السلطان العاشر سليمان القانوني

د. نظام الدين إبراهيم أوغلو
الباحث الاكاديمي التركماني ـ تركيا

مقدمة

السلطان سليمان القانوني بن ياووز سليم الأول. ولد في 6 نوفمبر(تشرين الثاني) عام 1494 في طرابزون في تركيا الحالية، وهو عاشر السلاطين العثمانيين، وثاني من حمل لقب "أمير المؤمنين" وكذلك ثاني من حمل لقب الخلافة من آل عثمان بعد والده سليم الأول، واصبح خليفة المسلمين الثمانون وقد وصلت الدولة العثمانية في عهده إلى أقصى اتساع لها.. وتولى الحكم من عام 1520م حتى 1566م حكم 46 سنة، أطول فترة زمنية بقي في الحكم.
حينما بلغ السابعة من عمره، ذهب ليدرس العلوم والتاريخ والأدب والفقه والتكتيكات العسكرية في مدارس الباب العالي في القسطنطينية. استصحب في طفولته إبراهيم التي وقع أسيرًا وتم بيعه كعبد، ثم عرف باسم إبراهيم باشا الفرنجي (Frenk بالتركية) والبرغلي (Pargalı). لقد إستفاد منه كثيًرا بسبب أخذ ابراهيم دروس عسكرية ثم تزوج من بنته وتم تعينه لاحقاً صدراً أعظماً في سلطنة سليمان القانوني، وأخيرًا تم إعدام العريس، قيل لاسباب سياسية لمنافسته في السلطة وإستخراجه قرارات مهمة من دون أن يأخذ رأي السلطان. وقيل غير ذلك.
وكان السلطان سليمان القانوني شاعرًا كتب قصائده تحت الاسم الأدبي "مُحبّي"، وخطاطًا يجيد الكتابة، وملمًا بعدد من اللغات الشرقية من بينها العربية، وكان له بصر بالأحجار الكريمة. واهتم القانوني بدعم المبدعين والفنانين، فارتقت الفنون والآداب ونبغ عدد كبير من الأعلام في ذلك العصر.
لقب السلطان سليمان بالقانوني لانه اشتهر باصلاحات وتنظيم قوانين كثيرة بما فيه من إصلاح في النظام القضائي العثماني. أصبح سليمان حاكمًا بارزًا في أوروبا في القرن السادس عشر، يتزعم قمة سلطة الدولة الإسلامية العسكرية والسياسية والاقتصادية. قاد سليمان الجيوش العثمانية لغزو المعاقل والحصون المسيحية في بلغراد ورودوس وأغلب أراضي مملكة المجر قبل أن يتوقف في حصار فيينا في 1529م. ضم أغلب مناطق الشرق الأوسط في صراعه مع الصفويين ومناطق شاسعة من شمال أفريقيا حتى الجزائر. تحت حكمه، سيطرت الأساطيل العثمانية على بحار المنطقة من البحر الأبيض المتوسط إلى البحر الأحمر حتى الخليج.
لقد هز عرش ملوك اوروبا لمدة 46 عام. عندما جلس السلطان سليمان القانوني على كرسي الخلافة كان اول مافعله هو: ارسال رسالة الى ملوك اوروبا يعلمهم بتوليه للخلافة ويأمرهم فيها بدفع الجزية المقررة عليهم كما كانوا يفعلون في عهد ابيه السلطان ياووز سليم الاول. فما كان من ملك المجر الا ان قتل رسول السلطان سليمان بعد ان ظن فيه الضعف لحداثة سنه. فاستشاط السلطان غضباً: ايُقتل سفير الاسلام وانا حي !!! . . . .
فما ان اصبح الصباح الا وقد اعد السلطان جيشا جرارا مدعوما بالسفن الحربية وكان السلطان سليمان نفسه على رأس هذا الجيش. وكان قاصدا مدينة بلغراد المنيعة والتي تعد بوابة اوروبا الوسطى وحصن المسيحية كما كانوا يطلقون عليها وهي المدينة التي لم يستطع فتحها فاتح القسطنطينية محمد الفاتح!! بل واصيب اصابات خطيرة اثناء حصارها ولما انصرف عنها قال: عسى ان يخرج الله من احفادي من يفتح تلك المدينة على يديه. وبالفعل يبدأ السلطان سليمان في حصار بلغراد وبعد شهرين ونصف من الحصار تسقط بلغراد في عام 927 ه/1520 م ـ احدى اقوى مدن الاوروبية. ونزل خبر سقوط بلغراد على ملوك اوروبا كالصاعقة وارتعدت فرائصهم من الرعب وعلموا وقتها انهم امام سلطان من طراز فريد حتى يقول المؤرخ الأ‌لماني هالمر: كان هذا السلطان أشد خطرا علينا من صلا‌ح الدين نفسه" !!!. فبعث اليه ملك روسيا والبندقية وسائر ملوك اوروبا يهنؤنه بالفتح ويعطونه الجزية عن يد وهم صاغرون . . . .
لم يكن سليمان شاعراً وصائغاً فقط بل أصبح أيضاً راعياً كبيراً للثقافة ومشرفاً على تطور الفنون والأدب والعمارة في العصر الذهبي للإمبراطورية العثمانية. تكلم الخليفة أربع لغات: العربية والفارسية والصربية والجغائية (لغة من مجموعة اللغات التركية مرتبطة بالأوزبكية والأويغورية).
وكانت السنوات اللاحقة من حكم سليمان مضطربة بسبب الصراع بين أبنائه. فقد أصبح مصطفى بحلول عام 1553 مركزا للسخط في آسيا الصغرى وتم إعدامه في ذلك العام بأمر من السلطان. وتبع ذلك بين عامي 1559و1561 وبدأ النزاع بين الأمراء سليم وبايزيد على خلافة العرش، والذي انتهى بهزيمة وإعدام بايزيد.
لقد توفي سليمان القانوني أثناء حصار قلعة زيغَتْفار في المجر في 6 سبتمبر/أيلول عام 1566 ودفن في منطقة أمين أونو بمدينة اسطنبول.

أقوال بعض المؤرخين بحق السلطان سليمان القانوني

ذكره ابن العماد في كتابه "شذرات الذهب في أخبار من ذهب" في وصف القانوني، قائلاً: "....وكان مجدد دين هذه الأمة المحمدين في القرن العاشر (الهجري)، مع الفضل الباهر والعلم الزاهر والأدب الغض الذي يقصر عن شأوه كل أديب وشاعر، إن نظم نضد عقود الجواهر أو نثر آثر منثور الأزاهر أو نطق قلد الأعناق نفائس الدر الفاخر، له ديوان فائق بالتركي، وآخر عديم النظير بالفارسي تداولهما بلغاء الزمان وتعجز أن تنسج على منواله فضلاء الدوران. وكان رؤوفاً، شفوقاً، صادقاً، صدوقاً، إذ قال صدق، وإذا قيل له صدق لا يعرف الغل والخداع، ويتحاشى عن سوء الطباع، ولا يعرف المكر والنفاق، ولا يألف مساوئ الأخلاق، بل هو صافي الفؤاد، صادق الاعتقاد، منور الباطن، كامل الإيمان، سليم القلب، خالص الجنان:
ويقول المؤرخ المصري عبد العزيز الشناوي: "لم تتعرض دولة في العالم لمثل ما تعرضت له الدولة العثمانية من حملات عنيفة ضارية استهدفت التشهير بها والنيل منها".
وقامت بهذه الحملات المكثفة قوتان، والكلام للشناوي: الاستعمار الأوروبي والصهيونية.. ردد بعض المؤرخين والباحثين العرب عن جهالة أو تجاهل أو حقد تلك الآراء الخاطئة والظالمة، واستقرت في أذهان الأجيال المتعاقبة من رجال الفكر العربي والإسلامي صورة حالكة عن الدولة العثمانية".
لقد أوجز المؤرخ المصري حقيقة ما نراه اليوم من حملات ممنهجة ضد التاريخ العثماني، قامت بها أقلام ومنابر إعلامية عربية على سبيل الكيد السياسي للأتراك، أو نابعة من تأثرها بالحقد الغربي والصهيوني على الدولة العثمانية، التي طالما وقفت ضد أطماعهم الاستعمارية على مدى خمسة قرون، وأحرزت باسم الإسلام انتصارات هائلة فزعت لها دول أوروبا، وأعادت للمسلمين هيبتهم وقوتهم.
ويبدو أنه كلما كان السلطان العثماني تمتلئ صفحاته بالإنجازات العظيمة كلما كان استهدافه وتشويه سيرته أشدّ، ومن هؤلاء السلاطين العظام الذين يتعرضون للطعن والتجريح والتشويه في هذه الفترة، السلطان سليمان القانوني، الذي عودِيَ إلى حد نزع اسمه من شوارع عربية كانت تحمله.
لقد سلِم من أقلامهم وألسنتهم الغزاةُ الرومان واليونانيون والفرس والحملات الصليبية والغزو الأوروبي في العصر الحديث، ولم يسلم منها أمثال سليمان القانوني الذي يشترك معهم في الدين والحضارة الإسلامية الجامعة التي مزجت كل القوميات.

فتوحاته وانجازاته

بعد تولي سليمان القانوني السلطة في سبتمبر/أيلول 1520 وبدأ عهده بحملات ضد القوى المسيحية في وسط أوروبا والبحر الأبيض المتوسط. وسقطت بلغراد في يده في عام 1521 وفي عام 1523 سقطت رودوس، التي كانت تحت حكم فرسان القديس يوحنا لفترة طويلة. وفي أغسطس/آب عام 1526 حطم سليمان القوة العسكرية للمجر في موقعة موهاس حيث لقي الملك المجري لويس الثاني حتفه في المعركة.
وفي الشرق شن سليمان حملات كبرى ضد بلاد فارس بين عامي 1534و1549 وانتهت بسيطرة العثمانيين على منطقة أرضروم في شرق آسيا الصغرى، كما دخل العثمانيون العراق، وسيطروا على المناطق المحيطة ببحيرة فان، ولكنهم لم ينجحوا في إخضاع الدولة الصفوية في بلاد فارس وتم توقيع أول سلام رسمي بين العثمانيين والصفويين عام 1555، لكنه لم يقدم أي حل واضح للمشاكل التي تواجه السلطان العثماني على حدوده الشرقية.وفي البحر المتوسط أصبحت القوة البحرية للعثمانيين هائلة في عهد سليمان حيث أصبح خير الدين، المعروف في الغرب باسم باربروسا أميرالا في الأسطول العثماني وقد انتصر في معركة بحرية قبالة بريفيزا في اليونان على أساطيل البندقية وإسبانيا عام 1571.
وفي عهد سليمان القانوني سقطت طرابلس في شمال إفريقيا في يد العثمانيين عام 1551. وتم سحق حملة إسبانية قوية ضد طرابلس في جربة عام 1560، لكن العثمانيين فشلوا في الاستيلاء على مالطا من فرسان سانت جون عام 1565. وبلغت القوة البحرية العثمانية في هذا الوقت مناطق بعيدة مثل الهند، حيث قام أسطول تم إرساله من مصر بمحاولة فاشلة في عام 1538 للاستيلاء على مدينة ديو من البرتغاليين. وفتح جزيرة رودس و بوغدان وأغلب بلاد المجر وحصار فيينا، وموضوع رسالة الاستغاثة من ملك فرنسا استجابة سليمان القانوني وتحالفه مع فرنسا. ا
ومن انجازاته، أحاط سليمان نفسه بالإداريين ورجال الدولة ذوي القدرات غير العادية، مثل إبراهيم ورستم ومحمد سوكولو، ومتخصصين في الشريعة الإسلامية مثل أبو السعود، وشعراء مثل الشاعر التركي الكبير باقي، ومهندسين مثل المهندس المعماري سنان.
وبنى سليمان قلاعا حصينة للدفاع عن الأماكن التي انتزعها من المسيحيين وأقام في مدن العالم الإسلامي (بما في ذلك مكة ودمشق وبغداد) المساجد والجسور والقنوات وغيرها من المرافق العامة.
وفي عهده أكمل سليمان مهمة تحويل مدينة القسطنطينية البيزنطية السابقة إلى إسطنبول، لتصبح مركزا يليق بإمبراطورية تركية وإسلامية كبرى.

السلطان سليمان القانوني أرسل رسالة إلى ملك فرنسا يمنع الرقص بين الرجال والنساء

تذكر الروايات أن السلطان العثماني (سليمان القانوني) أرسل رسالة إلى ملك فرنسا (فرانسوا) يأمره فيها بمنع (رقص) يتقانع فيه الرجال بالنساء أمام الملأ ! وذلك خشية من أن ينتشر هذا الفحش في إحدى المناطق التي تحكمها الدولة العثمانية
وتقول الرسالة: ( يافرانسوا ملك فرنسا لقد أبلغني سفيري أن في مملكتك لهواً فاحشاً ومنكراً يسمى [الرقص]، إذا لم تمنع هذه [اللعنة] وهذا [العار] فور وصول رسالتي إليك، فإني آتي إليك بجيشي لأقهرك). وتذكر المصادر أن فرنسا منعت هذا الرقص قرابة الـ مائة عام ! (المصدر / قصة الإسلام – إشراف الدكتور : راغب السرجاني).

لماذا الأعداء يهاجمون سليمان القانوني؟

هل يهاجمونه لأنه رفع راية الإسلام وأوصل النفوذ الإسلامي إلى معظم بقاع الأرض؟..
وللعلم كان الأوروبيون إذا أسلم أحد منهم قالوا عنه: صار عثمانيا، لأنه قد ارتبط في حسهم الإسلام بالعثمانيين.
وهل السبب لأن السلطان سليمان حارب الملك المجر لايوش الثاني وانتزع منه بلجراد مفتاح أوروبا الوسطى ثم أباد جيشه في سهل موهاج ثم قُتِلَ الملك لايوش الثاني في معركة موهاكس 1526م وإنتصر عليهم، بعد أن رفض ملك المجر إرسال الجزية السنوية. وهل لانه حارب الإسبان ووقع ملك فرنسا فرانسوا لديهم أسيراً. وهل لانه أرهب ملك النمسا فرديناند فقد كان يظن نفسه الوريث الشرعي لحكم المجر وحدث أن سولت له نفسه مواجهة السلطان سليمان فعقد السلطان سليمان لواء الجهاد ووصل إلى حدود فيينا العاصمة الرومانية المقدسة عام 1529م. وحاصر فيينا عاصمة النمساويين مرتين ولم ينقذ فيينا من قدرها وأجبرهم على دفع الجزية وهم صاغرون.
وهل لأن السلطان سليمان حارب أقوى ملوك أوروبا في زمانه حاكم الإمبراطورية الرومانية المقدسة التي تشمل ألمانيا وهولاندا وبلجيكا وانجلترا بالإضافة لإسبانيا الملك شارلكان على عدة جبهات فقد كلف وحش البحار خير الدين بربروس بالإبحار لسواحل إسبانيا والقيام بعملية إنزال عسكري خلف خطوط العدو بهدف تحرير الأسرى المسلمين داخل الكنائس وقذف الرهبة في نفوس الإسبان بالإضافة لقصف سواحل تونس والجزائر المحتلة من إسبانيا وتحطيم الأسطول الإسباني في معركة بروزا المجيدة وجدير بالذكر أن شارلكان فقد ملكه واضطر لتقسيم امبراطوريته الواسعة بين أبنائه وهو على قيد الحياة واعتزل الحياة داخل أحد الأديرة ليموت بعدها كمداً وهماً جراء الهزائم التي مناه بها السلطان سليمان.
وهل لانه قام السلطان سليمان القانوني بغزو بلغراد عاصمة الصرب عام 1521م، وفتح جزيرة رودس (1522م) المشاكسة معقل وحصن القديس يوحنا، حيث كانوا يقطعون طريق الحجاج المسلمين إلى الحجاز ويضربون خطوط المواصلات البحرية للدولة العثمانية.
وهل لأن السلطان سليمان استمات في حماية الحجاز وأرض الحرمين من خطر البرتغاليين وأغلق البحر الأحمر أمام سفنهم، وتشدّد في مرور أي سفن أجنبية من هذه المنطقة المائية حتى لا تمثل تهديدا للأراضي المقدسة.
وهل لأنه حمى بغداد والأمة الإسلامية من خطر الدولة الصفوية الطائفية؟ وضم نطاق حكمه العديد من عواصم الحضارات الأخرى: أثينا، صوفيا، دمشق، بغداد، القاهرة، إسطنبول، بودابست، بلجراد، وغيرها.
كان القانوني محبا للعدل حتى مع غير المسلمين، لقد دفعت هذه الحقيقة مارتن لوثر إلى أن يقول في كتيب نشره عام 1541م (أي في عهد سليمان القانوني): "إن الفقراء المسيحيين الذين يظلمهم الأمراء الجشعون وأصحاب الأراضي، يفضلون أن يعيشوا تحت حكم الأتراك ولا يعيشون في كنف حكام مسيحيين يمارسون الظلم في حق الفقراء".
ويا ترى هل يهاجمون سليمان القانوني لحرصه على التعليم والاعتماد عليه في إحداث نهضة شاملة؟
ففي عهده منحت مدارس المساجد والتي تمولها المؤسسة الدينية تعليما مجانيا لأطفال المسلمين وكانت متقدمة على تلك في الدول الأوروبية في ذلك الوقت. وفي عهده تم بناء أربعة عشر مدرسة تعلم الصغار القراءة والكتابة ومبادئ الإسلام. وفي عهده أيضا منحت المدارس الجامعة العليا تعليما بدرجة جامعات اليوم، وأصبح خريجوها أئمة أو معلمين. شملت المراكز التعليمية في كثير من الأحيان واحدا من المباني العديدة المحيطة بباحات المساجد، أما المباني الأخرى فكان بها المكتبات وقاعات الطعام والنوافير ومطابخ الحساء والمستشفيات لصالح العامة. وفي عهده أقام السلطان أربع مدارس لعلوم الرياضيات ومدرسة للطب ومدرسة دار الحديث، وفي عام 1557م تم إنشاء كلية السليمانية بإشراف المعمار الشهير سنان، وحسب ما روى المؤرخ (باجوي) عمل في بناء الكلية 3523 عاملا، وتم صرف مبالغ كبيرة عليها، كما تم نقل مختلف أنواع الأحجار والأعمدة إليها من جزيرة بوزجه وإزميت وغزة ولبنان وغيرها من المدن، وقُسّمت الكلية إلى 15 قسماً، من بين أقسامها الجامع ومدرسة الطب ومشفى الأمراض العقلية، ومدرسة الحديث والمطبعة ودار الضيافة وضريح معمار سنان.
وهل يهاجمون السلطان سليمان القانوني لأنه رجل حضارة وراعٍ كبير للثقافة ومشرف على تطور الفنون والآداب والعمارة؟. وهل لأنه قام بالعديد من أعمال التشييد، ففي عصره بنى مدينة السليمانية بالعراق العجمي على أنقاض قرية قديمة. ولأنه كان مغرمًا بالبناء والتشييد، فظهر أثر ذلك في دولته، فأنفق بسخاء على المنشآت الكبرى فشيد المعاقل والحصون في رودس وبلغراد وبودا، وأنشأ المساجد والصهاريج والقناطر في شتى أنحاء الدولة العثمانية، وبخاصة في دمشق ومكة وبغداد، غير ما أنشأه في عاصمته من روائع العمارة. وهل لأنه بنى الكثير من الأبنية المعمارية بأمر السلطان، ومن الأبنية التي شيدت في عهده: مسجد سليمان القانوني وبني بأمر من السلطان سليمان وأشرف على البناء معمار سنان وذلك بين 1550-1557م. وبناءه مسجد ياووز سليم الأول بني بأمر من السلطان سليمان القانوني تكريما لذكرى والده واستمر البناء سبع سنوات من عام 1520 حتى 1527م. وأنشأءه كلية لتخليد ذكرى والده السلطان سليم الأول يوجد بالكلية مدرسة لتخريج الأئمة ودار الشفاء ومدرسة للفتيان وحمام.
وجامع رستم باشا، بني بأمر من الصدر الأعظم رستم باشا في العام 1561. يتميز هذا المسجد بالبلاط الناعم الذي يغطي الجدران الداخلية والخارجية. أشرف على بنائه المعماري العثماني سنان.
تكية هرباتي بابا، وهي مكان أنشئ للفقراء في مقدونيا عام 1538م ومساحتها 26.7 ألف متر مربع وفي عام 2017 أعلنت تركيا أنها تستعد لترميمها.
وانشاءه التكية السليمانية أمر ببنائها السلطان سليمان في دمشق. وكانت تخدم عابري السبيل والفقراء والحجاج في طريقهم وتؤمن لهم الطعام والمأوى والتعليم، تبلغ مساحتها أحد عشر ألف متر مربع، وأقيمت في مكان قصر الظاهر بيبرس الذي هدمه تيمورلنك وأنشئت عام 1554م.
وهل لأنه في عهده تم بناء أربعة جسور على أنهار مدينة سراييفو وهي: الجسر الروماني بين 1530-1556م. ــ وجسر تشوموريا 1556م. ـ وجسر تشابانيا 1557م. ـ والجسر اللاتيني فوق نهر ميليا تسكا 1565م. ويعتبر هذا الجسر من أشهر المعالم السياحة في سراييفو. ـ جسر كريفا في مدينة موستار بني على نهر رادوبوليا عام 1558م تحت إشراف المعماري التركي تشيفان كاتودا. ـ وجسر ستاري موست بني في مدينة موستار في البوسنة وهو من أشهر معالم المدينة. بني بين عامي 1557 و1566م على نهر نيريتفا بأمر من السلطان سليمان القانوني تحت إشراف المعماري العثماني معمار خير الدين الذي هو تلميذ المهندس المعماري الشهير معمار سنان. لقد بني جسر ستاري موست من الحجر الجيري الأبيض بطول 29 مترا وارتفاع 20 مترا على شكل قوس. وفي عام 1993 قام الجيش الكرواتي بتدمير الجسر أثناء حرب البوسنة. لكن أعيد تجديده عام 2004 ويعتبر رمزا لمدينة موستار وهو تحت حماية منظمة اليونيسكو.
وكذلك بني في عهده (السلطان سليمان القانوني) عدد من الخانات في كامل الدولة العثمانية، أشهرها في سوريا خان أفاميا، بني في مدينة حماة لاستراحة الحجاج وتبلغ مساحته سبعة آلاف متر مربع. ينسب البعض هندسة الخان إلى معمار سنان.
وكذلك اهتمامه بالعمارة في مدينة القدس فأمر سليمان القانوني بإعادة تجديد وتحصين سور القدس وذلك لتوفير الأمن والاستقرار فيها وذلك بعد أن وطد الأمن في ربوع الدولة العثمانية واستعان بأفضل المهندسين لأجل هذا الغرض. وكذلك لأنه أمر السلطان بتجديد عدد من الأسبلة الموجودة في القدس وببناء عدد جديد منها. منها سبيل سليمان الذي أمر ببنائه عام 1536م ويقع في الساحات الشمالية للمسجد الأقصى. وكذلك تم بناء خمسة أسبلة غير هذا السبيل في عهده وذلك في مدينة القدس وحدها.
بِرك سليمان التي تتسع لما يقارب 2.4 مليون متر مكعب من المياه. وكانت هذه البرك تزود مدينة بيت لحم كذلك مدينة القدس وخاصة المسجد الأقصى بالمياه لعدة قرون.
وبناءه تكية خاصكي سلطان، بنيت بعد أن زارت زوجة السلطان سليمان وهي روكسلانا مدينة القدس عام 1552م وأمرت بإنشاء مجمعا خيريا كبيرا، بعد أن رأت أعداد المصلين والطلاب الكبير في المسجد الأقصى، وكانت تقدم الطعام والدعم لخمسة آلاف إلى عشرة آلاف شخص، وما تزال التكية قائمة إلى اليوم وتقدم الطعام لعدد من الفقراء وعابري السبيل. ووقفت على هذه التكية أوقاف كثيرة. كما أمر ببناء المساجد والجسور والخانات وأسبلة المياه.
وكذلك اهتمامه بالحجاج وتأمين الحماية والماء لقوافلهم كغيره من سلاطين الدولة العثمانية، ففي طريق قافلة الحج الشامي على سبيل المثال: أمر ببناء أربع قلاع لحماية الحجاج وأمر بحفر العديد من الآبار.
المقام أضيق من أن يتسع للاستفاضة في ذكر مناقب هذا السلطان الذين كان يسمى في الغرب بسليمان العظيم، وفي الشرق بسليمان القانوني لما قام به من إصلاحات في النظام القضائي العثماني.
وإننا لا نزعم أن الرجل كان تاريخه خاليا من المثالب والأخطاء، فهو كغيره من البشر، إلا أن المنهج الحق يفرض علينا أن نوازن بين الإيجابيات والسلبيات، فالمنصف يدرك أن سليمان القانوني كانت له أعمال عظيمة تذوب فيها أخطاؤه. وأعماله لاتعد ولا تحصى.

نشأة خير الدين بربروس أول قائد للأسطول البحري مع أخيه عروج

وُلد خير الدين بربروس باشا عام 1478م، في ميديللي أو مدللي هي إحدى جزر الأرخبيل التي استقر فيها والده صباحي يعقوب آغا، بعد فتحه للجزيرة يرجع أصل المجاهدَيْنِ إلى الأتراك المسلمين،
اسمه الأصلي هو خضر بن يعقوب، وقد منحه السلطان ياوز سليم، لاحقا، اسم "خير الدين بربروس". واستمر جهاده مع السلطان سليمان القانوني. اسم والدهما يعقوب بن يوسف من بقايا الفاتحين المسلمين الأتراك الذين استقروا في جزيرة، وأمهم سيدة مسلمة أندلسية، كان لها الأثر على أولادها في تحويل نشاطهم شطر بلاد الأندلس التي كانت تئنّ في ذلك الوقت من بطش الأسبان والبرتغاليين. وكان لعروج وخير الدين أخوان مجاهدان، هما إسحاق ومحمد إلياس. ويعرف بأمير البحار وهو أحد أكبر قادة الأساطيل العثمانية وأحد رموز الجهاد البحري، عينه السلطان سليمان القانوني كقائد عام لجميع الأساطيل.

الفكر العسكري لدى خير الدين وأخوه عروج

كان من آثار التهجير الجماعي للمسلمين من الأندلس، ونزوح أعداد كبيرة منهم إلى الشمال الإفريقي حدوث العديد من المشكلات الاجتماعية والاقتصادية في ولايات الشمال الإفريقي.
ولما كان من بين المسلمين النازحين إلى هذه المناطق أعداد وفيرة من البحارة، فكان من الضروري أن تبحث عن الوسائل الملائمة لاستقرارها، إلا أن بعض العوامل قد توافرت لتدفع بأعداد من هؤلاء البحارة إلى طريق الجهاد ضد القوى المسيحية في البحر المتوسط. ويأتي في مقدمة هذه الأسباب الدافع الديني بسبب الصراع بين الإسلام والنصرانية، وإخراج المسلمين من الأندلس، ومتابعة الأسبان والبرتغال للمسلمين في الشمال الإفريقي. وقد ظلت حركات الجهاد الإسلامي ضد الأسبان والبرتغاليين غير منظمة حتى ظهور الأخوان خير الدين وعروج بربروسا، واستطاعا تجميع القوات الإسلامية في الجزائر، وتوجيها نحو الهدف المشترك لصدِّ أعداء الإسلام عن التوسع في موانئ ومدن الشمال الإفريقي.
اعتمدت هذه القوة الإسلامية الجديدة في جهادها أسلوب الكر والفر في البحر بسبب عدم قدرتها في الدخول في حرب نظامية ضد القوى المسيحية من الأسبان والبرتغاليين وفرسان القديس يوحنا، وقد حقق هؤلاء المجاهدون نجاحًا أثار قلق القوى المعادية، ثم رأوا بنظرهم الثاقب أن يدخلوا تحت سيادة الدولة العثمانية؛ لتوحيد جهود المسلمين ضد النصارى الحاقدين.

جهاد خير الدين بربوس وأخوه عروج

حاول المؤرخون الأوربيون التشكيك في طبيعة الحركة الجهادية في البحر المتوسط ووصفوا دورها بالقرصنة وكذلك شككوا في أصل أهم قادتها وهما خير الدين وأخوه عروج الأمر الذي يفرض ضرورة إلقاء الضوء على دور الأخوين وأصلهما، وأثر هذه الحركة على الدور الصليبي في البحر المتوسط في زمن السلطان سليم والسلطان سليمان القانوني.
إن ما ذكر عن الدور الذي لعبه الأخوان يؤكد حرصهما على الجهاد في سبيل الله ومقاومة أطماع إسبانيا والبرتغال في الممالك الإسلامية في شمالي أفريقيا ولقد أبدع الأخوان في الجهاد البحري ضد النصارى وأصبح لحركة الجهاد البحري في القرن السادس عشر مراكز مهمة في شرشال ووهران والجزائر ودلي وبجاية وغيرها في أعقاب طرد المسلمين من الأندلس، وقد قويت بفعل انضمام المسلمين الفارين من الأندلس والعارفين بالملاحة وفنونها والمدربين على صناعة السفن.
اتجه الأخوان عروج وخير الدين إلى الجهاد البحري منذ الصغر، ووجها نشاطهما في البداية إلى بحر الأرخبيل المحيط بمسقط رأسهما حوالي سنة 1510م، لكن ضراوة الصراع بين القوى المسيحية في بلاد الأندلس وفي شمالي أفريقيا بين المسلمين هناك، والذي اشتد ضراوة في مطلع القرن السادس عشر، قد استقطب الأخوين لينقلا نشاطهما إلى هذه المناطق وبخاصة بعد أن تمكن الأسبان والبرتغاليون من الاستيلاء على العديد من المراكز والموانئ البحرية في شمالي أفريقيا.
وقد حقق الأخوان العديد من الانتصارات على القراصنة المسيحيين الأمر الذي أثار إعجاب القوى الإسلامية الضعيفة في هذه المناطق، ويبدو ذلك من خلال منح السلطان "الحفصي" لهم حق الاستقرار في جزيرة جربة التونسية وهو أمر عرضه لهجوم إسباني متواصل اضطره لقبول الحماية الإسبانية بالضغط والقوة، كما يبدو من خلال استنجاد أهالي هذه البلاد بهما، وتأثيرهم داخل بلدهم مما أسهم في وجود قاعدة شعبية لهما تمكنهما من حكم الجزائر وبعض المناطق المجاورة. ويرى بعض المؤرخين أن دخول "عروج" وأخيه الجزائر وحكمهما لها لم يكن بناءً على رغبة السكان، ويستند هؤلاء إلى وجود بعض القوى التي ظلت تترقب الفرص لطرد الأخوين والأتراك والمؤيدين لهما، لكن البعض الآخر يرون أن وصول "عروج" وأخيه كان بناءً على استدعاء من سكانها لنجدتهم من الهجوم الإسباني الشرس، وأن القوى البسيطة التي قاومت وجودهما كانت تتمثل في بعض الحكام الذين أبعدوا عن الحكم أمام محاولات الأخوين الجادة في توحيد البلاد حيث كانت قبل وصولهما أشبه بدولة ملوك الطوائف في الأندلس، وقد سائد أغلب أهل البلاد محاولات الأخوين، واشتركت أعداد كبيرة منهم في هذه الحملات، كما ساندهما العديد من الحكام المحليين الذين شعروا بخطورة الغزو الصليبي الإسباني.
ويظهر دور الأخوين المجاهدين بمحاولة تحرير بجاية من الحكم الإسباني سنة 1512م، وقد نقلا ـ لهذا الغرض ـ قاعدة عملياتها ضد القوات الإسبانية في ميناء جيجل شرقي الجزائر بعد أن تمكنا من دخولها وقتل حماتها الجنوبيين سنة 1514م لكي تكون محطة تقوية لتحرير بجاية من جهة ولمحاولة مساعدة مسلمي الأندلس من جهة أخرى، ويبدو أن الأخوين قد واجها تحالفًا قويًّا نتج عنه العديد من المعارك النظامية وهو أمر لم يتعودوه لكن أجبروا عليه بفعل الاستقرار في حكم الجزائر، وزاد من حرج الموقف قتل "عروج" في إحدى المعارك سنة 1518م؛ مما اضطر خير الدين للبحث عن تحالف يعينه على الاستقرار والمقاومة سواء لدورها البارز في ساحة البحر المتوسط أم لأن القوى المحلية في الشمال الإفريقي كانت متعاطفة معها. وتتابع انتصاراتها على الساحة الأوربية منذ فتح القسطنطينية وأن الاتجاه لمخالفتها سيسكب دور خير الدين مزيدًا من التأييد من قبل هذه القوى، وإلى جانب ذلك فإن الدولة العثمانية قد أبدت استجابة للمساعدة حين طلب منها الأخوان ذلك، كما أبدت رغبتها في مزيد من المساعدات لدوره وكذلك لبقايا المسلمين في الأندلس، ومن منظور ديني أسهم في إكساب دورها تأييدًا جماهيريًا، وجعل محاولة التقرب منهما أو التحالف معهما عملاً مرغوبًا.
ويرجع بعض المؤرخين التحالف بين الجانبين إلى سنة 1514م في أعقاب فتح عروج وخير لميناء "جيجل" حيث أرسل الأخوان إلى السلطان سليم الأول مجموعة من النفائس التي استوليا عليها بعد فتح المدينة، فقبلها السلطان ورد لهما الهدية بإرسال أربع عشر سفينة حربية مجهزة بالعتاد والجنود، وكان هذا الرد من السلطان العثماني يعكس رغبته في استمرار نشاط دور الأخوين ودعمه. على أن بعض المؤرخين يذكرون أن الدعم العثماني لهذه الحركة كان في أعقاب وفاة "عروج" سنة 1518م وبعد عودة السلطان العثماني من مصر إلى إستانبول سنة 1519م.
على أن الرأي الأكثر ترجيحًا أن الاتصالات بين العثمانيين وهذه الحركة كان سابقًا لوفاة عروج وقبل فتح العثمانيين للشام ومصر، وذلك يرجع إلى أن الأخوين كانا في أمس الحاجة لدعم أو تحالف مع العثمانيين بعد فشلهما في فتح (بجاية)، كما أنهما حوصروا في "جيجيل" بين الحفصيين الذين أصبحوا من أتباع الأسبان وبين (سالم التومي) حاكم الجزائر الذي ارتكز حكمه على دعم الأسبان له هو الآخر، فضلاً عن قوة الأسبان وفرسان القديس يوحنا التي تحاصرهما في البحر، فكان لوصول الدعم العثماني أثره على دعم دورهما وشروعهما في دخول الجزائر برغم هذه العوامل حيث اتفق العثمانيون مع الأخوين على ضرورة الإسراع بدخولهما قبل القوات الإسبانية لموقعها الممتاز من ناحية ولكي يسبقوا الأسبان إليها، لاتخاذها قاعدة لتخريب الموانئ الإسلامية الواقعة تحت الاحتلال الإسباني كبجاية وغيرها من ناحية أخرى.
وقد تمكن عروج من دخول الجزائر بفضل هذا الدعم وقتل حاكمها بعد أن تأكد من مساعيه للاستعانة بالقوات الإسبانية، كما تمكن من دخول ميناء شرشال، واجتمع له الأمر في الجزائر وبويع في نفس السنة التي هزمت فيها القوات المملوكية أمام القوات العثمانية في الشام سنة 1516م في موقعة مرج دابق.
ولم يكن من الممكن للأخوين أن يقوما بهذه الفتوحات لولا تشجيع السلطان العثماني ودعمه إلى جانب دعم شعوب المنطقة وقد سبق أن فشلا في دخول بجاية أمام نفس القوات المعادية.
بعد أن بويع "خير الدين" في الجزائر في أعقاب ما حققه من انتصارات على الأسبان والزعماء المحليين المتحالفين معهم أصبح محط آمال كثير من الولايات والموانئ التي كانت ما زالت خاضعة، سواء للأسبان أو لعملائهم، وكان أول الذين طلبوا نصرته أهل تلمسان. ومع أن استنجاد الأهالي كان من الممكن أن يكون كافيًا لتدخل "خير الدين" إلا أن موقع تلمسان الاستراتيجي الذين كان يجعل وجود "خير الدين" في الجزائر غير مستتب قد جعله يفكر في التدخل قبل أن يطلب الأهالي نجدته، وأن مطالبهم قد دعته للتعجيل بذلك. وأعد "خير الدين" جيشًا كبيرًا زحف به إلى تلمسان سنة 1517م، وأمن الطريق إليها، وبعد أن نجح في السيطرة عليها تمكن الأسبان، وعملاؤهم من بني حمود، من استعادتها ولقي أحد إخوة (خير الدين) حتفه وهو "إسحاق"، كما قتل "عروج" وكثيرون من رجاله أثناء حصارهم للمدينة ذلك الحصار الذي امتد لستة أشهر أو يزيد، امتد حتى سنة 1518م.
وقد تركت هذه الأحداث أثرًا بالغًا في نفس خير الدين مما دفعه إلى التفكير في ترك الجزائر لولا أن أهلها ألحوا عليه بالبقاء. وكانت موافقته على البقاء تفرض عليه ضرورة بذل المزيد من الجهد خشية أن يهاجمه الأسبان ومؤيدوهم، كما أن ذلك قد أدى إلى اتجاهه إلى مزيد من الارتباط بالدولة العثمانية، وبخاصة بعد أن والت لها مصر والشام، فكان ذلك يؤكد احتياج الجانين إلى مزيد من الارتباط بالآخر.
(أنظر د. علي الصلابي: الدولة العثمانية).

انتصارات بربروس تحت راية الدولة العثمانية

بعد وفاة شقيقيه، استمر خير الدين باشا في حكم الجزائر لفترة، قبل أن يتخذ قرارا مصيريا، ويرسل بوفد إلى السلطان العثماني ياوز سليم، لعرض دخول الجزائر في حكم الدولة العثمانية.
ولاقى العرض قبولا من السلطان، وأمر بصك النقود باسمه، والخطبة له في المساجد، وعيّن خير الدين باشا واليا على البلاد. كما أرسل السلطان العثماني إلى بربروس قوة من سلاح المدفعية وفرقة من قوات الإنكشارية قوامها ألفي جندي، لتدخل بذلك الجزائر تحت حكم الدولة العثمانية، قبل أن يمنح السلطان اسم "خير الدين" باشا، لـ"الريس" خضر.
وبعد ذلك، ساهم خير الدين باشا في إنقاذ الآلاف من مسلمي الأندلس من ظلم محاكم التفتيش الإسبانية، حيث قام بنقلهم بواسطة السفن التركية إلى السواحل الإفريقية، واستقر حوالي 70 ألفا منهم في الجزائر. كما حقق بربروس باشا انتصارات كبيرة تحت راية الدولة العثمانية، في شمال إفريقيا، ومياه المتوسط، ضد كل من إسبانيا وجنوة وفرنسا. وبعد وفاة السلطان ياوز سليم، استمر خير الدين بتحقيق الانتصارات البحرية تحت راية السلطان سليمان القانوني، حيث استدعاه الأخير إلى إسطنبول عام 1534، وعينه قائدا بحريا، لصد هجمات البحارة المسيحيين على شبه جزيرة مورا.
وبعد تحقيق الدولة العثمانية المزيد من الانتصارات في مياه المتوسط بفضل بربروس باشا، أعدت كلا من الباباوية والبندقية وجنوة ومالطا، وإسبانيا، والبرتغال، أسطولا صليبيا ضخما، بهدف مواجهة الأسطول العثماني، حيث التقيا في خليج أمبراسيان، في معركة بروزة البحرية، والتي تعد من أكبر المعارك البحرية حتى ذلك التاريخ. وبلغ تعداد الأسطول الصليبي في معركة بروزة، أكثر من 600 سفينة، و60 ألف جندي، في حين وصل عدد السفن العثمانية إلى 122 سفينة، وحوالي 20 ألف جندي. وحقق خير الدين بربروس باشا في هذه المعركة انتصارا عظيما، حيث دمر 128 سفينة صليبية، واستولى على 29 سفينة، دون أن يفقد أسطوله أي سفينة، واستشهد في المعركة حوالي 400 جنديا عثمانيا. وعقب ذلك النصر، عززت الإمبراطورية العثمانية من سيطرتها على مياه البحر المتوسط، و سعى الملك الإسباني شارلكان للانتقام وشن حملة مضادة ضد الجزائر، إلا أنها باءت بالفشل.
وبناء على طلب الملك الفرنسي فرانسوا الأول، الدعم من الدولة العثمانية خلال الحرب مع إسبانيا، كلّف السلطان سليمان القانوني خير الدين باشا، بقيادة الأسطول، والتوجه نحو السواحل الفرنسية، ليتمكن الأسطولان العثماني والفرنسي من استعادة نيس عام 1543.

والله الموفق