أدب نرجسي أم نرجسية أديب؟


هل حان الوقت ليؤسس النقاد و لا أقول الأدباء لأدبٍ نَرْجِسِيٍّ يتناولون فيه نرجسية الأدباء و غرورهم و هم يبالغون في مدح ذواتهم، فالنرجسية ليست داءٌ ، بل يمكن وصفها بظاهرة عادية تولدت بفعل ردود أفعال أناس اعتادوا على مجاملة الآخر و تلميع صورته و صبغها بلون ذهبيٍّ ، و الأديب النرجسي هو شخصية بالغت في مدح نفسها إلى حدود الغطرسة ، و لقد خاضت العديد من الأقلام في الحديث عن النرجسية سواء في جانبها الفلسفي، أو في جانبها السياسي، و النرجسية هي الإفراط في مدح الذات و لطالما اشتهر زعماء سياسيون بنرجسيتهم و هم يخطبون الجماهير و الشعوب ،بكلمات رنّانة يتغنون ببطولاتهم و أعمالهم و أمجلدهم لغاية في أنفسهم و هي الوصول الى العظمة.

و يمكن القول ان النرجسية هي واحدة من العقد النفسية التي طرحها علماء النفس ونقرأ ذلك في اعمال عالم النفس سيغموند فوريد الدي تناول الحالات النرجسية و جنون العظمة في الحالات السياسة، نلمس هذا في كتابات كبار المسؤولين سواء قادة سياسيين أو عسكريين، و المتأمل في المذكرات التي يتركونها لا نلحظ سوى الحديث عن بطولاتهم و الأوسمة التي تحصلوا عليها ، في حين يتحفظون عن ذكر الحقائق التاريخية المسكوت عنها و جرائم الاغتيال التي ارتكبت، لكن أن تنتقل النرجسية إلى الأدباء فهذا أمر يحتاج إلى نظر ( ولا نقول إعادة نظر)، فبعض الأدباء المغرورين ( و بدون تعميم) الذين تملكتهم النرجسية يرون أنفسهم بأنهم شخصية نادرة و لا يمكن لأيّ كان أن يقف امامهم وقفة الندّ للندّ، لأنهم يملكون سلطة الكتابة والإبداع ، هذه السلطة التي تؤدي بهم إلى الغرور فيخيّل إليهم أنهم كبار و الباقي صغارا لا يكبرون.

فما يقال عن النرجسية و رأي علماء النفس و الاجتماع فيها هل يمكن القول ان الأدباء النرجسيين يلوحون لتأسيس ما يمكن أن نسميه بـ: "الأدب النرجسي"، أدب يمتلك فيه الأديب مزايا استثنائية، تختلف عمن ينافسونه في العملية الإبداعية، أو كما سماهم أحد الأدباء المغرورين بأدباء الجائزة و هم الذين يكتبون من أجل الحصول على الجائزة، إن هذه السلطة يمكن أن يمتلكها أيٌّ كان بالممارسة و القراءة و البحث، فالأديب أو الكاتب المبدع يكفيه أن يكون له نضجٌ فكريٌّ ليصل الى مستوى العمل الإبداعي، سؤال يستوجب الإجابة عليه من طرف النخبة المثقفة و هو: ما سبب الخصومات بين الأدباء و المثقفين لاسيما في الجزائر (كعينة فقط) فقد نجد أديبا ما لا يجلس مع خصمه على طاولة حوار لأنه لا يتفق معه في وجهة نظر معينة ، أو لأن الخصم ساعدته الظروف للوصول إلى ما يصبوا إليه فتحدث بينهما القطيعة ، و هو ما جعل كثير من المبادرات تفشل قبل ولادتها.

فنحن كثيرا ما نقرأ هنا و هناك انتقادات لاذعة لمفكرين توجه لهم تهم خطيرة لا تصلح أن تصدر من مثقف ملتزم ، تارة بالإلحاد و تارة أخرى يلصقون به صفة التشيّع و أحيانا يرمونهم بالزندقة وغيرها من الأوصاف و الألقاب و التهم، لا لشيء إلا لأن هؤلاء يكتبون على المكشوف و حطموا جدران الصمت و كسروا كل الطابوهات، مثلما حدث مع مع أمين الزاوي و سعيد حاب الخير و قبلهم رشيد بوجدرة و كُتَّابٍ آخرين اختاروا منهجا خاصا بهم في الكتابة ، كتابا لا يعشقون الوقوف في المنابر و المنصات و يقابلون عدسة الكاميرا، لأنهم فقط لا يجاملون و لا يُلَمِّعُونَ صورة أحد ويظل السؤال القائم ماهي مواصفات الأديب ؟ أو الكاتب؟ أو المثقف إن صح القول، ما هو دوره ؟ وكيف يكون أمام الجمهور؟، لا شك طبعا أن من بين المواصفات التي ينبغي أن تكون في المثقف سواء كان أديبا أو كاتبا أو مفكرا عديدة منها الصّبر و الحِلْمُ و التواضع و الترفُّعُ و التسامح ، له القابلية لتقبل الآخر و التعايش معه ، احترام الرأي و الراي المخالف و شروط أخرى تتعلق بالأخلاق و سلوكاته و تعامله مع الآخرين حتى لو خالفوه الرأي.

علجية عيش