، أى إنعامه وشدة دعكه، يجعله أشد أم ألين وأطرى؟ وإذا كان الشىء الكامل هو من جهةٍ أقوى وأشد منه إذا كان ناقصا، فإنه من جهة أخرى يكون أخفّ على النفس فتقتبله بل تهش له وتفرح به وتخفّ إلى طلبه وترغب فى تملكه. وبالنسبة للاعتقاد وكيف يطلق عليه "القول" لا "الكلام"، ألم يتنبه ابن جنى، رحمه الله، أن ذلك يناقض ما ذكر من أن القول قد يكون كلاماً ناقصا؟ فكيف يستعمل القـول، مع ذلك إذن، للاعتقاد، والاعتقاد فكرة كاملة؟ على أن "الكلام" أيضا، و لا أدرى لـــِمَ لـَمْ يتنبه إلى ذلك أيضا عالمنا العظيم، أطلق على الاعتقاد. ألا يسمى العلم الذى يناقش قضايا العقيدة بـــــ "علم الكلام"، وسُمى من يخوضون فيه قولاً أو كتابة "علماء الكلام"؟وينتقل ابن جنى بعد مبحث التفرقة بين الكلام والقول إلى مبحث اللغة وتعريفها وأصلها طارقا فى أثناء ذلك بعض السائل المتعلقة بهذا المبحث كتعريف النحو والإعراب والبناء. وهو يحدد اللغة بأنها "أصوات يعبر بها كل قوم عن أغراضهم". وقد وقف د. محمود حجازی عند هذا التعريف فى أكثر من كتاب له ونبّه إلى تضمنه للعناصر الأساسية فى تعريف اللغة واتفاقه مع كثير من التعريفات الحديثة لها، وذلك بتوضيحه الطبيعة الصوتية للغة واستبعاده بذلك الخطأ الشائع الذى يتوهم أنها فى جوهرها ظاهرة مكتوبة، وكذلك إبرازه وظيفة اللغة الاجتماعية وهى التعبير[5].و اللافت للنظر أن ابن جنى يستخدم كلمة "أصوات" دون تحديد، فالتصفيق والدف والطبل أصوات، والناس يتفاهمون بها فى بعض الظروف الخاصة أى يعبرون بها عن بعض أغراضهم، ولا أظن ابن جنى قد قصد ذلك النوع من الأصوات لأنها ليست أصواتا بشرية. بل إن هناك أصواتا بشرية يتفاهم بها أيضا أحيانا، كالصفير والصياح والزمزمة مثلا، لست أحسب ابن جنى كان يعنيها حينما وضع تعريفه للغة. إنما قصد الأصوات المركبة من كلمات وحروف. وابن جنى، كما هو واضح فى كتابه الذى نتناوله هنا يهتم بالتعريفات ويدقق فيها ويطلب ممن يعالجها أن يحتاط فلا يترك عنصرا فيها بحيث يتعلق عليه خصمه بذلك، وهو ما يطلق عليـه "تخصيص العلة"[6]. فكان ينبغى عليه أن يتنبه إلى أن كلمة "الأصوات" هى كلمة واسعة. إننا عادة ما نستعمل كلمة "صوت" للصوت البشرى وغيره، مع أن عندنا كلمة "النطق" مثلا، وفى الإنجليزية يفرقون فيقولون: "voice" للأول و "sound" لما عداه. وفى الفرنسية يستعملون عادة "voix" و "son" علـى التـرتـب وفى الألمانية نجد stimme"" و "klang". وابن جنى يستعمل "النحو" قاصدا به ما نعرفه اليوم بـــــ "النحو والصرف" معا، إذ النحو عنده "هو انتحاء سمت كلام العرب فى تصرفه من إعراب وغيره كالتثنية والجمـع والتحقير (يقصد التصغير) والتكسير والإضافة والنسب والتركيب وغير ذلك...". وما عدا الإعراب كله تقريبا هو من أبواب الصرف.وفى تحديده لــــ "الإعراب" يستخدم ابن جنى تعريفا فضفاضا جدا، إذ يقول إنه "هو الإبانة عن المعانى بالألفاظ"، وهو تعريف لا يصدق على الإعراب، بل على الكلام كلّه بما فيه الإعراب، ومن ثم نراه يسارع فيضرب الأمثلة الموضحة لما يقصد، أى أن فهمنا للإعراب جاء من التمثيل الذى ضربه له لا من الحد الذى ساقه للتعريف به.وكعادته يطبق الاشتقاق الأكبر على مادة "ع ر ب"، التى يرى أنها تشير إلى معنى الوضوح والبيان والظهور. ويذكر من ذلك كلمة "العَروبة" (اسم يوم الجمعة فى الجاهلية)، معللا سبب هذه التسمية بأن "يوم الجمعة أظهر أمرا من بقية أيام الأسبوع، لما فيه من التأهب لها (أى لصلاة الجمعة) والتوجه إليها والإشعار بها"، ناسيا أنه فى الجاهلية لم تكن صلاة جمعة، وأنه فى الدينين السماويين اللذين كانا معروفين للعرب كان السبت (عند اليهود) والأحد (عند النصارى) هما اليومين المعظمين، إذ يذهب الأولون لمعابدهم والأخيرون لكنائسهم لتأدية الصلاة الأسبوعية، ومن ثم كان كل منهما هو أبرز أيام الأسبوع عند أهله.وفى "البناء" يحاول ابن جنی أيضا أن يعلل لهذه التسمية فيقول: "وكأنهم إنما سمّوه بناء لأنه لما لزم ضربا واحدا فلم يتغير تغير الإعراب سمى "بناء" من حيث كان البناء لازما فى موضعه لا يزول من مكان إلى غيره، وليس كذلك سائر الآلات المنقولة المبتذلة كالخيمة والمطلة والفسطاط والسرادق ونحو ذلك". ونفهم من ذلك أن الخيمة والفسطاط وما إلى ذلك لا تسمى "بناء"، ثم نفاجأ بأنه يقول فى تعليل استخدام "البناء" فى قولهم: "قد بنى فلان بأهله" إن "الرجل كان إذا أراد الدخول بأهله بنى بيتا من أدم أو قبة أو نحو ذلك من غيـر الحجر والمدر ثم دخل فيه"، أى أن البناء كما يكون من حجر فيلزم موضعه يكون كذلك من أدم وقبة فيفك وينقل إلى مكان آخر متى رأى أصحابه ذلك، وهو ما كان الغالب على أبنية العرب فى الجاهلية أيام أن وضعوا اللغة، لأنهم كانوا فى معظمهم أهل ترحل وسعى وراء الكلإ والماء وكانوا سكان خيام لا بيوت کبيوتنا. يعنى أن تعليله لتسمية "البناء" بناءً تعليل مفتقر إلى أساس.وفى "باب القول على أصل اللغة أإلهام هى أم اصطلاح" يعرض ابن جنى للرأيين ولحجج أصحاب كل منهما، وينتهى إلى القول بأنه لا يستطيع أن يرجح أحدهما لتكافؤ حجج كلا الفريقين. والحق أن من الطبيعى أن يتحير الإنسان فى هذه القضية فلا يسهل عليه معرفة الصواب فيها، ذلك أنها تتعلق بمسائل غيبية انطوت فى بطون التاريخ الأول. وقد ذكر الأستـاذ النجار محقق الكتاب أنه يبدو "أن مذهب ابن جنى فى هذا المبحث الوقف، فنراه لا يجزم بأحد الرأيين"، وأضاف أن ابن الطيب صرح بهذا فى "شرح الاقتراح"، ومع ذلك فهناك من يقول إن ابن جنى كان "يميل أحيانا إلى الأخذ بمذهب التوقيف"[7]، أى الإلهام، وإن أضاف بعد ذلك أنه قد عاد فمال إلى الرأى القائل بالتواضع، أى أنها من صنع البشر. والنصان اللذان اعتمد عليهما هذا الباحث إذا ضُم أحدهـا إلـى الآخـر، كما هو حالهما فى "الخصائص" دلا على أن ابن جنى كان مترددا بين الرائيين، لأنه مال فترة للأول ثم عدل عنه إلى الثانى. أما د. صبحی الصالح فقد أكد أن ابن جنى قد سبق عصره بالقول بوضع اللغة[8]. والحقيقة هى ما قلناه من أنه حين عرض لقضية نشأة اللغة عرض الرأيين وساق حجج كلا الفريقين، ثم أبدى حيرته بينهما.على أن ابن جنى تندّ عن سن قلمه كلمات وعبارات توحى باعتقاده المواضعة فى اللغة لا الإلهام. قال مثلا فى الصفحة الرابعة والستين من الجزء الأول: "اعلم أن واضع اللغة لما أراد صوغها وترتيب أحوالها هجم بفكره على جميعها ورأى بعين تصوره وجوه جملها وتفاصيلها. وعلـم أنه لا بد من رفض ما شنع تألفه منها... وعلم أيضا أن ما طال وأملّ بكثرة حروفه لا يمكن فيه من التصرف ما أمكن فى أعدل الأصول وأخفها، وهو الثلاثى... فلما كان الأمر كذلك واقتضت الصورة رفض البعض واستعمال البعض وكانت الأصول ومواد الكلم مُعْرضة لهم وعارضة أنفسها على تخيرهم جرت لذلك عندهم مجری مال ملقى بين يدى صاحبه وقد أجمع إنفاق بعض دون بعضه، فميز ردیئه وزائفه فنفاه البته كما نفوا عنهم تركيب ما قبح تأليفه...". فعبارات مثل "واضـع اللغـة" و "هجم بفكره على جميعها ورأى بعين تصوره وجوه جملها وتفاصيلهـا". و "كانت الأصول ومواد الكلم معرضة لهم وعارضة أنفسها على تخيرهم" توحى بقوة بأنه يرى أن اللغة مواضعة واصطلاح لا وحى وإلهام. وكذلك ففى الصفحة الثانية والسبعين وما بعدها من الجزء الأول يدافع عن فكرته القائلة بأن العرب قد قصدت كل شىء فى لغتها قصدا ولم يجر على ألسنتها كيفما اتفق. ومعنى ذلك أن اللغة عندهم، فى نظره، هى خَلْق واعٍ، أى أنهم منشؤها لا الإلهام. إلا أنه يعود فى الصفحة الثانية والثلاثين بعد المائة من الجزء الأول فنراه بعد أن تحدث عن وعى العرب بأوضاع لغتهم والعلل الكامنة وراءها يجرى سؤالاً على لسان خصم مفترض يقول فيه ما معناه: لم لا تكون العرب قد طُبعت على لغتها دون اعتقاد منها فى العلل التى يذكرها علماء اللغة ولا تنبه للقوانين التى تحكم لغتهم، ثم قَلّدت الأجيال اللاحقة الأجيال التى سبقتها؟ ويجيب ابن جنى بأنه سواء كان الأمر أمر وعى وتيقظ أو وحى وإلهام فمعناه على كلتا الحالتين أنهم كانوا مستعدين له بطباعهم الصافية وحسّهم اللطيف وفكرهم الناصع النقى. وهو ما يفيد أنه يضع الأمرين موضع الجواز والاحتمال، على الأقل جدليا.نخلص من ذلك إلى أن ابن جنى حينما ناقش قضية نشأة اللغة توقف بين الرأيين المتخالفين ولم يقطع بشىء، إلا أنه قد أفلتت من قلمه فى بعض المواضع الأخرى عبارات توحى بأنه كان يعتقد فى المواضعة والاتفاق. ولعلّ هذا ما قصده د. السيد يعقوب بكر حين قال، وإن لم يفصـل كلامه ويستشهد عليه بأقوال ابن جنى المختلفة، إن "ابن جنى يتردد بين الأمرين، وإن كان يميل على ما يبدو إلى مذهب الاصطلاح"[9]. وينتقل ابن جنى بعد ذلك إلى باب آخر هو "باب ذكر علل العربية: أكلامية هى أم فقهية؟" ورأيه أن علل النحو (ويقصد بذلك النحو والصرف وعلم الأصوات) أقرب إلى علل المتكلمين منها إلى علل الفقهاء. وهو يوضح هذا بأن علل الفقهاء فى إعطاء العمل حكمه من وجوب أو ندب أو حرمة أو كراهية إنما ترجع إلى ورود الأمر بها من الله سبحانه أو رسوله، لا إلى سبب فيه هو نفسه. أما علل علماء اللغة فترجع إلى مشاهدتهم وتجاربهم، فيقولون مثلا إن الفاعل رُفِع على حين نُصِب المفعول لنعرف من منهما الذى فعل الفعل ومن الذى وقع الفعل عليه، وإن "مُيْسِر" قد انقلبت إلى "مُوسر" لثقل النطق بالياء الساكنة بعد الضمة... وهكذا.على أنه يعود فيسلم بأن بعض الأحكام الفقهية يمكن تعليلها وبعض الأحكام اللغوية لا يمكن فيها ذلك. لكن هذا عنده شذوذ لا يقدح فى الأصل العام.ثم نراه بعد هذا يفرق بين علل اللغويين وعلل المتكلمين فيرى أن الأولى ليست دائما لازمة. بخلاف الثانية. فمثلا يمكننا، مع شىء من الثقل، أن نقول "مُيْسر" ولا نقلبها إلى "موسر"، وكذلك يمكننا إذا كان علىّ هو الضارب وسعيد هو المضروب أن نقول: "ضرب عليّا سعيدُ" بنصب "علىّ" (الفاعل) ورفع "سعيد" (المفعول)... وهكذا. أما فى علم الكلام فلا يمكن القول بأن السواد والبياض يمكن اجتماعهما فى محل واحد فى ذات الوقت، أو الجسم الواحد يمكن أن يكون متحركا وساكنا معاً فى الحال الواحدة. ثم ينتهى إلى القول بأن علل النحويين وإن تقدمت على العلل الفقهية فإنها لا ترقى إلى العلل الكلامية إلا فى بعضها الذى يكون الحكم فيه لازما، كانقلاب "ألف" قرطاس فى الجمع إلى "ياء": "قراطيس"، إذ لا يمكن خلاف ذلك. وعقد ابن جنى عدة أبواب للاطراد والشذوذ، والسماع والقياس، والاستحسان. ومن قوله فى أحد هذه الأبواب، وهو "باب مقاييس العربية": "اعلم أن العرب تؤثر من التجانس والتشابه وحمل الفروع على الأصل ما لو تأملته عرفت منه قوة عنايتها بهذا الشأن وأنه منها على أقوى بال. ألا ترى أنهم لما أعربوا بالحروف فى التثنية والجمع الذى على حده (يقصد جمع المذكر السالم) فأعطوا الرفع فى التثنية الألف، والرفع فى الجمع الواو، والجر فيهما الياء، وبقى النصب لا حرف له فيماز به جذبوه إلى الجر فحملوه عليه دون الرفع... ففعلوا ذلك ضرورة، ثم لما صاروا إلى جمع التأنيث حـملـوا النصـب أيضا على الجر... ولا ضرورة هنا... فدل دخولهم تحت هذا، مع أن الحال لا تضطر إليه، على إيثارهم واستحبابهم حمل الفرع على الأصل، وإن عرى من ضرورة الأصل".وتعليقا على هذا نقول: لماذا جعل ابن جنى المثنى وجمع المذكر السالم أصلا، وجعل جمع المؤنث السالم فرعا؟ ولو جرينا على طريقته أفلم يكن الأحرى جعل المفرد هو الأصل، والمثنى وغيره فروعا عنه؟ ثم ألم يكن العرب قادرين على أن يفردوا كلّا من الرفع والنصب والجر فى حالة المثنى وجمع المذكر السالم بعلامة إعرابية خاصة به وحده، فتقول فى المثنى: "جاء المحمدَوْنِ" و "رأيت المحمدانِ" و "نظرتُ إلى المحمدَيْنِ"، ونقول فى جمع المذكر السالم: "جاء المحمدُونَ" و "رأيت المحمدانَ" و "نظرت إلى المحمدِينَ"، ومن ثم يجىء جمع المؤنث السالم على الوضع الطبيعى. أى بالضمة رفعاً والفتحة نصبا والكسرة جرّا؟وابن جنى مثل معظم النحاة يقول بالعوامل النحوية، ولكنـه يـوضـح قائلا إن إرجاع الحالات الإعرابية إلى عامل، لفظيا كان أو معنويا إنما هو جرى على الظاهر و اصطلاح سار عليه النحويون، وإلا فإن المتكلم فى الحقيقة هو الذى يرفع وينصب ويجرّ ويحزم. وهذا صحيح، ودليله أن المتكلم لو أراد، أو كان جاهلا بالنحو، لرفع المفعول وجر الفاعل ونصب المبتدأ مثلا. فالقول بأن الفعل هو الذى رفع الفاعل ونصب المفعول، وأن عامل الرفع فى المبتدإ هو الابتداء... إلخ، هو لون من المجاز لتثبيت القواعد النحوية فى أذهان الطلاب. ويخصص ابن جنى بعد ذلك عدة أبواب للعلل: "باب فى تخصيص العلل" و "باب فى تعارض العلل" و "باب فى العلة وعلة العلة"... إلخ. وهو يرى أنك إذا أوردت علة من العلل فينبغى أن تكون مطردة، وإلا فلا تقل بها أو على الأقل فاحترز عند القول بها وخصّصها ولا تترك الحكم عاما حتى لا يتعلق خصمك بشىء عليك فى كلامك.وفى "باب الرد على من ادعى على العرب عنايتها بالألفاظ وإغفالها المعانـى" ينبری مدافعا عن العرب وذوقهم الأدبى مؤكدا أنهم وزعوا اهتمامهم بين اللفظ والمعنى. ويقف أثناء ذلك عند البيتين المشهورين التاليين:ولــمّا قضينا من منى كل حاجة ومسّح بالأركان من هو ماسحُأخذنا بأطراف الأحاديث بيننا وسألت بأعناق المطىّ الأباطحمتهما من لا يرى فيهما شيئا من المعانى والمشاعر بجفاء الطبع وعجزه عن الوصول إلى ما خفى فيهما، ثم يذهب فيتناول البيتين، على مدى ثلاث صفحات وأكثر، تناولا نقديا بأسلوب كله حساسية وجمال، ممّا لم يكن الواحد يتوقعه من لغوىّ مشغول بالنحو وعلله وفلسفته. ولكن ينبغى ألا ننسى أن ابن جنى كان صديقا للمتنبى وقد شرح ديوانه، وكان يعجب به إعجابا شديدا، ولم يكن إعجابه به للغته فحسب بل كان لفنّه الشعرى قبل كل شىء. ويمضى ابن جنى فى "باب أن العرب قد أرادت من العلل والأغراض ما نسبناه إليها وحملناه عليها" فى مدح العرب ولغتهم وسليقتهم اللغوية، مؤكدا أن العلل والأغراض التى يذكرها علماء اللغة فى أثناء بحثهم ليست شيئا أتوا به من عندهم، بل هو شىء استنبطوه من اللغة قصده العرب قصدا، ومفضلا العربية على غيرها من اللغات مجيبا من يقول إن أهل كل لغة يرون فيها ما يراه العرب فى لغتهم بأن غير العرب لو أدركوا مزايا العربية ولطف العرب فى وضعها لرجعوا عن اعتزازهم بلغاتهم وأقروا بتخلفها عنها. ودليله أن علماء العربية ذوى الأصول الأعجمية ممن كان يعرف قبل استعرابه لغته معرفة جيدة يأنفون أن يسووا بالعربية لغتهم الأصلية. وابن جنى وإن لم يذكر نفسه بين من ذكرهم من هؤلاء العلماء ينبغى إضافة اسمه إليهم. ومن العلماء الذين ذكرهم: أبو على الفارسى وأبو حاتم السجستانى، ويمكننا أن نذكر أيضا ابن قتيبة وسيبويه. وهؤلاء من المشاهير الذين قد سمع بهم تقريبا كل واحد من المتعلمين.ثم يأتى من بعد ذلك عدد من الأبواب من بينها "باب فى أن المحذوف إذا دلت الدلالة عليه كان فى حكم الملفوظ به إلا أن يعترض هناك من صناعة اللفظ ما يمنع منه". وفى هذا الباب يورد الاعتراض التالى: "فإن قلت: فإذا كان المحذوف للدلالة عليه عندك بمنزلة الظاهر فهل تجيز توكيد الهاء المحذوفة فى نحو قولك: "الذى ضربتُ زيد" فتقول: "الذى ضربت نفسَه زيد" كما تقول: "الذى ضربته نفسه زيد"؟ ثم يرد عليه قائلا: "هذا عندنا غير جائز، وليس ذلك لأن المحذوف هنا ليس بمنزلة المثبت بل لأمر آخر، وهو أن الحذف هنا إنما الغرض به التخفيف لطول الاسم، فلو ذهبت تؤكده لنقضت الغرض، وذلك أن التوكيد والإسهاب ضد التخفيف والإيجاز، فلما كان الأمر كذلك تدافع الحكمان، فلم يجز أن يجتمعا".وواقع الأمر أن هذا ليس ردا. والدليل على ذلك أننا نؤكد المحذوف فعلاً، كما فى جوابنا عمن يسأل: "أأشرب الشاى كله؟" فإننا نقول له: "نعم، كلّه". لكن يبدو أنه لا بدّ من حذف الفعل معه، وإلّا فلو قلنا: "نعم، اشرب كلّه" لجاءت "كله" مفعولا به، وهى فى لغة العرب تأكيد لا مفعول. هذا كل ما هنالك لا ما قاله ابن جنى.وفى "باب غلبة الفروع على الأصول" يلمس ابن جنى مبحثا من مباحث البلاغة، وهو جعل الكلمة التى تأتى مشبّها بها فى العادة مشبّها والمشبّه مشبّها به بقصد المبالغة، فإن العرب فى العادة تشبه المرأة الجميلة بالبدر، فالبدر هنا أصل والمرأة فرع، ثم عادوا فشبهوا البدر بالمرأة، أى أنهم جعلوا الفرع أصلا. ثم يذكر أن النحويين يفعلون الشىء نفسه، فهم مثلا يعربون الأسماء المفردة بالحروف وهذا هو الأصل، ولكنهم فى المثنى وجمع المذكر السالم قد تركوا الأصل وأعربوا بالحركات وهى فرع، ثم قاسوا على ذلك بعض الأسماء المفردة (وهى الأسماء الستة) فأعربوها بالحروف، مع أنها هى الأصل، قياسا على إعراب المثنى والجمع، وهو الفرع كما قلنا.وفى "باب إصلاح اللفظ"، يقول إن العرب عندما يجمعون "تمرة وبُسرة" ونحوهما يحذفون تاء التأنيث قائلين: "تمرات وبُسرات" حتى لا تجتمع فى الاسم الواحد علامتا تأنيث (يقصد التاء المربوطة فى "تمرة" والمفتوحة فى "تمرات")، وذلك بقصد إصلاح اللفظ، أى أنه هكذا يكون أخف وأرشق فى النطق والأذن. ولكن لو كان الأمر على ما قال ابن جنى فكيف يعلّل حذف تاء التأنيث من "كُرة وعِضة وثُبة وسَنة" وغيرها إذا جمعت جمع مذكر سالما: "كرون وعضون وثبون وسنون"، وليس فيه علامة تأنيث كى يقال إنهم كرهوا اجتماع علامتی تأنيث؟ وكذلك كيف يفسّر حذف تاء التأنيث من مثل "تفاحة و بلّاعـة وسجّـادة" فى جمع التكسير: "تفافيح وبلاليع وسجاجيد" وليس فى جمع التكسير علامة تأنيث؟ ثم ماذا يقول فى إبقاء علامة التأنيث فى مثل "ليلى ونجوى وحسناء وصحراء" (وهى ألف التأنيث) عند جمعها جمع مؤنث سالما وفيه التاء: "ليليات ونجويات وحسناوات وصحراوات"؟ومن الأبواب التى يضمها "كتاب الخصائص" باب فى الضرورة الشعرية ومدى حقّ الشاعر من المتأخرين أن يأخذ بها. ورأيه أن ذلك كما جاز للشعراء العرب فى الجاهلية فهو جائز كذلك لمن جاء بعدهم. ولا يصح الاعتراض بأن شعراء الجاهلية كانوا يرتجلون ومن ثم لم تكن أمامهم فرصة لمعاودة النظر فى شعرهم وإزالة ما اضطروا إليه منه، فإن منهم من كان يثقف شعره وينظر فيه ويحككه وقتا طويلا، كما أن من الشعراء المتأخرين من يرتجل الشعر ولا تتاح له الفرصة لتهذيبه وتسويته. وقد كسر ابن جنى للجملة الاعتراضية بابا كاملاً وبين أنه شائع فى لغة العرب شعرا ونثرا وأن فى القرآن الكريم منه الكثير، وهو مبحث أسلوبى كما ترى. ومن أبواب "الخصائص" أيضا ما عالج فيه ابن جنى مباحث صوتية، مثل "باب تدافع الظاهر".ومن أبوابه كذلك باب استعمال حروف الجر مكان بعضها البعض. وابن جنى يرى بحق أن القضية ليست قضية نيابة بعض الحروف عن بعض، وإلا لكان جائزا أن ينوب الحرف عن الحرف فى كل الأحوال. إنما القضية هى أن المتكلم يريد أن يضمّن الفعل الذى يستعمله معنى فعل آخر فيورد معه حرف الجر الذى يرد مع ذلك الفعل الآخر. وبغير ذلك فلا تجور نيابة حرف عن غيره.وفى هذا الباب أيضا يُخطىء ابن جنى من ينكر الترادف فيتكلف أن يوجد فرقا بين "قعد وجلس" و "ذراع وساعد" مثلا. ويقول إنه لـمّا كان "رفث المرأة" بمعنى "أفضى إليها" جاز أن نقول: "رفث إلى المرأة" باستعمال الحرف الذى يصاحب "أفضى".ونحن نتساءل: إذا كان الأمر كمـا يقول ابن جنى فماذا يفعل باشتقاقه الأكبر هنا والمترادفان ينتمى كل منهما إلى مجموعة من الحروف تختلف عن مجموعة حروف الآخر؟ إن الاشتقاق الأكبر سيرجع كلا منهما إلى أصل معنوى مختلف، على حين أنهما فى الواقع يدلان على معنى واحد. الحق أن هذه من الثغرات التى يصعب جدا سدّها فى نظرية ابن جنى فى الاشتقاق. إن ابن جنى حين يعالج مسألة المترادفات لا يطبق اشتقاقه الأكبر عليها بل يكتفى بتوضيح أن كــل مترادف إنما يرجع فى أصل مادته إلى نفس المعنى الذى يرجع إليه فى أصل مادته مرادفه. وأصل المادة كما نعرف هو الحروف المجردة التى تتركب منها الكلمات على ترتيب واحد، أما الاشتقاق الأكبر فهو تقليب هذه الحروف على كل الترتيبات الممكنة. وهذا غير ذلك كما هو واضح. وتفصيل ذلك أنه فى "الخليقة" ومرادفاتها كـ "الطبيعة" و"النحيتة" و "الغريزة" و "الضربية" و "النحيزة" يقول إن "الخليقة" من "خلقت الشىء" أى ملّسته، فكأنه أمر قد استقر وزال عنه الشكّ، و "النحيتة" من "نحت الشىء" أى ملّسته وقرّرته على ما أردته منه، و "الضربية" من "الضّرب" الذى لا بد منه فى طبع الدراهم والدنانير لتثبيت الصور المرادة عليها... وهكذا. وكان المفروض ألا يكتفى بالإحالة إلى أصل المادة، بل كان عليه أن يقلّب حروف كل مادة على جميع صورهـا الممكنة، فيكون عندنا من المادة الأولى مثلا: "ض ر ب" و "رض ب" و "ض ب ر" و "ب ر ض" و "ر ب ض "، وهلم جرا، ولكنه لم يفعل. ومن أبواب "الخصائص" المهمـة "بـاب القـول على فوائت الكتاب"، والمقصود كتاب سيبويه. وهو فى هذا الباب يدافع عن النحوى الكبير، ويقول ما مفاده أنه إذا كانت قد فاتته أشياء قليلة تافهة فقد أحاط بالكثير الذى لا يحيط به إلا الأقلون. وقد تكون هذه الأشياء القليلة مأخوذة عمن فسدت لغته ومن ثمّ فلا وجه لانتقاصه بسببها. ثم يأخذ فى إيراد الأشياء التى فاتت سيبويه فى كتابه، محاولا إيجاد العذر له فى كل واحد منها. وهذا الباب يستغرق أكثر من ثلاثين صفحة.ومن الأبواب المهمة كذلك "باب ما يؤمنه علم العربية من الاعتقادات الدينية". وهو يقف فى هذا الباب عند آيات الصفات، ويعدّها من المجاز، الذى يرى أنه يشكّل معظم اللغة[10]، إذا "قلما يخرج الشىء منها على الحقيقة ". ومن هنا فإنه يؤول قوله تعالى مثلا: "يا حسْرتا على ما فرطت فى جنب الله" بمعنى "فيما بينى وبين الله" وقوله تعالى: "فأينما تولوا فثم وجه الله" بأنه "هو الاتجاه إلى الله"، وقوله: "ولتُصْنَع على عينى" على معنى "تكون مكنوفا برأفتى بك وكلاءتى لك"... وهكذا.وأحب أن أتلبث قليلا عند نظرة ابن جنى إلى المجاز، فليس المجاز عنده فى التشبيه والاستعارة والكناية والمجاز المرسل فحسب، بل إنه يُدْخل الأفعال كلها فيه، فإذا قال قائل: "قام زيد" و "قعد عمرو" و "انطلق بشر" كان هذا مجازاً عنده. أما كيف ذلك فإنه يرى أن "قام زيد" مثلا معناه أنه حدث منه القيام، أى جنس القيام كله، على حين أنه لم يقع منه القيام كله بل قيام واحد فقط. وهذا لعمرى غاية فى التكلف، إذ من قال إن معنى "قام زيد" أن القيام كله قد وقع منه؟ إن الذى نفهمه من هذا القول هو أنه قد وقع منه "القيـام" بــــــ "أل" العهدية لا " أل" الجنس، أو وقع منه "قيام" واحد من "القيامات" الكثيرة. ومن ثم فلا مجاز فى هذا. أما تأويل ابن جنى لآيات الصفات فهو يتمشى مع اعتقاداته الاعتزالية[11] التى يغلو فيها لدرجة أنه يرى أن قولنا: "خلق الله السماوات والأرض" هو من المجاز، لأن الله فى نظره لم يخلق أفعالنا، فمن أفعال البشر الكفر والعدوان، فلو قلنا إن الله قد خلق كل شىء لكان معنى ذلك أنه خلق الكفر والعدوان وما أشبههمــا مـن أفعالنا، وهو ما لا يليق نسبته إليه عز وعلا. كذلك فهو ينكر أن يكون لله جارحة، ومن ثم لا يأخذ الآيات التى ذكرت له سبحانه "يدا" و "جنبا" و "عينا"... إلخ على ظاهرها. والحقيقة أنه لا يوجد مؤمن عاقل يعتقد أن لله سبحانه جوارح كجوارحنا، والذين لا يحبون تأويل الصفات هم أيضا لا يقولون ذلك. كل ما هناك أنهم لا يرتاحون إلى تقحم عالم الغيب، ومن ثم يفوضون علم حقيقة هذا إلى الله سبحانه عالم الغيب والشهادة. وهـناك بابان فى الأغلاط: أحدهما فى "أغلاط العرب"، والباقى فى "سطقات العلماء". وفى الأول ينقل ما قاله أبو على من أن العرب لم يكونوا يعرفون قوانين النحو والصرف، وإنما كانوا يمارسون الكلام بالسليقة فربما استهواهم الشىء فزاغوا به عن القصد، وذلك كقول بعضهم: "مالك الموت" يقصـد "ملك الموت"، ظنا منه أن الفعل الذى اشتقت منه كلمة "الملك" هو "مَلَكَ"، وأنه يستطيع أن يشتق منها، بنفس المعنى، لفظة "مالك" ويضيفها إلى الموت، كما تُضاف "ملك" إلى "الموت". وفى الباب الثانى يتتبع أخطاء علماء اللغة العرب كتصحيـف الأصمعـى قـول الشاعـر: "لابن فى الصيف تامر" إلى "لا تنى بالضيف (تامُر)".فهذا استعراض سريع لكتاب "الخصائص" لابن جنى ووقوف عند بعض مسائله. وبرغم أنى ناقشت نظرية "الاشتقاق الأكبر" فى أكثر من موضع فى هذا الاستعراض فإنى أرغب فى العودة إليها مرة أخرى هنا. ذلك أنها أهم ما فى كتاب "الخصائص"، حتى إنه لا يذكر ابن جنى إلا وتذكر للتوّ نظريته هذه.إن مثـل هـذه الفكرة تستلزم استقصاء كل ألفاظ اللغة أو معظمها على الأقل، وهو مالم يفعله ابن جنى ولا ربعه ولا عشره ولا واحداً فى المائة منه، إنما هى بعض أمثلة قليلة ليس غير.وحتى فى هذه الأمثلة نری التكلف والتعسف واضحين، وقد بـينا ذلك فيما سلف. وابن جنی نفسه يشير إلى أنه لا بدّ فى هذا الأمر من التلطف والصّبر الطويل، وهو ما أراه نوعا من الاعتراف المبطن بأن الأمر يقوم على الاعتساف. إن كل شىء فى الدنيا له عدة جوانب مختلفة يمكن النظر إليه منها، وابن جنى على أحسن الفروض، عند محاولته العثور على أصل معنوى واحد لكل الألفاظ المتركبة من ذات الحروف على تقلباتها المختلفة، ينظر إلى كل مسمى من مسمّيات هذه الألفاظ من الجانب الذى ينسجم مع المسميات الأخرى. وقد بيّنا قبلا كيف أن الألفاظ المتــرادفـة تشكل عقبة كأداء فى وجه نظرية ابن جنى. ويضاف إلى ذلك "ألفاظ الأضداد"، التى لا ندرى ماذا تفعل نظرية ابن جنى حيالها فاللفظة الواحدة تعنى الشىء وتعنى نقيضه، والحروف هى هى فى الحالتين[12].ذلك، وقد تكرر استعمال ابن جنى لكلمة "التقليب" فى ثنايا حديثه عـن " الاشتـقـاق الأكبر" فهل يمكننا أن نقترح اتخاذ هذه الكلمة مصطلحا لهذا النوع من الاشتقاق؟ وهو يقصد بالتقليب ترتیب حروف المادة على كل الوجوه الممكنة بغية الوصول إلى المعنى العام الذى يربط بين الكلمات المركبة من هذه الحروف بترتيباتها المختلفة.وننتهى بالحديث عن أسلوب ابن جنى كما يتبدى من خلال كتابه "الخصائص": إنه أسلوب قوی ناصع جميل. وهو أسلوب يكثر فيه الترادف، الذى لا يقف عند اللفظتين أو الجملتين أو الثلاث بل كثيرا ما يزيد على ذلك، كقوله مثلا: "ولما كان النحويون بالعرب لاحقين، وعلى سمتهم آخذين، وبألفاظهم متحلّين، ولمعانيهم وقصودهم آمّين"، و "هذا الشاعر إنما تساند إلى ما فى طبعه، ولم يتجشم إلا ما فى نهضته ووسعه، من غير اغتصاب له ولا استكراه أجاءه إليه"، و "أنا أعجب من الشيخين أبوى على رحمهما الله وقد دوّخا هذا الأمر، وجوّلاه، وامتحضاه، وسقياه...". وعادة ما يقع الترادف فى أسلوب ابن جنى فى مواطن الانفعال وثورة المشاعر.وفى أسلوب ابن جنى أيضا مراوحة بين الترسل والسجع، والأول هو الأغلب، ويأتى السجع عنده عادة عندما يقوى شعوره ويحتدّ.و الملاحظ أنه كثيرا ما يستخدم كلمات أو صيغاً غير شائعة، مثل "وحى يحى" (بدلا من "أوحى يُوحى")، و "خفـوف" (فى مكـان "الخفـة والسرعة")، و "يَمْذَل" (بدل "يقلق")، و "الأوْل" (فى محل "الدعة والسكون")، و "المتناطـة" (بدل "المنوطة") و "اعْتَوَنا" (بدل "تعاونا")، و "أسْوِلة" (بديلاً عن "أسئلة")، و "يُطْوع" (فى مكان "يطاوع")... وهكذا. ولعّله نوع من الإدلال بعلمه وحفظه للغة، التى هى ساحته وميدانه.وابن جنى يكثر من محاورة القارىء بطريقة الفنقلة: "فإن قلت كذا قلنا كذا". وهـو يميل إلى استخدام ضميرى النصــب المتتابعين فى آخر الكلمة متصلين بدلاً من فصل ثانيهما، مثل "آتاناه" و "أراناه"... إلخ.وهنـاك كلمة وجدته يستعملها كثيراً، وهى كلمة "العجرفة" و "التعجرف" بمعنى "الاجتراء والتعسف".وهـو كثيــــــرا ما يستطـرد، فيخرج من موضوع إلى موضوع ويغرق فى تفاصيل الموضوع الذى استطرد إليه حتى ليظن القارىء أنه قد نسى موضوعه الأصلى، ثم إذا به فجأة يعود إلى ما كان فيه من قبل.ومشاعر ابن جنى نحو الموضوع الذى يعالجه تغلبه على قلمه وتظهر سافره فى كلامه، وبخاصة إذا كان الكلام متعلقا بلغة العرب وآدابهم. والموضوعات فى كتاب "الخصائص" مرتبة كيفما اتفق، فمن موضوع نحوى إلى آخر صرفی إلى ثالث متعلق بالبلاغة إلى موضوع رابع فى الصوتيات. وقد يتناول ابن جنى موضوعا أو جانبا منه ثم يعود إليه أو إلى جانب آخر منه فى مكان ثان من كتابه. وهو يسمى كـل موضـوع "بابا".وفى الاصطلاحات اللغوية لاحظت أنه قد سمّى خبر "عسى" مفعولاً لها، ويطلق "الإضافة" على ما نسميه "النسب"، و "المستقبل" على ما يعرف بــــ "المضارع"، ويستعمل "التحقير" للدلالة على "التصغير". كما أنه استعمل مصطلحات مستعارة من علم أصول الفقه، كمصطلـح "الاستحسان"، و "تخصيص العلل"، و "الدّوْر". وقد شرح الأستاذ النجار، رحمه الله، معنى كل مصطلح من هذه المصطلحات الفقهية فى الهامش فيرجع إليه.وأخـيــــرا فـإن ابن جنی، رغم توقيره لغيره من العلماء، يبدو واثقا بنفسه مدلا بعلمه، فهو يقول مثلا عن كتابه "الخصائص" فى الكلمة التى وجهها فى صدر هذا الكتاب إلى بهاء الدولة إنه يعتقد فيه أنه من أشرف ما صُنّف فى علم العرب وأذهبه فى طريق القياس والنظر وأجمعه للأدلة على مزايا اللغة العربية. وقد تكرر عنده مثل هذه العبارة فى مفتتح عدد غير قليل من أبواب الكتاب: "هذا موضع من العربية لطيف، لم أر لأحد من أصحابنا فيه رسما، ولا نقلوا إلينا فيه ذكرا". الهوامش:1- انظـر مقدمـة "الخصائص، لابن جنى"/ تحقيق محمد على النجار/ دار الهـدى/ بيـروت/ ط ۲/ ص ۸ (وهذه هى الطبعة التى سأحيل عليها دائما فى هذا الفصل). وقد أثبت د. السيد يعقوب بكر هذه الكلمة بــــ "o" قبل الـ "s" بدلا من "u" كما عند النجار، وفسرها بـــــ "كريم المحتد، سامى التفكير". انظر كتابة "نصوص فى فقه اللغة العربية"/ دار النهضة العربية/ بيروت/ ۱۹۷۰م/1/ 25 (بالهامش).2- انظر مقدمة "الخصائص"/9-10. ود. عزالدين إسماعيل/ المصادر الأدبية واللغوية فى التراث العربى/ دار النهضة العربية/ ١٩٧/ ص ۳۲۹3- انظر معجم الأدباء/ 12/ 92-934- انظر مقدمة "الخصائص"/ ۸ (بالهامش ). ود. السيد يعقوب بابكر/ نصـوص فـى فقه اللغة العربية/٢٦1/ حيث نقل فى الهامش كلام الأستاذ النجار بنصّه وفصّه دون أن يشير إليه.5- انظر د. محمود فهمی حجازی/ مدخل إلى علم اللغة/ دار الثقافة/ القاهرة/ ط2/ ۱۹۷۸/ ص 10، وعلم اللغة العربية/ وكالة المطبوعات/ الكويت / ص ۹-۱6- انظر ج۱/ص/ ١٤٥ وما بعدها فى باب "تخصيص العلل" من "الخصائص".7- محمد حسين آل ياسين/ الدراسات اللغوية عند العرب إلى نهاية القرن الثالث/ دار مكتبة الحياة/ بيروت/ ١٤٠٠هـــ - ١٩٨٠/ 4458- د. صبحى الصالح/ دراسات فى فقه اللغة/ دار العلم للملايين/ بيروت/ طـ ٣/ ١٣٨٨هـ - ١٩٦٨م/ ص ٣٤9- نصوص فى فقه العربية/ ج1/ ص 57. أما اتخاذ الأستاذ الدكتور (بعد ذلك مباشرة) موافقة ابن جنى لقول من رأى أن أصل اللغات هو الأصوات الـمسموعات دليلا على أن ابن جنى كان يميل إلى مذهب الاصطلاح فليس حجة، لأن ابن جنى قد قال هذا وهو بصدد عرض الرأى القائل بالوضع وحجج أصحابه، ثم لـمّا عرض الرأى الآخر وأدلته وجد فيه أيضا وجاهة، ثم انتهى إلى إعلانه حيرته كما بيّنا من قبل.10- الخصائص/ ج1/ 447 وما بعدها. وقد عقد ابن جنى للمجاز فى الجزء الثانى أكثر من باب.11- انظر فى اعتزال ابن جنى مقدمة "الخصائص"/ 42 وما بعدها.12- أشار إلى شىء من ذلك بعض العلماء من قبل. ذكر ذلك السيوطى فى "المزهر"/ ج1/ ص 47-48.