السلطان بايزيد الأول يلدرم (الصاعقة) بن مراد الأول

نظام الدين إبراهيم أوغلو
الباحث الأكاديمي

مقدمة
ولد السلطان الرابع بايزيد الأول في أدرنة بتاريخ 1360م وجاء الى الحكم بعمر 30 عاما تقريبا، وقد تولى الحكم من عام 1389م حتى 1403 وحكم 14 سنة (وقيل 13 سنة لانه ادعى بعض المؤرخين انه توفي عام 1402م). ودفن في مدينة بورصة. وبعد وفاته جاءت فترة الركود الى الحكم إعتبارًا من تاريخ 1402 إلى 1413 ، وذلك بسبب الخلافات بين أبناء بايزيد يلدرم والتي دامت 11 سنة، فتولى الحكم محمد جلبي/ شلبي يعني النبيل وكذلك يعني معنى الظرافة أو الحُسن والجمال. وبعد وفاته دفن في منطقة يشيل، ببورصة، ثم سليمان جلبي وأعلن سلطانه في أدرنة لقد إنتصر عليه أخوه موسى وهرب إلى بورصة، اهتم بإقامة احتفالات تحت شعار "المولد النبويّ" فنظم قصيدة شعرية باللّهجة العثمانية، تتألّف من 800 بيتٍ فيها ذكرُ معجزاتِ الرسول صلى الله عليه وسلم ومدائح عام 1409م وقتل في مدينة بُورْصا من قبل القرويين ودفن في منطقة شكرجة ببورصة. وبعده جاء موسى جلبي (وقتل كذلك من قبل محمد جلبي بسبب خيانته للخلافة، ودفن في بورصة)، وأخيرًا مصطفى جلبي وقد لقب بالمزيف أو الحيال (إنشق عن الخلافة واعلن خلافته في أدرنة فأعدمة مراد الثاني والد محمد جلبي ودفن هناك، واربعتهم لا يعتبرون سلطانًا لمخالفتهم شروط الخلافة.
لقب الصاعقة أطلقهُ والده السُلطان مُراد الأوَّل على ابنه بايزيد لِسُرعة تحرُّكه وتنقُله بِرفقة الجُند. ويُعرف باسم بايزيد الأوَّل أو يلدرم بايزيد (وبالتُركيَّة المُعاصرة ( (Yıldırım Bayezid) و«يلدرم» كلمة تُركيَّة تعني «الصاعقة»، ويُعرف في المصادر العربيَّة باسم «بايزيد الصاعقة». هو رابع سلاطين آل عُثمان وثاني من تلقَّب بِلقب سُلطانٍ بينهم بعد والده مُراد، وهو أيضًا ثاني سُلطانٍ عُثمانيٍّ صاحب جُذورٍ تُركمانيَّة ـ بيزنطيَّة. والدته هي گُل چيچك خاتون. لقد تلقَّى بايزيد تعليمه على يد نُخبة عُلماء زمانه، فعيَّن له والده من أشرف على تربيته تربيةً عسكريَّةً، وتلقينه أُصُول وفُنُون الحرب والقتال، إلى جانب العُلُوم الشرعيَّة والرياضيَّات والطبيعيَّات والآداب.
اشتهر بايزيد في التاريخ بِشخصيَّته القويَّة، فكسب احترام الجيش والحُكَّام والشعب، وعُرف عنه إرادته الصُلبة وذكاؤه وجسارته، كما اشتهر بانفتاحه العقلي، لكنَّهُ كان يميل إلى الهيمنة، ولا يهتم كثيرًا بِآراء الآخرين، فافتقر بِذلك إلى فن الحُكم الذي اتصف به والده. واشتهر كذلك بحماسته الشديدة للإسلام، وسرعة انقضاضه المفاجئ على العدو ولهذا لقب بالصاعقة، وكان مجرد ذكر اسمه يوقع الرعب في نفوس الأوروبيين.
حروبه وتوسع رقعته وكيفية وفاته

تولَّى بايزيد عرش الدولة العُثمانيَّة بعد مقتل والده مُراد في معركة قوصوه، وأثبت كفائته العسكريَّة وقُدراته التنظيميَّة لمَّا تمكَّن من قيادة الجُيُوش العُثمانيَّة إلى النصر على الصليبيين في المعركة المذكورة. ورث بايزيد عن أبيه دولةً واسعةً، فانصرف إلى تدعيمها بِكُل ما يملك من وسائل. ثُمَّ إنهُ انتزع من البيزنطيين مدينة فيلادلفية، وكانت آخر مُمتلكاتهم في آسيا الصُغرى، وأخضع البُلغار سنة 1393م إخضاعًا تامًا.
وقد جزع الغرب عندما سمع بِأنباء هذا التوسُّع الإسلامي في أوروپَّا الشرقيَّة، فدعا البابا بونيفاس التاسع إلى شن حربٍ صليبيَّةٍ جديدةٍ ضدَّ العُثمانيين. وقد لبَّى النداء عدد من مُلُوك أوروپَّا كان في مُقدمتهم سيگيسموند اللوكسمبورغي ملك المجر بعد أن أنشأ جيشًا من المُتطوعين المُنتسبين إلى مُختلف بُلدان أوروپَّا الغربيَّة. ولكنَّ بايزيد هزم جُنُود سيگيسموند في معركة نيقوپولس وردَّهم على أعقابهم. وقد حاصر بايزيد القُسطنطينيَّة مرَّتين مُتواليتين، ولكنَّ حُصُونها المنيعة ثبتت في وجه هجماته العنيفة، فارتدَّ عنها خائبًا. ولم ينسَ بايزيد وهو يُوجِه ضرباته الجديدة نحو الغرب، ولكن الجيش المغولي بقيادة هولاكو بداؤا يستعدُّون لِلانقضاض عليه من جهة الشرق، وخاصَّةً بعد أن ظهر فيهم رجلٌ عسكريٌّ جبَّار هو تيمور بن طرقاي الگوركاني الشهير باسم «تيمورلنك»، والمُتحدِّر من سُلالة جنكيز خان. لِذلك عمل بايزيد على تعزيز مركزه في آسيا الصُغرى استعدادًا لِلموقعة الفاصلة بينه وبين تيمورلنك. وفي ربيع سنة 1402م، تقدَّم تيمورلنك نحو سهل أنقرة لِقتال بايزيد، فالتقى الجمعان عند «چُبُق آباد» ودارت معركةٌ طاحنةٌ انهزم فيها العُثمانيُّون، وحاول السُلطان بايزيد الهرب، فأسرهُ جيش المغول وقد بقي حوالي 8 شهور في الأسر، إلى أن توفي في العاشر من مارس عام 1403م، وبعد وفاته سمح "تيمور لنك" لابنه "موسى بن بايزيد" الذي تم اسره مع والده بنقل جثمان ابيه الى بلده، حيث دُفن في مدينة "بورصة" شمال غرب تركيا.
ملاحظة: يمكن لنا أن نوضح هنا للحاقدين على الدولة العثمانية أن العثمانيين ليسوا من سلالة هولاكو وتيمورلنك ولا أنهم يمثلون الدولة العثمانية وان كانوا اتراك، ثم أنهم كانوا نصارى ولايؤمنون بالله تعالى وحاربوا العثمانيين وكان هدفهم إبادة كافة المسلمين فقتلوا من المسلمين بالملايين، وحتى أنهم أنتصروا على بايزيد يلدرم وقتلوا الكثير من جيشه. ولكن بفضل الله تعالى إستطاع الجيش العثماني بقياد سيف الدين قُطز سلطان مصر بالاشتراك مع جيش جلال الدين الخوزارزمي وكذلك ضمه الكثير من قبائل المسلمين ومن كافة القوميات الى جيشه واخيرا استطاعوا من هزيمتهم شر هزيمة في معركة عين جالوت وأنقذوا المسلمين من ظلم الجيش المغولي ومن التتار، ولو قرأ الناس حياة السلاطين لعلموا كيف أنهم يراعون حقوق الشعوب وكيف أنهم يطبقون العدالة والمساواة بين الناس وكيف أنه يأخذون دروس العلوم الاسلامية من مدارس دينية وعلى أيدي علماء اجلاء من دون استثناء، وكيف انهم يوصون ابناءهم على طاعة اوامر الله تعالى وعدم ظلمهم الناس.
فتح البلقان وفتح بلغاريا

بعد أن تم التفاهم مع الصرب وجه بايزيد ضربه خاطفة في عام (797هـ/1393م) إلى بلغاريا، فاستولى عليها وأخضع سكانها. وكان لسقوط بلغاريا في قبضة الدولة العثمانية صدىً هائلاً في أوروبا وانتشر الرعب والفزع والخوف أنحاءها وتحركت القوى المسيحية الصليبية للقضاء على الوجود العثماني في البلقان. قام سيجسموند ملك المجر والبابا بونيفاس التاسع بالدعوة لتكتل أوروبي صليبي مسيحي ضد الدولة العثمانية، وكان ذلك التكتل من أكبر التكتلات التي واجهتها الدولة العثمانية في القرن الرابع عشر الميلادي من حيث عدد الدول التي اشتركت فيه، ثم أسهمت فيه بالسلاح والعتاد والأموال والقوات وبلغ العدد الإجمالي لهذه الحملة الصليبية 120000 مقاتل من مختلف الجنسيات (ألمانيا وفرنسا إنجلترا واسكتلندا وسويسرا ولوكسمبرج والأراضي المنخفضة الجنوبية وبعض الإمارات الايطالية ) وتحركت الحملة عام (800هـ/1396م) إلى المجر، ولكن زعماءها وقادتها اختلفوا مع سيجسموند قبل بدء المعركة.
فقد كان سيجسموند يؤثر الانتظار حتى يبدأ العثمانيون الهجوم، ولكن قواد الحملة شرعوا بالهجوم، وانحدروا مع نهر الدانوب حتى وصلوا إلى نيكوبوليس شمال البلقان وبدؤوا في حصارها وتغلبوا في أول الأمر على القوات العثمانية، إلا أن بايزيد ظهر فجأة ومعه حوالي مئة ألف جندي، وهو عدد يقل قليلاً عن التكتل الأوروبي الصليبي، ولكنه يتفوق عليهم نظاماً وسلاحاً، فانهزم معظم النصارى ولاذوا بالفرار والهروب وقتل وأسر عدد من قادتهم.
وخرج العثمانيون من معركة نيكوبوليس بغنائم كثيرة وفيرة واستولوا على ذخائر العدو. وفي نشوة النصر والظفر قال السلطان بايزيد إنه سيفتح إيطاليا ويطعم حصانه الشعير في مذبح القديس بطرس بروما.
لقد كان ذلك النصر المظفر له أثر على بايزيد والمجتمع الإسلامي، فقام بايزيد ببعث رسائل إلى كبار حكام الشرق الإسلامي يبشرهم بالانتصار العظيم على النصارى، واصطحب الرسل معهم إلى بلاطات ملوك المسلمين مجموعة منتقاة من الأسرى المسيحيين باعتبارهم هدايا من المنتصر ودليلاً مادياً على انتصاره. واتخذ بايزيد لقب (سلطان الروم) كدليل على وراثته لدولة السلاجقة وسيطرته على كل شبه جزيرة الأناضول كما ذكرنا.
كما أرسل إلى الخليفة العباسي المقيم بالقاهرة يطلب منه أن يقر هذا اللقب حتى يتسنى له بذلك أن يسبغ على السلطة التي مارسها هو وأجداده من قبل طابعاً شرعياً رسمياً فتزداد هيبته في العالم الإسلامي، وبالطبع وافق السلطان المملوكي برقوق - حامي الخليفة العباسي - على هذا الطلب؛ لأنه يرى بايزيد حليفه الوحيد ضد قوات تيمورلنك التي كانت تهدد الدولة المملوكية والعثمانية وهاجر إلى الأناضول آلاف المسلمين الذين قدموا لخدمة الدولة العثمانية.

أسباب ساهمت في إيجاد الصراع بين تيمورلنك وبايزيد وهزيمة بايزيد

دخل بايزيد في صراع مع تيمورلنك الذي كان يحكم جزءاً واسعاً من العالم الإسلامي من جهة المشرق وآسيا الوسطى.. وكانت هناك عوامل وأسباب ساهمت في إيجاد الصراع بين تيمورلنك وبايزيد، منها:
* لجأ أمراء العراق الذين استولى تيمور على بلادهم إلى بايزيد، كما لجأ إلى تيمور بعض أمراء آسيا الصغرى، وفي كلا الجانبين كان اللاجئون يحرضون من استجاروا به على شن الحرب ضد الطرف الآخر.
* تشجيع النصارى لتيمورلنك ودفعه للقضاء على بايزيد.
* الرسائل النارية بين الطرفين، ففي إحدى الرسائل التي بعث بها تيمور إلى بايزيد أهانه ضمنياً حين ذكّره بغموض أصل أسرته، وعرض عليه العفو على اعتبار أن آل عثمان قد قدموا خدمات جليلة إلى الإسلام، لكن بايزيد أصر على التحدي وصرح بأنه سيتعقب تيمور إلى تبريز وسلطانية.
* كان الزعيمان تيمورلنك وبايزيد يسعى كل منهما لتوسيع دولته. فوقعت بينهما مواجهات عسكرية قرب أنقرة عام 804هـ/1402م، وانتصر المغول ووقع بايزيد في الأسر حتى وافاه الأجل في السنة التالية.
وكانت الهزيمة بسبب اندفاع وعجلة بايزيد فلم يحسن اختيار المكان الذي نزل فيه بجيشه الذي لم يكن يزيد عن مئة وعشرين ألف مقاتل بينما كان جيش خصمه لا يقل عن ثمانمائة ألف، ومات كثير من جنود بايزيد عطشاً لقلة الماء وكان الوقت صيفاً شديد القيظ.
وفرحت الدول النصرانية في الغرب بنصر تيمورلنك وهزها الطرب لمصرع بايزيد وما آلت إليه دولته من التفكك والانحلال وبعث ملوك انجلترا وفرنسا وقشتالة وإمبراطور القسطنطينية إلى تيمورلنك يهنئونه على ما أحرزه من النصر العظيم والظفر المجيد. واعتقدت أوروبا أنها قد تخلصت إلى الأبد من الخطر العثماني الذي طالما روعها وهددها..
واستولى تيمورلنك بعد هزيمة بايزيد على أزنيق وبروسة وغيرها من المدن والحصون ثم دك أسوار أزمير وخلصها من قبضة فرسان رودس (فرسان القديس يوحنا)؛ محاولاً بذلك أن يبرر موقفه أمام الرأي العام الإسلامي الذي اتهمه بأنه وجه ضربة شديدة إلى الإسلام بقضائه على الدولة العثمانية. وحاول تيمورلنك بقتاله لفرسان القديس يوحنا أن يضفي على معارك الأناضول طابع الجهاد.
كما أعاد تيمورلنك أمراء آسيا الصغرى إلى أملاكهم السابقة، ومن ثم استرجاع الإمارات التي ضمها بايزيد، كما بذر تيمور بذور الشقاق بين أبناء بايزيد المتنازعين على العرش.
إضافة إلى تلك الهزيمة تعرضت الدولة العثمانية لخطر داخلي تمثل في نشوب حرب أهلية في الدولة بين أبناء بايزيد على العرش، واستمرت هذه الحرب عشر سنوات (806-816هـ/1403-1413م).ويمكن أن نعتبر هذا الوضع بمثابة السقوط الأول للدولة العثمانية، قبل أن تسقط السقوط الأخير وتتفكك في آخر عهده..
صمد العثمانيون لمحنة أنقرة بالرغم مما عانوه من خلافات داخلية، إلى أن انفرد محمد الأول بالحكم في عام 1413م، وأمكنه لم شتات الأراضي التي سبق للدولة أن فقدتها. إن إفاقة الدولة من كارثة أنقرة يرجع إلى منهجها الرباني الذي سارت عليه حيث جعل من العثمانيين أمة متفوقة في جانبها العقدي والديني والسلوكي والأخلاقي والجهادي وبفضل الله حافظ العثمانيون على حماستهم الدينية وأخلاقهم الكريمة. ثم بسبب المهارة النادرة التي نظم بها أورخان وأخوه علاء الدين دولتها الجديدة وإدارة القضاء المثيرة للإعجاب والتعليم المتواصل لأبناء وشباب العثمانيين وغير ذلك من الأسباب التي جعلت في العثمانيين قوة حيوية كاملة، فما لبثت هذه الدولة بعد كارثة أنقرة إلا انبعثت من جديد من بين الأنقاض والأطلال وانتعشت وسرى في عروقها ماء الحياة، وروح الشريعة، واستأنفت سيرها إلى الأمام في عزم وإصرار حير الأعداء والأصدقاء، حسب وصف الصلابي.

نصيحة بايزيد الأول يلدرم (الصاعقة) لولده السلطان محمد الأول جلبي

"يا بني؛ احرص دومًا على أن تكون متواضعًا، فلا يغرنك السلطان والمال. كنت مبتسم فمن خلال ابتسامتك ستنال الكم الهائل من الصدقات. لا ترضخ لغضبك مهما كان سببه ومهما كانت شدته، فكم من غاضب قطع أصابعه ندما".

افتراء الاعداء على قتل بايزيد اخيه الصغير يعقوب

وفي حادثة قتل السلطان بايزيد بن مراد (الصاعقة) لأخيه الصغير يعقوب، فلا أجد غضاضة في تأكيد وقوعها، ولا أجد حاجة إلى محاولة تبريرها. فقد استهل بايزيد عهده فعلاً بارتكاب جريمة بشعة حيث أقدم على قتل أخيه الصغير يعقوب بتحريض من بعض أنصاره الذين طفقوا يوغرون صدره ضد أخيه، الذي كان شجاعاً، قوي الشخصية، ووجدتْ وشايةُ المغرضين هوى في نفس بايزيد الذي خشي أن يزاحمه يعقوب على السلطنة، واشتطت به وساوسه حين أخذ الوشاةُ يذكرونه بأن جده أورخان بن عثمان ولي السلطنة رغم كونه الأصغر سناً من أخيه الأمير علاء الدين.ولئن كنت أنكر أن بايزيد قد ارتكب جريمته البشعة فعلاً، بعد أن غلبه هواه، وزينت له وساوسه أن يقترف تلك الجريمة، وطوعت له نفسه قتل أخيه فقتله. فالجريمة يتحمل وزرها بايزيد وحده، وليس من العدل ولا من المنطق أن يزجّ بالإسلام في عملية تبريرها.
وينبغي أن أشير هنا إلى أن الجفاء كان مستحكماً بين العلماء والسلطان بايزيد، لدرجة أستبعد معها أن يجد بايزيد عالماً واحداً يستجيب له فيصدر تلك الفتوى التي ينسب استصدارها في بعض المراجع إلى بايزيد.
ولقد بلغ من حدة ذلك الجفاء أن العالم المؤمن القاضي شمس الدين محمد حمزة الفناري ردّ شهادة السلطان بايزيد في إحدى القضايا، فلما راجعه بايزيد في ذلك، أجابه القاضي المؤمن بأنه ردّ شهادته لأنه تارك لصلاة الجماعة.
بل لقد بلغ الجفاء بين العلماء والسلطان بايزيد إلى حد أقرب ما يكون إلى القطيعة بسبب استنكارهم لوقوعه تحت سيطرة وتأثير زوجته النصرانية الأميرة أوليفيرا شقيقة ملك الصرب لازار، وتماديه بتحريض منه على إدمان شرب الخمر، وإقامة حفلات اللهو، ويذكر المؤرخ التركي المعاصر إسماعيل حامي دنشمند في كتابه »موسوعة التاريخ العثماني« أن بايزيد ذهب ليتفقد العمل في بناء مسجد »أولو جامع« في بورصة، وكان قد أوشك بناؤه على الانتهاء، فالتقى خلال تجواله في المسجد بالعالم المؤمن محمد شمس الدين البخاري، فسأله على مسمع من الناس عن رأيه في نابء المسجد، وهل يرى في البناء أي نقص..؟ فأجابه العالم المؤمن بجواب ساخر يحمل بين طياته مشاعر عدم الرضى عن سيرة بايزيد المنافية للإسلام، فقال له: بالنسبة لنا نحن المسلمين، فإننا لا نجد أي نقص في بناء المسجد، أما بالنسبة إليك يا بايزيد، فإني أخشى أن تكون قد نسيت أن تضع خزانة تحفظ بها خمورك بجانب المحراب.
أفيعقل بعد هذا أن يجد بايزيد عالماً واحداً يفتي بقتل أخيه من غير مسوّغ شرعي؟

والله ولي التوفيق