خزائن هارون الرشيد في عام 193 هجرية تحتفظ بـ: 4000 جُبّة


عرفت المجتمعات البشرية ببعض العادات و التقاليد و ممارستها للطقوس فكان لكل مجتمع موروثه الثقافي الخاص خاصة في مجال الألبسة التقليدية لكونها تعبر عن الهوية و الأصالة، إلى أن هذا الموروث ظل قرونا دون إخضاعه للتعريف و الدراسة و إبراز خصوصية كل مجتمع ، وكعيّنة فقط عرف الموروث الثقافي في المجتمع الجزائري تنوعا فاللباس القسنطيني مثلا يختلف عن اللباس في منطقة القبائل و منطقة الشاوية كما يختلف عن لباس أهل الجنوب ما جعل منظمة اليونسكو توليه اهتماما و تسجله ضمن الموروث العالمي، لما له من بعد رمزي إذا قلنا أن اللباس التقليدي هو عنوان للهوية ، و قد حافظ المجتمع الجزائري بزيه الرسمي ، الخبراء طالبوا بإدماج باقي الألبسة التقليدية كالبرنوس و القشابية و الحبة القبائلية و لباس الملحفة و الحلي التقليدية ، على هامش اليوم الدراسي احتضنت قاعة العروض زينيث معرضا خاصا للألبسة التقليدية
ولقد أجمع خبراء و مختصين في الأنروبولوجيا على ما تتميز به المجتمعات المعاصرة من تراث ثقافي و هذا مؤشر اجتماعي و ثقافي ترك اثره عبر الزمن و الاهتمام بالتراث الثقافي الاجتماعي الجزائري كعيّنة يتخذ بعدًا حضاريا، فالموروث الثقافي تمتد جذوره عبر التاريخ وهو يُعَبِّرُ عن مختلف الهويات الإثنية و الحضارية، ففي يوم دراسي حول الزيّ التقليدي النسوي في مدينة قسنطينة و المعروف عنه باسم قندورة الفرقاني، احتضنته دار الثقافة مالك حداد يوم الخميس من نهاية الأسبوع، و ذلك بهدف إدخال اللباس القسنطيني التقليدي ضمن قائمة اليونسكو للتراث العالمي ، حيث رفع شعار: “القندورة القَسنطِينية هوية، تاريخ و إبداع فجمال ”، و يأتي تصنيف القندورة القسنطينية ضمن الفنون التي صنفتها منظمة اليونسكو، على غرار الرّاي كموروث ثقافي، و قال سليمان حاشي مدير المركز الوطني للبحوث في عصور ما قبل التاريخ وعلم الإنسان والتاريخ في قراءته رسالة وزير الثقافة أن الاتفاقية بين الجزائر و اليونسكو جاءت في إطار لجنة متعددة الحكومات .
وعرفت الألبسة التقليدية بخيوطها الذهبية و الفضية و عرفت تطورا في مختلف العصور في بغداد و البصرة و الأندلس و استقرت مع العائلات المسلمة و اليهودية، هذا ما أشارت إليه الدكتورة هدى جبّاس مختصة في علم الإنتروبولوجيا من جامعة عبد الحميد مهري قسنطينة التي تحدثت عن الجانب التاريخي للألبسة التقليدية من حيث مصدر القماش و الخيط المستعمل في اللباس التقليدي و قالت أن مظاهره الاقتصادية و الاجتماعية لا تدل على الرفاهية كما يظن البعض وإنما تدل على أصالة العائلات القسنطينية كونها تعبر عن الهوية الجزائرية الأصيلة، وقالت أن اللباس التقليدي و بخاصة القسنطيني يشكل وجدان الأمة و لا تزال العائلة القسنطينية متمسكة بهذا الموروث الثقافي حيث اتخذ منحى آخر من حيث الشكل و اللون و عناصر التكوين و أسلوب الطرز و الخياطة.
حسبما جاء في مداخلتها فإن كلمة قندورة بربرية الأصل و يطلق عليها كذلك بالجُبّة و لو أن هذه الأخيرة كما يقال تختص بالرجال و هي تختلف عن "الطيلسان" و هو كساء أخضر يضعه بعض العلماء والمشايخ على الكتفيختص بغير المسلمين من أهل الذمّة ظهرت في عهد الخلفاء العباسيين، تشير المراجع الأكاديمية إلى أن الخلفاء العباسيون كانوا يحتفظون في خزائنهم بهذه الألبسة و كانت خزائن هارون الرشيد في عام 193 هجرية تضم 4000 جُبّة و "شيُّ" و هو حريرٌ مثقلُ بالذهب، و تذهب الدكتورة عباس فريال من جامعة وهران 2 إلى مدى محافظة المرأة على التزامها بالزيّ التقليدي في العهد العثماني و الفترة العباسية في الحياة اليومية و خاصة في الأعراس.

التحزيمة ضمن الطقوس التي تمارسها العائلات القسنطينية
و خصّت المحاضرة الحديث عن الطقوس التي كانت تمارس في تلك الفترة، و بالأخص طريقة تحضير العروس لليلة زفافها عندما أشارت إلى ما يسمى بـ: "التحزيمة" و هي تعبّر عن استعداد العروس لدخول حياة جديدة، تختلف عن الحياة التي كانت تعيشها مع أسرتها أي اندماجها في الحياة الزوجية، وكما قال المؤرخ حسين طاوطاو فكثير من الجزائريين يجهلون هذه المواضيع و البعض لا يوليها اهتماما من حيث البحث و الدراسة، الملاحظات التي قدمه الدكتور حسين طاوطاو أن مبادرة اليونسكو في تصنيف اللباس التقليدي له دلالة على أنه لباس غير عادي و وجب تسجيله ضمن التراث العالمي، بالنظر إلى الأهمية التي يكتسيها هذا الموروث الثقافي خاصة من حيث التوقيت حيث يخضع إلى طقوس التي لها معاني و دلالات جدّ هامّة و علاقته بالمدينة و تاريخها و حضارتها، الملاحظة الثانية هي قلة المصادر، فالمتوفر فيها كله أجنبي و يركز على الجانب الأنتروبولوجي إلا أنه لا مانع من الاعتماد على المصادر الأجنبية و الاستثمار فيها.
مطالب باستحداث بطاقية لتحديد العنصر الثقافي
و تحدث الخبراء عن ألاتفاقيات التي أبرمت لتحقيق الهدف المنشود الذي يعبر عن البعد الهوياتي للباس التقليدي و ما يرافقه من حليّ ، كذلك وظيفته وطرق الحفاظ عليه و ما هي الصورة التي يقدمها اللباس التقليدي للمجتمع و ركزوا على استمرارية اللباس التقليدي الجزائري الأصيل،و هذا يعني كما يقول الدكتور فوزي مجماج مختص في علم الآثار أن اللباس التقليدي يعطي صورة للمجتمع الجزائري في فترات معينة اعتمادا على الذاكرة و المصادر التاريخية ، و العمل بنظرية الإنتشارية لترقية العنصر و انتقاله من مكانه الأصلي إلى أماكن أخرى، كانت هناك استطلاعات و استبيانات مع العديد من النساء لمعرفة ما تعرفه المرأة الجزائرية عن اللباس التقليدي و لما يرمز؟.
كانت الإجابة بأنه يعبر عن الوجه العام للمجتمع الذي عبّر عنه العلامة ابن خلدون في القرن الرابع عشر، و انقسام المجتمع الجزائر إلى سكان الحضر و سكان البدو و الذين يسكنون في الضواحي les semi nomades، وهي المجموعات القبلية لتي تمارس شبه الترحال أو التي يسمونها بالمشتة، الخبراء و الأكاديميون أجمعوا على وجوب استحداث بطاقية لتحديد العنصر الثقافي أي اللباس التقليدي عن طريق تحديد اسمه و تقديم وصف تفصيلي عنه و طريقة صنعه و الأدوات المستخدمة و هو المطلب الذي تقدم به الدكتور عبد المجيد بوصلب مختص في الأنتروبولوجيا الذي دعا الهيئات الرسمية إلى المساهمة في صيانة هذا الموروث و توضيح مدى قابليته للاستمرارية، ولابد من التوثيق الفوتوغرافي للباس التقليدي و تحديد المعطيات التقنية حول عملية الجرد و اعتماد سياسة تستهدف إبراز الدور الذي يؤديه الموروث الثقافي في الجزائر
علجية عيش