السلطان مراد خان الأول

د.نظام الدين إبراهيم أوغلو
الباحث الاكاديمي التركماني

مقدمة

ولد السلطان "مراد الأول بن أورخان غازي بن عثمان بن أرطغرل" ثالث سلاطين الدولة العثمانية 29 حزيران عام 1326م، وتولى الحكم بعد وفاة أبيه السلطان "أورخان من عام 1359م حتى 1389م وحكم 30 سنة تقريبا. وقد جاء الى الحكم وهو في عمر 36 عاماً اسم والدته نيلوفر خاتون (وحتى سمي اسم الساقية والمنطقة في بورصة باسم نيلوفر) ، وكان يلقب مراد الاول يلقب حكومدار بالعربي عاهل (ملك)، او خداوندگار بمعنى حاكمٌ بِأمر الله. أول من لقب بلقب خداوندگار هو مولانا جلال الدين الرومي لقبه أحباءه ومريدوه. فكان يعني عندهم معنى المولى وبعدها لقبوه بمولانا الرومي.
حاز مراد الأول عدّة ألقاب أخرى كذلك، الملكُ العادل والسُلطانُ الغازي أبو الفتح وأوَّل من تلقَّب بِلقب سُلطانٍ بينهم، بعد أن كان والده أورخان وجدِّه عُثمان يحملان لقب «أمير» أو «بك» فقط. وكذلك اتخذ لقب "سلطان معظّم" و"سلطان الغزاة والمجاهدين" و"غياث الدنيا والدين" و"ليث الإسلام"، وغيرها من الألقاب وفق ما يذكره المؤرخ التركي يلماز أوزتونا في كتابه "تاريخ الدولة العثمانية".
إذ شهدت فترة حكمه توسعاً كبيراً برقعة الدولة العثمانية، فحين تسلم الحكم كانت الدولة العثمانية لا تتجاوز 95 ألف كم مربع، وخلال عهده تضاعفت رقعة البلاد حوالي خمسة أضعاف لتصل إلى 500 ألف كم مربع.
خاض العديد من الحروب التي اثمرت انتصارات ضاعفت من أهمية الدولة العثمانية آنذاك، حيث خاض 37 معركة في الأناضول، وفي البلقان، كان من أبرز انتصاراته استيلاءه على مدينة "أدرنه" عام 1362م وجعلها عاصمة للدولة العثمانية، ومن ثم هزيمته للتحالف البيزنطي ـ البلغاري عام 1363م في معركة "ماريتزا"، وكذلك فتحه لبلاد الصرب عام 1389م في معركة "قوصوة" التي استشهد فيها ليخلفه من بعده ابنه السلطان "بايزيد الأول". قٌتِل السلطان "مراد الأول" في الثامن والعشرون ( وقيل الخامس عشر) من حزيران/يونيو عام 1389م، وقد قُتِل بطعنة خنجر على يد أحد نبلاء الصرب الذي ادعى أنه يريد اشهار إسلامه خلال تفقد السلطان لساحة معركة "قوصوه.
لقد أخذ تعليمه من أسرته ثم ذهب إلى بورصة لإكمال تعليمه في المدارس الدينية فيها واخذ علمه من علماء اجلاء. وكذلك عمل مع العلماء والفنانين هناك.
ابناءه مراد الاول: ساوجي جلبي عصى أمر والده فقبض عليه وقتله، وبايزيد يلدرم أوصى له بالملك وبايعه، ويعقوب جلبي أعدمهُ بايزيد لاحقًا خوفًا من مُنازعته على المُلك. وابراهيم بيك.

دعاء السلطان مراد الأول وتضرعه الى الله قبل معركة قوصوة
" يا إلٰهي، إنني أُقسمُ بِعزَّتك وجلالك إنني لا أبتغي من جهادي هذه الدُنيا الفانية، ولكنني أبتغي رضاك، ولا شيء غير رضاك يا إلٰهي، إنني أُقسمُ بِعزَّتك وجلالك أنني في سبيلك، فزدني تشريفًا بِالموت في سبيلك. يا إلٰهي، ومولاي، تقبَّل دُعائي وتضرُّعي، وأنزل علينا بِرحمتك غيثًا يُطفئ من حولنا غُبار العواصف، واغمرنا بِضياءٍ يُبدِّدُ من حولنا الظُلُمات، حتَّى نتمكَّن من إبصار مواقع عدُونا فنُقاتلهُ في سبيل إعزاز دينك العزيز.
إلٰهي ومولاي، إنَّ المُلك والقُوَّة لك، تمنحُها لمن تشاء من عبادك، وأنا عبدُك العاجز الفقير، تعلم سرِّي، وجهري، أُقسم بِعزَّتك وجلالك أنني لا أبتغي من جهادي حُطام هذه الدُنيا الفانية، ولكني أبتغي رضاك ولا شيء غير رضاك. إلٰهي، ومولاي، أسألُك بِجاه وجهك الكريم، أن تجعلني فداءً لِلمُسلمين جميعًا، ولا تجعلني سببًا في هلاك أحدٍ من المُسلمين في سبيلٍ غير سبيلك القويم. إلٰهي، ومولاي، إن كان في استشهادي نجاةٌ لِجُند المُسلمين فلا تحرُمني الشهادة في سبيلك، لِأنعم بِجوارك ونِعم الجوار جوارك. إلٰهي، ومولاي، لقد شرَّفتني بِأن هديتني إلى طريق الجهاد في سبيلك، فزدني شرفًا بِالموت في سبيلك.

إنجازات السلطان مراد الأول

اعتلى مراد السلطنة عام 1359، وكانت منطقة البلقان في شرق أوروبا ممهدة للتوسع العثماني، وهو أمر لم يتأخر السلطان الشاب في استغلاله، إذ وجه جيوشه بعد سنة فقط للاستيلاء على ممالك المنطقة لتوسيع رقعة دولته على حسابها. والحقيقة أن أوضاع البلقان، بصفة عامة، كانت مضطربة. فلقد كانت الدويلات الأوروبية الشرقية في نزاعات شبه دائمة، إما لأسباب تتعلق بتقسيم الأراضي ورسم الحدود، أو التنافس بين الأسر الحاكمة، أو نتيجة للاختلافات المذهبية التي عمّقت الفرقة بين الأقاليم المنتمية مذهبيًا لأوروبا الغربية الكاثوليكية وتلك الأرثوذكسية المرتبطة بالكنيسة البيزنطية قبل استقلالها نتيجة الانشقاق الكبير بين كنيستي القسطنطينية (بيزنطة) وروما، عام 1054، حول قضية العقيدة والإيمان المرتبطة بالتثليث. وعلى الفور، تحركت القوات العثمانية نحو «تراكيا» Thrace والبلقان، ودانت أجزاء كبيرة من الروملّي (بلغاريا الحالية) لتلك القوات المتدفقة، وتبعتها شمال اليونان وغيرها من المناطق المجاورة. وطبق مراد الأول سياسة حكيمة للغاية في صدامه العسكري للموازنة بين التوسعين الشرقي والغربي، ولم يقدم في أي وقت من الأوقات على فتح جبهتين له في آن واحد. فكان يستولى على مناطق في الغرب، وينتظر لبعض الوقت قبل أن يتوسع شرقًا. وحقًا، استطاع لاحقًا تركيز جهده الحربي على مدينة أدرنة المهمة (إلى الغرب من القسطنطينية / إسطنبول) في أوروبا، ففرض الحصار البري الكامل عليها إلى أن استسلمت له بالتفاوض والدبلوماسية، ولم يلبث أن جعلها العاصمة الجديدة للإمبراطورية العثمانية، وذلك بعدما دفعت الجزية، وشاركت أيضًا بقوة لها ضمن تشكيلات الجيش العثماني في فتوحاته التالية.
وعلى الرغم من المقاومة الشرسة التي واجهتها القوات العثمانية المتدفقة إلى أوروبا، استطاع مراد التغلب على المقاومين تدريجيًا، ولا سيما بعد أن فشلت مبادرة البابا أوربان الخامس في روما لتوحيد القوى الأوروبية بغية مواجهة المسلمين، بفعل انعدام الثقة التي واجهت هذه الدويلات والإمارات الأوروبية وقياداتها السياسية، وهذا ما أتاح في مضى السلطان مراد في حركة الجهاد والدعوة وفتح الأقاليم في أوروبا، وانطلق جيشه يفتح مقدونيا، وكانت لانتصاراته أصداء بعيدة، فتكون تحالف أوروبي بلقاني صليبي باركته الكنيسة، وضم الصربيين والبلغاريين والمجريين، وسكان إقليم والاشيا وضم معظم منطقة البلقان، والتوسع شمالاً ، وقد استطاعت الدول الأعضاء في التحالف الصليبي أن تحشد جيشاً بلغ عدده ستون ألف جندي تصدى لهم القائد العثماني لالاشاهين بقوة تقل عدداً عن القوات المتحالفة، وقابلهم على مقربة من (تشيرمن) على نهر مارتيزا، حيث وقعت معركة مروعة وانهزم الجيش المتحالف، وهرب الأميران الصربيان، ولكنهما غرقا في نهر مارتيزا، ونجا ملك المجر بأعجوبة من الموت أما السلطان مراد فكان في هذه الأثناء مشتغلاً بالقتال في بلاد آسيا الصغرى حيث فتح عدة مدن ثم عاد إلى مقر سلطنته لتنظيم ما فتحه من الأقاليم والبلدان كما هو شأن القائد الحكيم.
وكفلت عبقرية هذا الرجل له القدرة على هضم هذه الأراضي الجديدة، كونه أدرك منذ البداية ضرورة استحداث نظم جديدة لإدارة هذه المناطق بشكل يضمن ولاءها، ويمنع الثورات الداخلية عليه. وعليه وجّه باتباع سياسة تنظيمية كفلت الحرية الكاملة للعقيدة، بما في ذلك حرية البطريركية الأرثوذكسية، كي يضمن ولاء الرعايا الجدد، ولكن في الوقت نفسه نظم الأراضي بشكل جعل المزارعين والفلاحين أفضل حالاً مما كانوا عليه إبان خضوعهم للإقطاع الأوروبي قبل الفتح العثماني. وهكذا، ساد الرضى الشعبي المجتمعات العثمانية الجديدة مقارنة بالأنظمة السابقة. وأيضًا، فتح مراد المجال أمام التصعيد السياسي والاجتماعي لغير المسلمين في هذه المناطق، فسمح لبعض المسيحيين الأوروبيين بتولي مناصب قيادية في البلاط العثماني، وسمح أيضًا بانخراط الجيوش المهزومة داخل كتائب الجيش العثماني تحت قياداتها التقليدية، وهو ما كفل له قوة وطمأنينة ساعدته على مزيد من التوسع. من ناحية أخرى، كان مراد الأول حصيفًا حكيمًا للغاية في استخدام قوته العسكرية، وتلميذًا نجيبًا لمبدأ «اقتصادات القوة»، وتمكن أن يكسب ولاء كثير من إمارات شرق أوروبا من خلال التعاون معهم، وضمها لإمبراطوريته بالتبعية عبر الجزية والولاء، مستخدمًا الوسائل الدبلوماسية لا القوة العسكرية. وهذا ما جعله يركز قواته نحو الأهداف التي تحتاج لكثافة عددية، إلى جانب اتباع سياسة استيطانية مُمنهَجة لنشر الوجود العثماني الفعلي في هذه الأراضي، إلى جانب السكان الأصليين، حتى يضمن ولاء العرقيات المختلفة له؛ وهي السياسية التي كفلت له السيطرة على هذه الأراضي الجديدة. وواصل مراد الأول حملاته في البلقان حتى وقع الصدام بينه وبين الصرب الذين كانوا يمثلون قوة عسكرية شديدة البأس تاريخيًا. وعام 1389، خاضت القوات العثمانية معركتها الفاصلة ضدهم، وهي «معركة كوسوفو»، التي كانت واقعة حربية شديدة العنف سيحصل المنتصر فيها على صربيا بالكامل، بما فيها إقليم كوسوفو. وبعد معارك كرّ وفرّ، حقّقت القوات العثمانية نصرًا كبيرًا على الجيش الصربي. ولكن خلال المعركة، هرَب ميلوش، وهو زوج ابنة القائد الصربي، واستسلم للعثمانيين بمكرٍ، وطلب لقاء السلطان مراد. وبينما كان ينحني أمام مراد، عاجله بضربتين من خنجره في صدره أودتا بحياة هذا السلطان العظيم. ولكن ليس قبل أن يصدر مراد آخر حكم له بإعدام ميلوش. فأسلمَ السلطان مراد روحه هناك، وجرى دفنه في محيط مدينة بريشتينا الشهيرة، عاصمة كوسوفو. وما زال قبره هناك مزارًا إلى يومنا هذا. ومن ثم، تولى الحكم خلفًا له ابنه بايزيد الأول، ولكن ليس قبل أن يقتل أخاه خليل لضمان عدم منافسته على الحكم، وهي الآفة التي اتسم بها السلاطين العثمانيون عبر تاريخهم. بناءً على ما رأيناه، يستحق مراد الأول لقب «مؤسس الإمبراطورية العثمانية»، كونه نقلها من دولة متوسطة إلى إمبراطورية كبيرة. ولعل أعظم ما في هذا الرجل تلك المعادلة السياسية التي اتبعها خلال حكمه للموازنة بين الفتوحات العسكرية والقدرة على هضم الأراضي تباعًا دون عناء كبير. ومن ثم، فتحه المجال للتوطن العثماني في هذه الأراضي، وهو ما كفل له سياسة توسعية ثابتة ودولة مركزية قوية بدأت تلعب دورها في السياسة الأوروبية، وكادت خلال القرون التالية أن تجتاح غرب أوروبا، لولا الظروف السياسية والعسكرية المعاكسة التي لم تسمح لها بذلك.
"كما شهد عهده تطوراً ملحوظاً في الشؤون الداخلية للدولة العثمانية، إذ لأول مرة شهدت الدولة العثمانية تطبيق النظام المركزي في إدارتها، حيث طور أجهزة الدولة السياسية والإدارية، واستحدث أجهزة ومناصب لم تكن موجودة من قبل، أبرزها إنشاء منصب "قاضي العسكر". كما اهتم بالمؤسسة العسكرية، فطوّر تشكيلاتها، واهتم بالأسلحة، والتدريب العسكري، كما كان له دور بارز في نشر التعليم وبناء المدارس، كما وشهد الاقتصاد العثماني انتعاشاً في عهده بفضل زيادة رقع البلاد، وارتفاع عدد سكانها.
ولكن، على الرغم من إنجازات عثمان وأورخان، فإن كثيرين يعتبرون السلطان مراد الأول المؤسس الفعلي لـ«الإمبراطورية العثمانية»؛ ذلك أن مراد ابن أورخان، وحفيد عثمان، حوّل الدولة من مجرد دولة قوية تسيطر على الأناضول إلى إمبراطورية كبيرة تلعب الدور المحوري في شرق أوروبا بنهاية حكمه.
لقد ورث مراد الحكم من أبيه أورخان عام 1362، عندما كان في السادسة والثلاثين من عمره، وورث مع عرشه دولة منظمة قوية، غير أن حدودها كانت أضيق مما كان يحلم به هذا السلطان الشاب. وبالتالي، كرّس حكمه، الذي بلغ 27 سنة، لتحويل الدولة إلى إمبراطورية مترامية الأطراف، وفتح شرق أوروبا، ليس فقط للحكم العثماني، بل للاستيطان العثماني أيضًا. واقع الأمر أن مراد تولى الحكم في دولة وضع والده لها الأساس الصلب لتوسعها ونموها التدريجي. وكما سبقت الإشارة، تمتعت الدولة البازغة بجيش منضبط قوي يعتمد في أساسه على ألوية الإنكشارية الشهيرة. وكلمة «إنكشارية» Janissaries مشتقة من كلمتي: «يني» و«شيري»، أي: «الجيش الجديد». وقد قامت على أساس من «ضريبة الذكور» التي كانت تفرض على المسيحيين في الأراضي المستولى عليها، إذ كان يؤخذ أفضل طفل في الأسرة المسيحية، ويُدخل في الإسلام، ويجري تدريبه روحيًا وجسديًا وعلميًا بمرور الوقت، ليصبح عسكريًا مثاليًا مضمون الولاء في الجيش العثماني. وبعدما كان عثمان يستخدم الإنكشارية حرسًا خاصًا له، طوّر مراد هذا الهدف، فجعلهم نواة مدرّبة وقوة نخبوية داخل جيشه، فتحوّلت هذه القوة مع الوقت إلى تشكيل عظيم يبث الرعب في نفوس الأعداء كلما واجههم. وامتدت تركة السلطان مراد إلى أوروبا منذ حكم أورخان عام 1337، عندما وقعت الإمبراطورية البيزنطية في مأزق سياسي، لانقلاب قوة إسبانية على الإمبراطور البيزنطي، بعدما كانت تسانده، فصار في حالة يرثى لها. وحينذاك، طلب العون الفوري من السلطان الذي استغل الفرصة مباشرة للتدخل في الشؤون البيزنطية، ونشر بعض القوات في الأراضي الأوروبية الخاضعة لها، بحجة مساندة الإمبراطور، تمهيدًا لمزيد من التوسع. ومع اضطراب أحوال الدولة البيزنطية، فُتح المجال على مصراعيه للعثمانيين من أجل زيادة رؤوس الجسر الحربية لهم في أوروبا، خصوصا عندما وقعت الحرب الأهلية في القسطنطينية (عاصمة تلك الدولة)، فدخلت الدولة العثمانية طرفًا أساسيًا فيها لحساب أحد الأمراء، وانتهت التسوية السياسية بزواج سياسي لابنة الإمبراطور الجديد من الأمير مراد.

أقول المؤرخين بحقه

ـ فرانتزيس، مُؤرِّخ بيزنطي: تاريخ فرانتزيس، طبعة بون، صفحة 8. خاض السُلطان مُراد بِنفسه 37 حربًا، انتصر فيها جميعًا. أصبحت لهُ شُهرة القائد. الذي لا يُقهر، تميَّزت كُل حركاته بِأنها كانت تستند إلى خطَّة، وحتَّى في شيخوخته لم يفقد شيئًا من قدرته ودهائه.
ـ خالكونديلاس، مُؤرِّخ بيزنطي: تاريخ خالكونديلاس، طبعة باريس. صفحة 29. قاد 37 حربًا في الروملِّي والأناضول وانتصر في جميعها. كان جسورًا، رابط الجأش، فعَّالًا، شديدًا ونشيطًا في شيخوخته كما في شبابه؛ مُنظمًا، لا يُهملُ أيَّ تدبير، ولا يُشرعُ في عملٍ ما لم يُخططه بِكامل وُجوهه. يُعاملُ الدُول والأشخاص الذين يُطيعونه ويقومون بِخدمته بِالحُسنى واللين والكرم مهما كانت أديانهم. كان قاسيًا على من يُظهر لهُ العداء. لم ينجُ أحدٌ من قبضته. يصدقُ في قوله حتَّى ولو انقلبت الأُمورُ إلى ضدِّه بعد ذلك، حصل على ثقة الجميع سواء من الأعداء.
ـ إدوارد گيبون، مُؤرِّخ بريطاني: تاريح انحطاط وسُقُوط الإمبراطوريَّة الرومانيَّة، أكسفورد 1916
أو الأصحاب صفحة 52. كان مُتفوقًا على جميع مُعاصريه من الحُكَّام ورجال الدولة في العالم. فاق الحُدُود التي تخيَّلها والده. أمَّن مصالح الدولة العُثمانيَّة التي هي أحد التطوُّرات المُذهلة جدًا في التاريخ كُلِّه. نال ثقة الروم ورُبَّما محبَّتهم. عامل الأرثوذكس مُعاملةً أفضل بِأضعاف من مُعاملة الكاثوليك لِلأرثوذكس. فرناند كرينارد، مُؤرِّخ فرنسي: صُعُود وسُقُوط آسيا، باريس 1938، صفحة 52. لا يُمكن أن يُعثر على حاكمٍ على مُستوى السُلطان مُراد بين مُعاصريه من الحُكَّام الأوروپيين. لم يكن داهية عسكريًّا وأُستاذًا استراتيجيًّا فحسب، بل كان في ذات الوقت دبلوماسيًّا مُرهفًا. كان حاكمًا بِالفطرة. جعل من العُثمانيين أُمَّة مُوحَّدة. عرَّفهم بِالمُثُل وزوَّدهم بها. كان عند وفاته قد أمَّن مُستقبل هذه الدولة لِخمسة قُرُون بِحَيثُ أَفنَى عُمرَهُ فِي أَمرِ الجِهَادِ، وَكَانَ مَنصُورًا فِي حُرُوبِهِ، كَثِيرَ الخَيرِ، مُوَاظِبًا عَلَى الجَمَاعَاتِ فِي الصَلَوَاتِ.
فرناند كرينارد، مُؤرِّخ فرنسي: صُعُود وسُقُوط آسيا، باريس 1938، صفحة 52. لا يُمكن أن يُعثر
على حاكمٍ على مُستوى السُلطان مُراد بين مُعاصريه من الحُكَّام الأوروپيين. لم يكن داهية عسكريًّا وأُستاذًا استراتيجيًّا فحسب، بل كان في ذات الوقت دبلوماسيًّا مُرهفًا. كان حاكمًا بِالفطرة. جعل من العُثمانيين أُمَّة مُوحَّدة. عرَّفهم بِالمُثُل وزوَّدهم بها. كان عند وفاته قد أمَّن مُستقبل هذه الدولة لِخمسة قُرُون بِحَيثُ أَفنَى عُمرَهُ فِي أَمرِ الجِهَادِ، وَكَانَ مَنصُورًا فِي حُرُوبِهِ، كَثِيرَ الخَيرِ، مُوَاظِبًا عَلَى الجَمَاعَاتِ فِي الصَلَوَاتِ
ـ ويقول المؤرخ الفرنسي "كرينارد" عن السلطان "مراد الأول": (كان مراد أحد أكبر رجال آل عثمان، وإذ قومنا تقويماً شخصياً، فقد كان في مستوى أعلى من كل حكام أوروبا).
الحاج مُصطفى بن عبد الله القُسطنطيني (حاجي خليفة)، مُؤرِّخ عُثماني، فذلكة أقوال الأخيار في علم التاريخ والأخبار، صفحة 155 . وَكَانَ رَحِمَهُ الله تَعَالَىٰ مِن أَجَلِّ المُلُوكِ قَدًرًا وَدينًا، وَكَانَ دَائِمُ الغَزوِ.

إفتراء الأعداء عليه حول قتل ولده ساوجي بدون سبب
في الوقت الذي كان السلطان مراد لا يكاد ينجح في التغلب على إحدى مكائد الأعداء، حتى يواجه مكيدة أخرى، كان ولده الأمير ساوجي يتآمر سراً مع الأمير البيزنطي أندرونيقوس، الابن الثاني للإمبراطور يوانيس، لتدبير مؤامرة للإطاحة بالسلطان مراد، وتسليم السلطة للأمير ساوجي، وسرعان ما انتقلت المؤامرة من مرحلة التدبير إلى مرحلة التنفيذ، فسار الأميران ساوجي وأندرونيقوس على رأس جيش كانت غالبية جنوده من البيزنطيين، وتمركزا بجيشهما في منطقة لا تبعد كثيراً عن القسطنطينية، فسارع السلطان مراد لملاقاتهما، فما كاد يقترب منهما حتى خارت معنويات المتآمرين ففر الجنود البيزنطيون من أنصار أندرونيقوس، ولجأ الجنود العثمانيون من أنصار الأمير ساوجي إلى جيش أبيه السلطان مراد، فأصبح ساوجي وأندرونيقوس من غير جيش، فلم يجدا أمامهما مفراً من الهرب، ففرا إلى مدينة »ديمومة«، فلحق بهما السلطان مراد واضطرهما إلى الاستسلام. وجمع السلطان نخبة من القادة والعلماء والقضاة لمحاكمة ولده ساوجي، فحكوا عليه بالموت جزاء خروجه على طاعة ولي الأمر وجزاء موالاته للكفار أعداء الإسلام والتحالف معهم قولاً وفعلاً في محاربة المسلمين.
وأمر السلطان مراد بتنفيذ حكم الشرع في ولده مسجلاً في ذلك صدق ولائه لحكم الشريعة، وصدق التزامه بالإسلام، ولكأني به وهو يفعل ذلك، كان يستشعر قوله تعالى عز وجل: (لا تجدُ قوماً يؤمنونَ باللهِ واليومِ الآخر يوادّون من حادّ اللهَ ورسولَه ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئكَ كتب الله في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه ويدخلهم جناتٍ تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها رضي اللهُ عنهم ورضوا عنه أولئك حزب الله ألاَ إنّ حزبَ الله هم الغالبون) [المجادلة: 22].
ولقد كان من الطبيعي أن يستغل الحاقدون حادثة مقتل ساوجي، فتلقفوها وطفقوا ينسجون من حولها الأقاويل والافتراءات ليرفدوا من خلالها فريتهم عن الفتوى الشرعية المزعومة التي تبيح للسطان العثماني المسلم قتل من يشاء من بني رحمه.

من كلماته الأخيرة قبل وفاته

(لا يسعني حين رحيلي إلا أن أشكر الله إنه علام الغيوب المتقبل دعاء الفقير، أشهد إن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وليس يستحق الشكر والثناء إلا هو، لقد أوشكت حياتي على النهاية ورأيت نصر جند الإسلام. أطيعوا إبني بايزيد الأول، ولا تعذبوا الأسرى ولا تؤذونهم ولا تسلبوهم وأودعكم منذ هذه اللحظة وأودع جيشنا الظافر العظيم إلى رحمة الله فهو الذي يحفظ دولتنا من كل سوء).

والله ولي التوفيق