دعوة إلى تفعيل قانون السلم و المصالحة الوطنية


كانت 22 فبراير 2019 موعد مع التاريخ و انطلاقة جديدة لبناء جزائر جديدة، لا أحد ينسى هذا التاريخ الذي خرجت فيه الجماهير الشعبية شبابا و شيوخا و حتى النساء و الأطفال إلى الشارع في مسيرات سلمية يطالبون بالتغيير، كان لابد من إبداء موقف حاسم، لأنه لم يكن لديهم ما يخسرونه بعدما خسروا خيرة أبناء الجزائر من الشهداء و حتى الذين راحوا ضحية العشرية السوداء و هم بعشرات الآلاف، تعلم فيها النظام درسا لا يمكن نسيانه ما جعله يحجب دباباته في مواجهة الجماهير الشعبيةو هي تخرج في مسيرات سلمية، و إن كان الحراك الشعبي في الجزائر بمثابة الإستقلال الثاني للجزائريين و تحررهم من سياسة التبعية ، فهو يعبر كذلك عن تذمر الشعب الجزائري مما يحدث من فساد و ضرورة وضع حد للظلم و احتكار المسؤوليات و السلطة بشكل عام.

و ظلم ذوي القربى أشد مضاضة
كان للحراك الشعبي سلسلة للمطالب التي رفعت في وقت من الأوقات لتحقيق السيادة الحقيقية للشعب في كنف العدالة و المساواة و الصلح مع الذات و مع الآخر، و هي القواعد التي نص عليها ميثاق السلم و المصالحة الذي تم الاستفتاء فيه في 29 سبتمبر 2005 لوضع حد للصراع الدموي بين النظام و الفيس، إلا أن هذا الميثاق على ما يبدو لم يتحقق بشكل نهائي أو لم يحقق الإرادة الشعبية التي كان الجميع ينتظرها، لأنه لم يصل إلى مستوى النضج السياسي، و هو بالتالي يحتاج إلى تفعيل، فقد ظل النظام الجزائري يمارس سياسة القمع ضد قادة الجبهة الإسلامية للإنقاذ بعد زجّ أنصاره في السجون، هكذا كان قمع السلطة للإسلاميين سجن و اعتقالات و مضايقات، لدرجة منع عائلة زعيمهم الشيخ عباسي مدني من حضور تشييع جنازته، فأيّ ظلم بعد هذا الظلم.
لعل كل من عاشوا حياة السجون ذاقوا مرارته و أدركوا قيمة الحرية التي ينعم بها الآخرون، فهل جرّب الرئيس الجزائري حياة السجن و مرارة الأسر؟ أو أن يكون بعيدا عن أسرته كي يشعر على الأقل بما يعانيه السجناء السياسيين و هم وراء القضبان الحديدية لمدة ثلاثين سنة، فغياب الحوار و ثقافة التعايش زادت من تردي الأوضاع بالنسبة للتيار الإسلامي الذي يواجه قادته صمت السلطة في الاستجابة لمطالبهم المتمثلة في إطلاق سراح السجناء و تمكينهم من العودة إلى أهاليهم، فعائلات السجناء لم تكف يوما عن المطالبة بحقوقها في ظل قانون السلم و المصالحة الوطنية ، هذا القانون الذي في حاجة إلى تفعيل، ربّما ما زاد من تعنت السلطة هو صمت الأحزاب السياسية و بخاصة الأحزاب الإسلامية التي كان عليها التفكير في طريقة لتعيد حساباتها و تعيد النظر في كل ما حدث و تنظر إلى للواقع الجزائري برؤية عقلانية موضوعية، و من ثمّ الاستثمار في المبادرة التي أطلقها الرئيس عبد المجيد تبون في إصدار قانون "لمّ الشمل الجزائري"، طبعا لا يختلف اثنان أن استمرار السلطة في تعنتها سوف يُحْسَبُ عليها و لن يكون في صالحها.
السؤال الذي يمكن أن يطرح في هذا المضمار هو كالتالي: من وراء التماطل في المصادقة على قانون لم الشمل الجزائري؟، فهذا القانون هو ربما صورة طبق الأصل لقانون السلم و المصالحة الوطنية فقديكون هناك تغيير في البنود أو تسبيق بندا عن بند آخر يكون أكثر أهمية بل له أولوية، فالقانونين يخدمان هدفا واحدا هو إعادة اللحمة الجزائرية و زرع البسمة في شفاه العائلات التي حرمت من أزواجها و أبنائها طيلة 30 سنة، قد يقول قائل أن السجناء السياسيين هم من ارتكبوا جرائم بشعة في فترة التسعينيات، ربما يكون سؤال وجيها لكن هل يعقل ان يكون 167 سجين ملطخة أيديهم بالدم؟ لا طبعا، فـ: 167 ناشط سياسي رقم غير هيّنٍ و من الظلم اعتبارهم مجرمون أو إرهابيون.
ما سرّ الانشقاق و التشرذم داخل الأحزاب الإسلامية؟
كل ما جاء ذكره لا يمكن طبعا أن يخفي الحقيقة التي وجب قولها عن سبب الانشقاق و التشرذم داخل الحركات الإسلامية ، طالما قادة هذه الأحزاب يحملون مشروعا واحدا هو الإصلاح السياسي و الاجتماعي و الإقتصادي و الثقافي و القضائي و التربوي و حتى الإصلاح الديني ، لرفع كل أشكال الفساد و المظاهر الفاسدة التي تحاول التيارات المعادية للإسلام زرعها في التربة الجزائرية المقدسة المسقية بدماء الشهداء، الأمر يقتضي بالضرورة نبذ الخلافات و فتح صفحة جديدة يبصم عليها كل الجزائريين، من أجل بناء جزائر جديدة على قاعدة إسلامية وطنية متينة، أم أن الشعارات التي رفعتها الحركات الإسلامية ( و بدون تعميم) مزيفة من أجل الوصول إلى السلطة ، و هل يمكن المتاجرة بالدين من اجل التموقع كما تفعل بعض الأحزاب الأخرى التي جعلت من الوطنية ورقة انتخابية ليس إلاّ.
من الضروري إذن إعادة النظر في الأفكار و المواقف خاصة و الجزائر تعيش سياسة الانفتاح، كيف للرئيس الجزائري أن يبادر للم الشمل العربي: ، أليس حريٌّ به أن يفرز بيته أولا؟ و يمدّ يده لذوي القربى، فلم الشمل الجزائري يعيد الارتباط بين الجزائريين و يوطد صلة رحم العائلة الوطنية الكبيرة ، إذن حان الوقت لتفعيل قانون السلم و المصالحة الوطنية، على الرئيس عبد المجيد تبون أن يجعل من لغة التسامح أداة للتواصل بين أفراد المجتمع، و ليكن التواصل تواصل جزائري جزائري حتى لا تكون القطيعة من جديد، يكون ذلك بإعطاء للفيس فرصة جديدة ، فهناك عائلات و أطفال ينتظرون عودة أبيهم، وهم أبرياء من أخطاء ارتكبها الكبار من الجانبين ( النظام و الفيس)، فالجرح لم يندمل بعد و لن يندمل طالما السلطة تصرُّ على تعنتها، لكن الدعوة هنا لا تعني الذين تلطخت أيديهم بالدم و قتلوا الأبرياء الذي، لم تكن لهم ناقة و لا جمل في كا ما حدث، الأبرياء الذين حملوا المصحف و نادوا "لا اله إلا الله محمد رسول الله ، عليها نحيا و عليها نموت وعليها نلقى الله"، هي الشهادة التي نطق بها كل المسلمون و التي تعتبر الركن الأول في الإسلام، و هذه ليست جريمة يعاقب عليها القانون، فقد حان الوقت لجعل الخط مستقيما
إن الجزائر الجريحة تستغيث بأبنائها و حكامها للالتفاف حولها و معالجة جراحها لإحداث التقارب ، يكون ذلك بعقد مؤتمر جامع يكون بمثابة قمّة جزائرية تحضرها الأحزاب السياسية و النخبة السياسية و النخبة المثقفة و الجمعيات وكل إطارات الدولة و فعاليات المجتمع المدني، قمّة جزائرية يشرف عليها "العقلاء" تصفّى فيها القلوب و يتجه الجميع نحو بناء جزائر جديدة لا يوجد فيها عداء و لا كراهية و لا صدام ، لنا مرجعيتنا التاريخية و الدينية و لسنا في حاجة إلى استيراد مرجعيات أجنبية التي تجعل من الجزائر أرض صيد ، هي تلك المرجعيات التي جاء بها 23 فبراير 2005 الذي تبناه البرلمان الفرنسي و تحاول أطراف من الداخل العمل به لخدمة أجندات أجنبية، و بالتالي تفكيك المجتمع الجزائري و محو ذاكرته و طمس هويته، فالجزائر ملكٌ لأبنائها الأحرار.
فهل ستكون 2023 سنة لمُّ الشَّمْلُ الجزائريُّ؟
ذلك هو السؤال

علجية عيش
لجنة أحباب ابن باديس لميثاق السلم و المصالحة الوطنية