د. نظام الدين إبراهيم اوغلو
باحث أكاديمي تركماني ـ تركيا
مقدمة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه وسلم وبعد .
كما نعلم أن الإسلام دين الوحدة والإجتماع ويأمر اتباعه بالإجتماع على كتاب االله وسنة رسوله صلى االله عليه وسلم، وكانوا على منهاج واحد في أصول الدين وفروعه. لقد كانت الأمة الإسلامية أمة واحدة مجتمعة في العهد النبوي وفي عهد خلفائه الراشدين، ولكن وصول الخلافات الى حد الافتراق والخصومات هذا غير ممكن في ديننا الحنيف، ولكن كوننا بشر وغير معصومين قد تحدث الاختلافات كما حدث في عهد الانبياء السابقة، وقد تكون كل هذه الخلافات او الاختلافات ابتلاء كبير للمسلمين. علمًا أنه هناك اختلافات في الإجتهادات الفقهية في الامور الفرعية والحديثة في الرخص وتسهيل الامور الفقهية قد جوزها الفقهاء ويقول القاعدة الفقهية (اختلاف امتي رحمة). وهذا ليس في صدد موضوعنا وهنا نقصد الاختلافات السياسية، وسنشرح هنا كيفية ظهور الاختلافات وظهرر النظريات المخالفة لكتاب االله تعالى وسنة نبيه الاكرم عليه الصلاة والسلام وإجماع الصحابة. لقد تمكنت الأعداء من زرع الفتن فظهرت النزاعات والاختلافات السّياسية وأول افتراق أو فتنة وقعت بين المسلمين بعد وفاة نبينا الاكرم محمد عليه الصلاة والسلام، وعند تولي الخلافة أبو بكر رضي الله عنه ظهر المرتدون في معظم قبائل الجزيرة العربية ومن زعماءهم طليحة الأسدي وأسود العنس ومسليمة الكذاب وإدعوا بالنبوة، في حين حافظت قريش وثقيف وأهل المدينة على ولائهم للإسلام وخليفة المسلمين. وقام الخليفة أبو بكر رضي الله عنه بقتالهم وقضى عليهم، والفتنة الأخرى التي حدثت مؤامرة أبي لؤلؤة المجوسي وقيامه باستشهاد عمر بن الخطاب (رض)، ثم مؤامرة عبد الله بن سبأ وتحريكه القبائل على مقتل عثمان رضي االله عنه. وبشكل بارز ظهرت الخلافات في العصر الأموي ومن أكبر التغيرات التي حدثت وهي تحويل الخلافة من الشورى إلى الوراثة، وظهرت معها البدع فظهرت ثلاث فرق مذهبية شيعة علي وشيعة معاوية والخوارج، والخوارج أقدم حركات المعارضة السياسيّة التي استغل الدين للسياسية، والخوراج لا يعترفون لا بشيعة علي ولا بشيعة معاوية. وبسبب توسع نار الفتن هذه وانتشارها إلى بقية الدّول الإسلامية ظهرت فرق مذهبية جديدة وعديدة وخاصة في عهد الدّولة العباسية والتي ظهرت معها في الدّولة السلجوقية الإسلامية، فاتّخذت ألوانًا جديدة من هذه الفرق لم تشهد مثلها في أيام النبي محمد ﷺ ولا في عهد الخلفاء الراشدين فظهرت المذاهب الفقهية والمدارس والطّرق الصوفية والفرق العقائدية وذلك بسبب دخول الكثير من أقوام الدّيانات إلى الإسلام بعد الفتوحات كاليهود والنصارى والمجوس والدّهريون وغيرها، فأخذت تظهر أفكار جديدة صيغت من أصحاب الدّيانات القديمة، البستها بثوب جديد.
لقد إدعى بعض العلماء كل جديد أنها بدعة، ومعنى البدعة هي العبادة المحدثة، التي ما جاء بها الشرع، فقال النبي ﷺ في موضوع البدعة (إن أصدق الحديث كتاب الله ، وأحسن الهدي هدي محمد ، وشر الأمور محدثاتها ، وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار). ويقول ﷺ (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد)، فالبدعة ما أحدثه الناس في الدين، من العبادات التي لا أساس لها، يقال لها بدعة، وأكثرها منكرة وممنوعة. لقد قسم بعض الناس البدعة إلى واجبة ومحرمة ومكروه ومستحبة ومباحة، لقد أختلفت الأراء قسم من الفقهاء ردوها ولم يقبلوها، والقسم الأخر قبلوا بها، بسبب متطلبات الحياة في تطوير العلوم من أجل الرد على فلاسفة الغرب وأعداء الله بنفس الطريقة التي يدافعون عن أفكارهم وعقائدهم الضالة.
علمًا أنني مع هذا الرأي الثاني وأنا أقول لضرورة دينية وواقع الظروف السياسية والاجتماعية والتي تخص ذلك الزمن والمكان لابد من الدفاع عن انفسنا بنفس إسلوب الأعداء، فعندما ظهرت في الغرب أفكار فلاسفة وأفكار الملاحدة دارسين العلوم الطبيعية واصبحت قدرتهم على التحليل المعمق فاتجهوا لدراسة الفلسفة، والرد على كل سؤال غيبي بالعقل والمنطق وبالبراهين وبالعلوم الطبيعية والرياضيات. وفي بداية الحداثة ظهر فلاسفة الأخلاق (سقراط وأفلاطون وأرسطو) الذين أثاروا الأسئلة عن ذات الله تعالى والإنسان والروح والحياة والموت والفضيلة والدولة. واصبحت الرياضيات هي السائدة على الفلاسفة خاصة في القرن ال ـ17 وأنجبت للعالم ديكارت وهوبز وسبينوزا وبسكال ولهم تأثير واضح في الرياضيات، ثم أخذ علم النفس يسطر الفلسفة في آراء بركلي وهيوم وكانط، وأخيرا جاءت الأحياء (خاصة بعد نظرية دارون للتطور) لتمثل في القرن ال ـ19 عمود الآراء الفلسفية الفقري في آراء شوبنهور وسبنسر ونيتشه. وأفكار هؤلاء الفلاسفة كانت خارجة عن نطاق الدين الاسلامي والرد عليهم فلابد ان يكون بنفس الاسلوب والطريقة. ولولا كبار فلاسفة وعلماء ومفكري المسلمين منهم (الإمام الغزالي ـ ابن سينا ـ الفارابي ـ ابن رشد ـ ابن باجة ـ ابن طفيل ـ إخوان الصفا ـ الإسماعيل الرازي ـ محمد بدر الدين الحلبي ـ محمد عبدة ـ الكندي ـ أبو علاء المعري ـ ابن خلدون) لتأثر المسلمون كثيرًا بهذه الموجة الإلحادية وأضطربت مسار مجتماعتنا، كما نرى اليوم بزوال هؤلاء العلماء والفلاسفة كيف أننا تحولنا ألة ميكانيكية يقودنا هؤلاء الملاحدة بعد تركنا ديننا وتفرقنا وقتلنا خلفاءنا وعلماءنا الأجلاء.
ويمكن أن نضيف هناأنه قد يكون بظهور هذه البدع قد تحقق معجزة الرسول ﷺ فظهرت (73) فرقة ومذهبًا كما جاء ذكرها في حديث الرسول ﷺ، وهؤلاء الفرق (20) فرقة من الروافض، و(20) فرقة من الخوارج، و(20) فرقة من القدرية المعتزلة، و(7) من المرجئة، والباقي من النجارية والبكرية وضرارية وجهمية والكرّامية وأخيرًا الفرقة النّاجية، ولقد ادّعى أهل السّنة والجماعة (أهل الرأي والحديث) أنهم يحملون راية هذه الفرقة. وكذلك الشّيعة الاثنا عشرية يدّعون بنفس الأدعاء.
وهناك بدع أخرى كثيرة ظهرت في عصرنا الحاضر، منها تأسيس الأحزاب السياسية الاسلامية والبنوك اللاربوية والمدارس العلمانية بدلا من المدارس الاسلامية القديمة. نحن لسنا ضد الأحزاب الأسلامية الحالية التي تشكلت بسياسة الدول الكبرى الطاغية، وإنما نقول ليتها لم تشكل اي حزب بل لو بقي حزبًا إلهيًا واحدًا وأمة إسلامية واحدة لكانت افضل وأفيد للمسلمين.
أما عن أسباب ظهور الإختلافات فيقول الدكتور العقل: "فإن أسباب الافتراق والاختلاف في الدين منها لاسباب خارجية كتأثير الأمم من الفرس والروم والهند واليونان ونحوهم، والديانات كاليهودية والنصرانية والصابئة والمجوسية، والديانات الهندية والفلاسفة المشركين. ومنها لأسباب داخلية، منها العصبيات العرقية والقبلية والشعوبية والاختلافات المذمومة والهوى واتباع الشبهات والشهوات، والإعراض عن دين االله وشرعه، والجهل والغلو والعجمة والتنافس في الدنيا، والتشبه بغير المسلمين وغير الصالحين، والخصومات الجدل والمراء في الدين، والفتن والمكابرة والنفاق الزندقة والتأويل ونحو ذلك / أنظر الدكتور العقل- دراسات في الاهواء الفرق البدع- مصدر سابق جـ1 ـ ص291 138.
وكذلك يمكن القول أن أساس ظهور هذه الخلافات والنظريات بعد الرسول عليه الصلاة والسلام، والخلفاء الراشدون بشكل عام كانت لاسباب سياسية أو إجتماعية او عقيدية او ايمانية او من اجل المصالح والمنافع والشهوات (أهمها شهوة المنصب والسلطة والمال وإلخ)، عدا الجهل بالدين والابتداع بالدين والتعصب الاعمى عدا التأثيرات الخارجية والداخليه وقلة الفتوحات كما ذكرنا أعلاه.
وكذلك يمكن أن نقول كذلك أن سبب انتشار هذه الجماعات هو توقف الفتوحات، وتركهم الجهاد الآكبر الا وهو جهاد النفس فانشغلوا بهوى النفس من دون إلزام النفس وإجبارها على ما أمر الله تعالى به، والاجتناب والابتعاد عمّا نهى عنه، والتي وصاهم به رسولنا الأكرم عليه الصلاة والسلام، وخاصة في أواخر الخلافة العثمانية وتقاعس اكثر السلاطين والقادة العسكريين والدعاة والمشايخ العلماء وعدم اتخاذ الحيطة والحذر.

ظهور العقائد الاسلامية المختلفة

يقصد بالعقيدة لغة: الربط والعقد والإحكام والتوثق، ولذلك فكل ما عقد الإِنسانُ عليه قلبه جازمًا به ـ سواءٌ أكان حقًّا أَم باطلاً ـ فهو عقيدة. والعقيدة: هي الحكم الذي لا يُقبَل الشكُّ فيه لدى معتقدِه، فهي أمور وقضايا لا تقبَل الجدال ولا المناقشة، لكونها من الثوابت والمسلَّمات.
والعقيدة اصطلاحاً: تتناول موضوع الإِيمان الجازم بربوبية الله تعالى وأُلوهيته وأَسمائه وصفاته، وتتناول عن ملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخِر، وبالقدر خيره وشرِّه، وسائر ما ثَبَتَ من أُمور الغيب، ، وأُصول الدين وقطعيات الدِّين من الأمور العملية: كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والحب في الله والبغض في الله والجهاد وحب الصحابة. وما أَجمع عليه السلف الصالح، والتسليم التام لله تعالى في الأَمر، والحكم، والطاعة، والاتباع لرسوله صلى الله عليه وسلم.
ويمكن أن نقول: أن العقيدة عبارة عن مجموعة الأحكام الشرعية التي يجب على المسلم أن يؤمن بها إيمانًا جازمًا، وتكون عنده يقينًا لا يَشُوبهُ شكٌّ، ولا يُخالِطهُ ريب، فإن كان فيها ريب أو شكٌّ، كانت ظنًّا لا عقيدة. وكذلك يبحث عن مواضيع الهداية والضّلال والتّوكل والرّزق، والأجل، والتوسل والوسيلة، والشّفاعة، ورؤية الله تعالى.

ومن العقائد المشهورة في الإسلام

هي الأشعرية، والماتريدية، والمعتزلة، والطّحاوية، والنسفية، والعدّية، والجبرية، والمرجئة، والجهمية، والخوارج، والقدرية، والسلفية، والشيعية والزيدية وإلخ. والمصادر عند الكل كتاب الله وسنة رسوله. ولا يجوزون العقل في الإثبات ويجوزون الاستفادة من ثقافة العصر وخصوصًا في ميادين علوم الفلك والطّب والفيزياء ونحو ذلك من أجل تأييد قضايا العقائد وتثبيتها.
وهناك من العلماء يدعون أن المذاهب الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة وأمثالهم لا يشكلون اختلافًا ومشاكل عند أهل السنة، وإنما يرون الاختلافات والمشاكل عند أهل البدع والضلال في الاعتقاد والمنهج كالأشعرية والمعتزلة والمرجئة والصوفية وأشباههم.
ونحن نرى أن أتباع أكثر تلك المذاهب والمدارس من الشافعية والمالكية مع عقيدة الأشعرية، وكذلك الكثير من الحنفية مع عقيدة الماتريدية.
كما ذكرت وأقول لايمكن أن نقول على كل تقدم وتطور علمي وتكنولوجي وثقافي تخدم الاسلام والمسلمين أنها بدعة مادمت لم يتم تخرج عن دائرة الاسلام، والتغييرات ضرورة دينية وواقع سياسي واجتماعي التي تخص ذلك الزمن والمكان.

العقائد المشهورة في الإسلام

1ـ عقيدة المعتزلة:
المعتزلة فرقة إسلامية ظهر في عهد الصحابة، مؤسس هذا المذهب هو واصل بن عطاء وتابعه عمرو بن عبيد في أوائل القرن الثاني الهجري، وهما كانا في مجلس الحسن البصري ولكنهم اعتزلوه لذلك سُمُوا بالمعتزلة. ومن اعتقاداتهم أنهم نفوا أن يكون الله تعالى خالقًا للشر، ويزعمون أن القرآن الكريم مخلوق وإن كان وحيًّا، وقالوا بإحداث صفات الفعل الإلهية أي مخلوقة وأنكروا أولية صفاته، وهم من المتشددين مع عصاة المؤمنين عكس المرجئة، ولا يؤمنون بأن الله تعالى يعفو عمن توعدهم من العصاة لأنه لا يخلف الميعاد، وعقيدتهم مبنية على أصول خمسة وهي التوحيد، العدل، الوعد والوعيد، المنزلة بين المنزلتين، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. ويقولون أيضًا أنّ الله تعالى ليس خالقًا لأفعال العباد الاختيارية، بل الإنسان يخلق أفعاله بقدرته دون حاجة إلى معونة إلهية. وكذلك أعطوا للعقل مكانة كبيرة حتى جعلوا في ميدان الكلام منزلة تعلو على منزلة الدّليل السّمعي، وقالوا في حرية الإنسان ومسؤوليته عن أعماله وأباحوا حرية التفكير. وكذلك رأوا أنّ ما تضمنه القرآن لا يخرج عن واحد من ثلاثةٍ: أمرٌ ونهيٌ وخبرٌ وذلك بنفي صفة القدم. أما في موضوع الموت فيدّعون {أنّ المقتول لم يمت بأجله بل انقطع عمره }. وفي الأرزاق يدّعون {أنّ الإنسان قد يأكل رزق غيره}. لقد اتّبعهم الدّولة العباسية وركزوا على الفلسفة اليونانية وأنها محاولة لإخراج الإسلام عن جوهره. ومذهب القدرية يماثل مذهب المعتزلة.

2ـ عقيدة الاشعرية: نسبة إلى إمامها ومؤسسها أبي الحسن الأشعري، والأشاعرة هم جماعة من أهل السنة، لا يخالفون إجماع الأئمة الأربعة (أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد )ولا يكفرون أحداً من أهل القبلة، ويعتبر أتباعها أنفسهم منهجاً بين دعاة العقل المطلق وبين الجامدين عند حدود النص وظاهره، رغم أنهم قدموا النص على العقل، إلا أنهم جعلوا العقل مدخلاً في فهم النص، كما أشارت إليه الآيات الكثيرة التي حثت على التفكير والتدبر.[5] وهم الذين وقفوا في وجه المعتزلة، فزيفوا أقوالهم، وأبطلوا شبههم، وأعادوا الحق إلى نصابه على طريق سلف الأمة ومنهجهم. وأنهم يُثبِتون لله عزّ وَجَلّ سبع صِفات، ويقولون بتأويل بقية الصفات، فيُثبِتون لله عزّ وَجَلّ (الحياة والعلم والقدرة والإرادة والسمع والبصر والكلام)، ومصدر التلقي عند الأشاعرة : الكتاب والسنة على مقتضى قواعد علم الكلام؛ وأن الذي حمل الأشاعرة والماتريدية في تأويل الأسماء والصفات هو التنزيه، وهذا لا يخرجهم عن دائرة أهل السنة والجماعة خاصة وأن معظم فقهاء الإسلام في الفقه والحديث والتفسير والعقيدة أغلبهم من الأشاعرة والماتريدية، وطريقتهم هي الوسط بين الغلو والتطرف والتساهل.
3ـ عقيدة الماتُريدية: تُنسب إلى أبي منصور الماتُريدي لقد قاموا على استخدام البراهين والدلائل العقلية والكلامية في محاجَّة خصومها من المعتزلة والجهمية والملاحدة وغيرهم لإثبات حقائق الدين والعقيدة الإسلامية. نشأت الماتريدية في ظل الصراع الكلامي الذي نشأ في بغداد عاصمة الخلافة العباسية وفي ظل تشعب الآراء والمذاهب فيها، واحتدام الجدل بين رؤساء المذاهب الذي امتد إلى بقية بقاع العالم الإسلامي ومنها سمرقند، فأدى إلى ولادة العقيدة الماتريدية.
وتقوم عقيدة الماتريدية في توحيد الربوبية على إثبات وجود الله وإثبات وحدانيته في ربوبيته. ويعتقدون أن الله لا يُعرف إلا من طريق العالم، والأصل أن الله إذ لا سبيل إلى العلم به إلا من طريق دلالة العالم عليه، بانقطاع وجوه الوصول إلى معرفته من طريق الحواس عليه أو شهادة السمع.
قسّم الماتُريدية أصول الدين حسب التلقي إلى:
ـ الإلهيات [العقليات] : وهي ما يستقل العقل بإثباتها والنقل تابع له، وتشمل أبواب التوحيد والصفات.
ـ الشرعيات [السمعيات] : وهي الأمور التي يجزم العقل بإمكانها، لكن لا طريق للعقل إلى الحكم بثبوتها، أو امتناعها؛ مثل: النبوات، وعذاب القبر، وأمور الآخرة، علما بأن بعضهم جعل النبوات من قبيل العقليات. ولا يخفي ما في هذا من مخالفة لمنهج أهل السنة والجماعة؛ حيث إن القرآن والسنة وإجماع الصحابة: هي مصادر التلقي عندهم، وسواء في ذلك عامة مسائل الدين فضلاُ عن مخالفتهم في بدعة.
ـ تحدث الماتريدية، شأن غيرهم من الفرق الكلامية: المعتزلة والأشعرية، عن وجوب معرفة الله تعالى بالعقل قبل ورود السمع، واعتبروه أول واجب على المكلف، ولا يعذر بتركه ذلك، بل يعاقب عليه، ولو قبل بعثة الأنبياء والرسل، وبهذا وافقوا قول المعتزلة .وهو قول ظاهر البطلان، تعارضه الأدلة من الكتاب والسنة التي تبين أن الثواب والعقاب إنما يكون بعد ورود الشرع، كما قال الله تعالى: ( وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا ) الإسراء/15 .هذا مع أن الصواب في أول واجب على العباد: إنما هو توحيده سبحانه وتعالى، والدخول في دينه، لا أصل المعرفة التي ركزها الله في فطر عامة خلقه .

عقيدة القدرية: والقدرية هم أولئك الذين يعتقدون أن الإنسان صانع أفعاله وخالقها خيرها وشرها ولا دخل لقدرة الله فيها. وأول من تكلم في القدر في العالم الإسلامي نصراني من أهل العراق أسلم ثم تنصر.

عقيدة الجبرية: وكرد فعل للقدرية برزت عقيدة تقول: إن أفعال الإنسان خيرها وشرها من الله وأن نسبتها إلى العبد إنما هي على سبيل المجاز كقولنا جرى النهر وإنما الذي أجراه حقيقة هو الله، فالإنسان في زعمهم كالريشة في مهب الريح (ولهذا قيل إن الجبرية والقدرية متقابلتان تقابل التضاد).

عقيدة الخوارج

الخوارج اسم أطلقه مخالفو فرقة قديمة محسوبة على الإسلام كانوا يسمون أنفسهم بـ"اهل الأيمان"، وأنهم يدينون بالخروج على الحُكام المسلمين لأدنى مخالفة شرعية؛ لاعتقادهم في كفرهم ويثورون عليهم، ولا يعترف الخوارج بشرعية الخلافة إلا لأبي بكر وعمر وست سنوات من خلافة عثمان بن عفان، أي أنهم لا يعترفون بشرعية خلافة عليّ بن أبي طالب ولا بشرعية خلافة بني أمية. واشتهرت فرقة الخوارج بالخروج على علي بن أبي طالب بعد معركة صفين سنة 657م ؛ لرفضهم التحكيم بعد أن عرضوه عليهم. وقد عرف الخوارج على مدى تاريخهم بالمغالاة في الدين وبالتكفير والتطرف. وأهم عقائدهم: تكفير أصحاب الكبائر، ويقولون بخلودهم في النار، وكفروا عثمان وعلي وطلحة والزبير وعائشة، ويقولون ويحرضون بالخروج على الحكام الظالمين والفاسقين، وهم فرق شتى. ويلقب الخوارج بالحرورية والنواصب والمارقة والشراة والبغاة والمُحَكِّمة، والسبب الذي من أجله سموا خوارج لأنهم خرجوا على الإمام علي بن أبي طالب ولم يرجعوا معه إلى الكوفة واعتزلوا صفوفه ونزلوا بحروراء (نسبة إلى بلدة حروراء في الكوفة)
وقد أباحوا قتل من لا يأخذ برأيهم، وأجمع الخوارج على نفي مغايرة صفات الله لذاته أو زيادتها عن الذات، وانطلاقًا من هذا الموقف قالوا "بخلق القرآن"؛ وهي فتنة كبيرة حدثت في الدولة العباسية.
انقسم الخوارج في بعض المسائل والفروع، إلى فرق كثيرة، وإن ظلت مجتمعة على أصولها الفكرية إلا أن أبرز وأشهر تلك الفرق هما "الأزارقة" و"الإباضية".
وقد خاض الخوارج عدة معارك، هزموا في غالبيتها، كان أبرزها: "معركة النهروان" عام (658م) بقيادة أول أمرائهم عبدالله بن وهب الراسبي، ومعركة الد سكرة "بخراسان" (658م) تحت قيادة أشرس بن عوف الشيباني، وفي العام نفسه هُزموا في معركة "ماسبذان" بفارس، بقيادة هلال بن علفة، وغيرها من المعارك، ولما أيقن الخوارج هزيمتهم دبروا لاغتيال علي بن أبي طالب وعمرو بن العاص، ومعاوية بن أبي سفيان، وقُتل علي بن أبي طالب على يد عبدالرحمن بن ملجم، ثم تنازل الحسن بن علي عن الخلافة لمعاوية.

عقيدة القرامطة

يعتقد أهل السنة والجماعة أن القرامطة هي حركة باطنية هدّامة، وأن مؤسس القرامطة تنتسب إلى شخص اسمه حمدان بن الأشعث ويلقب بقرمط لقصر قامته وساقيه وهو من عربستان في الأحواز ثم رحل إلى الكوفة، وقد اعتمدت هذه الحركة التنظيم السري العسكري، وكان ظاهرها التشيع لآل البيت والانتساب إلى محمد بن إسماعيل بن جعفر الصادق. وهناك فرق قرامطة انشأت في كافة الدول العربية تقريبًا.
منهم قرامطة البحرين عام 286 هـ، وكان على رأسهم أبو سعيد الجنابي القرمطي ويقال أنّه كان يعمل كيّالاً في البصرة، ويعود أصله إلى الأهواز،
وقرامطة الشام يعتبر مؤسّس القرامطة في بلاد الشام زكرويه بن مهرويه.
وقرامطة الكوفة لقد بدأت هذه الدّعوة على يد عبد الله بن ميمون القدّاح، في الكوفة سنة "276هـ"، وقد عرف بمكره وكفره ومجونه، وفلسفته وعدائه للإسلام، فقد فسّر القرآن تفسيرًا متماشيًا مع نياته الباطنة، وفسّر حديث النبي محمّد صلّى الله عليه وسلّم بما يتماشى مع أهوائه كذلك، وقد جعل شعار دعوته التي خاضها "الدعوة إلى الله ورسوله"، وأقرّ بالاختصاص لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه بالإمامة والتّقديم، وخصّ الصّحابة بالشتم والسب، وقد كان عبد الله هذا يهودي الباطن مسلم الظّاهر، فهو من اليهود من ولد الشلعلع من مدينةٍ السّلمية في الشام. كان حَبرًا من أحبار اليهود عُرف بسعة علمه، وهو مبغض للإسلام وللمسلمين وللنبي محمّد صلّى الله عليه وسلّم، لذا كانت محاولاته كثيرة لهدم الإسلام، ولم يجد طريقةً أفضل من الدّعوة إلى أهل بيت الرسول محمّد عليه الصلاة والسلام، وقد ظهر في أيام قرمط البقار، لذا سمّي مذهبه ومن اتّبعه باسمه نسبةً إليه، كان والد عبيد الله ميمون القدّاح قد انتقل إلى الكوفة، فولد له ابنه "عبيد الله" وأقاما هناك مدة طويلةً، إلى أن تهيَّأ لهما ما أرادا.
قصة سرقة القرامطة للحجر الأسود: في عام "317هـ" أغار القرامطة بقيادة زعيمهم وملك البحرين هو سليمان بن الحسن بن بهرام الجنابي الهجري، أبو طاهر القرمطي، نسبته إلى «جنابة» من بلاد فارس. أغار على بيت الله الحرام يوم التروية، والحجاج كانوا محرمين، فقتلوا الحُجَّاج وأهل بيت الله الحرام وشنّعوا بهم وسرقوا أموالهم، ثمّ انتزعوا الحجر الأسود من مكانه وسرقوه، وحاولوا كذلك سرقة مقام إبراهيم عليه السلام لولا أنّ القائمين عليه حالوا دون حصول ذلك الأمر، ثمّ أخذوا الحجر الأسود إلى هجر في الأحساء، وبعد ذلك دعا أبو طاهر القرمطي إلى الحج إلى الأحساء، وبقي الحجر عندهم مدّة اثنين وعشرين عامًا. قتل القرامطة كل من كان بالبيت الحرام حتى قدرت أعداد من قتل بثلاثين ألفا، وقيل أكثر من ذلك، ورمى القرامطة جثث القتلى في بئر زمزم حتى امتلأت .كما سلب القرامطة البيت، فاقتلعوا باب الكعبة، وكان مصفحا بالذهب، وأخذوا جميع ما كان في البيت من المحاريب الفضة، والجزع وغيره، ومعاليق، وما يزين به البيت من مناطق ذهب وفضة . وقلعوا الحجر الأسود، وصعد القرمطي على عتبة الكعبة وأخذ يصيح: (أنا بالله وبالله أنا.. يخلق الخلق وأفنيهم أنا).
وأمر أصحابه بنهب الحجيج، فجمع شيئا عظيما من الذهب والفضة والجوهر والطيب. وقد ذكر المسعودي أن القرامطة بقوا في مكة ثمانية أيام يدخلونها غدوة ويخرجون منها عشيا، يقتلون وينهبون، حتى رحلوا عنها
وحملوا الحجر الأسود معهم إلى ديارهم في بلده هجر في البحرين والمنطقة الشرقية وقيل منطقة الجش وتحديدا إلى القطيف، وبدأ أبو طاهر الجنابي في الإعداد لبناء كعبة، وابتلي عدو الله أبو طاهر الخبيث بالآكلة فصار يتناثر لحمه بالدود، وتقطعت أوصاله وطال عذابه حتى مات.
وفرض القرامطة نفوذهم على كل من الكوفة والبصرة وواسط وأجزاء من بلاد فارس والبحرين والإحساء والقطيف وهجر، ونالوا تشنيعا كبيرا في التاريخ، حيث اجتمع على رميهم بالكفر والابتداع كل من المؤرخين الشيعة والسنة، ونتيجة ذلك دخلوا في معارك عنيفة مع الدولة العباسية والدولة الفاطمية.

عقيدة السلف

أن أهل السلف لا يعترفون بكافة العقائد التي ظهرت بعد الرسول الأكرم عليه الصلاة والسلام، ويقولون أن عقيدة السلف التي يعتقدونها في قرارة أنفسهم وقد عقدوا العزم على العمل بها هي جملة ما أخذوه عن كتاب الله وسنة نبيه وهو الاعتقاد الصحيح والواقع الحق الذي لا يزيغ عنه إلا هالك بخلاف عقائد غيرهم الذين خلطوا بعلم الكلام وآراء الفلاسفة فجاءت نتاجاً مشوهاً خصوصاً في ما يتعلق بأسماء الله وصفاته وبعضهم لم يقف عند هذا الحد بل تعدى هذا الخطأ إلى أخطاء أخرى تتعلق بالنبوات وبالسمعيات بسبب تأثرهم بالأفكار المنحرفة فإذا بعقائدهم تقوم على خليط من الآراء والأفكار المنحرفة بأدلة متنوعة إما من القرآن الكريم الذي حرفوا معانيه وأولوها لتوافق أهواءهم أو من السنة النبوية التي لا يميزون في قبولها بين الصحيح والضعيف والمكذوب وغيره سواء أكان بسند أم بغير سند ولا يهمهم من الراوي إلا أن يكون على وفق معتقدهم أو من المكاشفات التي يزعمون أن الله يخاطبهم بها أو من الأحلام المنامية أو من التقائهم برسول الله صلى الله عليه وسلم يقظة لا مناماً كما يدعون كذباً وزوراً أو من العلم اللدني الذي يقذفه الله في قلوبهم كما يدعون أو من الخرافات والأساطير التي لا تصلح إلا في سمر العجائز بالليل.


مواضيع علم العقائد وبعض المسائل المهمة

1ـ موضوع الأرزاق:
قال أهل السنة (والأشعرية بنفس الرأي): ما يأكله الإنسان فهو رزقه، حلالاً أو حرامًا.
وقالت المعتزلة: الحرام ليس برزق، وهذا الاختلاف بناءً على أن اسم الرزق عندنا يُطلق على ما يتغذى به الحيّ عادة. وعندهم على المُلك خاصة. وهو فاسد. لأنه يؤدي إلى الخُلف في وعد الله تعالى في إيفاء الرزق. بقوله تعالى (وما من دابة في الأرض إلاّ على الله رزقها) هود، 6. والدواب لا يتصور لها المُلك. وربما يأكل الإنسان في عمره الحرام وليس يصحّ أن يقال: أنه لم يأكل رزق الله تعالى.
فإن قيل: إذا كان الحرام رزق الله تعالى فلمَ يعاقب على أكله؟
قلنا: بناءً على مباشرة سببه وقصده واختياره ذلك. فإن الله تعالى وعد بالرزق مطلقًا وأمر العبد/ بطلبه على وجه حلال بقوله تعالى: (كلوا مما في الأرض حلالاً طيبًا) البقرة، 168. فإذا طلبه بحرصه وهواه من غير وجه حلال يعطيه الله إياه بذلك الوجه، ولكن يعاقبه على سوء اختياره ومخالفة أمره، كما قلنا في الولادات: إنّ الموت في المقتول بخلق الله تعالى، ولكن يعاقب القاتل على مباشرة السبب وقصده ذلك./ أنظر لبداية في أصول الدين، انور الدين الصابوني، حققه وعلق عليه بكر طوبال أوغلى، ص 76.

2ـ موضوع الآجال:
قال أهل السنة (والأشعرية بنفس الرأي): المقتول ميت بأجله، لا أجل له سوى ذلك. والقتل فعل القاتل قائم به، والموت قائم بالميت بخلق الله تعالى فيه عقيب فعل القاتل، أي إذا انتهى رزقه جاء أجله.
وقالت المعتزلة: المقتول مقطوع عليه أجله، لولا القتل لعاش إلى أجله. وقال الكعبي: له أجلان: القتل أو الموت، وعنده المقتول ليس بميت.
وعلماء الطبّ يفكرون مثل المعتزلة ويقولون أن عمر الإنسان العادي هو 103 سنة تقريبًا، وقال الأخرون غير هذا الرقم، ويدّعون أنه لولا سلبيات الحياة من كسل وقلقل وحزن وعدم الاهتمام بوجبات ونوعية الطعام والإرهاق الجسمي وشرب المسكرات والسجائر وزيادة تلوث الماء والهواء وعدم ممارسة الألعاب الرّياضيّة وعدم أخذ الأدويّة عند المرض ونحو ذلك، ممّا يؤدّي إلى النّقص في الأعمار ويؤدّي إلى الوفاة المبكر. وحتى في تقاريرهم الطبية يثبتون أن للمناخ دور فعال في إطالة العمر ففي البلدان الحارة تكثر الميكروبات فيقل العمر أما في الدول الباردة فعكس ذلك. وهناك تقارير أيضًا يقال أن عمر الفرد في الدولة الأوروبية قد وصل إلى مابين 90 و 100 سنة بعد أن كانت ما بين 70 و80 سنة، بسبب زيادة نسبة الرفاهية والوعي الاقتصادي والعلمي والتكنولوجي والصحي والاجتماعي ونحو ذلك.
ونحن نجد في نصوص الأحاديث أنّ متوسط أعمار المسلمين ما بين السّتين والسّبعين فقال الرسول ﷺ (أعمار أمتي ما بين الستين والسبعين، وأقلهم من يجوز ذلك.) رواه الترمذي وحسنه الألباني. ومعنى الحديث أن أغلب أعمار هذه الأمة تتراوح بين ستين سنة إلى سبعين، ومنهم من يزيد على ذلك وهو قليل. وقيل: إن العمر المحمود المتوسط المعتدل هو ما بين الستين والسبعين، وهو حال أعمار أصفياء هذه الأمة؛ منهم النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر رضي الله عنهما.
ونجد أيضًا في الأحاديث عن زيادة أعمار الإنسان بالدّعاء والبرّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لا يزِيد فِي العُمر إِلاّ البِرُّ ولا يرُدُّ القدَرَ إِلاّ الدُّعاءُ وَإِنَّ الرجُل ليحرمُ الرِّزق بِخَطيئَةٍ يعمَلها) رواه ابن ماجة.. ويمكن زيادة العمر عند صلة الرّحم وزيارة الأقارب. فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ (مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ أَوْ يُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ ) رواه البخاري. ومعنى (زيادة العمر بالبر والدّعاء) و(يُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ): قيل: المعنى: حُصُولُ الْقُوَّةِ فِي الْجَسَدِ. وقيل: بِالْبَرَكَةِ فِي عُمْره، وقيل بزيادة العمر. الله أعلم الرأي الأول والثّاني هما الأصح وهو يؤيد قول الله تعالى (وما يُعمّر ولا يُنقصُ من عُمره إلاّ في كتابٍ) فاطر، 11.

3ـ موضوع الهُدى والإضلال:
مذهب أهل السنة: يقول أن الهدى من الله تعالى خلق الاهتداء في العبد، و خلق الضلالة فيه.
وقال المعتزلة: الهدى من الله تعالى بيان طريق الصواب، والإضلال تسمية العبد ضالاً، أو الحكم عليه بالضلال عند خلق العبد الضلال في نفسه. هنا الصحيح قول أهل السنة، لقوله تعالى (إنك لا تهدي من أحببت) القصص،56 ولو كان الهدى بيان طريق الحق لمّا صحّ النفي عن النبي عليه السلام، لأنه بيّن الهدى لمن أحب وأبغض. وكذا قوله تعالى: (يُضلّ من يشاء ويهدي من يشاء) فاطر 8، ولو كان الهدى بيان طريق الصواب لم تتحقق القسمة، لأن بيانه عام في حق الكل. وكذا الضلال لو كان تسمية العبد ضالاً لتقيّد ذلك بمشيئة العبد، لا بمشيئة الله تعالى، لأن ذلك يعتمد على قصد العبد واختياره ذلك. إلاّ أنّ الهداية تُضاف إلى النبي عليه السلام بطريق التنسيب ودعوته، كما قال جلّ جلاله: (وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم) الشورى 53،، ويكون المراد هو البيان والدّعوة. ويضاف إلى القرآن أيضًا. كما قال تعالى (إنّ هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم) الإسراء 9، لكونه سببًا للاهتداء، وكذا الإضلال كما أضيف إلى الله تعالى من حيث خلق الضّلالة في العبد عند اختياره ذلك، أضيف إلى الشيطان أيضًا بطريق التسبيب والدعوة، كما قال الله تعالى (ولأُضلينهم ولأُمنينهم) النساء 119، وكذا أضيف إلى الأصنام لكونها سببًا للضلالة، كما قال الله سبحانه وتعالى خبرًا عن الخليل عليه السلام: (ربّ إنهنّ أضللن كثيرًا من الناس) إبراهيم 36، والفعل الواحد لا يضاف إلى الله تعالى وإلى غيره بجهة واحدةٍ (البداية في أصول الدين).
وأريد أن أُضيف هنا أن معرفة الله تعالى عن شرك وضلالة الناس، أو معرفة ظلمهم وسوء أخلاقهم، هي معرفة مطلقة ولا يتدخل فيها، لأنه الله أعطاهم العقل و وهداهم النجدين طريق الحق وطريق الضلالة فهم أحرار في تحقيق ما يختارونه. أما قوله تعالى (ولو شاء الله لهداهم أجمعين) النحل، 9. فالجواب من الآيات أيضاً مثل ( إنّ هَٰذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ) الاسراء، 9 . (ومن يتق الله يجعل له مخرجًا) الطلاق، 2. (ومن يتق الله يجعل له من أمره يسرًا) الطلاق، 4. فلو وجد الله في الانسان نية خالصة وسعيًا وإرادة نحو الهداية وفعل الخير سهل الله امره إما عن طريق أنه يرسل له أحد الصالحين لتسهيل أمره أو أنه يشرح صدره نحو الهداية وعمل الخيرات. ولكنه لا يتدخل في أمور الفاسقين الكافرين والمشركين، بل هم يحاسبون على الأفعال التي تأمرهم بها عقولهم وما توسوس الشياطين في صدروهم . فالله مع الانسان الذي يطلب الهداية والعفو والمغفرة وعمل الخير وحتى يزيد ثوابه وبركته أضعفافًا فقال تعالى (مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَن جَاء بِالسَّيِّئَةِ فَلاَ يُجْزَى إِلاَّ مِثْلَهَا وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ) الأنعام، 160. وقال نبينا محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حديث قدسي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ (رض)، قَالَ: (مَنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ شِبْرًا تَقَرَّبْتُ مِنْهُ ذِرَاعًا، وَمَنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ بَاعًا) رواه البخاري. والله يغفر الذنوب في يوم عرفة والحج، ويغفر الذنوب كلها في ليلة القدر وهو خير من ألف شهر وفي الصيام، وعند التوبة يغفر كل الذنوب سواء أكان قاتلاً أو مشركًا، وقصة الرجل الذي قتل مائة نفسًا ثم تاب فيها دليل قوي على ذلك . والتوبة من الأمور الشاقة لأن مفارقة السيئات صعبة على الانسان وقلب القاتل يكون صلبًا قاسيًا، لا يحب الايمان بالله، وهكذا. وإن دلّ كل هذا على رحمة الله الواسعة وعفوه عند اللجوء إليه، فإنه يدل على أنّ الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون، وييسر أمرهم في الدنيا والأخرة.

4ـ موضوع الشّفاعة والدّعاء:
هي ثابتة عند أهل السنة خلافًا للمعتزلة. وذلك لما أجزنا عفو الله تعالى من غير واسطة فأولى أن يجوز بشفاعة النبيين عليهم السلام. وعندهم العفو عن الخطيئة غير وارد فلا فائدة من الشفاعة. ولكن الله تعالى يقول (فأعف عنهم واستغفر لهم) آل عمران، 159. وكذا قوله تعالى: (واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات) محمد 19، وفي ذلك دليل واضح على الشفاعة. وكذا قوله: (فما تنفعهم شفاعة الشافعين) المدثر 48، فلو لم تنفع للمؤمنين أيضًا لم يكن لتخصيص الكافرين معنى. وكذا الحديث المشهور. وهو قوله عليه السلام: (شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي) سنن أبي داود ، والأحاديث في باب الشفاعة قريبة من التواتر. فلا أقلّ من الشهرة. وانكار الخبر المشهور بدعة. ولأهمية وقبول الدعاء أو التوسل إلى الله تعالى مقالات كثيرة يمكن الرّجوع إليها.

5ـ موضوع القضاء والقدر:
قال أهل السنة: أفعال الخلق وأحوالهم وأقوالهم كلها بقضاء وقدر.
وقالت المعتزلة: المعاصي ليست بقضائه وقدره. كما قالوا في الإرادة، وهي مبنية على مسألة خلق الأفعال. ونقول كل ما كان بعلم الله تعالى وإرادته فهو بقضائه وقدره أي أنه أحاط كلّ شيئ بعلم مطلق، وما يحدث يحدث وفق علمه وإرادته، فإنّ الأخذ بالأسباب لا ينافي القدر، بل هو في القدر أيضًا. والقضاء في اللغة: عبارة عن الفعل مع زيادة أحكام. فالكفر قضاء من الله عز وجل وهو شرك من العبد، يستحق به النار إلى الأبد، لأنه إذا كان كلّه بقضائه وقدره فلم يلزمه بثواب أو عقاب؟/ البداية في أصول الدين.
تعريف القضاء عند عبد الكريم البغدادي: هو الفصل والحسم في الأمر. وإنّ قضاء الأمر معناه إنجازه وحسمه. والقدر: هو التقدير ووضع الشيء في موضعه المناسب له، فالقضاء أخصّ من القدر، بمعنى أنّ دائرة القدر أشمل وأعم، فالقدر تدبير (أي تدبير الأوليات والأسباب)، والقدر تصميم الشىء، والقضاء الحُكم عليه، وتنفيذه. قال ﷺ (لا يرد القضاء إلاّ الدّعاء، وإنّ الدّعاء ليلقي القضاء (البلاء) فيعتلجان إلى يوم القيامة) مسند البزاز. أي أنه يوقف التنفيذ ولا يبطل الحكم الذي في اللّوح المحفوظ. وفي قوله ﷺ (إنّ أحدكم يُجمع خلقُه في بطن أمه أربعين يومًا نُطفة، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثمّ يكون مضغة مثل ذلك، ثم يُرسل إليه المَلك فيُنفخ فيه الروح، ويؤمر بأربع كلمات: بكتب رزقه، وأجله، وعمله، وشقي أو سعيد. فو الله الذي لا إله غيره إنّ أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلاّذراعٌ فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها) رواه البخاري. في هذا الحديث لا يوجد جبر لأنه هنا معنى (فيسبق عليه الكتاب) أي كتابه الذي كتبه الملك في اللّوح المحفوظ، وأيضًا أنّ لله تعالى على علم مطلق قبل وقوع الحادث وبعده وما يحدث وما سيحدث بإرادته وعلمه، لأنه هو الذي خلق كل شيء ووضع لهم القوانين، وعلينا التطبيق العملي أي طاعة اوامره عز وجل وإلا نفعل فتكون عاقبتنا سيئة وذلك موضح في القرآن الكريم، والله تعالى لا يتدخل في إرادة الإنسان الجزئية التي وهبها الله تعالى له، كما نرى في قصة الخضر مع موسى (ع). وكما نرى في إسلام عمر (رض) والصحابة و وحشي وهند والمسلمون بعد وفاة الرسول ﷺ ونحوه، وخواتم الأعمال يجب أن تكون بالعمل الصالح ويكون ذلك بالسعي والدّعاء للوصول إليه. وهناك قصة لعمر (رض) حول القدر وذلك عندما أراد الدّخول إلى الشام للتجارة، فسمع عندما وصل إلى الحدود عن انتشار مرض الطّاعون فقال لأبي عبيدة لنُقيم هنا إلى أن ينتهي الطاعون، فقال الصحابة: أفرارًا من قدر الله؟ فأجاب عمر (رض) (فرارًا من قضاء الله إلى قدر الله). وقال ﷺ (مَنْ لَمْ يَرْضَ بِقَضَائِي وَيُسَلِّمْ لِقَدَرِي، فَلْيَطْلُبْ رَبًّا غَيْرِي) حديث قدسي.

الفقه الإسلامي وتعريفه

هو العلم بالأحكام الشّرعيّة العمليّة، وبأدلتها التّفصيليّة المتعلقة بالعبادات، والمعاملات، والأحوال الشّخصية، والجنايات ومثل ذلك. ويمكن القول: أنّه معرفة النفس ما لها وما عليها عملاً .( أنظر لوجيز في أصول الفقه، للدكتور عبدالكريم زيدان، ص 8.) كذلك يمكن أن نقول: أنه يضم مجموعة أبحاث في المواضيع الفقهية المختلفة المعاصرة التي تتناول المسائل المتصلة بالمذاهب، والمدارس الفقهيّة المختلفة، والاجتهادات، وفي مواضيع العبادات: كالطهارة والصلاة، والزكاة، وغيرها، وفي مواضيع المعاملات مثل: الرهن، والربا، والبيع، والوقف، والإيجار، وأبواب أخرى: مثل الجنايات والعقوبات وأحكام الأسرة، والطلاق، والنفقات، والمواريث، ونحو ذلك. وللفقه الإسلامي مرونة قادرة على محاكاة وتلبية كافة التطورات التي تتسارع في حياة الناس. وقد ظهر في عصرنا الحاضر أنواع من الفقه منها: فقه الاقتصاد الإسلامي، والبنوك الإسلاميّة، وفقه الموازنات، وفقه الأولويّات، وفقه المآلات (الأرجح)، وفقه الغُرباء، وفقه السيرة، وفقه عقود المعاوضات وفقه الواقع ونحو ذلك. وسوف نشير إلى بعض منها. ويمكن أن نقول أن كل هذه تم بفضل قواعد أصول الفقه التي تمدُّ الفقه على اختلاف الظروف والبيآت بأحكام تفصيلية تغطي كافة نشاطات وتطورات الحياة.
ومن اهم المصادر: 1ـ بداية المجتهد ونهاية المقتصد ـ لابن رشد. 2ـ الفقه على المذاهب الأربعة ـ عبدالرّحمن الجوزي. 3ـ الفقه على المذاهب الأربعة ـ لوهبة الزّحيلي.

التصوف والطرق الصوفية

تعريف التّصوف الإسلامي (أو الزّهد الإسلامي):

قيل أن أصول التصوف قد نشأت في القرن الثالث الهجري في زمن الإمام الحسن البصري. ويمكن تعريف مُصطلح التّصوف: أنه مشتقٌ من الكلمة اليونانية (صوفيا) وتعني الحِكمة. أو أنّه مشتقٌ من الصّوف، فقد كان لِبسهُ معروفًا قبل الإسلام بين من ينقطع عن الدّنيا للعبادة من الرّهبان النّصارى والأحبار اليهود.
ويمكن تعريفهُ: كما عرفه الإمام علي (رض) في معنى التقوى بأنه الالتزام بالإسلام والعمل بالتّنزيل والخوف من الجليل والاستعداد ليوم الرّحيل.
ويمكن تعريفه أيضًا: أنه تطبيق للقرآن وسنة رسول الله ﷺ، وأنه ذكرُ الله كثيرًا وفي كل مكان وزمان وعدم الغفلة عنه مطلقًا، وأنه أيضًا خلوةٌ وتقشفٌ وزهد وابتعاد عن ملذات الدنيا وترك شهوات الحياة ومتاعها الفانية. وقيل أنه علم يشبه بعلم الأخلاق (Moral Philosophy): أي العلم الذي يبحث في الجانب الأخلاقي والعاطفي من الثّقافة الإسلامية، من تزكية النفوس وتصفية الأخلاق مع إصلاح أعمالنا في الظّاهر والباطن.
قال الدكتور حسن إبراهيم حسن: ومن المسائل التي شغلت أفكار المسلمين في ذلك العصر (التّصوف) وذلك أن كثيرًا من المسلمين الذين اشتهروا بالورع والتقوى لم يجدوا في علم الكلام ما يقنع نفوسهم المولعة بحب الله سبحانه وتعالى فرأوا أن يتقربوا إليه عن طريق الزهد والتقشف وفناء الذات في حبه تعالى ومن ثم سُمُّوا بالمتصوفين.
ويعرف ابن خلدون التصوف بقوله: العكوف على العبادة والانقطاع إلى الله تعالى والإعراض عن زخرف الدنيا وزينتها والزهد فيما يقبل عليه الجمهور من لذة ومال وجاه والانفراد عن الخلق في الخلوة للعبادة... ويضيف ويقول أن المتصوفة المتأخرين قد تأثروا بالشيعة الغلاة وبالفكر الباطني المنحرف، ويقول ابن خلدون في هذا الصدد:" إن هؤلاء المتأخرين من المتصوفة المتكلمين في الكشف وفيما وراء الحس توغلوا في ذلك فذهب الكثير منهم إلى الحلول والوحدة وملأوا الصحف منه مثل: الهروي في كتابه "المقامات" وله غيره وتبعهم ابن عربي وابن سبعين وتلميذهما ابن العفيف وابن الفارض والنجم الإسرائيلي في قصائدهم وكان سلفهم مخالطين للإسماعيلية المتأخرين من الرافضة الدائنين أيضًا بالحلول وإلهية الأئمة مذهبا لم يعرف لأولهم, فأشرب كل واحد من الفريقين مذهب الآخر واختلط كلامهم وتشابهت عقائدهم. أنظر مقدمة ابن خلدون، ص 473.
ويعرفه ابن تيمية فيقول: "الزهد ترك الرغبة فيما لا ينفع في الدار الآخرة".
ويقول ابن القيم عنه: "الزهد سفر القلب من وطن الدنيا إلى منازل الآخرة".
وقد قسم العلامة ابن القيم الزهد إلى أربعة أقسام في مدارج السالكين:
1ـ زهد في الحرام: وهو فرض عين على كل مسلم ، أن يسعى لتجنب ارتكاب الحرام حيث ما كان. وهذا أرقى أنواع الزهد.
2ـ زهد في الشبهات: ويكون حكمه بحسب مواطن الشبهة، فإن قويت الشبهة التحق بالواجب، وإن ضعفت التحق بالمستحب.
3ـ زهد في الفضول: وهو الزهد فيما لا يعني من الكلام والنظر والسؤال واللقاء وغيره.
4ـ زهد فيما في أيدي الناس. وزهد في النفس بحيث تهون عليه تفسه في سبيل الله. فقال الرسول ﷺ (ازْهَدْ فِي الدُّنْيَا يُحِبَّكَ اللَّهُ ، وَازْهَدْ فِيمَا فِي أَيْدِي النَّاسِ يُحِبُّكَ النَّاسُ) رواه ابن ماجة.
ويقول الإمام الغزالي في كتاب المنقذ: الصوفيون يدّعون أنهم خواص الحضرة وأهل المشاهدة والمكاشفة وقد ثبت عندهم الصدق في كل أعمالهم النّظريّة والعلمية.
ويقول القشيري: انفرد خواص أهل السّنة الحافظون قلوبهم عن طوارق الغفلة باسم التّصوف.
ويقول السّبكي في كتاب (معيد النّعم): وللصوفيين أوصاف وأخبار اشتملت عليها كتبهم.
ويقول الصوفي جنيد البغدادي: أركان التصوف: الذّكر الدّائم والطّهارة الدّائمة والصّوم الدّائم والمراقبة الدائمة. وقال غيرهم: أنه تربية للنفس وترقيتها من النفس الأمارة الى النفس اللّوامة ثمّ النفس المطمئنّة ثمّ النفس الرّاضية ثم النفس المرضيّة فالنفس الكاملة.

الطرق الصوفية
1ـ الطّريقة القادريّة:
نسبة إلى الشيخ عبد القادر الجيلاني, توفي عام 1160م في بغداد. اسمه أبو سعيد مبارك بن علي المخزومي، وأنه يتَّبع المذهب الحنبلي.
وهم يعتمدون على الذّكر الجهري في مجالسهم. ولهذه الطريقة مريدون في أندونوسيا وباكستان والمغرب والعراق وتركيا. وفي الآونة الأخيرة دخلت في هذه الطريقة الكثير من البدع التي خرجت عن منهج الشيخ عبد القادر الجيلاني بشكل واسع. ومن مؤالفات الشيخ: الغُنية، فصولات الرّبانية، فتح الرّبانية، فتوح الغيب.
أوراد الطريقة القادرية كالآتي: تَكون بعد صلاة الفرض, أو بعد صلاة ركعتين من السنة، ثم قراءة القرآن.

2ـ الطّريقة النّقشبنديّة:
نسبة إلى الشيخ بهاء الدين نقشبندي، الذي توفي في بخارى عام 1389م.
كانوا يذكرون الله ذّكرًا خفيًا في مجالسهم وأورادهم. دخلت هذه الطريقة لأول مرة إلى الأناضول على يد الملا إلهي, الذي توفي عام1491م، وإلى العراق على يد مولانا خالد البغدادي عام 1826م. مؤلفاته: تنظيف الظاهر بالشريعة، تنظيف الباطن بالطريقة، الوصول إلى الله بالحقيقة الكبرى، الوصول إلى الله بالمعرفة. وكان شيخ هذه الطريقة الكبير في عام 2000م، هو الشيخ عثمان بيَّارة رحمه الله، وقد توفي في إسطنبول ودفن منطقة كودك جكمجة. ويمكن أن نقول أن البدع التى تقوم بها اقل من الطرق الاخرى.
أوراد الطريقة النقشبندية بعد الصلوات الخمسة كالآتي: وتَكون بعد صلاة الفرض أو بعد صلاة ركعتين من السنة ثم قراءة القرآن الكريم ويبدأ بالذّكر.

3ـ الطّريقة الرّفاعيّة:
نسبة إلى الشيخ أحمد الرفاعي. جاء من إيران، وتوفي عام 1183م في البصرة العراقية. مؤخرًا كان أتباع هذه الطريقة يستخدمون في مجالسهم السيوف في قطع أعضاء الجسم، وغرز الرماح والسكاكين في الأجسام, وأكل الزجاج, والمشي على النار. ويدّعون أن عملهم هذا كرامة إلهية للشيخ، من أجل إقناع الكفار بوجود الله تعالى. وهذه كلها بدع لا يقبلها الدين الإسلامي. وهم بعملهم هذا قد خرجوا عن تعاليم الشيخ الرفاعي وطريقته.

4ـ الطريق المولوية:
نسبة إلى مولانا جلال الدين بن بهاء الدين الرومي, توفي عام 1273م بقونيا التركية. من أساتذته شمس الدين تبريزي، كانوا يقومون في أذكارهم بحركات خاصة (حركة الدوران) ، ويهتمون في ذكرهم بالموسيقى الصوفية. وقد دخلت إلى هذه الطريقة أيضًا بدع كثيرة كالغناء والدبكات، فخرجوا بذلك عن منهج مولانا جلال الدين الرومي. ومن مؤلفاته: ديوان الكبير، وكتاب: فيه ما فيه.

5ـ الطّريقة الباطنيّة:
وهم يدعون أنهم أهل الحق لأنهم من سلالة الرسول ﷺ ولهم العصمة من الله، ويرون الحقائق بنظر عيونهم وحاستهم الباطنية، وفيها أيضًا كثيرٌ من البدع وهم خارجون عن طريق الرسول ﷺ في التصوف والزهد والتربية.

6ـ الطّريقة الشّاذليّة:
نسبة إلى مؤسسها الشيخ أبي الحسن الشاذلي، ولد في شاذُولة من بلاد المغرب, ثم سافر إلى مصر مع تلاميذه إلى جنوب أفريقيا وتوفي عام 1258م في مصر. واستوطن أتباعه مدينة الإسكندرية حوالي سنة 642ھ / 1243م وكوَّنوا فيها مدرستهم صوفيّة. وكان من أشهر تلامذة أبي الحسن الشاذلي الشيخ أحمد أبي العبّاس المرسي الّذي خلفه وتولى قيادة الطريقة الشاذليّة حتّى وفاته بالإسكندريّة سنة 686 ھ / 1284م، ثمّ خلفه تاج الدين بن عطاء الله السكندري المصري الّذي ألّف في مناقب شيوخه كتاب لطائف المنن. وله خمس كتب. أهمها كتاب الحكم المعروف باسمه.

7ـ الطّريقة البيراميّة:
نسبة إلى الحاج بيرام ولي توفي عام 1430م في أنقرة اسمه نعمان ولي، أكمل دراسته في بورصة وأنقرة.

8ـ الطّريقة البكتاشيّة:
نسبة إلى الحاج بكتاش ولي، توفي عام 1271م، وهو من أهل خرسان سافر إلى الأناضول، إلاّ أن طريقته اِختلطت بالطريق الباطنية والخرافية، مثل العلوية والمسيحية والشامنيزية. له كتاب المقالات باللغة العربية.

9ـ الطريقة البدوية:

نسبة إلى رئسهم أحمد بن علي البدوي ولد في فاس وهاجر إلى مكة ومصر والعراق وتوفي عام 1278م.

10ـ بقية الطرق الصوفية:
الطريقة الجلوتية، الدسوقية، الأكبرية، الخلوتية، الكُبروية، المدينية، اليسوية، السهروردية، السعدية. / أنظر كتاب الصوفية، للأستاذ مصطفى قره، ص 44.

المدارس والمذاهب الفقهية الاسلامية
تعريف المذاهب الفقهية: المذاهب الفقهية في الإسلام ظهرت الأحكام الفقهية على يد الرسول محمد، حيث كان يتنزَّل القرآن بالأحكام الشرعية، وكان النبي يُبيِّن هذه الأحكام للناس ويُفصِّلها ويُحدِّد شروطها، ويرسم الطريق القويم لكيفيتها وتنفيذها بقوله أو فعله أو تقريره (في المذاهب السُنيَّة)، ثمَّ بدأت تظهر المدارس الفقهيّة بسبب تطوُّر الحياة والحاجة لتبيان مختلف المسائل المُستجدَّة.

بعض المذاهب الملتزمة بالإسلام

1ـ مذهب أهل السّنة والجماعة:
ظهر في عهد التابعين، مؤسس هذا المذهب هو أبو الحسن البصري الأشعري وهو مؤسس المذهب الأشعري، وأبو منصور الماتريدي مؤسس المذهب الماتريدي، ويمكن إضافة الطّحاوي مؤسس العقيدة الطّحاوية والنسفي مؤسس العقيدة النسفية وهو من ضمن مؤسسي مذهب أهل السنة بسبب اتفاقهم على أكثر المسائل العقائدية. ومن اعتقادات هذا المذهب أنهم في موضوع الموت "الذي قُتل فإنّما مات بأجله". ومن اعتقادهم في الأرزاق أن "من أكل وشرب فإنّما تناول رزقه سواء كان حلالاً أو حرامًا".
ومن مدارس أهل السّنة والجماعة: لقد بـرزت المذاهـب الفقهيـة فـي القـرن الثانـي للهجـرة ، والتـي لعبـت دورا فـي تأصيـل الفقـه الاسـلامي ، وترسـيخ قواعـده ، وكان لهـذه المذاهـب التأثيـر الواضـح فـي الخارطـة الدينيـة للمسـلمين آنـذاك فـي العالـم الاسـلامي .
أولاـ المذهب الحنفي : الإمام الأعظم أبو حنيفة ولد بالكوفة سنة 699م. توفي سنة 767م وله من العُمر سبعون سنة.
ثانيًاـ المذهب الشافعي: الإِمَامُ الشَّافعِيُّ هُوَ أَبُو عَبدُاللهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيس بْنِ العَبَّاسِ بْنِ شَافِعٍ بْنِ عُبدالمطلب. ولد بغزة في فلسطين على الأصح عام 150 هـ /766 م. وتوفي وقت صلاة العشاء بعد أن صلى المغرب، يوم الجمعة 30 رجب سنة 204 هـ/820
ثالثًاـ المذهب المالكي : مالك بن أنس، ولد في المدينة المنورة عام 711م وتوفي عام 795م.
رابعًاـ المذهب الحنبلي ـ: أمام اين حنبل ولد في بغداد عام 780 م وتوفي عام 855م.
2ـ المذهب الجعفري أو مذهب الشّيعة الاثنا عشرية: أمام جعفر الصادق ولد في المدينة المنورة عام 702م وتوفي عام 765م. لقد ظهر في عهد التابعين، مؤسس هذا المذهب هو جعفر الصّادق، لقد استقلت الشّيعة بمصادر الحديث والفقه بخلاف مصادر أهل السّنة والجماعة مثل كتاب نهج البلاغة المنسوب إلى الإمام علي (رض) والكافي للكليني وهو بمنزلة البخاري، وكتاب من لا يحضره الفقيه للشيخ محمد الصدّوق، والاستبصار وتهذيب الاحكام لمحمد الطوسي، وبحار الأنوار للمجلسي ووسائل الشيعة لمحمد جميل العاملي والوافي للفيض الكاشاني وكذلك كتب للقمي والنووي. ويعتقدون أنّ الإمامة هي من أهم مسائل أصول الدين عندهم. ويدّعون بعصمة الأئمة عندهم ويدّعون أنهم لا يرتكبون صغائر وكبائر الذّنوب وكذلك يدّعون بعلمهم لكل شيء، بالإضافة إلى ذلك أنهم يرون أن الصّحابة ارتدّوا عن الإسلام إلاّ الثلاثة وقيل إلاّ السبعة. ومن عقيدتهم أيضًا الولاء للأئمة والبراء من أعدائهم (والأعداء التي يقصدونه من ضمنهم مذاهب إسلامية). ويدعون إنّ دين هؤلاء ناقص لا يكتمل إلاّ إذا اعتقدوا مذهب أهل البيت، ومن عقائدهم أيضًا أنّ لفاطمة بنت الرسول ﷺ مصحف هو عند الإمام المنتظر موجود في السّرداب ونحو ذلك من العقائد الأخرى المخالف لمذهب أهل السنة.

3ـ المذهب الزيدي: ظهر في عهد التابعين، مؤسس هذا المذهب هو زيد بن علي (زين العابدين) بن الحسين بن علي (رض)، أقرب مذاهب الشّيعة إلى أهل السّنة والجماعة وأتباعهم موجودون في اليمن.
4ـ المذهب الإباضي: هي طائفة من طوائف الإسلام، وتنتشر الإباضية في سلطنة عُمان حيث يمثلون حسب بعض الإحصائيات ما يقارب 70% من العُمانيين وينتشر أيضا في جبل نفوسة وفي زوارة في ليبيا ووادي مزاب في الجزائر وجربة في تونس وبعض المناطق في شمال أفريقيا وزنجبار.
5ـ المذهب المرجئ: ظهر في عهد الصحابة، ويدّعون أنّ الإيمان هو معرفة الله تعالى وأمّا العمل فليس من شروط الإيمان، وهذا الرأي مخالف لنصوص القرآن، ويعتقدون بأنه لا أهمية ولا أثر للمعاصي طالما وجد الإيمان، وأنه لا يضر مع الإيمان معصية، وأنّ الله تعالى يعذب الفاسقين من الأمة.

6ـ المذهب الظاهري: ظهر في عهد التابعين، مؤسس هذا المذهب هو داود بن علي الفقيه البغدادي ظهر بالمغرب على يد ابن حزم الأندلسي. (أنظر الفرق بين الفرق، عبد الفادر محمد البغدادي، ص 113،72. المصدر السابق، مروان إبراهيم القيسي ص 39،43).

من المذاهب الضّالة: كثيرة منها

1ـ مذهب اليزيدية:
اليزيديون أوالإيزيديون بالكردية، Êzîdî وهم من فرق أهل البدع منهم ويسمون بالعدوية أيضًا لانتسابهم إلى "عدي بن مسافر"، وهم مجموعة عرقية دينية كُرديّة ذي جذور آريَّة ويتحدثون باللهجة الكرمانجية الكردية، تتمركز في العراق، وبشكل أساسي في محافظتي نينوى ودهوك موصل ( بالأخص في منطقتي سنجار وشيخان). كما تأثروا بمحيطهم الفسيفسائي المتكون من ثقافة عربية، حيث مازال بعض جماعاتهم ترتدي زي عربي، والبعض الأخر الزي الكردي. يرى اليزيديون أن شعبهم ودينهم قد وُجدا منذ وجود آدم وحواءعلى الأرض ويرى باحثوهم أن ديانتهم قد انبثقت عن الديانة البابلية القديمة في بلاد ما بين النهرين، ويرى بعض الباحثين الإسلاميين وغيرهم أن الديانة اليزيدية هي ديانة منشقة ومنحرفة عن الإسلام، ويرى آخرون أن الديانة هي خليط من عدة ديانات قديمة مثل الزردشتية والمانوية أو امتداد للديانة الميثرائية. الشخصيات الأساسية في الديانة اليزيدية هي عدي بن مسافر وطاووس ملك. وهم يعتقدون أنه تعهد لهم صومهم وصلاتهم وأنه سيقودهم إلى الجنة بغير حساب. ومن عقائدهم أيضًا أنّ أول مخلوق من الملائكة السبعة هو عزرائيل ويسمونه بطاووس الملك،. وفي الميثولوجيا اليزيدية طاووس ملك عظيم الملائكة قد تجسد في عدي بن مسافر، حيث يقول هو عن نفسه ولهم كتابان مقدّسان الأول (الجلوة) ويُنسب إلى الشيخ عدي بن مسافر الأموي والثاني (مصحف رش) أي المصحف الأسود ويؤمنون بظهور نبي من العجم.
وقيل أن أحد أمراء اليزيدية، وهو أنور معاوية الأموي، قال في إحدى مقالاته المنشورة على شبكة الإنترنت وبعض الصحف الغربية: «صحيح أن اليزيدية لها جذورها العراقية القديمة، إلا أنها اتخذت طابعها واسمها اليزيدي الأموي المتميز بعدما دخل فيها الجنود الأمويون الشاميون (12 ألف مقاتل) والذين استقروا في شمال العراق بعد هزيمتهم في معركة الزاب الأعلى بقيادة آخر خليفة أموي مروان الثاني في 750م. لكن هذا التأثير بقي من الناحية البشرية وسببا لوجود العوائل الأموية في طائفتنا، لكن التأثير الأكبر حدث بعد مجيء عدي بن مسافر رضي الله عنه في القرن 12م، وهو متصوف شامي أصله من بعلبك في لبنان، ومن السلالة الأموية. قام هذا الشيخ الجليل بتجديد ديانتنا النابعة من شمال وطننا العراق بميراثه الآشوري البابلي، وتأصيلها مع ديانة سيدنا إبراهيم الخليل عليه السلام.
2ـ مذهب الجبرية:
ظهر في عهد التابعين، وهم أصحاب جهم بن صفوان، واعتقادهم أن العبد ليس له قدرة ولا إرادة، أي أنه مجبور على أفعاله، وذلك على الرغم من أن النصوص تُصرح بأن للعبد قدرة وإرادة. فأفعال الناس في نظرهم كلها لله ولا دخل للإنسان فيها، فهي كلها أفعال اضطرارية لا إرادة للإنسان في أي منها، واعتقد أتباع يونس بن عوف وأتباع غسان الحرمي من المرجئة أن الإيمان لا يقبل الزيادة والنقصان. ونحن أهل السنة والجماعة نقول هذا مخالف لنصوص القرآن والأحاديث النبوية.
3ـ مذهب القدرية: يقولون كل أن الانسان مخير في كل أعماله.
4ـ مذهب الباطنية. 5 مذهب البهائية. 6ـ مذهب القاديانية. 7ـ مذهب الجهمية 8ـ النُّصيريّة. 9ـ الدرزية. بالاضافة الى الخوارج والقرامطة التي ذكرناهم.

سبب ظهور العقائد الدّينية والتّصوف والمذاهب والمدارس المختلفة

انطلاقًا من قوله صلى الله عليه وسلم (إِنِّي قَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ شَيْئَيْنِ لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُمَا: كِتَابَ اللَّهِ وَسُنَّتِي) المستدرك. وعملاً في كيفية تطبيقها برزت هذه الاختلافات في الاجتهاد، وذلك بسبب درجات العقول وفهم المواضيع حسب قابلية الإنسان فقال تعالى (قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لايعلمون) الزمر، 9 (إنما يخشى اللهَ من عبادهِ العلماء) فاطر، 28. (يرفع الله الذين أمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات) المجادلة،11. (فاسألوا أهل الذّكر إن كنتم لا تعلمون) الآنبياء، 17. (يا أبت إني قد جاءني من العلم مالم يأتيك فأتبعني أهدك صراطًا سويًّا) مريم، 48 .(ليتفقهوا في الدّين) التوبة، 122. (شهد الله إنّه لا اله إلاّ هو والملائكة وأولو العلم قائمًا بالقسط) أل عمران، 18. (وما أُوتيتم من العلم إلاّ قليلاً) الإسراء، 85. (لكن الرّاسخونَ في العلمِ منهم والمُؤمنونَ يُؤمنون بما أنزلَ إليكَ) النساء، 162 (وقل ربّ زدني علمًا) طه، 114 وقال الرّسول ﷺ أيضًا ( أنزلوا الناس منازلهم) أبي داود، أي خاطبوا الناس على قدر عقولهم وبلسان حالهم. نفهم من هذا أننا خُلقنا على مستويات ودرجات مختلفة في العلم والإدراك وقابلية الفهم والاستيعاب، وهكذا فقد وجدت المدارس والجامعات بمراحلها المختلفة وزوايا العلماء التي تستهدف المثقفين وأصحاب العقول. والتّكايا المختلفة التي تستهدف العوام من الناس وأصحاب الفطرة السليمة. وهكذا حسب متطلبات الحياة الإنسانية ظهرت العقائد والمذاهب والطرق الصوفية والمدارس والجامعات العلمية المختلفة لأجل إعطاء خدمة إنسانية علمية ودينية ونحو ذلك. وفي الوقت الحاضر ظهرت المنظمات والأحزاب السياسية والجمعيات والمؤسسات الخيرية والتعليمية والاوقاف، كلهم بقدر الإمكان يعملون في خدمة دينهم, ويريدون أن يكسبوا رضا الله وأن يخلدوا مع الصّديقين والشهداء، ومادامت النية خالصة لأجل خدمة الدين، فلا بأس إن ظهرت بعض الأخطاء، فهذا من طبع البشر الذي فطروا عليه. وهكذا انشغل العلماء حسب قدراتهم ودرجة علومهم وأفكارهم وذكائهم برسم أصول منهجهم أو طريق مذهبهم أو نظامهم. فتابعهم الناس وتعلموا منهم علومهم وأمور دينهم ودنياهم. فمنهم من مالَ إلى أخذ العلوم الإسلامية من الفقهاء وعلماء العقيدة، ومنهم من مالَ إلى أخذ العلوم التربوية والروحية من الزّهاد والمتصوفين ومن المدارس والمؤسسات العلمية ونحو ذلك. ومن الطبيعي أن يكون هناك تفاوت في الذكاء والفهم والاجتهاد. وهذا ينتج عنه الاختلاف في الآراء والفتاوى. وهكذا نقول كما قيل في المثل (اختلاف أمتي رحمة) ، يجوز أن نقول أن الاختلاف يكون في الخير أما في الشر فلا يمكن ذلك. ومن الاختلاف الاختلاف في الألوان والألسن والقوميات والصفات والأخلاق، ونحن نعلم أنّ في اختلافها عبرة لأولي الألباب, وابتلاء كبير لمن عصى أوامر رب العالمين باعتراضه على قسمة الله. والذي لا يصبر على الابتلاء ولا يرضى بقسمة الله التي ارتضاها له ، فمصيره معروف عند المسلمين في نار جهنم خالدين فيها أبدًا. لذا يجب على المسلمين المثقفين بدلاً من محاربة التكايا وزوايا ومدارس العلوم والمؤسسات (والتي تعمل على إصلاح مثل تلك العيوب الباطنية الخفية) عليهم العمل على إصلاحها وتصحيح أخطائها بالموعظة الحسنة وبالعقل وباللّين وبالحجج القوية وبالحوار المتمدن، لا بالعنف الذي لا يجر إلا نفورًا وعنفًا. لذا على المسلمين عدم إتهامهم بالفسق أو بالتكفير حسب أهوائهم وكيفما يشاؤا، فقد يكونوا كافرين بنظرهم ولكنهم قد لا يكونوا كفارًا عند الله تعالى. فنحن لا نعلم الغيب ولا نعلم بمكنون قلوب الناس، ومع ذلك فيمكن أن يتوبوا إلى الله عندما يدركون خطأهم. وإذا أصررنا على نظرتنا هذه فقد نكون نحن الخاطئون والعاصون، وكذلك سوف يفرح الأعداء باختلافنا هذا، ثم تضعف قوتنا ونستسلم أمام الأعداء قال تعالى (ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم) الأنفال، 46 انظر حال المسلمين كيف أصبحوا أقوياء على بعضهم، وضعفاء أمام أعدائهم. ومع الأسف فهم يتقاتلون من دون مبرر ومن دون أن يخافوا الله تعالى. أتدري ما السبب الرئيسي في ذلك لأن الحكام أغلقوا الزوايا والتكايا والمدارس والكليات الدينية وقتلوا وهجّروا علماءها. فأصبحنا لا نتعلم ديننا الذي يحضنا على الحب واحترام الناس ويحرم الغصب والنهب والظلم وأكل أموال الناس...
ومن أجل القضاء على كل الاختلافات البشرية، علينا تكوين دولة إسلامية موحدة، فيها دستور واحد، مع إسناد وظيفة تعليم الناس إلى علماء صالحين وأساتذة عظام لا يخافون في قولة الحق لومة لائم، ولا يتأثرون بأقوال الحكام الجائرين. وأن يتولى الإدارة أناس مخلصون وأن يكونوا أهل لها، لا يفرقون بين الناس ولا يظلمون في تطبيق أمر الله تعالى. ويعتبر الجهل السبب الأساسي في تحويل مثل هذه الاختلافات التي ذكرناه أعلاه إلى نِقمة كبيرة على البشرية. والإصلاح والتثقيف والتعليم يجب أن نبدأ بها أولاً بأنفسنا وأهلينا (ياأيها الذين أمنوا قو أنفسكم وأهليكم نارًا) التحريم، 6. (عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل ّإذا اهتديتم) المائدة، 105. (ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة) الحشر، 9. والرسول ﷺ يقول (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته) البخاري. (المُسلم من سلِم المسلمون من لسانه ويده) البخاري. وقال أيضًا (لا يؤمن أحكم حتى يّحبّ لأخيه ما يُحبّ لنفسه) مسند أحمد.

والله ولي التوفيق