السلطان محمد الفاتح /فاتح القسطنطينية

نظام الدين إبراهيم اوغلو
الباحث الأكاديمي ـ تركيا

مقدمة

السلطان محمد الفاتح (محمد الثاني) بن مراد الثاني. فاتح مدينة إسطنبول. وهو سابع سلاطين الدّولة العثمانية الذي اشتهر في جميع أنحاء العالم آنذاك بالفتوحات ووصلت الدولة العثمانية الى عظمتها، وهو من قام بالقضاء على الدّولة البيزنطية بعد حكمِها الطّويل، وهو ما اعتبره العديد من المؤرخين النّقطة الانتقالية من العصور الوسطى إلى العصور الحديثة.. ولد في أدرنة بتاريخ 30 آذار 1432م، لقد تولى الحكم في المرة الأولى عام 1444م وبقي سنتان في الحكم وكان عمره 12 سنة ثم كلف والده بسبب ظهور الفتن، وفي المرة الثانية تولى الحكم من عام 1451م حتى 1481م وقد حكم 30 سنة (إذا حسبنا السنتان يكون 32 سنة) وعندما تولى الحكم كان عمره 19 سنة. وفتح القسطنطينية وعمره 21 سنة، وقد تُوفي وهو في طريقه إلى فتح مصر عام 1481، والسبب غير معروف ودفن في منطقة الفاتح بمدينة اسطنبول.
وقد نشأ السلطان محمد الفاتح بجوار والده وتحت رعايته على تربية القرآن، حيث اهتم بتنشئته وتربيته جسمًا وعقلاً وروحا وسلوكًا وخلقًا، حيث مرنه على ركوب الخيل والرمي بالقوس والضرب بالسيف. وفي نفس الوقت أقام عليه معلمًا من خيرة أساتذة عصره وهو الملا الشيخ أحمد بن إسماعيل الكوراني وكان يختم القرآن الكريم عنده وهو في نعومة أظفار وكان الفاتح يسميه «أبا حنيفة زمانه»، وكذلك أخذ دروسه من علماء أخرين أمثال الشيخ آق شمس الدين، وملا خسرو، والشيخ هوجا زاده، والشيخ مولا إياش، وملا إلياس، والشيخ سراج الدين الحلبي، وملا عبدالقادر، وحسن سامسوني والشيخ خير الدين أفندي.
وكذلك درس السلطان محمد الفاتح على يد معلمين آخرين في الرياضيات والجغرافية والفلك والتاريخ واللغات المختلفة فاصبح محمد حاذقًا باللغة العربية والفارسية واللاتينية والإغريقية إضافة إلى لغته التركية. اسم والدة السلطان محمد الفاتح وهي هُما خاتون ولدت في فرنسا، وبعد الزواج من والده أسلمت، وتوفيت عام 1449م ودفنت في بورصة.

صفاته الخلفيه والخلقيه

كان السلطان محمد الفاتح قمحي اللون، متوسط الطول، متين العضلات، كثير الثقة بالنفس، ذا بصر ثاقب وذكاء حاد ومقدرة على تحمل المشي، ويُحسن ركوب الخيل واستعمال السلاح، وكان محبًّا للتفوق، ميالاً للسيطرة طموحًا، سريعًا في فهم المواقف، يحسن معالجة الأمور، كبير اليقظة بعيد النظر، وكان محبًّا ومهتمًا للعلماء ورجال الأدب ولا تخلو مائدته من بعضهم، ويجد متعة في مناقشتهم وسماع نتاجهم، واتخذ من ندمائه الأدباء والشعراء والفلاسفة ورجال الفكر، وكان السلطان يعيش حياة بسيطة للغاية لا تعدو القراءة والتدريب على فنون الحرب ثم الصيد، كان عدوًّا للترف، عاداته غير معقدة، ومائدته بسيطة كل البساطة، كان بعيدًا عن الاختلاط المبتذل في جو هادئ وسط أسرته ورجال دولته، أو في جو صاخب كله نزال ونضال وحرب .

محمد الفاتح وقصة والدتها

في قرية صغيرة على حدود إحدى المدن البحرية والتي كان اسمها في ذلك الوقت القسطنطينية كانت تعيش سيدة مسلمة اسمها «هوما خاتون»، و كانت تحب التقرب إلى الله بالعبادة والعمل الصالح وذات يوم علمت أن الرسول صلي الله عليه وسلم بشر المسلمين بفتح القسطنطينية، وتمنت أن تتقرب إلى الله بتربية ابنها محمد وتتعهده بالرعاية وتغرس فيه ما يؤهله ليكون فاتح المدينة. وكانت تخرج صباح كل يوم إلى حدود قريتها وفي يدها ابنها الصغير محمد وتقول له: يا محمد هذه القسطنطينية وقد بشر النبي صلي الله عليه وسلم بفتحها على أيدي المسلمين أسأل الله القدير أن يكون هذا الفتح على يديك.
ويرد الطفل الصغيره كيف يا أمي أفتح هذه المدينة الكبيرة؟ فترد عليه: بالقرآن والسلطان والسلاح وحب الناس ويكبر«محمد» وتكبر معه أمنية أمه، ويسعى إلى تحقيقها بالتدريب المتواصل، وتعلم العلوم والمعارف التي أهلته ليصبح من أفضل قادة جيش الدولة العثمانية.
واستمرت الأم العظيمة تغرس فيه هذه المعاني حتى بلغ عمره ۲۲ سنة ومات أبوه السلطان مراد الثاني.. دخلت أمه عليه وهو يبكي على أبيه فقالت له : أنت تبكي ؟! قم القسطنطينية بانتظارك وأعداء أبيك في كل مكان.
أصبح محمد بن مراد سلطان الدولة العثمانية، ولم ينسى أمنية والدته، وبذل جهودا جبارة في التخطيط الفتح القسطنطينية، وإعداد الجيش العثماني وتدريبه وإمداده بالأسلحة استعدادا لهذا العمل العظيم. وكان يقف بين الجنود يرفع معنوياتهم ويذكرهم بثناء الرسول صلي الله عليه وسلم على الجيش الذي يفتح القسطنطينية، وعسى أن يكونوا هم هذا الجيش المقصود بذلك.
واعتنى محمد عناية خاصة بالأسطول العثماني؛ وعمل على تقويته، وتزويده بالسفن ليكون مؤهلا للقيام بدوره في الهجوم على القسطنطينية. وحاصر الأسطول العثماني القسطنطينية عدة أسابيع حتى استسلمت يوم الثلاثاء ۲۰ جمادى الأولى 875 هـ ، ودخل السلطان محمد الفاتح» في وسط المدينة يحف به جنده وقواده وهم يرددون: ما شاء الله. فالتفت إليهم وقال : لقد أصبحتم فاتحي القسطنطينية، الذين أخبر عنهم رسول الله صلي الله عليه وسلم ، وهنأهم بالنصر، وأمرهم بالرفق بالناس، والإحسان إليهم ثم ترجل عن فرسه، وسجد لله على الأرض شكرا وحمدا وتواضعا.

توليه الخلافه

عندما بلغ محمد الثاني ربيعه الحادي عشر أرسله والده السلطان إلى أماسيا ليكون حاكمًا عليها وليكتسب شيءًا من الخبرة اللازمة لحكم الدولة، ولم يمكث طويلاً حيث أتاه خبر وفاة والده مراد الثاني وكان ذلك في عام 1451 فأسرع إلى أدرنه ووصلها على ظهر جواده واستقبله كبار رجال الدولة والعلماء، فعزوه في وفاة والده، كما قدموا إليه تهانيهم بالسلطنة، ثم توجه الركب السلطاني إلى السراي بأدرنه، فتولى السلطان محمد الثاني عرش آبائه في اليوم السادس عشر من شهر محرم سنة 855 هجرية (الموافق 18 شباط 1451م) وهو في الحادية والعشرين من عمره، ليقوم بأكبر مهمة سجلها التاريخ ألا وهي فتح مدينة القسطنطينية وهي من أجلِّ أعمال السلطان محمد الفاتح.

موجز لأعمال محمد الفاتح

1ـ أنشاء الديوان: وهو الذي يجتمع في رجال القصر السلطاني قبل ظهر كل يوم ما عدا أيام العطلات الرسمية وكان يتألف من: الوزير الأعظم، ووزراء القبة، وقضاة العسكر، وقاضي استانبول، وآغا الإنكشارية، وبعض كبار رجال الدولة بحكم مناصبهم. وكان الديوان يتميز بروح الانصاف واحقاق الحق، وتصدر قرارته من قبل قضاة العسكر أو قاضي استانبول، على أساس أن الإدارة في الإسلام قائمة على الشورى. وعندما ينعقد الديوان يتلو رئيس الكتاب الموضوعات والقضايا المعروضة، ويبت فيها، ثم يصدر الحكم فيها قاضي العسكر أو قاضي استانبول على حسب نوع القضية أو المشكلة المعروضة .
2ـ وضع قوانين تنظيم العلاقات بين سكان الدولة المسلمين وغير المسلمين.
3ـ تقنين الشرع: حيث شكل لجنة اختاريها بنفسه بدقة وتمعن من كبار العلماء، ووضع (قانون نامه) الذي جعله أساسا لحكم دولته، وكان هذا القانون مكونًا من ثلاثة أبواب، يتعلق بمناصب الموظفين، وببعض التقاليد وما يجب أن يتخذ في التشريفات والاحتفالات السلطانية، وهو يقر كذلك العقوبات والغرامات، ونص صراحة على جعل الدولة حكومية إسلامية.
أنشاء مؤسسة علمية كبيرة تهدف إلى تخريج علماء متبحرين في العلوم كلها خصوصًا في العلوم الدينية.
أنشأ مدارس الدولة بالمجان على النظام الأوروبى ورتبها على درجات ومراحل، وحرص على نشر المدارس والمعاهد في كافة المدن والقرى وأوقف عليها الأوقاف الكثيرة. ووضع لها المناهج، وحدد العلوم والمواد التي تدرس في كل مرحلة، ووضع لها نظام الامتحانات للانتقال للمرحلة التي تليها، وكان ربما يحضر امتحانات الطلبة ويزور المدارس وكان يسمع الدروس التي يلقيها الأساتذة، ولا يبخل بمنح مالية للنابغي، هدفها تخريج دفعات من الرجال للحروب التى يخوضها فكانت المواد التي تدرس في تلك المدارس هى: التفسير والحديث والفقه والأدب والبلاغة وعلوم اللغة والهندسة.
فأنشأت الجامعات لتدريس هذه العلوم. في جميع أنحاء الدولة العثمانية وأشهر هذه الجامعات والكليات: جامعة إسطنبول أقدم جامعة عثمانية أسسها محمد الفاتح عام 1453 في نفس عام فتح القسطنطينية ومنذ إنشائها كانت تدرس العلوم الدينية وعلوم الفضاء والرياضيات والاحتماع والحقوق والآداب والطب
وقام بتنظيم مراحل التعليم، حيث جعل النظام الدراسي المتبعة بمدارسه ينقسم إلى أربع مراحل وهي على النحو التالي:
المرحلة الأولى: تسمى الخارج: حيث يدرس فيها مبادئ العلوم الدينية والرياضية والطبيعية علاوة على حفظ أجزاء من القرآن الكريم، وتسمى في مجموعها دروس الخارج .
المرحلة الثانية: تسمى الداخل: حيث يدرس فيها مقاصد العلوم السابقة ولا سيما الفقه، ويضاف إليها مواد التاريخ الإسلامي واللغة العربية، وهي مجموعها عموميات ومدخل للتخصص ويمكن لخريج المرحلة الثانية تولي الوظائف البسيطة، أما الطالب الذي كان يريد الانخراط في السلك العلمي فعليه أن يلتحق بالمرحلة العلمية الثالثة .
المرحلة الثالثة: وتسمى بموصلة الصحن: وهي بمثابة اعدادي للمرحلة الأخيرة حيث يدرس على علماء متخصصين في العلوم العالية المقررة فيها، حتى إذا أتم دراسته بنجاح خول له ذلك حق الإلتحاق بمدارس الصحن.
المرحلة الرابعة : وتسمى بمدارس الصحن وهي بمثابة جامعة كبرى، تتكون من المدارس الثمان المبنية حول جامع الفاتح، وبجوارها المدارس الموصلة للصحن وهي ثمان مدارس أخرى بنيت خلف المدارس الثمان المشار إليها .
6 ـ أنشأ بجوار المدارس مطعمًا خيريًّا ومستشفى كامل المعدات ليتمرن طلاب الطب فيه. كذلك أنشأ مستشفيات (دور الشفاء) على النظام الأوربى. وكان العلاج والأدوية في هذه المستشفيات بالمجان وكان يعهد بكل دار من هذه الدور إلى طبيب – ثم زيد إلى اثنين – ولما لم يكن هناك أطباء كافيين فى دولته فكان يعمل الأطباء من أي جنس كان، يعاونهما كحال وجراح وصيدلي وجماعة من الخدم والبوابين، وكان يجب على الأطباء أن يعودوا المرضى مرتين في اليوم، وأن لاتصرف الأدوية للمرضى إلا بعد التدقيق من إعدادها، وكان يشترط في طباخ المستشفي أن يكون عارفًا بطهي الأطعمة والأصناف التي توافق المرضى منها، ورواد هذه المستشفيات جميع الناس بدون تمييز بين أجناسهم وأديانهم.
7ـ أنشأ السلطان محمد الفاتح كثير من المساجد أكثر من ثلاثمائة مسجد والمعاهد العلمية والقصور والمستشفيات والخانات والأسواق والحدائق العامة.
أدخل المياه إلى القسطنطينية عبر قناطر خاصة.
9ـ شجع كبار الدولة ووزرائها والأغنياء على تشييد المباني وإنشاء المحلات التجارية التي تزين في عمران المدينة. بنى السلطان محمد الفاتح دار السعادة القديمة بقرب الجامع الذي أنشاءه السلطان بايزيد الأول، فكانت أول دار حكومية أنشأها سلاطين آل عثمان بعد مدينة القسطنطينية. بنى الجامع الشهير باسمه وهو الواقع على التل الرابع في المدينة بحيث يُرى من البحر على بعد مسافة بعيدة، ليستشعر الناظر إليه بالروح الإسلامية لهذا البلد الذي هو مقبل عليه. أنشأء مكتبة والتي تعتبر أول مكتبة أُسست من نوعها في القسطنطينية على يد السلطان محمد الفاتح .
10ـ شيد السلطان جامع كوجك أيا صوفيا أي جامع أيا صوفيا الصغير وهو واقع على بحر مرمره .
11ـ اهتم السلطان محمد الفاتح بالجيش وأولاه رعاية خاصة حيث قام بأعاد تنظيم الجيش وقيادته.
12ـ أنشاء دور الصناعة العسكرية لسد احتياجات الجيش من الملابس والسروج والدروع ومصانع الذخيرة والأسلحة. وأقام القلاع والحصون في المواقع ذات الأهمية العسكرية. وأنشأ أيضًا جامعة عسكرية لتخريج المهندسين والأطباء البيطريين وعلماء الطبيعيات والمساحة.
13ـ لما كانت أمه مسيحية تتكلم اللغة الرومية فقد أتقن اللغة الرومية، وأمر بنقل كثير من الآثار المكتوبة باليونانية واللاتينية والعربية والفارسية إلى اللغة التركية، ونقل إلى التركية كتاب التصريف في الطب للزهراوي، وعندما وجد كتاب بطليموس في الجغرافيا وخريطة له طلب من العالم الرومي جورج اميروتزوس وابنه أن يقوما بترجمته إلى العربية وإعادة رسم الخريطة باللغتين العربية. والرومية و كافأهما على هذا العمل بعطايا واسعة، وقام العلامة القوشجي بتأليف كتاب بالفارسية ونقله للعربية وأهداه للفاتح.
14ـ استقدم محمد الفاتح رسامين من إيطاليا إلى القصر السلطاني، لإنجاز بعض اللوحات الفنية، وتدريب بعض العثمانيين على هذا الفن.
15 صبَّ مدافع عملاقة لم تشهدها أوروبا من قبل.
16ـ قام ببناء سفن جديدة في بحر مرمرة لكي تسد طريق "الدردنيل".
17ـ شيّد على الجانب الأوروبي من مضيق "البوسفور" قلعة كبيرة أطلق عليها اسم قلعة "روملي حصار" لتتحكم في مضيق البوسفور، بنى قلعة على مضيق البوسفور على الشاطئ الأوروبي مقابل القلعة التي بناها السلطان بايزيد على الشاطئ الآسيوي كي يتحكم بالمضيق وكان سبب بنائها هو وصول الإمدادات إلى القسطنطينية من مملكة طرابزون الواقعة على ساحل البحر الأسود شمال شرقي الاناضول عندما يبدأ فى حصارها ، ورأى قسطنطين أن محمد الثاني عازم على غزو القسطنطينية فعرض دفع الجزية التي حتى لم يطلبها السلطان فرفض، وحاول قسطنطين أن يتزوج بأرملة السلطان مراد الثاني أم السلطان محمد وكانت لا تزال على مسيحيتها فرفضت واعتكفت في بعض الأديرة.
18ـ نظم أول دستور على النسق الأوربى فى دولة تدين بالإسلام، قام السلطان محمد الثاني بالتعاون مع الصدر الأعظم "قرة مانلي محمد باشا"، وكاتبه "ليث زاده محمد جلبي" وضع الدستور المسمى باسمه، وقد بقيت مبادئه الأساسية سارية المفعول في الدولة العثمانية حتى عام (1255هـ=1839م).
19ـ كان السلطان محمد الثاني شاعرًا له ديوان شعر، وقد نشر المستشرق الألماني "ج. جاكوب" أشعاره في برلين سنة (1322هـ=1904م)، وكان دائم قراءة الأدب والشعر، ويصاحب العلماء والشعراء، ويصطفي بعضهم ويُوليهم مناصب الوزارة، وعهد إلى الشاعر "شهدي" أن ينظم ملحمة شعرية تصور التاريخ العثماني على غرار "الشاهنامة" التي نظمها الفردوسي. وكان إذا سمع بعالم كبير في فن من الفنون قدّم له يد العون والمساعدة بالمال، أو باستقدامه إلى دولته للاستفادة من علمه، مثلما فعل مع العالم الفلكي الكبير "علي قوشجي السمرقندي"، وكان يرسل كل عام مالاً كثيرًا إلى الشاعر الهندي "خواجه جيهان"، والشاعر الفارسي "عبد الرحمن جابي".
20ـ عم الرخاء البلاد وساد اليسر والرفاهية في جميع أرجاء الدولة، وأصبحت للدولة عملتها الذهبية المتميزة. وأعمال أخرى كثيرة.

الغزوات والفتوحات التي قام بها وعقد الصلح بين الاعداء

1ـ عندما أراد السلطان اثانى بعدئذ أن يتوجه إلى بلاد المورة لفتحها، فأرسل ملكها وفدًا إليه يعرض عليه دفع جزية سنوية قدرها 12 ألف دوك ذهب، ولكنه كان يضمر غزوها فغزا فتح بلاد المورة (عام 863/1453م)، وفر ملكها إلى ايطاليا.
غزا الجزر التي في بحر ايجه قرب مضيق الدردنيل.
3ـ عقد صلحًا مع اسكندر بك أمير البانيا.
حاصر القسطنطينية وفتحها بعد عامين فقط من توليه السلطة. وتحقق قول نبينا الاكرم عليه الصلاة والسلام على يد محمد الفاتح (لتفتحنّ القسطنطينية فلنعم الأمير أميرها ولنعم الجيش ذلك الجيش).
صالح أمير الصرب مقابل جزية قدرها ثمانون ألف دوك عان857، ولكنه كان مصمم على غزوها وفى السنة الثانية هاجم السلطان إلى بلاد الصرب، وحاصر بلغراد، ودافع عنها المجر وإنهزم العثمانيون هزه المرة، ولكن هاجمهم الصدر الأعظم محمود باشا واستطاع غزوها بين (861 – 863 هـ).
6ـ هاجم سرًّا الاناضول وغزا ميناء (اماستريس) الذي يتبع ميناء جنوه وكان أكثر سكانه من التجار الأغنياء .
غزا ميناء سينوب.
غزا مملكة طرابزون دون مقاومة، وكانت تتبع القسطنطينية .
غزا الأفلاق ـ وحاول السلطان محمد الثانى مهاجمة أمير الأفلاق، فطلب الأمير صلحًا مقابل جزية سنوية قدرها عشرة آلاف دوك، فوافق السلطان غير أن هذا الأمير كان يعرف غدر السلطان محمد الثانى فاتفق مع ملك المجر لمحاربة العثمانيين. فلما اتفقا، وعلم السلطان أرسل إليه رجلين يستوضح الخبر فقتلهما أمير الأفلاق، وهاجم أملاك الدولة العثمانية في بلغاريا ليحررهم من آل عثمان، فأرسل إليه السلطان وفدًا يطلب منه أن يعيد الأسرى، ويبقى على صلحه، فمثل بهم، فهاجمه السلطان ففر أمير الأفلاق إلى ملك المجر، فضم السلطان الأفلاق إلى العثمانيين، وعين أخا أمير الأفلاق واليًا عليها من قبله.
10ـ وامتنع أمير البوسنة عن دفع الخراج فهاجمه السلطان، وانتصر عليه، وحاول ملك المجر مساعدة أهل البوسنة (البوشناق) لكنه هزم. وأسلم الكثير من البوشناق بعد ذلك.
11ـ هاجم البنادقة بعض المراكز العثمانية ودخلوها، فهاجمهم السلطان ففروا من مواقعهم، ودخلها العثمانيون. وبعد هدنة سنة عاد البنادقة لغيهم إذ أرادوا استعادة ما فقدوه، وبدؤوا يغيرون على الدولة العثمانية .
12ـ بدأ البابا يدعو إلى حرب مقدسة ضد الغزو العثمانى لأوربا فشجع اسكندر بك أمير البانيا على نقض عهده مع السلطان، ودعا ملوك اوروبا وأمرائها لمساندته، غير أن البابا قد توفي ولم تقم الحرب الصليبية، لكن اسكندر بك نقض العهد، وحارب العثمانيين، وكانت الحرب سجالاً بين الطرفين. وتوفي اسكندر بك عام 870 هـ .
13ـ ضم إليه إمارة القرمان نهائيًّا ـ وكان قد اختلف أبناء أميرهم إبراهيم الذي أوصى عند وفاته لابنه إسحاق فنازعه إخوته ، فأيد السلطان إخوة إسحاق عليه وهزمه، وعين مكانه أحد إخوته، فلما رجع السلطان إلى أوروبا، احتل إسحاق قونية وفرض نفسه أميرًا على أمارة القرمان، فهاجمة السلطان وهزمه، وضم الإمارة إلى الدولة العثمانية.
14ـ عندما احتل اوزون حسن أحد خلفاء تيمورلنك مدينة توقات شرقي الأناضول وأحتلها، أرسل إليه السلطان جيشًا هزمه عام 1469 / 874 ، ثم هاجمه السلطان بنفسه على رأس جيش وأجهز على ما بقي معه من جنود.
15ـ فى عام 878 هـ / 1473م طلب السلطان على أمير البغدان اصطفان الرابع الجزية حتى لا يهاجمه فلم يقبل الأمير، فأرسل إليه جيشًا وانتصر عليه بعد حروب عنيفة، ولكن لم يستطيع غزو هذا الإقليم وأنسحب بعد هزيمته.
16ـ هاجم السلطان القرم للإستفادة من فرسانها في قتال البغدان، وتمكن من احتلال أملاك الجنوبيين الممتدة على شواطئ شبه جزيرة القرم، ولم يقاوم التتار سكان القرم العثمانيين بل دفعوا لهم مبلغًا من المال سنويًّا.
17ـ وأقلعت السفن الحربية العثمانية من القرم إلى مصب نهر الدانوب فدخلت، وكان السلطان يدخل بلاد البغدان عن طريق البر، فانهزم اصطفان الرابع، فتبعه السلطان في طريق مجهولة، فانقض عليه اصطفان الرابع وانهزم السلطان، وارتفع اسم اصطفان الرابع وذلك عام 881 هـ.
18ـ صالح السلطان البنادقة.
19ـ انهزم السلطان محمد الثانى أمام المجر عندما سار لفتح ترانسلفانيا.
20ـ ونتيجة لأنه مَلكَ أكبر أسطول بحرى فى ذلك الوقت نجح فى غزو الجزر التي بين اليونان ايطاليا، كما وغزا مدينة (اوترانت) في جنوبي شبه جزيرة ايطاليا عام 885 هـ وحاصر في العام نفسه جزيرة رودوس ولم يتمكن من فتحها.
21ـ وبعد حصار القسطنطينية عثر على ضريح ابي ايوب خالد بن زيد الانصاري رضي الله عنه، فبنى عنده مسجدًا، وأصبح تنصيب السلاطين يتم بهذا المسجد. لم يستطع المسلمون فتح القسطنطينية إلا بعد حوالي 785 عاماً من هذه الغزوة، على يد السلطان العثماني محمد الفاتح، يوم 29 مايو/أيار 1453، ومن هنا بدأت قصة أبي أيوب الأنصاري مع العثمانيين، الذي يحترمونه ويُرجع إليه بعضهم الفضل في إصرار أجدادهم العثمانيين على فتح إسطنبول، وكان العثمانيون يعلمون قصّة مجيء أبي أيوب الغازي، ورغبته المُلحَّة في المشاركة بالغزو وفتح القسطنطينية رغم كبر سنه ومرضه، الأمر الذي بث فيهم روح الحماس والقتال، واتخذوه مثالاً. وفي أثناء محاصرتهم للمدينة عام 1453 بقيادة محمد الفاتح، اكتشف الشيخ آق شمس الدين، مُعلِّم محمد الفاتح ومربِّيه الذي يعتبره الأتراك الفاتح المعنوي للقسطنطينية، القبر المفقود منذ قرون للصحابي الجليل أبي أيوب الأنصاري عند أسوار القسطنطينية قبل حصارها. وبحسب بعض الروايات، فإنّ الشيخ آق شمس قد جمع الجيش العثماني قبل حصار المدينة، وأخبرهم بأن أبا أيوب جاءه في المنام، وأخبره عن مكان قبره عند أسوار المدينة. ولذلك فإنّ أول عملٍ قام به السلطان العثماني محمد الفاتح هو تحديد موقع ضريح هذا الصحابيّ عندما فتح المدينة، وبالفعل وجد القبر، ومكتوبٌ بجانبه "قبر أبي أيوب الأنصاري"، ثم بنى له مسجد "أيوب سلطان"، وهو أول مسجد بُني في إسطنبول عام 1458، بعد خمس سنوات من فتح المدينة، بالقرب من قبر أبي أيوب، حيث مبناه مستقل تماماً عن مبنى المُصلَّى. ومن هنا اكتسب أبو أيوب الأنصاري مكانةً عظيمة في الثقافة العثمانية، فقد درج السلاطين العثمانيون في يوم تربعهم على عرش السلطنة أن يقيموا حفلاً دينياً رئيسياً في مسجد أبي أيوب، حيث يتقلّد السلطان سيفاً يرمز إلى السلطة التي وُليت إليه.

بعض الحقائق عن فتح القسطنطينية

إن الحقيقة التاريخية الناصعة تقول أن السلطان محمد الفاتح عامل أهل القسطنطينية معاملة رحيمة وأمر جنوده بحسن معاملة الأسرى والرفق بهم، وافتدى عددًا كبيرًا من الأسرى من ماله الخاص وخاصة أمراء اليونان، ورجال الدين، واجتمع مع الاساقفة وهدأ من روعهم، وطمأنهم الى المحافظة على عقائدهم وشرائعهم وبيوت عبادتهم، وأمرهم بتنصيب بطريرك جديد فانتخبوا أجناديوس برطيركا، وتوجه هذا بعد انتخابه في موكب حافل من الاساقفة الى مقر السلطان، فاستقبله السلطان محمد الفاتح بحفاوة بالغة وأكرمه أيما تكريم، وتناول معه الطعام وتحدث معه في موضوعات شتى، دينية وسياسية واجتماعية وخرج البطريرك من لقاء السلطان، وقد تغيرت فكرته تمامًا على السلاطين العثمانيين وعن الأتراك، بل والمسلمين عامة، وشعر انه أمام سلطان مثقف صاحب رسالة وعقيدة دينية راسخة وانسانية رفيعة، ورجولة مكتملة ، ولم يكن الروم أنفسهم أقل تأثرًا ودهشة من بطريقهم، فقد كانوا يتصورون أن القتل العام لابد لاحقهم، فلم تمض أيام قليلة حتى كان الناس يستأنفون حياتهم المدنية العادية في اطمئنان وسلام.
كان العثمانيون حريصون على الالتزام بقواعد الاسلام، ولذلك كان العدل بين الناس من أهم الأمور التي حرصوا عليها، وكانت معاملتهم للنصارى خالية من أي شكل من أشكال التعصب والظلم ، ولم يخطر ببال العثمانيين أن يضطهدوا النصارى بسبب دينهم.
إن ملل النصارى تحت الحكم العثماني تحصلت على كافة حقوقها الدينية، وأصبح لكل ملة رئيس ديني لا يخاطب غير حكومة السلطان ذاتها مباشرة، ولكل ملة من هذه الملل مدارسها الخاصة وأماكن للعبادة والأديرة، كما أنه كان لا يتدخل أحد في ماليتها وكانت تطلق لهم الحرية في تكلم اللغة التي يريدونها.
إن السلطان محمد الفاتح لم يظهر ما أظهره من التسامح مع نصارى القسطنطينية إلا بدافع إلتزامه الصادق بالإسلام العظيم، وتأسيًا بالنبي الكريم صلى الله عليه وسلم ، ثم بخلفائه الراشدين من بعده، الذين أمتلأت صحائف تاريخهم بمواقف التسامح الكريم مع أعدائهم.

مرشد ومربي السلطان محمد الفاتح هو الشيخ آق شمس الدين

وهو محمد بن شمس الدين بن حمزة يعرف بأنه الفاتح المعنوي للقسطنطينية، لقد ارتحل مع والده الى الروم، وطلب فنون العلوم وتبحر فيها وأصبح علم من أعلام الحضارة الإسلامية في عهدها العثماني.
وهو معلم الفاتح ومربيه يتصل نسبه بالخليفة الراشد أبي بكر الصديق، كان مولوده في دمشق عم 792هـ 1389م حفظ القرآن الكريم وهو في السابعة من عمره، ودرس في أماسيا ثم في حلب ثم في انقرة وتوفي عام 1459هـ.
لقد درّس الشيخ آق شمس الدين الأمير محمد الفاتح العلوم الأساسية في ذلك الزمن وهي القرآن الكريم والسنة النبوية والفقه والعلوم الإسلامية واللغات العربية ، والفارسية والتركية وكذلك في مجال العلوم العلمية من الرياضيات والفلك والتاريخ والحرب وكان الشيخ آق ضمن العلماء الذين أشرفوا على السلطان محمد عندما تولى إمارة مغنيسا ليتدرب على ادارة الولاية، وأصول الحكم .
واستطاع الشيخ آق شمس الدين أن يقنع الأمير الصغير بأنه المقصود بالحديث النبوي: لتفتحن القسطنطينية فلنعم الأمير أميرها ولنعم الجيش ذلك الجيش.
وعندما أصبح الأمير محمد سلطانًا على الدولة العثمانية، وكان شابًا صغير السن وجّهه شيخه فورًا الى التحرك بجيوشه لتحقيق الحديث النبوي فحاصر العثمانيون القسطنطينية برًّا وبحرًا. ودارت الحرب العنيفة 54 يومًا. وعندما حقق البيزنطيون انتصارًا مؤقتًا وابتهج الشعب البيزنطي بدخول أربع سفن ارسلها البابا إليهم وارتفعت روحهم المعنوية اجتمع الأمراء والوزراء العثمانيون وقابلوا السلطان محمد الفاتح وقالوا له: إنك دفعت بهذا القدر الكبير من العساكر الى هذا الحصار جريًا وراء كلام أحد المشايخ "يقصدون آق شمس الدين" فهلكت الجنود وفسد كثير من العتاد ثم زاد الأمر على هذا بأن عون من بلاد الأفرنج للكافرين داخل القلعة، ولم يعد هناك أمل في هذا الفتح... فأرسل السلطان محمد وزيره ولي الدين أحمد باشا الى الشيخ آق شمس الدين في خيمته يسأله الحل فأجاب الشيخ: لابد من أن يمنّ الله بالفتح.
ولم يقتنع السلطان بهذا الجواب، فأرسل وزيره مرة أخرى ليطلب من الشيخ أن يوضح له أكثر، فكتب هذه الرسالة الى تلميذه محمد الفاتح يقول فيها: هو المعزّ الناصر. إن حادث تلك السفن قد أحدث في القلوب التكسير والملامة وأحدث في الكفار الفرح والشماتة. إن القضية الثابتة هي: إن العبد يدبر والله يقدر والحكم لله. ولقد لجأنا الى الله وتلونا القرآن الكريم وماهي إلا سنة من النوم بعد إلا وقد حدثت ألطاف الله تعالى فظهرت من البشارات مالم يحدث مثلها من قبل.
أحدث هذا الخطاب راحة وطمأنينة في الأمراء والجنود. وعلى الفور قرر مجلس الحرب العثماني الاستمرار في الحرب لفتح القسطنطينية، ثم توجه السلطان محمد الى خيمة الشيخ شمس الدين فقبل يده، وقال: علمني ياسيدي دعاءً أدعو الله به ليوفقني، فعلمه الشيخ دعاءً، وخرج السلطان من خيمة شيخه ليأمر بالهجوم العام.
اراد السلطان أن يكون شيخه بجانبه أثناء الهجوم فأرسل إليه يستدعيه لكن الشيخ كان قد طلب ألا يدخل عليه أحد الخيمة ومنع حراس الخيمة رسول السلطان من الدخول وغضب محمد الفاتح وذهب بنفسه الى خيمة الشيخ ليستدعيه، فمنع الحراس السلطان من دخول الخيمة بناءً على أمر الشيخ، فأخذ الفاتح خنجره وشق جدار الخيمة في جانب من جوانبها ونظر الى الداخل فإذا شيخه ساجدًا لله في سجدة طويلة وعمامته متدحرجة من على رأسه وشعر رأسه الأبيض يتدلى على الأرض، ولحيته البيضاء تنعكس مع شعره كالنور، ثم رأى السلطان شيخه يقوم من سجدته والدموع تنحدر على خديه، فقد كان يناجي ربه ويدعوه بأنزال النصر ويسأله الفتح القريب. وعاد السلطان محمد الفاتح عقب ذلك الى مقر قيادته ونظر الى الأسوار المحاصرة فإذا بالجنود العثمانيين وقد أحدثوا ثغرات بالسور تدفق منها الجنود الى القسطنطينية. ففرح السلطان بذلك وقال ليس فرحي لفتح المدينة إنما فرحي بوجود مثل هذا الرجل في زمني.
وقد ذكر الشوكاني في البدر الطالع أن الشيخ شمس الدين ظهرت بركته وظهر فضله وأنه حدد للسلطان الفاتح اليوم الذي تفتح فيه القسطنطينية على يديه وعندما تدفقت الجيوش العثمانية الى المدينة بقوة وحماس، تقدم الشيخ الى السلطان الفاتح ليذكره بشريعة الله في الحرب وبحقوق الأمم المفتوحة كما هي في الشريعة الاسلامية.

قوة وحلم " السلطان محمد الفاتح"

وتروي الأدبيات التاريخية الموروثة عن الدولة العثمانية، أن السلطان محمد الفاتح رحمه الله، عندما فتح القسطنطينية عام 1453 م، وقام بتحويل كنيسة "أيا صوفيا" الشهيرة إلى مسجد محمد الفاتح كما يُسمى اليوم، استقبل وفدا من الأساقفة والحاخامات، وجاء أعضاء هذا الوفد يترجّون السلطان أن يتوقف عن تحويل الكنائس إلى مساجد. لم يتردد "الفاتح" في الاستجابة إلى مناشداتهم، بالرغم من أن القانون الدولي الإسلامي يقول إن البلدان التي لم تفتح بطريق الصلح، واضطر المسلمون لاستعمال السيف لفتحها، يحق للحاكم المسلم في هذه الحالة هدم جميع المعابد وتهجير غير المسلمين منها.
وعلى الرغم من أن اسطنبول فتحت بحد السيف بعد رفض إمبراطور بيزنطة تسليمها لمحمد الفاتح بعد مدة من الحصار، إلا أن السلطان لم يحول سوى كنيسة آيا صوفيا ومعها كنائس قليلة إلى مساجد تطبيقا لهذا الحكم الشرعي، الذي لم يسرِ على كافة الكنائس والمعابد اليهودية، ولو طبق لما بقي أي دور عبادة لغير المسلمين، بحسب ما جاء في كتاب "الدولة العثمانية المفترى عليها".
وقد اعترف الوفد المسيحي اليهودي أمام السلطان العثماني، بحسب الكتاب، أن: "اسطنبول فتحت حربا وعنوة وأن السلطان لو شاء لهدم جميع المعابد المسيحية واليهودية، ولكنهم يرجون السلطان أن يتلطف ويعامل اسطنبول وكأنها فُتحت صلحا، وأن وفدهم جاء متأخرا، إلا أنهم يأملون منه الاستجابة لرجائهم ويلحون في هذا الرجاء".
ويضيف الكتاب: "بعد قيام الفاتح بمشاورة العلماء المسلمين ممن حوله، قرر الاستجابة لهذا الرجاء، ولم يتعرض للكنائس الأخرى ولمعابد اليهود التي لم تحول بعد إلى مساجد، مع أنه كان يحق له أن يفعل ذلك، وهذا هو سبب بقاء الكنائس والمعابد اليهودية في اسطنبول منذ ذلك التاريخ إلى غاية اليوم، أي يعود هذا إلى رأي الفاتح في الحرية الدينية والوجدانية وإيمانه بهما".

زوجاته وأولاده

قيل أنه تزوج من 12 زوجة المشهورة منهن تركيتان هما كلشان خانم وسيتي خانم ورومية خديجة خانم وبيزنطية كلشاه خانم. له أربعة من الذكور: وهم شيخ زاده مصطفى وبايزيد الثاني وجم سلطان. وواحدة بنت: وهي جوهر خان سلطان.

الإفتراء الكبير حول قتل أخيه الرضيع أحمد جلبي

(على الزعم بأنه قام بقتل أخيه الرضيع أحمد جلبي بعد أيام قليلة من تسلمه مسؤولية السلطنة بعد وفاة أبيه السلطان مراد، خشية أن يزاحمه على السلطنة، ومن المؤسف أن هذا الزعم لم يقتصر على المؤرخين غير المسلمين، وإنما وقع في أحبولته عدد من المؤرخين المسلمين.
ولئن كانت هذه الفرية التي ألصقت بالسلطان محمد الفاتح تكون أوهن من بيت العنكبوت، إلا أنني أجد من الواجب التوقف عندها وتفنيدها، لكي لا يبقى بعد ذلك عذر لأي مؤرخ يحترم نفسه، ويحترم شرف الكلمة التي يؤرخ بها، أن يستمر في ترديد هذا البهتان العظيم ضد السلطان محمد الفاتح. هل يعقل أن سلطاناً ولي السلطنة في عهد أبيه، وعمره 12 سنة وتحت كنفه، ثم وليها من بعد وفاة أبيه، وقد اشتدّ ساعده، ونضجت خبرته، والتفت الأمة من حوله تحوطه بالحب والطاعة، هل يعقل أن هذا السلطان يغار من أخ له رضيع، فيخشى أن ينازعه على السلطة..؟ وكيف يتسنّى لطفل رضيع، وأنى له، أن ينازع على السلطنة، وهو الرضيع الذي إن تأخرت أمه عليه بالحليب يوماً مات جوعاً. ثم هل يصدق إنسان عاقل، أن محمداً الفاتح، الذي تربى على مائدة القرآن، على يد خيرة علماء عصره، أمثال الشيخ أحمد بن إسماعيل الكوراني الذي كان الفاتح يسميه «أبا حنيفة زمانه»، والشيخ مولا إياش، وملا خسرو والشيخ سراج الدين الحلبي، والشيخ آق شمس الدين، ويمكن أن يفكر بمثل هذا الأمر الفظيع..؟
بل، لنفرض جدلاً أن محمداً الفاتح كان يوجس خيفة أن ينازعه أخوه الرضيع على السلطنة، أفما كان يستطيع أن يحتويه تحت كنفه، ويربيه على الإخلاص له، بدل أن يقتله؟
ولماذ يستبق محمد الفاتح الأمور فيقتل أخاه الرضيع، وقد كان بإمكانه أن ينتظر وهو مطمئن البال بضعة عشر عاماً حتى يكبر أخوه، فيتحقق من نوازعه ونواياه؟ من هنا نستطيع أن نتبين انتفاء المصلحة الشخصية للسلطان محمد الفاتح من قتل أخيه الرضيع. ولننتقل الآن إلى مناقشة الطريقة التي تمت بها عملية القتل المزعومة، فقد زعم مروّجو هذه الفرية أن السلطان محمداً الفاتح أرسل أحد قواده، واسمه علي بك، إلى جناح النساء لقتل أخيه الرضيع، فلما علم علي بك أن الطفل موجود في حمام النساء حيث تقوم مربيته بغسله، اقتحم الحمام وأمسك بالطفل الرضيع وغطسه تحت الماء حتى مات مختنقاً غرقاً..
هل يصدق عاقل أن محمد الفاتح، وهو الذكي المحنك، يقدم على قتل أخيه الرضيع بهذه الصورة المكشوفة الساذجة؟ وهل كان عاجزاً عن تكليف إحدى النساء، كزوجته، أو إحدى خادماتها، بتنفيذ عملية القتل دون إثارة انتباه أحد، بدل من أن يرسل رجلاً إلى جناح النساء، وهو أمر غير مألوف، بله أن يسمح له بأن يقتحم هذا الرجل حمام النساء، حيث يكنّ فيه متحللات من حجابهن، ومتخففات من كثير من ملابسهن، وفي ذلك ما فيه من خروج مستهجن عن المألوف، من شأنه لو تحقق فعلاً أن يثير من هياج النساء، وضجيجهن، وصخبهن، ما يضطر ذلك الرجل إلى الفرار قبل أن ينفذ مأربه، مهما بلغت به الجرأة والنذالة؟
إذن، ما هي حقيقة هذه الفرية؟
الحقيقة أن المربية التي كان موكلاً إليها أمر العناية بالطفل الرضيع أحمد، انشغلت عنه لبعض شأنها بينما كانت تغسله، فوقع في حوض الماء، فمات مختنقاً غرقاً قبل أن تتداركه الأيدي التي امتدت لإنقاذه بعد فوات الأوان. وتصادف بعد غرق الطفل بأيام قليلة أن أحد ضباط الجيش، واسمه علي بك، ارتكب جريمة عقابها الإعدام، فلما أعدم، وجد الحاقدون مادة جديدة خيّل إليهم أنهاتدعم بهتانهم، فطفقوا يزعمون أن علي بك هو الذي أغرق الطفل الرضيع أحمد، وأن السلطان محمد الفاتح خشي أن يفشي هذا الرجل سره فقتله، ومن هنا جاءت الفرية على النحو الذي أشرت إليه، وينبغي الإشارة إلى أن «إدوارد سي كريسي» يتبنى هذا الزعم في كتابه «تاريخ العثمانيين الأتراك» المطبوع بالإنجليزية في بيروت في عام 1961م، ويدّعي أن السطان الفاتح أقدم على قتل الضابط علي بك متهماً إياه بقتل أخيه الرضيع دون أن يكون للسلطان علم بذلك. ولو أنهم توقفوا عند هذه الفرية وحدها لهانَ الأمر، ولكنهم ما برحوا أن بدأوا ينسجون من حولها المزيد من الافتراءات، فزعموا أن محمداً الفاتح، لم يكتف بقتل أخيه، بل أصدر قانوناً أعطى للسلطان الحق في قتل من يشاء من إخوته وأبنائه وأبناء عمومته وخؤولته، لقطع الطريق على أي منهم أن ينافسه على السلطة). / مقتبس من مقالة أيها المؤرخون: لا تظلموا العثمانيين المسلمين!
بقلم: زياد محمود أبو غنيمة.

وفاته

كان من بين أهداف السلطان محمد الثانى أن يكون يغزو روما، وأن يجمع فخارًا جديدًا إلى جانب فتحة القسطنطينية عاصمة الدولة البيزنطية بعد أن أصبحت قوته هى أقوى قوة فى العالم فى ذلك الوقت ، وكانت خطة السلطان محمد الثانى لغزو إيطاليا هو أنه جهّز أسطولاً عظيمًا ، تمكّن من إنزال قواته وعدد كبير من مدافعه بالقرب من مدينة "أوترانت"، ونجحت تلك القوات في الاستيلاء على قلعتها، وذلك في (جمادى الأولى 885هـ= يوليو 1480م). وأن يتخذ من تلك المدينة قاعدة يزحف منها شمالاً في شبه جزيرة إيطاليا ، حتى يصل إلى روما ولكنه لم يستطع التقدم بجيشة.
قاد السلطان حملة لم يحدد وجهتها، لأنه كان شديد الحرص على عدم كشف مخططاته، لكن المؤرخون يخمنون بأنها كانت إلى إيطاليا. عرض أهل البندقية على طبيبه الخاص يعقوب باشا أن يقوم هو باغتياله بدس السم له في الطعام، ويعقوب لم يكن مسلما عند الولادة فقد ولد بإيطاليا، وقد ادعى الهداية، وأسلم. بدأ يعقوب يدس السم تدريجيا للسلطان، ولكن عندما علم بأمر الحملة زاد جرعة السم. وتوفى السلطان في العام 1481م، عن عمر 49 عاما، وبلغت مدة حكمه 30 عاما تقريبا. انفضح أمر يعقوب، فأعدمه حرس السلطان. وصل خبر موت السلطان إلى البندقية بعد 16 يوما، جاء الخبر في رسالة البريد السياسي إلى سفارة البندقية في إسطنبول، احتوت الرسالة على هذه الجملة "لقد مات النسر الكبير". انتشر الخبر في البندقية ثم إلى باقي أوروبا، وراحت الكنائس في أوروبا تدق أجراسها لمدة ثلاثة أيام بأمر من البابا وأمر بأن تقام صلاة الشكر ثلاثة أيام ابتهاجًا بهذا النبأ[1].

والله الموفق
نظام الدين أبراهيم أوغلو


  1. تاريخ الدولة العليّة العثمانية، تأليف: الأستاذ محمد فريد بك المحامي، تحقيق: الدكتور إحسان حقي، دار النفائس، الطبعة العاشرة: 1427 هـ - 2006 م، صفحة: 168 ISBN 9953-18-084-9. وكذلك تم الاستفادة من مقالات المواقع العلمية التركية والعربية.