لم ترد الاستعاذة في سورة الفاتحة، ولا في صدر أية سورة من سور التنزيل الحكيم، ولكنها مندوب لها في سائر أعمالنا، خاصة قبيل تلاوة آيات الله. ونحن نحب أن نذكر جانباً من معانيها وفضلها وأهدافها ومشروعيتها قبل البدء في تأمل الكتاب وقراءة مدلولاته.

أولًا: معنى الاستعاذة في العربية:

الاستعاذة: مصدر استعاذ، وأعوذ فعل مضارع يصلح للحال والاستقبال، وهو مشتق من العوذ؛ وهو الالتجاء إلى الشيء، ثم يحمل عليه كل شيء لصق بشيء أو لازمه.
والعَوَذ: الملجأ، ومثله: العوذة، وهو ما يعاذ به من الشر، وقيل: للرقية والتميمة.

والْعَائِذُ مِنَ الْإِبِلِ: الحديثة النتاج إلى خمس عشرة أو نحوها، من ذلك أيضاً: وعاذت بولدها أي: أقامت معه وحدبت عليه ما دام صغيراً، أو أن ولدها عاذ بها، وانقلب المعنى.
وعلى هذا فإن العوذ له معنيان:
1) الالتجاء إلى الشيء، والانحياز له، والاستجارة به. يقول الراجز:
أعَوْذ بربي منكمُ وحَجْرُ
وَتَقُولُ الْعَرَبُ لِلشَّيْءِ يُنْكِرُونَهُ وَالْأَمْرِ يَهَابُونَهُ: حُجْرًا أَيْ: دَفْعًا.
ويقال: عذت بالشيء أعوذ عوذًا وعياذًا ومعاذًا إذا لذت به ولجأت إليه واعتصمت به، وهو عياذي، أي: ملجئي. يقول أبو الطيب:
يَا مَــنْ أَلُـــوذُ بِــهِ فِيمَــا أُؤمِّلُـــهُ ..... وَمَـنْ أَعُـــوذُ بِهِ مَمَا أُحَــــاذِرُه
لا يجْبرُ النَّاسُ عظمًا أنت كاسِرُهُ ..... ولا يهيضُونَ عظمًا أنْتَ جابرُهُ
ونسـتأنس بالمعنى في البيتين، وإن لم يكن المتنبي ممن يستشهد به في اللغة.

2) الالتصاق: يقال: أطيب اللحم عوذه، وهو ما التصق منه بالعظم.

و "أعوذ بالله" تفسر على الوجهين، فمدلول المعنى الأول: ألتجئ إلى رحمة الله وعصمته، والمعنى الثاني:ألصق نفسي بفضل الله ورحمته.

ثانيًا: المعنى الاصطلاحي:

لا يختلف معنى الاستعاذة الاصطلاحي كثيرًا عن المعنى اللساني، فهي الالتجاء إلى الله والالتصاق بجنابه من شر كل شر. والعياذة تكون لدفع الشر، واللياذة تكون لطلب الخير. والاستعاذة من الشيطان الرجيم تعني أن يتوجه المرء لله - سبحانه وتعالى - ليجنبه شر وساوس الشيطان وهمزه ولمزه.
الاستعاذة إذاً في معناها اللساني هو اللجوء ممن تخافه إلى من يعصمك منه. ومعناها الشرعي هو أن تستجير بالله دون سائر خلقه من الشيطان أن يضرك في دينك أو يصدك عن حق يلزمك لربك.

ولها وجهان: الاستجارة بذي منعة، والاستعانة عن خضوع.

وشرعاً هي: الالتجاء إلى الله، والالتصاق بجنابه من شر كل ذي شر، قال تعالى: (فَإِذَا قَرَأۡتَ ٱلۡقُرۡءَانَ فَٱسۡتَعِذۡ بِٱللَّهِ مِنَ ٱلشَّيۡطَٰنِ ٱلرَّجِيمِ ٩٨).
ولعل بركة الاستعاذة حين قالت امرأة عمران: (فَلَمَّا وَضَعَتۡهَا قَالَتۡ رَبِّ إِنِّي وَضَعۡتُهَآ أُنثَىٰ وَٱللَّهُ أَعۡلَمُ بِمَا وَضَعَتۡ وَلَيۡسَ ٱلذَّكَرُ كَٱلۡأُنثَىٰۖ وَإِنِّي سَمَّيۡتُهَا مَرۡيَمَ وَإِنِّيٓ أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ ٱلشَّيۡطَٰنِ ٱلرَّجِيمِ ٣٦) آل عمران، إذ قُبلت فكانت سبباً في جعل ابنتها مريم سيدة نساء العالمين.