المجاهد عبد الحميد مهري كان يمثل الاتجاه الإصلاحي المعتدل


في ذكرى وفاته الحادية عشر (30 جانفي 2012 -2023 ) لم تكن المؤامرة العلمية على المجاهد عبد الحميد مهري ، و إنما كانت مؤامرة على الثورة و الثوابت الوطنية و برحيله ظل موضوع التغيير و النقاش الديمقراطي مغيبا، ما جعل الأحزاب السياسية و تنظيمات المجتمع المدني تواجه صعوبات في أداء مهمتها و القيام بوظائفها، حيث أحيطت كما قال هو بسياج من الضغوطات و الحصار المقنن، و لا شك أن ذكراه تجعلنا نقف وقفة تأمل لنلق نظرة على الأحداث التي وقعت خلال السنوات الماضية و ما تبعتها من مآسي و آلام ، بسبب التعنت في الأفكار و المنهجية، و رغم مفارقته الحياة إلا أن مواقفه كان لها صدى على كل المستويات و هو القائل: نحن في زمن الرداءة و للرداءة أهلها
نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
لقد عرف المجاهد عبد الحميد مهري بمواقفه كرجل ثورة قبل أن يصبح أمينا عاما لحزب جبهة التحرير الوطني، و كان في كل خطبه أو لقاءاته يؤكد حق الجزائريين في معرفة تاريخهم و مناقشة الأحداث التي وقعت خلال الثورة و بكل جوانبها حتى وإن كانت فيها أخطاء وتجاوزات، و كانت له شهادات حية حول التضحيات التي قدمها الشهداء و منهم الشهيد عميروش الذي وقع ضحية دبّرتها ضدّه المخابرات الفرنسية فيما يُعرف بـ: "الزُرق" و ردود افعال الباحثين و المؤرخين ، خاصة بعد ظهور كتاب سعيد سعدي رئيس الأرسيدي حول العقيد سي عميروش كما يناديه مهري ، و مؤامرة الزرق عملية تجسّسيّة دبرتها المخابرات الفرنسية في الولاية الثالثة التاريخية من أجل الانتقام من الضربات التي تلقاها الجيش الفرنسي آنذاك.

و ينتمي عبد الحميد مهري إلى التيار الإصلاحي المعتدل و قد وقع في صدامات مع مولود حمروش الذي كان يتبنى الاتجاه الإصلاحي كذلك لكن في الاتجاه المتشدد ، كان عبد الحميد مهري يرى أن الصراعات تحتاج إلى التعامل معها بالمرونة لا بـالخشونة أو باللجوء إلى التطرف و الهمجية، كان المجاهد و السياسي عبد الحميد مهري يمارس ما يسمى بالثقافة الإنسانية و هو يواجه المشكلات و متطلبات " البيئة البالغة التشدد " ، فكان موقفه من الجبهة الإسلامية للإنقاذ موقف رجل الإجماع الذي يقرب و لا يفرق حيث شارك في لقاء روما الذي عرف بسانت إيجيديو كباقي الأحزاب الأخرى المعارضة للسلطة ، بصفته أمين عام الأفلان في الفترة بين1988 و1996، نظرا للمرحلة الحساسة التي كانت تمر بها الجزائر التي دخلت التعددية السياسية بعد 26 سنة من هيمنة حزب جبهة التحرير على الحياة السياسية.

إن إقدام عبد الحميد مهري على هذه الخطوة و باسم جبهة التحرير الوطني لأنه أراد أن يخلق وعي سياسي و الإحساس بانتماء التيار الإسلامي إلى الوطن كان مدركا للتغيرات التي تقتضي التصدي للتحديات من طرف الجميع لا من طرف واحد، و لا شك أنه و لأول مرة تتخذ الأحزاب السياسية أكانت موالية أو معارض هذه الخطوة من أجل أمن و استقرار الجزار و هذا إن دل على شيئ فإنما يدل على أنه بإمكان الجزائريين أن يتحدوا على كلمة سواء لبناء الجزائر، حينها تم الانقلاب عليه و تنحيته من أمانة الحزب ، لقد أحدثت أرضية عبد الحميد مهري صخبا كبيرا داخل البيت العتيد( الأفلان) و قد قال أعد أعضاء اللجنة المركزية و هو عبد الرحمان بلعياط أن عبد الحميد مهري لم يستشر المكتب السياسي يومها، وقد كان السفير عبد القادر حجار حسب المصادر رأس الانقلاب عليه قبل أن يتراجع عن موقفه و يعلن ندمه و يعتذر عمّا صدر منه .


من مواقف عبد الحميد مهري أن تقليص الحياة السياسية في شخص واحد يؤدي إلى الخطأ، و من مواقفه أيضا أن مشاكل المستقبل لا تحلها فئة دون أخرى أو جماعة دون جماعة، بل تتطلب جهدا كبيرا لكل طاقات المجتمع، و هذا ما دفعه إلى المطالبة بإعادة النظر في السياسة التي اعتمدت في بداية التسعينات عندما تم توقيف الانتخابات بل المسار الديمقراطي كله، و بصورة مجملة يمكن القول أن عبد الحميد مهري كان يمثل رجل الإجماع، فهو ينتمي إلى جيل الثورة و يدرك أن بعض القضايا حلها يكون سياسيا خاصة إذا كانت تتعلق بأمور داخلية أي بين النظام و المعارضة، حيث كان يدعو إلى الإدراك الحقيقي للمشاكل ، حتى داخل حزبه و دخول عهد جديد خاصة بالنسبة للرافضين للتعددية الحزبية، التي كان البعض يرى أنها لن تكون في صالح الشعب بل مصلحته تكمن في وحدة صفه.

هكذا كان عبد الحميد مهري ، يمثل الجناح الإصلاحي المعتدل، و لذا كانت مواقفه مع الجبهة الإسلامية للإنقاذ تصب في هذا الاتجاه " وحدة الصف" من أجل الحفاظ على العلاقات بين أفراد المجتمع، و هذا الموقف يرجع إلى الموقع الذي يحكم على جبهة التحرير الوطني كجبهة صانعة للحدث و أن الجدل لا يمكن أن يؤدي إلى النتائج المرضية، رغم المصالحة الوطنية فمخلفات الأزمة ما تزال آثارها إلى اليوم ، و لم تعكس الخريطة التي وضعتها السلطة صورة المجتمع الذي يطمح إلى التغيير و بناء دولة قوية ، لكن للأسف عندما يغيب الرجال تضعف الأمّة و كما قال هو: "نحن في زمن الرداءة و للرداءة أهلها".

علجية عيش