https://justpaste.it/bj0gtدراسة نقدية لقصص الأديبة السعودية "سميرة بنت الجزيرة العربية"د. إبراهيم عوض(كُتِبَت هذه الدراسة عام 1412هـــــــ ـــــــــــــــ 1991 م) "سميرة بنت الجزيرة العربية" هو الاسم الأدبى الذى كانت تنشر به كتبها. واسمها الحقيقى "سميرة محمد خاشقجى". وقد ولدت فى مكة المكرمة سنة 1940م، ونشأت فى المدينة المنورة، وتلقت دراستها الثانوية بالمدرسة الإنجليزية للبنات فى الإسكندرية، ثم التحقت بكلية التجارة بجامعة هذه المدينة. وقد أنشأت مجلة "الشرقية"، التى تولت ابنتها رئاسة تحريرها بعدها. كما أسست "نادى فتيات الجزيرة بالرياض" و "جمعية النهضة السعودية بالرياض". وتوفيت عام 1986م.ولها عدة مؤلفات كلها تقريبا قصص قصيرة وروايات: "بريق عينيك" و "وتمضى الأيام" و "ودعت آمالى" و "وراء الضباب" و "ذكريات دامعة" و "قطرات من الدموع" و "مأتم الورد" و "وادى الدموع" و "يقظة الفتاة العربية السعودية"... إلخ.وأول مؤلف ظهر لها هو رواية "ودعت آمالى"، وكان ذلك عام 1985م[1].وسوف يكون كلامى فى هذا الفصل عن فنها القصصى، وبوجه خاص رواياتها. وقد لاحظت عدة سمات عامة أو شبه عامة تتردّد فى أعمالها القصصية أعرضها أوّلاً قبل أن أنتقل إلى تناول كل رواية من رواياتها بكلمة نقدية منفصلة.فأسلوب الكاتبة فى كل قصصها أسلوب مطاوع متدفق تغلب عليه النزعة الرومانسية، التى تذكرك فى بعض الأحيان برومانسية المراهقين حين يكتبون خواطرهم أو يعبثون برسائلهم العاطفية محلقين بأجنحة الخيال الساذج الجميل الموشى بالأضواء والألوان والعبير فى سماء المثالية بعيدا بعيدا عن الواقع ودنياه الراسخة الصلبة التى تتحطم عليها قوارير الأحلام. تقول من رواية "ودعت آمالى" على لسان وجدى مشيراً إلى زيارة له هو وآمال خطيبته إلى شقة الزوجية التى كانت تؤثث فى ذلك الوقت وهما لا يزالان خطيبين:"ذهبت مع آمال فى الصباح إلى بيتنا: شقة جميلة مكونة من خمس غرف فى غاية الجمال، تطل على النيل. وأخذت أراقب عشيقة الروح وهى تنتقل كالفراشة من حجرة إلى أخرى، فاشتركت معها فى ترتيب بعض الأشياء ونحن نشعر بالسعادة تغمر فؤادنا. ولم تفارق الابتسامة شفتينا، وأحسست بأن الكون كله أخذ يغمر فرحتنا.وخرجنا إلى الشرفة المطلة على النيل. وكانت الشمس دافئة، فبدت الطبيعة فى أجمل حللها متعة للعين. وأخذ صفير النسيم يدوى فى لحن هادىء جميل. وتشابكت أيدينا، ونظرت فى عينيها المملوءتان[2] بالحب، وقلت لها بحنان:- سعادتك الراهنة تسرّ قلبى. وأرجو أن يكون مستقبلنا سعيدا كحاضرنا"[3]. وتقول عن علاء، بطل روايتها "ذكريات دامعة"، وهو يتحدث عن حبه لـــــــ "عهد" إلى شريف، الطبيب الذى كان يريد أن يخطبها ولكن يحيّره حزنها وانصرافها عنه، إلى أن أخبرته صديقة لها أن تحب علاء:"لقد كان علاء يتكلم بقلبه. تخرج الآهات من فمه تحمل رائحة كبد محترقة. لقد باح بمكنون صدره. آه من الحب! كلمة صغيرة تحمل معانى كثيرة. الحب يا صديقى قطرة غيث صافية تنبت فى القلوب الرحمة والشفقة والبر والإحسان. وقد شرب قلبى من غيثه وهو بكر فتمكن منه. الحب عطاء وبذل وتضحية وإيثار. وإن المحب للمحبّ ثقة مؤمن، مترفّع عن الدنايا، متفان فى حبه. إنه لا يبصر إلا السموّ، ولا يشعر إلّا بالروحانية السامية لا المادية الرخيصة. الحب علاقة شريفة، ورابطة مقدسة، وزمالة نبيلة الغاية والمقصد. وهل البذل إلا من القلوب الرحيمة؟ وهل هناك حياة للمرء بدون قلب؟ وما فائدة هذا القلب الذى يخفق بدون حب؟أخى شريف، لقد أحببت حبا لو قسم على قلوب البشر ما ترك قلبا إلّا وأحب"[4].وتحتدّ هذه الرومانسية وتلتهب فتستشهد الكاتبة بالشعر، على طريقة يوسف السباعى أحد مشاهير كتاب الرواية الرومانسية فى العالم العربى وأمثاله. تقول فى رواية "قطرات من الدموع":"شاءت الصدفة وحدها أن تجمع بين الحبيبين على غير عادة. وبدون رقيب عليهما التقيا. فهو فى مرعاه للغنم، وخرجت رقية لتجمع الحطب بعد ما تركت ابنتها بجوار الشيخ المريض ترعى شأنه لحين عودتها. وعقدت الدهشة ألسنتهما، وأمعن كل منهما النظر إلى الآخر. وودت رقية لو ألقت بنفسها بين أحضانه تبثه ما بها من جوى وتطلعه ما بقلبها من حب.وأشدّ ما لاقيت[5] من ألم الهــــــــــــــوى قرب الحبيب وما إليه وصولكالعيس فى البيداء يقتلها الظما[6] والماء فوق ظهورها[7] محمـــــــــــــول[8]وفى رواية "ذكريات دامعة" نراها تقول مصورة حالة "عهد" النفسية البائسة بعد أن لم تعد تعرف أين "علاء"، حبيبها الذى كان قد تعاهد معها على الزواج:"فقامت إلى النافذة وفتحتها لتتنسم هواء الليل البارد، وجعلت تستعرض فى خيالها صور أيامها الخالية التى انطوت على كثير من آمالها وأحلامها وآلامها، فتساقط الدمع من عينيها، وتمنت لو أتت قوة وحملتها من هذا المكان إلى حيث يكون الحبيب.أسرب القطا، هل من يعير جناحه لعلّى إلى من قد هويت أطير؟وفى رواية "مأتم الورود" نرى البطل فى إحدى رسائله إلى حبيبته يكتب إليها شعرا، وإن كان شعرا ساذجا غير موزون يقلد فيه الشعر الحر وطريقة كتابته:"إليك هذه الكلمات:كنا بالأمس،الأمس البعيدنلهو.وهذه دارناوتلك حدائقناترقص أغصانهاطربا من بعيدهل ذهبت أيامنا؟وإلى أين يا ترى نسير؟ما لهم يا حبيبتى يظنون؟كثيرا ما يتساءلون.إنناأنا وأنتفى واد سحيقمن البعد البعيدفراق. دائما بالفراق نعيش.ليوم الوعدليوم الغدموعدنا.معاً يا حبيبتىذات يوم أتذكرعندما أتيت من بعيدللقياعاشت دائما من قريب،عندما كناوالشمسترنونحو المغيبوالقمريهفولينير... إلخ"[9].ولم تكتف المؤلفة بهذا، بل إنها فى رواية "بريق عينيك" قد استعانت بأحد الشعراء[10] ليقدم لها كلّ فصل من فصول الرواية التسعة والخمسين ببيتين من الشعر. وهو شعر يعانى من بعض العسر فى تركيب أبياته، لأنه شعر "تفصيل على قدّ الطلب"، وليس تدفقا عفويا. أو ربما كانت هذه هى طاقة الشاعر.وعناوين كتبها رومانسية حزينة تكثر فيها الدموع والآلام: "مأتم الورود". "وراء الضباب". "ودعت آمالى". "ذكريات دامعة". "قطرات من الدموع".وقد لاحظت أن عبارة العنوان الأخير قد تكررت فى كتاباتها عدة مرات: "وصبغ الشقاء وجهها بلونه، ولازمت عينيها قطرات من الدموع". "فأخذت ترمق الفراغ والظلمة بعين ساهدة وذهن غارب شارد. وهبطت من مقلتيها قطرات من الدمع، وألهبها اليأس، وانسابت دموعها بكثرة". "ثم ألقى عليها بنظرة أخيرة من على بعد، قبل أن ينتقل إلى عربته. ورآها تسير متجهة إلى الدير وكأنها تدخل إلى المذبح حيث يذبحون الحب. وتساقطت قطرات غزيرة من الدموع من عينيه، واختفى بعربته وراء الضباب". "ولمست الدموع، ولمستُ القطرات بيدى، وأخذت أغتسل بها وأقبلها". "وهبطت من ملقتى قطرات من الدموع.. دموع على الذكريات، وألهبنى اليأس".ويبرز أحيانا غرام الكاتبة بالتكرار، لتأكيد ما تريد هى أو إحدى شخصياتها ذكره من فكرة أو تصوير من شعور:"وكبرت وترعرعت. وإذ بى بين البحر فى مده وجزره، وشمسه الصافية الكاوية الرقيقة، وإذ بى بين الجبل فى انخفاضه وعلوه، وفى ضبابه وهوائه البارد العليل، وإذ بى بين سهله ضمن أهله، بين سمائه وأرضه"."يا حبيبى، وكان الحب بيننا فى الصغر، وكان شريفا بريئا. وكان الحب بيننا فى الكبر، وكان شريفا بريئا. وكان الحب بيننا فى السفر، وكان شريفا بريئا"."أتدرين بأن السماء تبكى؟ نعم، تبكى. أتدرين سبب بكاء السماء؟ إنها تتحارب وتبكى. هى السحب تصطدم وتتلاطم فتصدر رعدا تهتز له قلوبنا ثم تبكى. نعم تبكى. أتدرين بأن الأرض تبكى؟ نعم، تبكى. وأتدرين سبب بكاء الأرض؟ الأرض تحمل على عاتقها مشاكل العالم وتبكى... أتدرين بأن الجبابرة يبكون؟ نعم يبكون. وأتدرين سبب بكاء الجبابرة؟ الجبابرة يبكون فرحا لانتصاراتهم وخوفا من إلههم. أتدرين بأن العدل يبكى؟ نعم، يبكى. وأتدرين سبب بكاء العدل؟ العدل يبكى حزنا على الأبرياء. أوتدرين يا حبيبتى أنى أبكى؟ نعم، أبكى. أتعرفين بأنى أبكى من أجلك؟ نعم، من أجلك، لأنى تركتك الآن، ولأنى بعيد عنك الآن"."حبيبى أسألك: "كيف أنت اليوم؟" وقلبى يتفانى فى حبك.حبيبى، أسألك: "كيف أنت اليوم؟" وعيونى ترسل بريقا هو بريق خافت لأنه بقايا حياتى.حبيبى، أسألك: "كيف أنت؟" لأننى بك أصبح شيئا له معنى.فتعال إلىّ، فقد هوتك[11] نفسى، واشتاقت إليك عينى.تعال إلىّ، فمن يدرى ماذا أكون غدا إن لم تكن أنت بقربى؟---------------------------إنى أنا فى دنياك اليوم، يا سعادتى وحبى.إنى أنا فى دنياك اليوم، وحبك ملء قلبى وفكرى"."أحبت كل شىء: أمها، أبيها[12]، أخواتها. أحبت الناس جميعا. أحبت الليل والنهار أحبت القمر والشمس. أحبت الأرض والزرع. أحبت الفن والموسيقى. أحبت الحياة كلها"."وتأكدت أنهما التقيا التقاء شخصين، والتقاء فكرتين، والتقاء حياتين"."وكان خاطر فى غضون ذلك يكتب الشعر، مصورا بالرغم منه لونا واحدا هو الخوف.. الخوف على السعادة من الضياع، الخوف على الحب من الفناء، الخوف على النهار المشرق الجميل من أن تغيب شمسه الساطعة كيلا تعود"[13]."كنت أشعر بفقدان أم حملتنى.. أم أنجبتنى.. أم أرضعتنى.. أم ربتنى.. ثم أم حملتنى.. ثم أم ماتت وتركتنى وحيدا فى هذه الدنيا القاسية"."ومسّ وجهها صدرى، ومس أنفى شعرها، ومست شفتى أذنها على غير قصد".ومما يتميز به أسلوبها لجوؤها إلى الترادف كثيرا لتأكيد المعنى أو الإحساس، حتى لو كانا (وهذا هو الغالب) لا يحتاجان إلى تأكيد أو لم يقدم الترادف شيئا جديدا. وهذه أمثلة على ما نقول:"والسير حيث أريد، والمضى أنّى يروق لى"."أسمى المشاعر الإنسانية وأنبل وأرق الأحاسيس البشرية"."تسلّى قبطان الجوّ وربان الطائرة"."أقدس علاقة، وأسمى ارتباط"."تسقى بها غليل الأمل، وتروى ظمأ الرجاء"."يضع للمستقبل سبيل الخلاص ومسلك النجاة"."تضافرت الأسباب وتكاتفت الدوافع"."مندمجان فى جوهرها (أى الموسيقى)، هائمان فى سرها"."فمضى إلى داره مشغول الذهن بها، مستغرقا فى التفكير فيها"."واستولت عليه وتمكنت منه"."وأخذ يروض نفسه على الصبر والتجلد واحتمال الألم"."واستولت عليه وتمكنت منه"."وأحال نهار يومى إلى سواد حالك، ونوره إلى ظلمة معتمة"."إن شعورى نحوك لن يتغير، وحبى لك لن يتبدل"."يروى غلته، ويزيل أشواقه"."كيفما شاءت، وحسبما أرادت"."وأنام مرتاح البال، مستريح الخاطر"."يتركونى أرعاك، وأسهر على راحتك"."وساد سكون، وران صمت"."قتلت نفسا، ومزقت قلبا، وسحقت ضميرا"."قضت ليلتها تساوم النوم، فأبى واستعصى"."على الراهبة أن تثبت فى قلبها أن الحياة الدنيا لعب ولهو وباطل"."تندب حظها العاثر، وطالعها المنكود"."فى ريعان الشباب، وميعة الصبا"."فى نواح متصل، وعويل دائم، وبكاء مستمر"."على وتيرة واحدة، وصورة مكررة"."مؤرقة الجفن، مسهدة"."هذب الحب حياتنا، وصقل دنيانا"."يعيش فى خاطرها، وعلى أجنحة روحها، وفى أعماق صدرها، وسويداء قلبها"."أثلجت صدره، وأسعدت قلبه"."أتمثل الفراق وألمه، والبعاد وأذاه"."أعرف يا حبيبى أنى فى نفسك، وفى فؤادك، وفى عقلك"."حبيبة القلب والفؤاد"."وجدت فى قربك الحياة التى أريدها وأبتغيها"."رهن إشارتك، وطوع بنانك"."أجهدها التعب، ونال منهما الوصب"."كأنه يسبر غوره، ويعرف مكنون صدره"."أكرم مثواه، وأعز منزله"."حوادث الأيام، وعوادى الزمن"."حكمت على قلبها بالموت، وعلى حبها بالذبول".وبين حين وآخر يعثر قارىء قصص كاتبتنا بعبارة منغمة، وهى سمة تكثر فى "مأتم الورود" بالذات كثرة ملحوظة، إذ إن هذه الرواية هى عبارة عن رسائل من حبيب لحبيبته، وهى رسائل رومانسية فاقعة الرومانسية، فمن الطبيعى أن يستعرض كلّ ما عنده من خلابة وتنميق. ومن الأمثلة على التوقيع الموسيقى فى هذه الرواية: "وقرى العين لحبيبك الذى يهواك، ويحبك ويتمناك، ويصبح على ذكراك". "بيت يحوينا، وحياة تجمعنا، وليل يوارينا، وجبل يحيينا". "يصعب على الزوج المحب أن يحب، ويبقى زوجاً دون قلب". "ومرت بنا خلال تلك السنوات ساعات السعادة والهناء، ومرت بنا خلال تلك السنوات ساعات مرارة وشقاء"[13].والآن إليك هذه الشواهد من قصصها الأخرى:"حيث يكون اللب والرعب". "وهى فزعة جزعة". "قلبه فى صخب، وعقله كلل ووصب وتعب". "وحيث إن هذه رغبة الحبيب، فلماذا لا تجيب؟". "قضيت على سعادتى وهنائى، وكنت سببا فى شقائى وبلائى". "كانا على الصخور يلتقيان، وعلى الرمال يمرحان، وفى البحر يتناجيان". "هدأت نفسها الثائرة، واستقرت مشاعرها الحائرة". "يكتب فى إسهاب، ويسطر فى غير اقتضاب". "وأصبحت هزيلة نحيلة". "الحب أيثار. وهل الإيثار إلا معدن النفوس الكريمة؟ الحب بذل. وهل البذل إلا من القلوب الوفية الرحيمة؟". "الأمواج عالية عاتية". "على هذا القلب الذى تدميه، وعلى هذا الضمير الذى تؤذيه". "رشيقا أنيقا". "رأت الأناقة قد فارقته، والرشاقة قد ودّعته". "وكل ما يهمنى أن نعيش زوجين سعيدين صديقين، ونقلع عن سلوك الشّين". "تهبط سلم البيت فى اختيال ودلال". "لمح الدموع فى مقلتيها، وهمس وشفتاه تقتربان من شفتيها...". "يحب مرضاه، ولذلك يتلهف على مساعدتهم، مع دراسة حياتهم اليومية وأخلاقهم وشخصياتهم". "وإذ بى بين سهله ضمن أهله". "فلقد اكتفيت وانتهيت".وهناك تركيب يتكرر فى كتابات المرحومة سميرة خاشقجى، يتلخص فى الغالب فى تكرير الاسم المعرّف (بالإضافة أو بــــــ "ال")، منكرا وموصوفا (أو مضافا)، مثل:"كانت شروق تلبى طلبات الركاب والنشاط يسرى فى جسدها.. نشاط لم تعهده من قبل، نشاط أيقظ فى أعماقها حبا دفينا"."والحب يملأ قلبها.. حبا فيه كل عناصر الحب.. حب كبير"."وامتلأت بالتحدى.. تحديا أكبر من الخوف، وأكبر من شخص حليم"."وساد بيننا الصمت.. صمت ثقيل"."أخذت دنيا تستعرض قصتها، تستعيد الماضى الحبيب.. الماضى الذى منحها الهناء... ماضى أيام عمرها، ماضى طفولتها"."ومضينا إلى حيث هذا المكان الساحر.. مكان جميل تغمره الزهور مبعثرة فى كل مكان"."ورائحتها الذكية[14]... تعلن عن موسم الربيع.. موسم الحب والحنان والخيال، موسم الصفا والوفاء موسم الزهور والأشجار، موسما[15] تكتمل فيه الطبيعة بكامل حسنها وبهائها"."ومرت الأيام، ومرت الليال.. أيام طويلة شاقة، وليال كانت أطول"."وهبطت من مقلتى قطرات من الدموع.. دموع على الذكريات"."ووضعت فى عينيها نظرات أقوى وأشد لمعانا.. نظرات تليق بتصرفه تجاهها"."عيناه فيهما بريق جرىء.. بريق عينى رجل خاض معركة الحياة فى أعنف ميادينها"."واستسلمت لإحساس جديد.. الإحساس بالسعادة"."وبجانبها جدتها تتطلع إليها بعينين ملأتهما الدموع.. دموع فزع وخوف وقلق وحيرة"."وأثناء احتفالنا بالزفاف إذ بى أفاجأ بتلك الحسناء.. حسناء الأتوبيس"."وانسابت العبرات.. عبرات اللوعة والحزن والأسى، عبرات كلها رحمة وحنان بقدر ما فيها من مرارة وحرقة وحرمان"."وغدا يتحقق حلم طفولتنا.. حلم كان يريدنا أن نبقى طوال العمر سويا"."ربما لا تدركين مقدار السعادة التى أنا فيها الآن.. سعادة لا حد لها أبدا"."وكان هذ هو اللقاء الأول.. لقاء خاطف سريع".وصورها صور تقليدية، وإن كانت تفاجئنا بين حين وآخر (وذلك قليل) بصورة طازجة منعشة، على تفاوت فى درجة الطزاجة والإنعاش، مثل قولها تصف الشمس ساعة الغروب: "جمعت خيوطها الذهبية، واحمّرت حدقتها" ، وقولها على لسان ابنة تخاطب أباها، الذى أمر برجم أمّها لمجرد الشك فيها رغم أنها لم تدنّس لنفسها ولا له عرضا: "ولأن تفضح عرضك بفعلك... كمن يفقأ عينه بإصبعه"، وكهذه الصورة التى تصف بها السكون التام فى غرفة مريضة: "وساد سكون، وران صمت وكأن الكون كله قد كتم أنفاسه ووقف يرنو إلى حبنا ساكنا، خشية أن تبدر منه حركة تزعجنا"، وقول بطل رواية "مأتم الورود" لحبيبته: "ولاختصار.. قصة الأمس، دعينى أحرك بكرة الفيلم الذى فى عقولنا حركات سريعة بدون ذكر أسماء، وبدون التركيز"، وقول الكاتبة تصف "عهد" بطلة "ذكريات دامعة" وهى تذرع الشرفة جيئة وذهوبا قلقلة حائرة: "وأخذت أصابعها تعصر منديلها الصغير وهى تغدو فى الشرفة جيئة وذهوبا كأنها مجداف يشق الأمواج"، وقولها عن محاولة بطلة "وراء الضباب" عبثا أن تنام: "قضت ليلتها هذه تساوم النوم"، وقولها فى وصف نُضُوب الحيوية فى كيان إحدى بطلاتها: "أصبح إكسير الحياة يخبو بالتردج فى أوصالها، وباتت روحها لا تكاد تقوى على التحليق خارج غشائها الواهى الحائر"، وقولها عن تفانى أحد المحبين فى مرضاة حبيبته: "سوف يجنى لها عناقيد النجوم من السماء السابعة"، وعن تحابّ رجل وامرأته: "كلما انقرضت ثانية من الزمن أورقت فى صدريهما نبته يانعة من جذور الحب المكين"، وعن تفاهم نفس هذين الزوجين: "يسبران غور الأمور بمبضع التفاهم".ومن السمات التى يتميز بها أسلوب الكاتبة أيضا كثرة الأخطاء اللغوية. وقد لاحظت أن عددا غير قليل من القصص فى النصف الأول من مجموعتها "وتمضى الأيام" كاد أن يخلو من هذه الأخطاء، لدرجة أننى ظننت (وكنت قد بدأت دراسة أعمال الكاتبة بقراءة هذا الكتاب) أن أسلوبها كله هكذا. وقضيت وقتا معجبا ومتعجبا. ولكنى كنت أعود فأتساءل: أيكون أحد قد أجال قلم التصحيح فى أسلوبها؟ ثم لما مضيت فى قراءة ذلك الكتاب وانتقلت بعده إلى سائر أعمالها هالنى ما وجدته من كثرة الأخطاء، فقلت: لعلها لم تستمر فى العهد بكتاباتها إلى من يراجعها لها.وقد لاحظت أن الأخطاء التى يكثر بل يكاد يطرد وقوعها فيها هى:1-إفراد خبر المبتدإ المثنى إذا كان هذا المبتدأ يدل على عضو من أعضاء الجسم (ومثل الخبر فى ذلك الإشارة)، مثل: "غير تلك (تينك) العينين"، "عيناه التى (اللتان)..."، "وعيناها تتطلع (تتطلعان) إلى الرب"، "فعيناى تبكى (تبكيان) معك"، "فعيناك تبكى (تبكيان) معى)"، "وأخذت يداى تلامس (تلامسان) يديك" ، "فعيناى تريدك (تريدانك)".2-نصب خبر المبتدإ، ورفع اسم "إن" وخبر "كان"، ونصب خبر "إن"، مثل: "كأن به شىء (شيئا)"، "ظهر أن المفقود حيا (حىّ)"، "فكم هما متفاهمين (متفاهمان)"، "ليس طويل (طويلا)"، "ليس هناك سببا (سبب)"، "... أن ذلك بعضا (بعض) من.."، "أحسبت أننا شرقيين (شرقيون)"، "وهما شاحبى (شاحبا) اللون"، "بأن هناك حائل (حائلا)..."، "لقد كنا جيران (جيرانا)"، "إن يداك (يديك) ترتعشان"، "ليس هناك بصيصا (بصيص) من الأمل"، "هناك أمرا هاما (أمر هام)"، "نشعر بأننا محلقين (محلقون) فى أجواء الفضاء"، "يكون وراءها معنى وهدفا وسببا (معنى وهدف وسبب)"، "وكانت شفتاها دافئتان (دافئتين)"، "أحس أنها تعويضا (تعويض)"، "وكان لحاظها سهاما (سهام) مريشة"، "وفى عينيه سؤلا (سؤال)".3- استخدام "لا زال" الدعائية فى موضع "ما زال" الخبرية، وإن كان هذا خطأ منتشراً عند كثير من كتاب العصر. وتستطيع أن تجد أمثلة على ذلك فى ص/ 26، 65، 91، 163، 191 من "بريق عينيك"، و ص/ 234 من "وتمضى الأيام"، و ص/ 13، 44 من "وادى الدموع"، و ص/ 98 من "وراء الضباب"، و ص/ 89 من "مأتم الورود"، و ص 2، 13، 31، 36، 49، 54، 61، 78، 82 من "قطرات من الدموع".4- حذف نون الأفعال الخمسة دون مسوّغ، أو إثباتها فى حالة النصب والجزم، مثل: "كم أتمنى لو تبقى (تبقين) أياما"، "ستتركينى (ستتركيننى)"، "ماذا تعلمى (تعملين)..؟"، "ستستائى (ستستائين)"، "وكم يحسنا (يحسنان) معاملة بعضهما"، "وأن تملئين (تملإى).."، "ألا تدعى (تدعين) لى شيئا"، لم يرحبون (يرحبوا) بها"، "أنت تعلمى (تعلمين) بأننى..."، "هل تسمحى (تسمحين).."، "أفكر كما تفكرى (تفكرين)"، "أود ألا تشكين (تشكى)"، "آمل أن تُشْفَين (تُشْفَىْ)".5- عدم حذف حرف العلة من المضارع الأجوف أو الناقص فى حالة الجزم، مثل "ولندعو (لندع) الله"، "لا تبكى (لا تبك) يا حبيبى"، "لم أراها (لم أرها)"، "لن أنس (أنسى)"، "تكفنا (تكفينا) هذه السعادة"، "ولترعاك (لترعك) رعاية السماء"، "لم أكد أفق (أفيق) من، دهشتى"، "لا تقولها (لا تقلها)"، "لم ألقاك (لم ألقك)"، "لم تراهما (لم ترهما)"، "لا تخشى (لا تخش)...".6- كتابة المثنى المنصوب أو المجرور بالألف، وجمع المذكر السالم فى نفس الحالتين بالواو، مثل: "إن العروسان (العروسين) يعيشان بمفهوم جديد"، "مما جعل أختاها (أختيها) تشعران بالغيرة"، "فاجعة... تحل بأربعة وعشرون (وعشرين) شخصا"، "داعب النعاس عيناى (عينىّ)"، "الدموع تملأ عيناى (عينىّ)، "لم يحضرها غير أمها وصديقان (صديقين) لى"، يتراوح عمريهما (عمراهما) ما بين..."، "دون أن تنحرف رجليه (رجلاه)"، "أقبّل عيناك (عينيك)"، "كلتا يداى (يدىّ)"، "فوجدت أبى جالساً ويديه (ويداه) على خده"، "يتمناها له والديه (والداه)".7- استعمالها عبارة "مع بعض" مثلا كما هى فى العامية فى موضع "أحدهما مع الآخر" أو "مع بعضهم البعض". وتجد أمثلة على ذلك فى ص/ 189 من "وراء الضباب"، و ص/ 17 من "بريق عينيك"، و ص/ 105 من "ذكريات دامعة"، و ص/ 15 من مأتم الورد"، و ص/ 69 من "ودعت آمالى".وغير ذلك من الاخطاء المتفرقة ممّا لا يندرج تحت أى من التصنيفات السابقة، وهو غير قليل.وهذه السمة عيب شنيع، لأن اللغة هى أداة الكاتب، كما أن سماعة الطبيب والمشرط هما أداتا الطبيب، والمنظار هو أداة الفلكى. و كما أنه لا يصح بل لا يمكن أن يمارس أى صانع صنعته دون أن يتقن استخدام أداوته، فكذلك الكاتب لا ينبغى له أن يهمل لغته، بله أن تكثر الأخطاء عنده إلى المدى الفظيع.لقد كان يوسف السباعى مثلا رحمه الله إذا خوطب فى أخطائه اللغوية احتجّ بأن القارىء يفهم ما يكتبه له رغم هذه الأخطاء، ومن ثمّ فإنها لا تقدم ولا تؤخر. والحقّ أن هذه حجة داحضة، فإن القارىء المشار إليه هنا هو القارىء العامى، وفهم مثل هذا القارىء هو فهم مقارب غير دقيق. ثم إن كتابات يوسف السباعى ليست هى كل الكتابات العربية. فإذا افترضنا أن فهم ما يكتبه لا يحتاج إلى الصحة اللغوية لأن أسلوبه قريب من الأسلوب العامى فى سهولة ألفاظه وبساطة تراكيب جملة، فهل يمكن أن يقال هذا عن النصوص الشعرية وعن كتابات أمثال الرافعى والعقاد والمازنى والزيات مثلا؟المفروض إذن أن يتقن الكاتب لغته. وإذا عجز أو كسل عن أن يفعل ذلك فليعهد بما يكتبه إلى مصحح لغوى يزيل التشوهات عن وجه إنتاجه، فإن النصّ الأدبى كالحسناء التى لا بد لها من الاعتناء بجمالها، وتغطية ما قد يكون فيها من عيوب.كذلك لا بد من التنبيه إلى أن الكاتبة رحمها الله لم تكن توظف علامات الترقيم التوظيف الصحيح دائما، وبالذات النقط، التى كانت تسرف فى استخدامها فى غير مواضعها، فتكثر من كتابة النقطتين أو الثلاث بين كل كلمة وأخرى أو بين المبتدإ والخبر أو بين المضاف والمضاف إليه مثلا. وهو خطأ لا معنى له.على أن هذا المأخذ موجود فى كثير من الكتابات المعاصرة، وبخاصة فى ميدان الصحافة.والمفروض أن علامات الترقيم مثل إشارات المرور، لكل علامة وظيفتها ومواضعها. والفهم الصحيح والدقيق للنص لا يستغنى عن معرفة ذلك كله معرفة جيدة.ومن سمات أسلوب بنت الجزيرة أيضا استخدامها لحروف الجر فى أحيان كثيرة على نحو يخالف الشائع. ولا يعنينى كثيرا أن أعد ذلك من الأخطاء، فقد يقال إن باب تبادل حروف الجرّ أماكنها مع بعضها البعض باب واسع. على أية حال هذه أمثلة على ما أقول:"والإثبات على ذلك بأن تقسم أمك وأمى اليمين على أننا لسنا أخوان"[16]."لا أدرى هل تحبين أن تعرفى عن برنامجى؟"."تَنْعَمُ فى ترداد الصدى"."كانت لها أرقّ وبها ألين"."ائتلفوا بها"."فكرت بالأمر"."أحسنت فى التعبير عن مشاعرها"."تفكّر بها"."لا تزال بذمّة زوجها الأول"."كان قادرا بأن..."."أرجو أن تسامحنى عن فضولى"."باح عن عهده"."حار الأطباء بأمرها"."يعكر على صفو سعادتها"."عرضت عليه وزارة الصحة بالإشراف الطبى والنفسى على معهد الصم والبكم"."علم الدكتور عاصم عن نقل ذكرى إلى مستشفى منى"."تقوم مع زملائها فى إعداد المستشفى".على أنه لا بد من القول بأن استبدال "الباء" بــــــ "فى" فى بعض الأحيان هو استعمال معروف فى أساليب الكتاب الشوامّ. فلعلّ لإقامة سميرة خاشقجى فى لبنان فترة طويلة ونشرها جميع كتبها هناك دخلا فى استخدامها "الباء" مكان "فى" فى الأمثلة المنصرمة.وهى تستخدم "سنين" باطرادٍ استخدام "حين"، أى بالياء دائما وإثبات النون، مثل: "مضت السنين"، "تمر الأيام تتلوها السنين"، "مرت السنين"، "والسنين تمر".والحوار فى قصص كاتبتنا ورواياتها مكتوب بالفصحى، اللهم إلّا الصفحات الأولى من رواية "ودعت آمالى"، وبعض العبارات فى "قطرات من الدموع". وليس صحيحا إذن ما ذكره د. إبراهيم بن فوزان الفوزان من أنها تنطق أشخاص قصصها بلهجات البلاد التى ينتمون إليها[17].وثمة سمة عامة أخرى فى قصص السيدة سميرة خاشقجى هى أنها تختار لبطلاتها عادة أسماء نادرة. وأغلب الظن أن كثيرا من هذه الأسماء من اختراعها لتكون رمزا إلى ما يتصف به هؤلاء البطلات من سجايا أو إلى الدور الذى يقمن به فى تلك القصص.فمثلا بطلة رواية "قطرات من الدموع" اسمها "ذِكْرَى"، إشارة إلى ذكرى رجم أبيها وأهل القرية لأمها لمجرد شك الأب فى سلوكها، تلك الذكرى التى ظلت تعذبها وتلحّ على خيالها ومشاعرها، وأفقدتها النطق مدى الحياة، ثم عيشها بعد ذلك سائر عمرها على ذكرى حبيبها الذى فقدته.وفى مجموعتها "وادى الدموع" يقابلنا فى إحدى القصص اسم "جهاد"، لأن صاحبته تجاهد فى سبيل لقمة العيش، وفى قصة أخرى اسم "نهاية" لفتاة انتحرت واضعة بذلك "نهاية" لحياتها بيدها.وفى "ذكريات دامعة" نجد البطلة تسمى "عهد"[18]، إشارة إلى حفظها لعهد الحب الذى كان بينها وبين علاء ورفضها للزواج من أى شخص غيره إلى أن ظهر فى أفق حياتها ثانية بعد سنوات فتزوجا[19].كما أن اسم بطلة "مأتم الورود" هو حبيبة"، دلالة على حب "غالى" لها حبا مولّها... وهكذا.ومن الأسماء التى أطقتها على بطلاتها الأخريات: "شروق" و "سُرَى" و "نسمة" و "دنيا" و "ساكنة" و "دمعة" و "مرح" و "عناء" و "غالية" و "عنبرة" و "نغم" و "وديعة" و "شعلة" و "حيرة" و "سكون" و "فتون" و "ساهمة".وكما يلاحظ القارىء فتكاد أن تكون هذه الأسماء جميعها إمّا فاعل وأمّا مصدرا يدل على معنىً من المعانى حزين غالبا.وعلى كثرة ما قرأت من قصص عربى وغير عربى فإنى لم ألحظ هذه الظاهرة عند أحد غير بنت الجزيرة. وهذه الظاهرة تدل على جرأة فى تعامل المؤلفة مع أسماء بطلاتها، إذا تسوى لهم هذه الأسماء فى الغالب على غير قالب سابق، غير مبالية بغرابة الاسم ما دام يؤدى الوظيفة التى ترديها منه. وأعترف أننى قد لذذت هذه المسألة. وهأنذا أهتبل هذه السانحة وأدعو الآباء إلى أن يمتحوا من ماء هذه البئر الحلوة أسماء لمواليدهن من البنات.وهناك سمة أخرى تطبع أعمال سميرة بنت الجزيرة تتعلق بالشخصيات. فكل بطلات رواياتها جميلات.كذلك فقلما تخلو رواية لها من وجود طبيب، فمثلا بطل "ودعت آمالى" طبيب، وهناك عاصم فى "قطرات من الدموع" طبيب، وكذلك عصام فى "ذكريات دامعة"... وهكذا. وينبغى أن نقرر هنا أن والد الكاتبة كان طبيبا مشهورا.ومما يتعلق بشخصياتها أيضا أنهم كلهم أبناء أسر ميسورة. وربما كان هذا راجعا إلى أن أسرتها من الأسر السعودية الثرية، وأن معارفها لم يكونوا يخرجون عن الطبقة التى تنتمى هى إليها أو على الأقل لم يكونوا يبتعدون عنها كثيرا، ومن ثم فهى تقتصر على المدى الذى أتاحته لها تجربتها فى الحياة لا تخرج عنه.وكثير من هذه الشخصيات يلتقى تعليمه خارج المملكة: فى مصر، أو فى لبنان، أو فى أمريكا، أو فى هذا البلد أو ذاك من بلدان غرب أوربا.ولا تكاد تخلو قصة من قصصها من رحيل بعض شخصياتها إلى بلد غربى. ويبدو أن المؤلفة كانت كثيرا ما تقضى إجازتها مع أسرتها فى أوربا وأمريكا، لأن فى وصفها لهذه البلاد وحديثها عنها ما يدل على معرفة بها. فإن صح هذا تكن هذه السمة انعكاسا لحياتها أيضا.فمثلا فى "بريق عينيك" تجد البطلة مضيفة تزور دول العالم، ونجد أختها تسافر مع زوجها إلى أمريكا. وفى "وراء الضباب" نرى البطلة تذهب إلى باريس وتعيش هناك زمنا. وفى "قصة أم" من مجموعة "وادى الدموع" نرى ابن أخى والد البطلة يسرق أموال عمه ويفرّ بها إلى سويسرا . وفى "مأتم الورود" تسافر البطلة إلى لندن وباريس... إلخ.وفى رواياتها وعدد من قصصها القصيرة لا بد أن تكون إحدى شخصياتها أدبيا أو أدبية، أو على الأقل لها كراسة تُسرّ فيها بخواطرها ومشاعرها: فعندنا علاء فى "ذكريات دامعة" قد أصبح أدبيا مشهورا. وفى قصة "دعنى والأسى" من مجموعة "وادى الدموع" نجد البطلة كاتبة معروفة. وفى القصة التى تليها، وهى بعنوان "قصة أم"، نرى إحدى بنات هذه الأم "كاتبة ممتازة" كما تقول المؤلفة. وكذلك تخبرنا قصة "عاشت للذكرى" من نفس المجموعة أن للبطلة كراسة زرقاء اللون تبثها خلجات نفسها. و "ذكرى" بطلة "قطرات من الدموع" قد أصبحت كاتبة أدبية. وهذه أمثلة فقط. وواضح أن الكاتبة تجد فى هذه الشخصيات نفسها، فهى من الكاتبات الرائدات فى المملكة، وهى تدافع عن حق المرأة فى أن تكون كاتبةً مثلما أن ذلك من حق الرجل، وأن تعبّر عما يجيش فى نفسها وعقلها. صحيح أنها فى البداية كانت تتخفى وراء اسم "سميرة بنت الجزيرة"، عندما كان كشف اسمها الحقيقى مما يعرضها هى وأسرتها للحرج. ولكنها بعد قليل قد أماطت النقاب عن شخصيتها الحقيقية، وإن ظلت مع ذلك تعتز باسمها المستعار بعد أن عُرفت به وأصبح جزءا منها[20].وما دمنا فى الحديث عن الكتابة والكتاب فى قصص الكاتبة فمن المناسب أن أسجل هنا ما لاحظته على رواياتها وكذلك على قصصها القصيرة من احتواء كل منها على رسالة أو أكثر: إن غالية فى قصة "نزوة طائشة" ترسل لزوجها سامح خطابا يشغل مساحة القصة كلها تقريبا تؤكد له فيه أن حياتهما معاً لا يمكن أن تستمر بعد أن عرفت أنه يعرف امرأة غيرها، ثم تودعه فى نهاية الخطاب، الذى تنتهى بنهايته القصة أيضا. وفى "بريق عينيك" ترسل شروق رسالة لزوجها بعد اكتشافها أنه لا يزال مبقيا على زوجته الأولى فى عصمته وأنه لم يطلقها كما أخبرها قبلا. كما نراها ترسل خطابا أيضا لحازم الإسبانى الذى أحبته وتمنّت أن تتخلص من رباط الزوجية لتتزوجه. وكأن هذا لا يكفى فى رواية واحدة فنجد السلطات اللبنانية ترسل لشروق رسالة تعلمها فيها أنها عرفت مكان زوجها الطيار الذى كانت قد سقطت طائرته منذ عدة سنوات ولم يظهر لها منذ ذلك الحين أثر. بل إن رواية "مأتم الورود" مبنية كلها، من أولها إلى خاتمتها، من رسائل يبعث بها محب إلى حبيبته، التى أصبحت بعد ذلك زوجته. وسوف نناقش هذه النقطة فيما بعد عندما نتناول هذه الرواية بكلمة نقدية منفصلة.ومعظم رواياتها تجرى أحداثها فى بيئات غير سعودية: إمّا فى القاهرة ("ذكريات دامعة" و "ودعت آمالى")، وإمّا فى لبنان وفرنسا (وراء الضباب)، وإمّا فى لبنان وأسبانيا (بريق عينيك). وليست هناك رواية جرت أحداثها فى السعودية وأشخاصها سعوديون إلّا "قطرات من الدموع". أما "مأتم الورود" فليس من الواضح إلى أى بيئه تنتمى، فالكاتبة لم تذكر شيئا عن هذا. على أن الأمر فى قصصها القصيرة قسمة بين البيئة السعودية وغيرها. ومع ذلك فالمشاكل والقضايا التى تعالجها هذه القصص ليست خاصة بالمجتمع السعودى، بل هى فى الغالب قضايا ومشاكل إنسانية عامة أو على أفضل تقدير تتعلق بالمجتمعات المتخلفة فى كثير من بلاد العالم الثالث.ومن هنا فإن ما قاله د. طلعت السيّد فى كتابه "القصة القصيرة فى المملكة العربية السعودية بين الرومانسية والواقعية"[21] من أن قصص هذه الكاتبة بما تحمل من سمات خاصة أقدر الأنواع الأدبية على أن تجعلنا نرى الواقع المعاش (كذا) لأهل الجزيرة العربية بصفة عامة، وللمملكة العربية السعودية مهبط الوحى ومنزل الرسالة بصفة خاصة" هو كلام يحتاج إلى مراجعة. ويبدو أنه لم يكن قد اطلع بنفسه على أعمال هذه الكاتبة، فإنه لا يقدم فى كتابه السالف الذكر آنفا أى تحليل لشىء من أعمالها بل اكتفى بما قدّم به ناشر كتب السيدة سميرة خاشقجى بعض إنتاجها. وأرجّح أنّه قد تأثر بكلمات الإهداء التى أثبتتها الكاتبة فى بداية مجموعتها "وتمضى الأيام"[22]، والتى تقول فيها:"وطنى. يا مهبط الوحى، ومنزل الرسالة. أنت أمل المسلم، ورجاء المؤمن، وبغية المتقين. إليك تشرئب الأعناق، وترنو الوجوه، ونهفو النفوس. وبذكرك تثلج الصدور، وتسعد القلوب. اصطفاك الله بالتقدير والإكبار، فوضعك موضع التقديس والإجلال. فعلى أديم أرضك رأيتُ نور الحياة ودرجت فى مسالكها مستلهمة قيمتها ومفاهيمها من قدسيتك.فعليك الإيمان والأمن. إيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر خيره وشره وحلوه ومره، وأمن للنفس والروح من مادية البشر. فانعم بك من وطن وأكرم!".ويعضد هذا الترجيح تلك الكلمات التى استعارها د. طلعت صبح من الإهداء بنصها حين تكلم عن المملكة السعودية، إذ قال: مهبط الوحى ومنزل الرسالة".وقد عاد د. طلعت فأدلى برأىٍ فى موضوعات أعمال هذه الكاتبة أقرب قليلا إلى الدقة حين قال فى كتاب له صدر عن الفن القصصى فى المملكة بعد كتابه الأول بثلاث سنوات: "ومن خصائص الكاتبة سميرة بنت الجزيرة العربية فى فنها القصصى هو أنها حينما تعرض شخصياتها تعرضها من خلال آراء وأفكار واقعية، أى من واقع المرأة العربية فى مجتمعها العربى بصفة عامة وفى مجتمع الجزيرة العربية والمملكة بصفة خاصة. ومن ثم فهى لصيقة بمعاناة المرأة وتجاربها، فتصورها بوضوح ورصانة، لأنها ملتصقة بشخوصها تتعامل معهم بواقع الحياة المعاش (كذا)"[23]، فقد وسع الكاتب دائرة موضوعات الكاتبة هذه المرة وجعلها تشمل المرأة العربية إلى جانب المرأة فى المملكة.على أنه لا بد من القول بأن الأعمال التى قرأتها للكاتبة لا يتناول شىء منها المرأة فى الجزيرة العربية خارج المملكة، على عكس ما جاء فى كلامه، مع ملاحظة أننى أنا وهو قد رجعنا إلى نفس الأعمال للكاتبة.كذلك لا بد من القول أيضا بأن مشاكل المرأة التى تعرضها الكاتبة فى قصصها ليست مشاكل واقعية، بل هى فيما عدا موضوع "قطرات من الدموع" وبعض القصص القصيرة التى تجرى حوادثها فى السعودية موضوعات وحوادث مغرقة فى الخيالية. وهى خاصة بطبقة بعينها هى الطبقة الثرية (فى مصر ولبنان) التى تتمتع نساؤها بقدر كبير من الجرأة والحرية فى الاختلاط والسفر إلى البلاد الأوربية.فالمرأة عندها، سواء كانت عزبة أو متزوجة، تتمتع بقدر كبير من التحرر. إن مراقصتها للرجال مثلا أمر عادى جدا فى قصصها. تقول المؤلفة عن عيد ميلاد البطلة. (فى "ذكريات دامعة") الذى دعت إليه أصدقاءها ومعارفها من الشباب والشابات: "مضت الساعات دون أن يشعر المدعوون بمرور الوقت، وأخذوا يمرحون ويرقصون حتى طلبت الجدة من المدعوين أن يقصدوا غرفة الشاى". "فضحك الجميع وعادوا إلى الصالة وأخذوا يرقصون".وحين تذهب البطلة لحفل زفاف إحدى قريباتها هى وجدتها والدكتور عادل الذى كان يبغى الزواج منها تقول المؤلفة: "وأعجبها طريقة حديثه الذى تطرق إلى أمور عدة. تكلم عن الطب وعن المجتمع. ثم عزفت الموسيقى فقامت لتشاركه الرقص وهى تشعر بالراحة لمصاحبته. إنها سعيدة بهذه الصداقة الأخوية".وفى حفل نقابة الأطباء الذى ذهب ثلاثتهم أيضا إليه: "وأثناء الاستراحة قامت بعض الفتيات يبعن الزهور لصالح الجمعية الخيرية، وتبرع من كان فى الحفل بشراء الورود، وانبعثت أنغام الموسيقى الغربية الخفيفة، وخفضت الأضواء، وقام البعض إلى حلبة الرقص، وأصبح الجو شاعريا يبعث إلى النفس الراحة والهناء".وفى قصة "تلال من الرمال" من مجموعة "وتمضى الأيام" نقرأ: "وسحبها لمكان الرقص، وطوقته بذراعيها، وأدنت منه وجهها الصبيح حيث تموج ضفائر شعرها الأشقر المنعقد حول رأسها كالإكليل، فخفق قلبه، وترنح وانتشى".والمرأة فى قصصها أيضا تنفرد بالرجل وتذهب معه إلى المواضع الخالية. لقد سافرت "شروق" بطلة رواية "بريق عينيك" لأول مرة إلى أسبانيا كمضيفة جوية. وكان عليها أن تقضى ليلة هناك. وقادتها قدمها إلى الشاطىء فى مدينة كالب حيث التقت هنالك بشاب إسبانى نصرانى (وهى المسلمة! لاحظ)، فكان كلما دعاها إلى شىء كان جوابها: "ليس عندى أى مانع"، وركبت معه مركبا من مراكب صيده، ثم رافقته إلى قريته حيث مكثت هنالك ورقصت معه إلى قرب الفجر:"ثم تأملها فترة واستأنف الحديث:-أتحبين الذهاب فى نزهة بأحد المراكب؟-ليس عندى أى مانع"."عادا إلى الشاطىء، وطلب منها كارملو أن يتمشيا إلى داخل القرية الصغيرة، فوافقت ومشيا إلى أن وصلاه. وكان بعض الناس يغنون ويرقصون فى الشوارع وهم فى مرح وسعادة. فأبدت شروق إعجابها برقصهم، فأمسك كارملو يدها وأخذ يعلمها كيف يرقصون وفى مرح شاركته الرقص وأخذا يضحكان من قلبيهما".ولا غرو إذن أن تقول الكاتبة على لسان الدكتور عادل فى "ذكريات دامعة":"أرى أن يشجع كل والد فتاته على اشتراكها فى رحلات كليتها، فالرحلة ثقافة متعددة النواحى والجوانب، وتعلمها أشياء كثيرة لا توجد فى الكتب، مثل الذوق والاعتماد على النفس، والشجاعة، والصبر. وبذلك تتكامل شخصياتها وتقوى وتدرك الأمور وتنمو معارفها ومعلومتها، فتصبح فتاة ناضجة الوعى سليمة التفكير حسنة التصرف.فردت عليه ندى فى إعجاب:- كلامك جميل يا دكتور. وليت والدى معنا الآن ليسمع كلامك.فقالت عهد:- من الصعب أن يترك أولياء الأمور الحرية للفتاة بهذه السهولة[24].وسكت الدكتور عادل قليلا، وتطلع إلى الأفق البعيد، وقال:- الآن يجب على فتياتنا أن يتطورن بحيث يسايرن الزمن، فعصرنا اليوم عصر السرعة والذرة، وينبغى للفتاة أن تتطور حتى تكون تكملة للنهضة الاقتصادية والاجتماعية وإتماما للتقدم والرقى".والحبّ فى أعمال الكاتبة يسوّغ أن يتماسك الفتى والفتاة بالأيدى بل وأن يتبادلا القبلات الحارة ويأخذ كل منهما الآخر فى أحضانه. وقصصها ورواياتها تصور كل ذلك تصويرا يشف عن رضاها به ومباركتها له:"ومددت يدى فأمسكت بيدها، وتحسست أصابعها برفق، ثم جذبتها إلى فمى، ومسست بشفتى كفها الصغير، وأحسست بنشوة".ومدت يدها الصغيرة إلى يدى، واستسلمت فى نشوة إلى أحضانى. وسرى ما يشبه التيار الكهربائى، فأصاب كل منا برجفة. ومسّ وجهها صدرى، ومسّ أنفى شعرها ومست شفتى أذنها على غير قصد، فأصابتها رجفة سرت فى أوصالى، فتحركت ببطء إلى ذقنها الصغير، وأنزلت شفتى إلى شفتيها. وساد سكون وشفاهنا مطبقة. وبعد لحظات افترقت الشفاه بعد لقاء حار طويل، وقالت آمال باسترخاء ودلال:-وجدى! وجدى!وأجبتها بلين:-آمالى! آمالى!-أحبك يا آمال. أحبك بكل نفسى. وكل عرق ينبض فى قلبى يهتف باسمك. إن حبى لك أقوى من الحب. أحبك إلى الأبد.ونزلنا من السيارة، وأخذنا نتمشى بجانب النيل وكل شىء حولنا جميل. وكانت صفحة السماء مليئة بالنجوم الساطعة، والقمر يعكس ضوءه على ما النيل. وكانت أيدينا متشابكة وكل منا يشعر بالسعادة والأمل"."وهناك وجدها وقد استلقت على الشاطىء وتركت الأمواج تسحبها إلى الداخل وفى سرعة البرق كان إلى جانبها. وعندما احتضنها هشام بين ذراعيه لمح الدموع فى مقلتيها. وهمس وشفتاه تقتربان من شفتيها:- ليس هناك حائل دون زواجنا. لقد كانت خدعة منهما للتفريق بيننا. إننا ما زلنا مراهقين فى تفكيرهم. ولكن حمدا لله أنك بخير"[25]."ثم التقينا وضممتنى إلى صدرك، كأنك تحاول أن تختبىء فيه. واحتضنتك بقلبى"."وجمع أناملها بيديه يطمئن إلى الراحة، ويتحسس كل ظفر فى منبته، ويزحف حتى السلامة الأخيرة. يأخذ كل أنملة على حدة. يدغدغها بقواضمه. ثم جمع وجهها بكلتا راحتيه يتأمله بإسهاب، ويدقق النظر فى كل جزء من أغوار عينيها. ويهيم به الوجد فيطوق خصرها بذراعيه القويتين، ويضمها لصدره ببط وشدة وكأنه يعصر جسدها فى روحه، ويمنحها من ذلك الكيان الجديد رغبة البقاء.وراح بشفته الممتزجة بأنفاس دافئة حارة يتلمس مواطن الإحساس فى وجه شروق فيسبل جفنين ذابلين وينتقل كالفراشة تجنى الرحيق من زهرة الصباح الندية. حام بأرنبه أنفه عند أطراف أذنها، وتنقل يلثم مسحة الخدّ والمآقى فيه. وبثّ جزءا من روحه على حواف ثغرها، واستقر عنده شبه غاف لم يتحرك"."تمنت من حازم أن يلتهمها بنظراته بل بذراعيه وبكل قوة خفية، لتذوب فى علمه وتثبت أنها تعيش.ورفعت له عينين مسح عنهما عبرات فليتة، وأتاه دافع قاهر ليضمها إلى صدره ويغرسها فى قلبه تسرى مع دمائه، فمال نحوها وأحاطها بذراعيه، وأدرك أن هذه المرة لن تمنعه من تقبيلها... فدنا بشفتيه الواثبتين يجنى الرحيق من شفتيها الملتهبتين.وطالت القبلة، وهاما فى عالم ثان... بعيد... بعيد. تمنيا لو يكون العمر كله قبله نقية يضيع بصداها شقاء الحياة"."أتحبين القبل لتقبلينى؟-----------أتبغين ضمى يوم تلقينى؟[26].والقرب من صدرك يشفينى.--------------ومن كلتا شفتيكذقت رحيقا يروينى""أتذكرين يا حبيبتى أيامنا؟... أيامنا التى فيها اجتمعت عينانا، وتلاقت يدانا، والتصقت شفاهنا، وتمازجت روحانا؟... أيامنا التى عصرت فيها شفتاى شفتيك ورمقت (كذا) ريق الحب والسعادة والهناء؟"وحتى عندما يعرف بطل قصة "طفولة" (من مجموعة "وادى الدموع") أن الفتاة التى يحبها وتعاهد معها على الزواج هى أخته فى الرضاع، ورغم إيمانه بأن الزواج منها حرام وتسليمه بذلك، نراه عندما يتلقى بها يشتهيها ويضمها إلى صدره ضما عنيفا:"والتقيا وفى صدره دقات، وفى جسمه رعشات. ورآها.. رآها فى أجمل صورتها. رآها والماضى كله ينطق فى عينيها.. فى غمازات وجهها.. على محياها.. على ثغرها. وضمها إلى صدره. ولم تقاوم ضمه الشديد.وصارحها بحكم القدر. وبكت طويلا.. بكت عمرها الضائع. بكت الماضى. ولكن ما عساهما يفعلان أمام إرادة الله وأمام حكم الله؟".إن الشعور الطبيعى فى مثل هذا الموقف أن تموت مشاعر الحب والشهوة تجاه الأخت. ولكن للقصة رأيا آخر! ومن الطبيعى بعد هذا كله أن تنجرف الأمور فى قصص كاتبتنا أحيانا بين الأحبّاء إلى النهاية المخيفة:"وأوصلها إلى بيتها، ونظر إليها فى تلهف، وقال:-هل أستطيع أن أصعد معك؟واستطرد: الليل قصير.وأحست بقلبها ينكمش بين ضلوعها. إنها بالفعل تعيش بمفردها، ولكن هناك أيضا عمتها العاجزة التى ترقد فى سريرها... وجلسا فى الشرفة حيث شجرة الياسمين والموسيقى تملأ أذنيهما... وحمله الشوق من جديد نحوها، وراحت يداه تزحفان على ذراعيها، وغمرت أنفاسه وجهها. وقامت وقاومت بكل قواها. وتوسلت وتضرعت. وكان الصراع مرير[27] بينهما، وبكت بكاء مرا. وشعرت بأنها طفلة صغيرة وحيدة فى وسط صحراء شاسعة قاحلة. لقد اغتصبها".والطريف أن الفتاة رغم كل شىء تكتب له بعد ذلك خطابا تبتدئه بقولها:"أيها الحنون (حنون)"[28]، وتناديه فيه بـــــ "يا حبيب الأحلام والأمانى والآمال الضائعة"، وتخبره بأنها ستنتحر، وتستحلفه بأن يحضر معه كلما أتى لزيارة قبرها عقداً من الياسمين (كما كان يفعل قبلا كلما التقيا). ثم تذهب إلى برج الأهرام[29] وتلقى بنفسها من قمته بعد أن بعثت بأطراف أصابعها قبلة إلى حنون!بل إن بطلة رواية "وراء الضباب" تعاشر رجلا من غير زواج، ويستمر الأمر بينهما على هذا النحو عاما وأكثر:"ومر عام بكامله تعيش مع وفيق، وتلمس بكل خلجة من خلجات قلبه حبه الكبير لها وصدق إيمانه بأحلام الحب وتلهفه عليها، فهو يتخذ منها وحيا لعقله وغذاء لروحه واستمرار لحياته...شعر وفيق أن حلمه قد تحقق، وأن "ساكنة" المنشودة الجامعة إلى فتنة الجسد جمال العقل أصبحت له وحده ينعم بها ويعيش معها حياة سعيدة. وقرر أن يعرض عليها الزواج، ويسلم نفسه لها، وينقاد لحبها، وهو مقتنع بأن حبهما أعمق وأجمل وأكمل وأقوى من الحياة.ولكنها رفضت أن تتزوجه".عجيبة!إن الكاتبة تقول على لسان إحدى بطلاتها (وهى أديبة أيضا تؤلف القصص العاطفية) موجهة الكلام لزوجها الذى يعترض على كتابتها هذا اللون من القصص:"- وما العيب فى كتابة القصص العاطفية؟ أن أدعو فى قصصى إلى مبادىء ومثل أخلاقية؟ أعرض مشكلات المجتمع وحلولها؟ أسهم بنصيبى فى بناء صرح وطنى؟ وهل حرام على المرأة أن تكتب؟".وبطبيعة الحال ليس حراما على المرأة أن تكتب، وبخاصة إذا كانت تدعو إلى "المبادىء والمثل والقيم الأخلاقية وتعرض مشكلات المجتمع وحلولها" كما تقول بطلة القصة. ولكن أين ذلك فى معظم القصص والروايات التى نحن بصددها؟إن الرومانسيين يرون أن الحب هو كل شىء، فإن نادى فلا بد من الصغو إليه وتلبية نداه، وأن الشرائع وأعراف المجتمع إذا تعارضت فإلى حيث ألقت. وهنا نفترق. صحيح أن الله سبحانه قد ركب فينا غرائز وميولا بشرية لا يمكن تجاهلها.وصحيح أيضا أن كلّا من الجنسين يهفو إلى الآخر ويتطلع إلى الالتحام به. وصحيح أن أحلام اليقظة كثيرا ما تغلبنا وننساق معها ونتمنى ونشتهى. ولكن ماذا نفعل فى الدّين؟ هل نعطيه ظهورها؟ وأين كلام الكاتبة عن الوحى والإيمان بالله واليوم الآخر؟ لقد قطع الغربيون ما بينهم وبين تعاليم السماء منذ حقبة طويلة، وأصبحوا ينظرون إلى الجسد على أنه ملك خاص بصاحبه من حقه أن يفعل به ما يريد. ولم يعودوا من ثمة يرون فى القبلات والأحضان وإتيان الفاحشة ما يعاب ما دام الأمر يتمّ برغبة صاحبه ويجد هو فيه لذة ورضا. ولكن وضع المسألة عندنا نحن الذين ما زلنا نؤمن بوحى السماء وحساب الآخرة مختلف. وعلى هذا فلا بد أن يحدد الكاتب موقفه ويعزم أمره: أهو يؤمن بالله ولقائه أم لا؟ فإن كانت الأولى فلا تمجيد لإشباع الشهوات خارج نطاق الزواج، ولا وصف شاعرى رفراف يغرى بإطفاء الظمإ قبل الأوان، ويوهن العزيمة، ويزين الخطأ.إن من حق الكاتب، بل ربما كان من واجبه، أن يصور الانحراف، ولكن شتان بين التصوير وبين المباركة والتمجيد! هذه هى القضية.وفى ضوء ما مر فلا بد من توضيح أن الحكم الذى أصدره د. محمد صالح الشّنطى فى قوله عن كاتبات القصة القصيرة فى المملكة إن "الكاتبة السعودية تميزت فى إنتاجها القصصى بالتزام أخلاقيات البيئة فلم تتطرق إلى ما يمسّ الأعراف والتقاليد..."[30]. إنما يصدق فيما يبدو على أولئك الكاتبات اللاتى درسهن الباحث، وليست فيهن بنت الجزيرة، وهن جميعا قد نشرن أعمالهن فى داخل المملكة، ويقمن فيها إقامة دائمة، على عكس سميرة خاشقجى، التى كانت تقيم خارج المملكة طويلا، وبالذات فى لبنان.على أية حال فالكاتبة تجمع بين العاطفية الحالمة التى نجدها عند أمثال يوسف السباعى، وبين الاتجاه الآخر الذى برع فيه واحد كإحسان عبد القدوس.وقصص كاتبتنا حريصة على التوقف عند مفاتن بطلاتها وأنوثتهن:"أمضت شروق ثانى يوم وهى مستلقية على الرمال بجانب البحر وأشعة الشمس القوية أخذت تلون جسدها الأسمر لتزيده فتنة وجمالاً."تخلع ملابسها فى خفه وتؤدة، وكذلك ترتدى لباس النوم. وتأتى قرب المرآه عن بعد وقرب. تلف حول ذاتها وتراها تمعن النظر فى بؤبؤها ومبسمها، وتبتعد لترى قدها الممشوق من كل جنب وتطمئن"."وليست الطبيعة هناك جميلة ورائعة بورودها وأشجارها وصفاء هوائها، بل إنها البديعة كذلك بفتنة الإناث وحيويتهن"."ووقفت (ساكنة) بقوامها الممشوق وأناقتها المفرطة، وشعرها الأسود المستلقى على كتفيها يزيدها فتنة وأنوثة"."والتفتّ إلى مصدر الصوت، وإذا بآمال تقف بجانبى وقد ارتدت ثوبا مفتوحا أبيض اللون، وصفقت شعرها فى شكل بديع، فكانت تبدو آية فى الجمال"."وتمر الأيام تتلوها السنين، وتنتقل ذكرى من طور الطفولة إلى طور الصبا. وتظهر محاسنها، وتكتمل أنوثتها، ويزداد جمالها الفاتن فى النمو والظهور"."واستقبلت (ذكرى) يومها الثانى فى المستشفى فى ثوب أبيض رقيق زادها أنوثة وفتنة وجمالا"."وذهبت إلى الشاطىء فى ثوبها الأخضر المطرز الجميل الذى زادها فتنة ورشاقة"."وهل تشبع عيناه من النظر إلى فتنتها؟ لقد أصبحت فتاة ناضجة، وزهرة حان قطافها، وثمرة آن حينها. ظهرت أنوثتها فى كل جزء منها"."وكانت نسبة الجمال والأناقة مرتفعة بشكل ملفت للأنظار، وقد التفّ حول كل مائدة باقة من الجميلات الفاتنات ارتدت كل منهن أجمل ما لديها من ثياب وما عندها من حلىّ، وأراقت ما لديها من عطور على جسدها"."ثم استدرت ناحية المرآة، وتطلعت إلى صورتى، ورأيت الفرحة تلمع فى عينى. أنا أرى أنوثتى وقد تفتحت، وجمالى وقد أشرق".والحبّ فى روايات وقصص سميرة خاشقجى هو حبّ تعترضه العقبات الكأداء، أو ينتهى بالفراق بين الحبيبين فراقاً مؤقتا، أو أبديا: بالهجر أو بالموت. والمحبون أثناء ذلك يتعذبون عذابا شديد الإيلام، بعد أن كانوا يرضعون من السعادة أفاويق صافية هنيئة.لقد تزوج وجدى بآمال فى "ودعت آمالى" بعد أن قضيا فترة الخطبة[31] تقطر هناءة، وكان يجد لديها السلوان مما يعانيه فى البيت من أبيه والمرأة الوقحة اللعوب التى أحضرها بعد وفاة أم وجدى وأخذ يعاشرها معاشرة الأزواج دون عقد. ولما تخرج وأصبح طبيبا وقدر على الاستقلال المادى والمعنوى عن أبيه وصارت له شقة دخل بعروسه المحبة المحبوبة. ولكنها سرعان ما مرضت، وحار الأطباء فى أول الأمر معها، ثم أتضح أنه مرض عضال لا شفاء منه، لتموت (فيما فهمنا، وإن لم تصرح الرواية بذلك)، وينهدم بذلك قصر السعادة الجميل الذى بناه الحبيبان ولكنهما لم يعيشا فيه إلا لحظات قصارا.وفى "ذكريات دامعة" يتعاهد علاء وعهد على الحب والوفاء والزواج. ويسافر علاء لإكمال دراسته فى الخارج، ويظل الحبيبان فى تواصل دائم. ولكنه قبل أن يعود بقليل بعد إتمامه دراسته يسقط أثناء التزلج على الجليد سقطة تودى بسمعه. ولـمّا تأكد له أنه لن يشفى من الصمم آثر الابتعاد عن حبيبته بعد عودته إلى مصر، وانتقل من البيت الذى كانت تعرفه، وأصبح ينشر قصصه فى المجلات تحت اسم مستعار إمعانا فى التخفّى. كل ذلك وهى تقاسى من الآلام ما أضناها وأنحلها. ويتقدم لخطبتها الدكتور عادل قريبها. وبعد تمنع وتهرب من جانبها ترضى به، بشرط أن يؤجل عقد القرآن إلى أن تنتهى من الجامعة. وفى نهاية المطاف تجمع المصادفة شمل الحبيبين كرة ثانية، ويتضح لعهد أن حبيبها لم يخن عهد الحب، وأنه إنما آثر الابتعاد عنها حتى لا يكون عبئا عليها.وتدور رواية "وراء الضباب" حول فشل "ساكنة" فى زواجها بسبب خيانة زوجها المتكررة لها وعدم انسجامهما معاً، وفشلها فى حبها أكثر من مرة فشلا موجعا، وكذلك فى زواجها الثانى رغم أنها كانت وزوجها متفاهمين متحابين أشد الحب. وينتهى بهما الأمر إلى أن تتركه عندما تعلم بزلله مع فتاة فرنسية فى باريس، وترجع إلى بيروت وتدخل الدير. ولا تفلح توسلات الزوج بأن تعود إليه ويستأنفا السعادة التى كانا فيها وألا يسمحا لهذه الزلة التى وقعت منه أن تمرّر هذا النبع العذب الذى كانا يكرعان منه.وفى "قطرات من الدموع" نرى ذكرى (التى أصابها بالخرس مشاهدتها أباها وأهل القرية وهم يرجمون أمها لمجرد شك الأب فى زوجته دون أن تكون قد قارفت إثما)، نراها وقد كبرت وتعلمت وأصبحت جميلة فاتنة، وحصلت على وظيفة ممرضة فى مستشفى مع طبيب من أسرة ثرية أحبها كما أحبته. لكن أباه يتدخل ليفسد هذا الحب معلنا أن الزواج الذى اتفقا عليه لا يمكن أن يقع لأن البون بين مكانة الأسرتين شاسع من الناحية المادية والاجتماعية. ثم تتم المأساة بموت الطبيب الحبيب فى حادث سيارة. وبذلك تعيش ذكرى بقية عمرها محرومة معذبة.... وهكذا سائر الروايات وكثير من قصصها القصيرة.وأبطال بنت الجزيرة دائما ما يحيلون مسؤولية إخفاقهم فى الحب والزواج على القدر متشكين منه ساخطين عليه، بل ومعلنين تحديهم له أحيانا. ما من رواية شذت عن ذلك:"أحببت الحياة من حنايا عباراته، وعرفت أنه يبنى معبدا يقدس فيه حبنا، فسرت فى دربى أصارع الحظّ وأتحدى القدر"."الدنيا يا حبيبتى متناقضات، والأقدار تقرر المصير. ولا أظن أن الأقدار ستقف لنا بالمرصاد"."واشتعلت نار المرارة والآلام فى نفس طارق، وسار ذليلا حزين النفس يخبر حبيبته بحكم القدر"."أما دنيا فقد أظلمت دُنْياها فى عينيها من هول الصدمة من قسوة القدر الذى لا يرحم"."ولكنى شعرت بآمالى كلها تنهار، واستسلمت لإرادة القدر"."قالت وهى تهم بمتابعة السير:- ضربة القدر دائما عشواء"."أخذت تهمس فى نفسها:- ماذا فعلت يا شروق فى دنياك لكى يقسو عليك القدر"."يا شروق، إن القصة التى سأقصها عليك غربية، ولكنها لعبة من لعب القدر"."من أول نظرة لم يدر ما يقول، فيد القدر فوق كل يد"."إن وليد لم يخلص لها أبدا، ولم يهبها من معانى الحياة قسطا يسيرا، فما فائدة الإخلاص له؟ أرادت الانفصال عنه، ولكن القدر أراد غير ذلك. فما حيلتها بذلك الجحيم المحرق؟"."فاطرق قليلا، ثم رفع إليها وجها شارداً مستسلماً لقضاء الله وقدره، وقال:- نعم يا حبيبتى ليست الحياة غير بسمة ودمعة. وليس للإنسان إلا أن يصمد أمام مفاجأة القدر ويبتسم لها بعيدا عن الغرق فى الدموع"."أجل كل ما يمت إليك. كل ما يمت إلىّ. كل على حاله، وسيبقى كما هو. لن يغيره الزمان من مكانة، ولن يغير القدر من كيانى. أجل، القدر. أتعرف معنى القدر؟"."كثيرا ما رفعت رقية رأسها إلى السماء تشكو إلى عدالتها ظلم القدر للإنسان"."قالت رقية:- وهل أكون سبباً فى شقاء ابنتى وعدم زواجها من ابن عمها؟ ما أقسى القدر!"."لم أكن ضحية خداع، ولكن ضحية قدر غادر"."وليس للإنسان إلا أن يصمد أمام مفاجآت القدر، وأن يقبل ما يرسم له"."لقد حدث كل شىء حتى ليبدو وكأن القدر الذى لا يرحم تعمد أن يقضى على تلك السعادة النامية"."وابتسمت ساكنة ابتسامة باهتة فى الضوء الخافت، وقالت:- الواقع يا سامح أن القدر يقف لى بالمرصاد"."لقد دبر لنا القدر شيئا لم يكن فى الحسبان. لقد دبّر لنا شيئا أقوى من أنفسنا. ونحن أضعف من أن نقف ونتحداه. لقد تربص القدر بنا، وضرب ضربته لتمزيق المحبة العميقة التى تواعدنا أن تظل قائمة أبد الدهر"."أخذت منها الخطاب، ونظرت إلى عينيها الشاحبتين وتألمت، ولعنت هذا القدر الذى حكم علينا بالعذاب"."وأخذت أهذى وأبكى بحرقة:- لا يمكن أن يقسو علينا القدر إلى هذا الحدّ"."وصمتت قليلا، ثم تنهدت وكأنها تستسلم للقدر. وقالت وهى تنظر إليه:- متى تنوى السفر؟- بعد شهر.- إذن لقد بقى من عمرى ثلاثون يوما.- عهد، حين أعود سنقضى أيام عمرنا سويا.- إنى أخاف من القدر.- مستحيل. لن يستطيع القدر أن يبعدنا بعد هذه المرة"."ترى كيف أعيش أصم؟... أهكذا يا رب أحرم من هذه النعمة بل من هذه النعم؟ إذن لن أسمع زقزقة العصافير ولا هديل الحمام ولا أصوات الموج المتلاطم على الصخر ولا صوت عهد! يا لها من قسوة! يا لك من قدر لا يرحم!"."قالت ندى والدموع تملأ عينيها:- إن القدر من حقه أن يأخذ ما يعطى، فهو يَلْهُو بدموعنا.فقال وهو ينظر إليها فى تعجب:- يبدو أنك مررت بتجربة قاسية فى حياتك!فضحكت ودموعها تسيل على خديها، وقالت:- ألست بشرا لعب القدر بى وقتا من الزمن كما لعب بغيرى من بنى جنسى؟"."يجب عليك أن تضحى. الحب تضحية. الحب بذل وعطاء. لقد اختارك القدر لأن تكون كبش الفداء".ولعل القارىء قد لاحظ أن القدر يُنْظَر إليه على أنه شىء وعدالة الله (أو كما تقول الكاتبة: عدالة السماء) شىء آخر، وكأنه ليس هو إرادة الله، مثلما أن العدل عدله[32]. وهو اضطراب فى الرؤية. ومع ذلك نقرأ عند الكاتبة فى موضع آخر على لسان أحد أبطالها أن "المستقبل بيد الله، ولكن علينا أن نسلك السبيل السوىّ والطريق المستقيم، ونترك القدر يصنع ما كتبه الله علينا"، مما يزيدنا حيرة فى فهم رؤية الكاتبة لهذه المسألة.ويزيد الأمر اضطرابا أننا نسمع نفس الأشخاص الذين يثورون على "القدر" ويهتفون بالسخط عليه يرددون إيمانهم به ويسلمون بحكم الله:"أخذ يسائل نفسه: كيف حدث هذا؟ سبحانك اللهم ربى، لا راد لقضائك ولا معقب لحكمك"."اعتدلت عهد فى جلستها وقالت:كان على أن أؤمن بالقدر وأن أصبر على حكم الله".على أى حال فإحالة الكاتبة، على لسان أبطالها، مسؤولية إخفاقهم وشقائهم على القدر هو فى رأيى رغبة منها فى استدرار عطف القراء على أبطالها المترصد لهم القدر بمفاجآته التى تنقض عليهم كالصواعق والتى لا يملكون إزاءها شيئا وإن هتفوا أحيانا بعبارات التحدى.كذلك فهذا الموقف من الكاتبة يتسق مع الحيلة التى كثيرا ما تلجأ إليها لتحريك قصصها وأبطالها، وهى خلق المصادفات خلقا. وبطبيعة الأمر، فإن أحداً، فيما تظن الكاتبة، لن يستطيع أن يعترض على هذا. وهل من ينكر القدر؟ثم إن ذلك يعفيها من التعمق فى فهم وعرض العوامل المتشابكة التى تحيط بأبطالها، بوصفهم بشرا، متنازعة إياهم يمينا مرة وشمالا مرة، ومشيعة الارتباك والاضطراب فى حياتهم. إذ ما أسهل أن يقال فى تفسير أى أمر: "إنه حكم القدر"! لكن ما أصعب التحليل الدقيق لواقع الشخصيات الاجتماعى والاقتصادى والنفسى! وما أوجعه للذهن!ويبدو أن ثقافة الكاتبة لم تكن نؤهلها إلا لهذا، فهى تأخذ الأمور من سطحها وتظن أنها قد حلت المشكلة. إننا نؤمن بالقدر وأنه إرادة الله سبحانه. بيد ان إرادة الله ليست بلا ضابط أو ملامح. إنها هى النظام الإلهى الذى تسير عليه الحياة. وهذا النظام يمكن فهمه وتحليله ولو إلى حدّ ما. ولقد تقدمت العلوم بفضل الله وكشفت اللثام عن كثير من خبايا الكون والمجتمع والنفس والمادة. والاكتفاء بإحالة كل ما يقع لنا على "القدر" هكذا بإطلاق دون محاولة لفهمه وتفسيره لا يكفى بعد كل هذا التقدم العلمى. إن ذلك الموقف يكون مفهوما من العامّة، ولكنه غير كاف من مثقف، فضلا عن أن يكون هذا المثقف كاتبا قصاصا مهمته تفسير غوامض الحياة وتعرية أركان النفس المظلمة. وهذا لا يتنافى بطبيعة الحال مع الإيمان، فليست المسألة هى إنكار "القدر" بل محاولة للفهم والتفهيم.إن فن القصص، كما أشرنا، مهمته ككل فنون الأدب هى التنوير، أى أن يخرج القارىء وقد عرف الحياة معرفة أوسع وأعمق، وأبصر جيداً النوازع والدوافع التى وراء تصرفات البشر وأعمالهم. أما أن ينتهى من القصة كما دخلها فمعنى ذلك أن الكاتب لم يقدم له شيئا. إننا نحن المسلمين جميعا نؤمن بالقدر، فإذا كان حُمادى ما يقوله الكاتب لنا فى تفسير الأمور: "إنها إرادة القدر!" فإنه لا يكون قد أتى بشىء يجهله القارىء. فإذا أضفنا إلى ذلك ما تلجأ إليه بنت الجزيرة من مصادفات ساذجة لتعقيد الحوادث أو لحلّها كانت النتيجة مزيدا من التعتيم والتجهيل. وهذا خلل فى العمل القصصى غير هيّن. إن الكاتبة مثلا فى "قطرات من الدموع" تحل مشكلة ذكرى وعاصم (اللذين يعترض أبوه على زواجهما لما بين الأسرتين من تفاوت فى المكانة الاجتماعية والاقتصادية، كما سبق بيانه) بأن تُميت عاصم، عقب مناقشة حادة مع والدة حول هذا الموضوع، فى حادث سيارة، إذ يخرج بسيارته مسرعا فيفاجأ فى طريقة بطفل صغير أراد أن يتفاداه فاصطدم بعمود نور صدمة قوية أطاحت به خارج السيارة ورطمته بالأرض، مما أدى إلى موته.وهى تعزو ذلك بصريح العبارة إلى "الأقدار": تعزو إليها الحادثة، وتعزو المشكلة معا: "فى تلك اللحظة كانت الأقدار تدبر له مخرجا من مشكلة خلقتها وأقحمته فيها".وفى "مأتم الورود" نرى حبيبة وغالى يتحابان حبا مولها، ويكون الأمر الطبيعى أن يفكرا فى الزواج. وعندئذ، وعندئذ فقط، يصطدمان بالحقيقة المرة، إذ يخبرهما أهلوهما أنهما أخوان فى الرضاع. طيب أين كان الأهلون قبل ذلك؟ أيمكن أن نتصور أن مثل هذا الأمر يخفى على الحبيبين؟ إن مثل هذه المسائل تكون معروفة منذ البداية ولا تُنسى بسهولة.وعلاء فى "ذكريات دامعة" ما إن يتم دراسته فى الخارج ويوشك أن يعود ليلتقى هو وعهد ويتمّا ما تعاهدا عليه من الزواج حتى يسقط وهو يتزلج على الجليد سقطة تودى بسمعه (تأمل التوقيت!)، فيقرر بعد أن فشل الأطباء فى علاجه أن يغيّب وجهه وأخباره كلها عن حبيبته كيلا يكون عبئا عليها، لتطول الرواية وتتفنن الكاتبة فى وصف وتصوير أحزان عهد وضناها والصراع الذى تقع فريسة له بين حبها لعلاء وضغط جدتها عليها كى تتزوج من عصام. ألم يكن المنطقى أن تدفع هذه الحادثة علاء نحو عهد نشدانا منه للسلوى لديها واستعانة بحبها له على تحمل هذه البلوى؟ومع هذا فإن الإنصاف يلزمنا بأن نراعى السياق التاريخى الذى ظهرت فيه هذه الأعمال، فلم يكن الفن القصصى قد ضرب بجذوره عميقا فى تربة الأدب السعودى، ومن ثم لم تكن أصوله قد استقرت ورسخت بحيث تجد كاتبتنا أساسا قويا صلبا تستند إليه فى إنتاجها. إلا أننا من ناحية أخرى لا نستطيع أن نغفل أنها كانت قد تلقت تعليمها الثانوى والجامعى فى مصر، ثم عاشت ونشرت أعمالها فى لبنان، والقصة فى هذين البلدين أكثر ازدهارا وتقدما، مما كان ينبغى أن يكون عاملا يساعدها فى تجويد قصصها وتخليصها من الشوائب الفنية التى تحدثنا عنها.ومن السمات التى يلاحظها قارىء كتابات السيدة سميرة خاشقجى أيضا تكرر الأحلام فى عدد من رواياتها. وهى أحلام مفزعة عادة، وتتحقق فى أغلب الأحيان:فالدكتور عاصم عندما يفشل فى علاج ذكرى، التى كان يحبها حبا شديدا، قد "أستيقظ ذات صباح على حلم مزعج كريه. شاهد جنازة كبيرة تمر أمامه وفيها أناس يعرفهم، فسارع مع المشيعين حتى النهاية، حيث وقفوا أما مقبرة كبيرة وأخرجت الجثة من نعشها ووضعت فى المثوى الأخير لها. وأقبل المشيعون عليه يشدون على يديه يعزونه. وكان آخر المواسين الدكتور حامد، فشد على يديه مواسيا له، فقال عاصم:- ما هذا؟ إن الناس يعزوننى، ولا أدرى لمن هذه الجنازة.فاغرورقت عينا الدكتور حامد بالدمع، وقال: - لقد ماتت ذكرى يا عاصم. ذهبت إلى الأبد ولن تعود".ورغم أن هذا الحلم لم يتحقق فقد تلاعبت الكاتبة بعواطف قرائها، إذ جعلت طائرة ذكرى التى كانت ستصل فى نفس ذلك اليوم تتأخر عن موعدها أكثر من ساعتين تلفت فيهما أعصاب الحبيب. ولم ينقذه من تباريح العذاب إلّا صوت المضيف الأرضى يعلن عن وصول الطائرة المتأخرة.وفى "ودعت آمالى" يرى وجدى بعد أن أخلد إلى النوم، إثر مشادة بين والدة القاسى وأمّه الحنون، أمه فى ملابس بيضاء وهى تهبط السلم مسرعة وتنظر إليه من حين لحين ولكنها لا ترد نداءاته. وينزل وراءها، ولكنه يرى البيت وقد تحول إلى جزيرة مهجورة وحولها البحر يهدر هديرا يصم الآذان. ويظل ينادى أمه ولكنها لا تجيب. ثم يجد مربيته تشد على يده وتحضنه وعلى وجهها علائم الأسى والحسرة. وتموت الأم بعد سنتين.وتنتاب حازم فى "بريق عينيك" هواجس سوداء تهاجمه عند النوم وتذود عنه الرقاد. ويفاتح زوجته فى الأمر ولكنه لا يفصل القول ويسكت، فتعزو هى الأمر إلى قلقه على مستقبل ابنه. وبعد نحو ثلاثين صفحة يغرق حازم تاركا زوجته وابنه.أما عهد (فى "ذكريات دامعة") فقد رأت "وهى نائمة أنها هى وعلاء يقفان على صخرة لقائهما. وفجأة انشقت الصخرة قسمين، وفرقت بينهما، وأحدثت صوتا عاليا. ورأت عهدٌ علاءً يهوى فى مكان سحيق وهى تصيح وقد جمدت على حافة الصخرة لا تستطيع حراكا".ويتكرر هذا الحلم بعد أن يختفى علاء من حياتها، فتراه فى المنام وقد عاد إليها عند البحر على صخرتها المعهودة، والسعادة تعزف لهما ألحان الحب، وقد ألقت هى برأسها الصغير على كتفه وغابت عن الوجود. وفجأة أخذ يبتعد عنها وكأن شيئا يجذبه إلى الخلف. وأرادت أن تمسك به، ولكن الصخرة انشقت قسمين وفرقت بينهما. وأرت جسده يهوى فى هوة سحيقة، فأخذت تصرخ من قلب معذب:- علاء! علاء! لا تتركنى وحيدة يا علاء" .ويظل علاء مختفيا من حياتها طويلا إلى أن ترى الكاتبة أن تجمع بين القلبين الممزقين بعد أن عذبتهما بما فيه الكفاية.وفى "ماضى حافل" مثلا (من مجموعة "وتمضى الأيام") نرى بطلة القصة تحلم بنفسها واقفة على حافة النهر وحبيبها يلوح لها من ضفة النهر الأخرى وهو يبتعد عنها صائحا أنه سوف يعود. ويعود فعلا قاطعا النهر عوما ويأخذها فى أحضانه.أما رواية "وراء الضباب" فالحلم هذه المرة جميل، إذ تجد البطلة نفسها مع حبيب الفؤاد وهما يتزلجان معا سعيدين. وعندما تقع يأخذها بين ذراعيه ويحتويها بقلبه ويضع خده على خدها وهو يهمس فى قلق: هل أنت بخير؟.وهذه السمة، مثل التى قبلها، من علامات السذاجة فى الإنتاج القصصى، إذ لا يُعقل أن يكون عند كل هؤلاء الأشخاص تلك الشفافية التى تمكنهم من معرفة المستقبل المظلم الذى ينتظرهم أو على الأقل الشعور بأن مصيبة ستقع. ثم لماذا ترتبط هذه الشفافية دائما بالمصائب والآلام؟لكن هذه السمة من ناحية أخرى تعكس قلق أصحاب الحلم من أن يفقدوا السعادة التى يستظلون تحت شجرتها. وإنى لأتساءل عن مدى الارتباط بين هذا القلق والإخفاق المتكررين فى أعماق الكاتبة وبين وقائع حياتها. وسؤالى ذاك ليس نابعا من فراغ، فقد لاحظت فى المقدمات التى افتتحت بعا بعض كتبها ما يشى بأن حياتها لم تخل من تجارب مؤلمة من مثل هذا النوع:تقول مثلا فى افتتاحية "وراء الضباب": "اللهم إنك حرمتنى السعادة وحتى الدموع، ولكن بذكراك جعلتنى أصمد وأقاوم. اللهم، إننى لا أعجز عن احتمال الشقاء الأبدى، ولكننى أعجز عن احتمال السعادة المتقطعة".وفى بداية مجموعتها "وتمضى الأيام" تتساءل:"ماذا فعلت فى هذه الدنيا؟ لقد خلقت لكى أعيش. وسوف أموت دون أن أعيش حياتى التى أردتها. على الأقل لم تكن غلطتى. قضيت السنين التى مضت من عمرى مع كل ألوان المحبة التى شعر بها قلبى وكل عاطفة رقيقة عمياء مرّ بها. وأنا الآن أستعيد من الأفكار ما هو أبعث إلى السلوى منه إلى الحزن والاكتئاب اللذين تغذى بهما فكرى...".وفى مقدمة "قطرات من الدموع" يجرى الكلام على النحو التالى:"إلى الروح القلقة المعذبة الباحثة بين طيات العواطف والأحاسيس المدفونة عما يضىء الحياة، عن الحنان، عن الحب، عن الدفء، عما تهفو إليه النفس الضائعة التائهة فى مجاهل الحياة ودروبها من الوصول إلى شاطىء الذكريات الحبيبة، بعيدا عن الحرمان وقسوته، لتبحث وتبحث ولا تملك غير قطرات من الدموع".وأخيرا فهى تهدى روايتها "ذكريات دامعة": "إلى الحبيب الوحيد"، الذى تناجيه قائلة: "إن قلبى غلاف لروحك الطاهرة، وصدرى مرتع لذكرى أيامنا التى مرت بها الأيام، وأصبح هذا الفؤاد مركزا يشع بأحلامك وأمانيك وآمالك.أيها الحبيب الوحيد، أتذكر أيام حبنا؟ أتذكر أيام صبانا.. أيام شبابنا؟ نعم تذكر، والذكرى خير سلوى.أيها الحبيب الوحيد، لك أهدى هذه القصة، وهى خلجات قلبى، ومن وحى حبى. كتبتها أنامل عاشت بين أناملك".وثمة أمر يلفت الانتباه ويثير الدهشة بقوة قد تكرر فى عدد من أعمال بنت الجزيرة العربية، وهو وقوع فتيات مسلمات فى حب جارف مع شبان نصارى، ولا تجد الحبيبة المسلمة فى ذلك أى حرج، بل يمزقها الألم والعذاب إذا لم تتزوج من حبيبها. وقد يحدث أن تتزوج منه، وذلك بدخوله فى الإسلام.وأغلب الظن أن تلقى الكاتبة دراستها الثانوية فى مدرسة إنجليزية، وإقامتها الطويلة فى لبنان حيث الثنائية الدينية بارزة والاحتكاك اليومى على أشده بين المسلمين والنصارى، وكذلك سفرها الكثير إلى الخارج (على ما نفهم من أعمالها)، أغلب الظن أن هذا كله مسؤول عن ذلك الأمر وربما كان هناك عوامل أخرى نجهلها لعدم معرفتنا الكثير عن حياة الكاتبة وشخصيتها، رغم ما بذلتُ من جهد غير قليل فى محاولة الإلمام بهاتين النقطتين.إن شروق بطلة "بريق عينيك" ما إن تقابل كارملو[33] الإسبانى حتى تسلم له قيادها وتصحبه أنى اقترح أن يذهب، وتسهر معه حتى الفجر فى نزهة بحرية وحدهما والرقص مع أهل القرية. وينتهى الأمر بأن يسكن قلبها. وتمر السنون، ثم تلقاه مصادفة فى الطيارة التى تضيّف فيها، وكانت قد انفصلت عن زوجها، الذى اختفى مع طائرته بعد ذلك حيث لا تعلم السلطات أين، فيستيقظ الحب القديم المستكن فى الأعماق، وتتأجج عواطفها، ويخرجان معا، ويرقصان ويتعاطيان القبل الملتهبة ويعتصرها بين ذراعيه (كما يحلو للكاتبة دائما أن تقول فى وصف مثل هذه المواقف). كل ذلك وهو لا يزال على دينه، وإن كانت الكاتبة قد رتبت حيلة ظريفة فى أن كارملو يكتشف أنه ابن حرام لأبٍ لبنانى مسلم. وعلى ذلك فعندما استطاعت شروق أن تحصل على الطلاق من زوجها، الذى ظهر بعد عدة سنوات، لم يكن ثمة عائق أمام الحبيبين أن يتزوجا.وفى قصة "الطريق الطويل" من مجموعة "وتمضى الأيام" تتعلق فتاة مصرية، أبوها سفير فوق العادة، بأستاذها الأمريكى فى قسم اللغة الإنجليزية بكلية الآداب بالقاهرة تعلقا مهووسا. ويرجع جون إلى بلاده عند العدوان الإسرائيلى على البلاد العربية، ولكن تظل المراسلات الملتهبة بينهما طوال تلك المدة. ثم يعود ثانية إلى مصر، ويتزوجان فى السّر (بعد أن أشهر جون إسلامه وتسمى بـــــ "عامر") غير مبالين باعتراض أهلها، الذين اهتدوا إلى مكانها وحاولوا خطفها واتهموها بالجنون وضغطوا عليها كى تترك زوجها. وأخيرا استطاعوا إبعادها عنه وحبسوها فى البيت، فساءت حالتها النفسية، وأدخلت مستشفى الأمراض العقلية حيث تدهورت أكثر وأكثر. واستطاع والدها أن يلفق لزوجها تهمة التجسس ويطرده من البلاد... إلخ.وفى نفس المجموعة السابقة نقابل فى "حياة عابرة" سوها الفتاة المسلمة السعودية التى تتمتع بنصيب من الجمال، والتى تقع فى حب إيهاب بمجرد أن أشرق فى حياتها، كما تقول الكاتبة، وهى لا تعرف أنه نصرانى. ولما عرفت تألمت أشد الألم: "ولم يكن أمامنا سوى حل واحد، هو أن يحاول كل منا أن يتبعد عن طريق الآخر. وقد حاولنا فى الأيام التالية فى صدق وإخلاص، وعجزنا عن تحقيق ذلك، وشعرنا أننا نزداد رغم إرادتنا ارتباطا وحبا، فاستسلمنا لعنف عواطفنا. وعدنا نلتقى والحب يسيطر على قلبينا دون هدف أو غاية. ومرت أيام وأيام، وقرب موعد سفرنا". وتقرر سوها أن تضحى بحبها كما تقول: "وجائنى (كذا) طيف والدى الحنون، ودمعت عيناى: ماذا يفعل أبى لو علم بقصة حبى؟ إن خبرا مثل هذا ربما يقضى عليه. إننى بحبى سوف أنبذ أهلى وعشيرتى وتقاليد بلادى، فيجب أن أكفر عن خطأى (كذا) بالتضحية بحبى". وبعد أن ترجع إلى بلادها تقول: "وانتهت بفراقه سعادتى، فقد أخذ معه كل المعانى الرائعة التى حققها لى، وعدت أكثر كآبة ووحشة ووحدة وانطواء وبأسا (تقصد: "بؤسا"). أصبحت ضائعة إلا من ذكريات حلوة تزيدنى حزنا وعذابا وألما".وفى "شريط الذكريات" من نفس مجموعة "وتمضى الأيام" أيضا نجد جمانة تقول لحبيبها وليد عندما أخبرها أنه كان يحب فتاة قبلها ولكنه لم يستطيع أن يتزوجها لاختلاف ديانتهما (وإن كنا لا نعرف من كان منهما المسلم ومن كان النصرانى):"- هذا ليس عذرا تقنعنى به.وأحنيت رأسك وقلت:- أهلها هم السبب.ولم أتكلم. بقيت صامته. وقلت فى صمت:- أيها الحنون، ولو كنت مقتنعا بها لكنت تزوجتها حتى لو لم يواقف أهلها"[34].أمّا فى "وراء الضباب" فهنالك ساكنة الفتاة اللبنانية النصرانية التى كانت متزوجة من ثرى مقيم فى السعودية، ومسلم فيما يبدو، ثم تركته وعادت إلى بلادها وحصلت على الطلاق، لتمضى بعد ذلك فى حياة عاطفية عاصفة من رجل لرجل إلى أن ينتهى أمرها إلى زواج لا تسعد فيه السعادة التى كانت تنشدها رغم حبها لزوجها وحبه لها، فتتركه إلى الدير حيث تعيش راهبة بقية عمرها.صحيح أن هذه الرواية لا تندرج فى خانة واحدة مع الأعمال السابقة، لأن العلاقة هنا بين نصرانية (ومسلم فيما أظن) لا العكس. لكن الذى دفعنى إلى ذكرها مع هذه الأعمال أنها تدور حول امرأة وبيئة نصرانيتين، مما أستغرب كيف استطاعت كاتبتنا المسلمة أن تغوص فى أعماقه وتتحمس له إلى الحدّ الذى نراها تحيط الرهبنة وحياة الدير بهالة مجيدة، وهو موقف غريب من مسلمة أتت من منزل "الوحى"!وسوف نتناول هذا بعداً.وآخر ما لاحظته من السمات العامة فى قصص سميرة خاشقجى أنها عادة ما تقدم كل شخصية من شخصياتها دفعة واحدة، ويكون ذلك غالبا عند أول مرة يظهرون فيها على مسرح الأحداث. تقول مثلا فى وصف أو لقاء بين سامح وساكنة بطلة رواية "وراء الضباب":"ونظرت إلى سامح لترى ملامح وجهه. وأمعنت النظر فيه لأول مرة. إنه أصغر مما كانت تعتقد، وربما لا يتجاوز عمره الثلاثين، جميل الوجه، واسع العينين، دقيق الأنف، رقيق الشفتين، متوسط القامة، تكسو ملامحه صفرة رقيقة كزهرة الجاردينيا".وقى قصة "معذّبة" من مجموعة "وادى الدموع" نقرأ: "وفى أثناء ذلك لمحت جهاد شابا يختلس إليها النظرات، فاحمرت وجنتاها، وأرخت النقاب على وجهها، إلا أن عينيها أخذت تتطلعان إليه، فإذا هو شاب وسيم الطلعة، أبيض الوجه، أخضر العينين، عريض المنكبين، وإن كان قصيرا".وعندما يقدم عامر على عمه فى "قطرات من الدموع" تسارع المؤلفة إلى وصفه على النحو التالى غير تاركه من ملامحه شيئا تقريبا: "وكان عامر شابا يبلغ من العمر ثمانية عشر ربيعا، طويل القامة، عريض ما بين الكتفين، قوى البنية، مفتول الساعدين، أسمر اللون، حاد النظرات، يشع الذكاء من عينيه، ذلق اللسان فصيحه، ينظم الشعر فى بعض المناسبات على عادة العرب ولكنه لم يبلغ مبلغ القصائد".وفى "ذكريات دامعة" عندما تسقط كرة "عهد" فى منزل علاء المجاور لبيتهم وتذهب لإحضارها تلتقى أعينهما، وكانت هذه أول مرة يتقابلان فيها، تعلق المؤلفة قائلة: "وقف علاء يتطلع إليها من مكانة وهو يشعر بنبضات قلبه المتلاحقة، وهو يبدو فى السابعة عشرة من عمره، سمح الوجه، شعره أسود، وعيناه عسليتان عميقتان. وفى ابتسامته يبدو الأمل مشرقا، وفى ملامحه يظهر الاعتداد والثقة بالنفس".وعندما يصطدم وجدى فى الشارع بالفتاة التى ستكون زوجته فيما بعد تقول الكاتبة على لسانه: "فنظرت إلى الفتاة، وإذا بها جميلة الشكل جذابه الملامح، عليها ثوب أصفر اللون تبدو عليه البساطة والجمال، وفى يدها حقيبة خالية".وأخيرا هذه هى "شروق" كما قدمتها لنا المؤلفة فى الصفحات الأولى من "بريق عينيك"، التى هى بطلتها: "كانت شروق خمرية. عيناها عسليتان ساحرتان فيهما جاذبية خارقة. شعرها كستنائى. فى خمريتها روح الشرق وجمال بنيه وروعة سحره. فيها الحيوية الفياضة المتدفقة. فيها معانى السمو والرفعة. وفى عينيها إشعاع الذكاء وبعد النظر، وفيهما الاستقرار المتطامن إلى المعانى النبيلة.. معنى الود والوفاء والإخلاص. وفى شفتيها ذلك الاحمرار الجازم وتلك القوة الطاغية التى لا تعرف إلا الحقّ، ولا تنفرجان عن غير الطيب من القول. أمّا استدارة وجهها وقوامها الرشيق وشعرها الكستنائى فيشكل آية من الجمال الذى وهبها الله إياه"[35].وهذا الملمح الفنى فى قصص السيدة خاشقجى ينم عن تعجل وعدم صبر وافتقار إلى النفس الطويل الذى يمكن القصاص من بعثرة ملامح شخصياته فى مواضع متفرقة من عمله حيث تكون مطلوبة وفى الوقت الذى تكون فيه مطلوبة وبالدرجة المطلوبة، بدلا من كظّ عين القارىء وعقله دفعة واحدة بحشد طويل من الصفات والملامح ممّا لا يستطيع استيعابه ولا تخيله بسهولة، فكأنما تحمل عبئا يؤودها وتريد أن تتخلص منه بسرعة فى أول فرصة تسنح. إن هذه الطريقة هى أسلوب تقليدى كان يلجأ إليه القاصون فى القصص القديمة. وطريقة بنت الجزيرة تدل على أنها لم تستطع ملاحقة التطور الفنى الذى كان قد طرأ على هذا الجانب من جوانب الفن القصصى.وبعد أن فرغنا من رصد السمات العامة أو شبه العامة التى تتردد فى أعمال سميرة بنت الجزيرة العربية نأتى إلى تناول كل من رواياتها بكلمة نقدية منفصلة كما وعدنا فى أول هذا الفصل.ونبدأ بــــــ "ودعت آمالى". وملخصها أن وجدى ابن لرجل من كبار رجال الأعمال فى مصر حاد الذكاء عالى الثقافة ولكنه قاس، وأمه جميلة وقورة لكنها طيبة وحزينة. وتموت الأم وتترك وجدى يقاسى آلام اليتم والوحشة. ويأتى أبوه بامرأة صغيرة خليعة تعيش معه دون زواج، وتسوم وجدى العذاب. ويحب وجدى فى أثناء ذلك فتاة اسمها "آمال"، ويذهب لخطبتها فيواقف أهلها. وبعد أن يتخرج ويصبح طبيبا يتزوجان، ولكن سعادته لا تدوم طويلا، إذ تمرض زوجته ولا يمكن إنقاذها، وتموت (فيما فهمنا من الرواية) تاركه إياه مرة ثانية لليأس والحرمان، بعد أن ودع "آماله".وهذه النهاية قد تكررت كما أشرت من قبل فى عدد من أعمال الكاتبة. ولا أدرى ماذا تريد أن تقول؟ هل تريد أن تبين لنا أن الحياة قلما تصفو لأحد، وأنها إن فعلت فسرعان ما تنقلب عليه وتعذبه؟ إننا لا نخالفها فى هذا. بيد أن انقلاب الحياة ليس مقصورا على ميدان الحب والزواج. كذلك فما أكثر ما يتزوج الأحباب ويسعدون (على قدر ما تتيح لهم الحياة من سعادة) أو يشقون (إن ظهر أن الحب كان عاطفة متسرعة، أو جدت عوامل أخرى لم يعمل لها الحبيبان فى غمرة التهاب العواطف حسابا)، أو ينتهى بهم الأمر إلى السأم. ثم ألم تكن تكفى رواية واحدة لمعالجة هذه المسألة؟ وأيضا فإن الكاتبة قد جعلتنا نفهم أن آمال ستموت، إذ كانت تصرفات زوجها الطبيب وخيالاته وهواجسه كلها قائمة على هذا الأساس، رغم أن عمها قد أخبره أنهم سيحاولون بكل ما يستطيعون أن يعالجوا (السرطان؟) الذى ظهر فى عظم عقبها. إن نهاية الرواية بهذا الشكل مضطربة شيئا ما.وفوق ذلك فالمؤلفة لم تقنعنا أن اصطحاب والد وجدى لتلك المرأة اللعوب ومعاشرته لها فى بيت الأسرة الذى يوجد فيه وجدى ومربيته وكانت تشرف عليه إلى وقت قريب الأم الحنونة والوقورة، لم تقنعنا المؤلفة بأن ذلك أمر يمكن وقوعه. فالأب رجل أعمال كبير ومثقف عالى الثقافة حاد الذكاء، فكيف يقدم رجل كهذا على مثل ذلك التصرف السّوقى المخالف للشرع والعرف؟ وكيف يترك هذه العشيقة الصغيرة وحدها مع ثلة من الفسّاق من أمثالها يلعبون القمار ويحتسون الخمر فى البيت أثناء غيابه، والمفروض أن يغار عليها ما دامت صغيرة وحلوة؟ ثم ما الذى يمنعه من أن يتزوجها؟ إذا كان يبغى المتعة فقط فقد كان يمكنه ذلك خارج البيت. الحق أن هذه نقطة ضعيفة جدا فى الرواية.ومن ناحية الحوار فقد اضطرب قلم الكاتبة معه، فأثبتته بالعامية فى الصفحات الأولى من الرواية، ثم استخدمت الفصحى فى بقيتها. ولا أدرى السبب فى ذلك، ولا أجد له مسوّغا. والمفروض أن يلجأ القصاص فى تلك الحالة إمّا إلى العامية أو إلى الفصحى على طول الخطّ، وإن كنت أفضل الفصحى، لأنها هى الباقية، وهى التى يفهمها القارىء العربى فى كل مكان.وهناك أشياء تركتها الكاتبة دون توضيح فى روايتها: مثلا، الأشياء التى قالت الأم لابنها (حين سألها عن وجود خلافات بينها وبين أبيه) إنه سيعرفها مستقبلا، تركتها الكاتبة معلقة فلم توضح لنا طبيعتها. وبالمثل فقد سكتت عن مصير الأب وعشيقته، وكأنهما شخصان ثانويان جدا فى القصة، مع أنهما كانا سبب شقاء وجدى بعد وفاة والدته.أما رواية "مأتم الورود" فهى، كما قالت المؤلفة فى مقدمتها: "مجموعة رسائل رجل أحب فتاة منذ الطفولة حبا عاصفا مبرحا، نبع من عقله واستقر فى فؤاده...كان يراها فى نفسه وفى شتى ألوان الجمال الماثلة فى الطبيعة... كان يسمع فى الوحدة رنين صوتها... ويرى فى الليل لون شعرها... ووجد صعوبات كثيرة للزواج منها حيث إن أهلها أصروا بأنهما أخوان بالرضاعة... وفرقتهما الأيام وتزوج هو من قريبه له... كما تزوجت هى. وأنجب هو من زوجته طفلة... كما أنجبت هى غلاما... ولم يسعد هو فى زواجه... كما لم تسعد هى فى زواجهما... وافترق هو عن زوجته كما افترقت هى عن زوجها... ومرت عليهما أيام قاسية... وفراق طويل... وحرمان.ورغم ذلك صمم كل منهما أن يصمد أمام الشرع للحصول على إثبات قانونى بأنهما ليسا أخوان بالرضاعة... وحصلا على ما أرادا بعد عناء طويل وانتظار مرير... وتزوجا والفرح يملأ قلبيهما... لكن حبه لها عذبه شر عذاب بعد زواجها لأنه لم يكن واثقا من حب الفتاة له... فكبر عليه أن ينكر إرادته ويهزم أمام طيفها... فأخذ يعبث بحبه ويتنقل من بلد إلى آخر يلهو ويمرح لعله يجد فتاة أخرى تنسيه حبه الأول...وأثمر حبهما طفلة وديعة، ورغم ذلك لم تهدأ نفسه... والغيرة العمياء تنهش أعماقه... وأحاطت به الوساوس وافترسته الشكوك...وظن أن فتاته ستنتظره... لن تثور لكرامتها وعزة نفسها... وبعد صبر... وتروى... وعناء مرير، عصفت بها كبرياؤها عندما علمت بقصة غرامة مع إحدى الفتيات اللواتى كان يُعاشرهن، وعز عليها أن يلهو بها رجل، فبادلته عنداً بعند... وخبثا بخبث... وترفعا بترفع... وإعراضا بإعراض... وتبعثر الحب... وافتراق الحبيبان... ولم يبق منه ذكرى غير هذه الرسائل التى حملت نعشها "حبيبة" ودفنتها فى طيات نفسها...ونتساءل هنا؟ هل معنى ذلك أن الحب غير موجود على الإطلاق؟ وهذا السؤال يقودنا إلى سؤال آخر يعتبر نتيجة منطقية له وهو أن الحب الذى نتمناه لا يدوم مع أحداث الحياة وتقلباتها وأن السعادة التى نتمناها حلم نسعى إليه بكل إرادتنا... وما لدينا من قوة واندفاع...وبمعنى آخر هل يعيش الإنسان فى أطار الأشياء الجميلة السعيدة فى حياته وينسى أو يتناسى تلك الأشياء التى تشوه صورة هذه السعادة؟"والرسائل فى هذه الرواية هى من طرف واحد، إذ كلها من "غالى" لـــــ "حبيبة".وأنا لا أرى مسوغا فنيا للجوء المؤلفة لهذه الطريقة، وبخاصة أن الرسائل تمضى فى اتجاه واحد، أى ذهابا بدون إياب. إن قيام رواية ما على الرسالة هو أمر قد يكون مفهوما حين لا تكون ثمة وسيلة للاتصال بين أبطال القصة وغيرها. أما فى روايتنا فهناك الهاتف الذى يتصل به كل من بطلى القصة بالآخر، وهناك الزيارات. ومن ثمّ فإن ما يصل عن طريق الرسالة فى أيام يوصله الهاتف أو يتم عن طريق اللقاء المباشر فى التو واللحظة. علاوة على أن الموضوع الذى تعالجه الرواية هو من العجلة والحروجة بحيث لا تسعفه الرسائل.ثم إن الكاتبة قد وجدت فى نهاية المطاف أنه لا بد من تدخلها المباشر، فتوجهت إلى القارىء فى مقالين تحت عنوان "قارئى العزيز" و "شخصية حبيبة" تشرح فى أولهما شخصية غالى وفى الثانى شخصية حبيبة، وتسلط الأضواء على المشكلة التى نشأت بينهما. وهذا يدل على أن الرسائل كانت قاصرة عن أن تنهض بعبء الموضوع.وأخيرا فقبل بداية كل رسالة من غالى لحبيبة تورد الكاتبة نحو سطرين أو ثلاثة بتوقيع "حبيبة"، وهى فى بعضها تتحدث عن غالى بضمير الغائب، وفى بعضها الأخر تتحدث عنه بضمير المخاطب. ونحن لا نعرف السياق الذى انتزعت منه هذه العبارات. وهى مكتوبة بحرف صغير، ومستقلة بصفحة كاملة، ومطبوعة قرب الزاوية اليسرى السفلى من الصفحة، وكأنها اقتباس. وفى "ذكريات دامعة" يقابلنا الوفاء الصّلب الذى لا تزعزعه الأيام ولا تقلبات الحياة، فتظل "عهد" على عهدها الذى قطعته مع علاء، وترفض الزواج من الدكتور عادل رغم رقته وشهامته وقرابته لها واهتمامه الشديد بها وضغط جدتها عليها، إلى أن يظهر علاء من جديد بعد اختفاء طويل، ليتزوجا ويعيشا سعيدين.وقد أنعشتنى الرواية رغم ما فيها من مصادفات مفتعلة ساذجة، لأنها ردتنى إلى مرحلة الصبا وتفتح القلب على الدنيا يوم كان القلب ساذجا أخضر. كذلك قد أعجبنى هذا الوفاء النادر فى عصر عزّ فيه الوفاء، وانتظار عهد لحبيبها رغم الضنى والنحول والعذاب الذى كانت تصطليه ليل نهار.ومع ذلك فإننا نلاحظ أن الكاتبة تنشغل أحيانا بوصف أشياء تافهة لا تقدم ولا تؤخر فى مجرى الرواية، كوقوفها بالتفصيل عند محتويات الغرفة التى كان ينام فيها علاء بمستشفى الجامعة بسويسرا وهو مخدّر بعد إجراء عملية له، إذ ذكرت الساتر الخشبى (البارفان) والنتيجة المعلقة على الحائط، والمقعدين اللذين بجنب السرير، والستائر المسدلة على النوافذ. وهذا مجرد مثال واحد.كذلك فإنى لا أفهم كيف يقدّم والد عهد الدكتور عادل لها، مع أنه قريب للأسرة وتعرفه عهد جيدا رغم انقطاعه عنهم زمنا فقد كان لها معه أثناء الطفولة والصبا ذكريات.وأيضا يبدو لى أنه لا حقّ لعهد فى أن تتهم جدتها بأنها تخضع لأفكار الماضى والتقاليد الموروثة التى لا معنى لها، لمجرد أن هذه الجدة قد أخذت على علاء اختفاءه وعدم تقدمه لطلب يد حفيدتها. إن المسألة هنا ليست مسألة تقاليد قديمة بالية، بل مسألة إحراج للأسرة بسبب قبول "عهد" الزواج من الدكتور عادل وعقد قرانها عليه من ثمة بناء على ذلك، ثم رغبتها فى فك العقد ثانية. لقد كانت الجدة حنونه ومتفهمة، ومن ثمّ فلا وجه فى رأيى للوم عهد لها، حتى لو كان هذا اللوم فيما بينها وبين نفسها.وأخيرا كيف يكون لعلاء سيارة يقودها بنفسه وهو الأصم؟.وتجرى أحداث "قطرات من الدموع" فى البادية فى المملكة. وهى تقوم على قصة حب بين زوجة العم الشابة وابن الأخ، الذى يريد عمه أن يزوجه ابنته رغم أنه لا يشعر نحوها بما يشعر به الرجل تجاه المرأة, ويكظم كل من ابن الأخ وزوجة العم عواطفها، وينجحان إلى حد كبير. ولكن العم يفاجئهما وهما يتساران فى الخيمة، فيشك فيهما، وسرعان ما يتحول الشك إلى رغبة فى العقاب والانتقام دون أى دليل، فينقض على الشاب بسيفه فيقتله، ويقنع شيخ القبيلة ورجالها بأن يرجموا زوجته. وتشاهد البنت الصغيرة المنظر، وتحاول عبثا أن تدفع عن أمها هذا المصير البشع الذى تعرف تماما أنها لا تستحقه. وتصاب الابنة بخرس مدى الحياة، وتسوء حالتها النفسية، فيشير بعض معارف الأب عليه أن يدخلها معهدا للصم والبكم. وهناك يؤهلونها لتكون ممرضة. وفى المستشفى الذى اشتغلت فيه تحب الدكتور عصام ويحبها هو أيضا، ويفكر فى الزواج بها. ولكن أباه يرفض رفضا باتا للفارق المادى والاجتماعى الكبير بين الأسرتين. ويصمم الابن على موقفه. ثم يتدخل القدر، كما تقول المؤلفة فيموت فى حادثة تصادم بسيارته فى عمود نور. وتظل "ذكرى" مدى الحياة تقاسى حرمانها من حبيبها الذى هب كنسمة بليلة على هجير صحراء حياتها، وتعيش على ذكراه.وواضح ما تريد القصاصة أن تقوله. إنها تريد أن تصور لنا الصراع بين العاطفة والواجب: فالزوجة وابن أخى الزوج يحب كل منهما الآخر حبا متضرما، ولكن خوفهما من الله واحترامها للعلاقة التى تربط بينهما وبين الزوج يمنعانهما أن يتركا لمشاعرهما وشهواتها الزمام. وقد نجحا فى ذلك إلى حدّ كبير. وهى تدين التسرع فى قتل نفس بريئة لمجرد الشك، وتدين حرمان قلبين متحابين على أساس تلك الاعتبارات المادية والاجتماعية السخيفة، فإن فى الحب والتجاوب النفسى والتفاهم بين شخصين كل الكفاية، وتعلى من شان الإرادة الذاتية المتمثلة فى حماسة ذكرى للتعليم وقهرها العقبات التى تحيط بها ونجاحها فى دراستها ووظيفتها رغم خرسها وأحزانها وعيشها وحيدة.ونحن مع الكاتبة فى أن من غير المعقول عقلا أو شرعا أن نسارع إلى معاقبة أحد، بل إقامة الحدّ عليه دون التثبت الجازم من جرمه. والإسلام يدعونا إلى أن ندرأ الحدود بالشبهات. ولكنى أتساءل: هل يمكن إقامة الحدّ دون قاض، ودون شهود أيضا، كما هو الحال فى الرواية؟ لا إخال ذلك.كذلك فنحن نرى معها أن العبرة ليست بالتكافؤ المادى والاجتماعى وحده بين الزوجين، بل المهم أوّلاً التفاهم والمحبة. وإن زواجا مؤسسا على حب ناضج واع لهو أفضل ألف مرة من زواج بارد لا يقوم إلا على المصالح الزائلة ولا يقيم لنبضات القلب حسابا.وفى القصة إلى جانب ذلك وصف ملابس المرأة البدوية والأعمال التى تقوم بها داخل الخيمة، ولمشاعر البدوى نحو إبله وأغنامه. كذلك فثمة تصوير لحفل زفاف بدوى، وكيف يقضى أهل البادية أمسياتهم.أما بالنسبة لـــــ "بريق عينيك" فإننا نأخذ على الكاتبة فيها، إلى جانب ما ذكرناه قبلا، تناقضها بين صفحتى 38و44، إذ ذكرت فى الأولى أن الظلام كان قد هبط على شروق وكارملو حين تقابلا لأول مرة، ثم عادت فى الثانية فقالت، وكان قد مضى عليهما وقت طويل، إن الشمس راحت تتوارى وتنحسر رويدا رويدا، مما يجعل القارىء يشك فى الناحية التى يسير فيها الزمن: أهو يتقدم أم يتقهقر إلى الوراء؟وكذلك يدهش الإنسان حين يرى أخت وليد، زوج شروق الأول، تقف من شروق موقفا عدائيا عند زواج أخيها منها، ثم نراها بعد ذلك وقد اتخذت تجاهها موقفا تعاطفيا فجأة حين دب الخلاف بيها وبين زوجها، مع أن المفروض أن تجدها فرصة للتخلص منها حتى يعود أخوها إلى زوجته الأولى وأولاده منها حسبما كانت ترغب.ثم إننا لا نتصور كيف أن فتاة مضيفة للطيران تواتيها الجرأة أثناء أول رحلة طيران لها لتتنزه وحدها فى إسبانيا، التى لا تعرف لغتها، وفى مكان يبعد كثيرا جدا عن الفندق الذى نزل فيه زملاؤها من الطيارين والمضيفات لقضاء ليلة عابرة يستأنفون رحلتهم بعدها فى الصباح، وتبقى وحدها مع شاب إسبانى لم تره من قبل إلى قرب طلوع الفجر، وتركب بصحبته زورقا من زوارق صيده، وترقص معه ومع أهل قريته طوال الليل. ولكن هكذا أرادت الكاتبة.وتبقى "وراء الضباب". وهى رواية عنيفة تحكى قصة امرأة نصرانية من أسرة عريقة غنية يتفجر جسدها جمالا وعقلها ذكاء وتتسم إرادتها بالاندفاع وراء عواطفها، مع قسوة حين تريد وعدم مبالاة بالعواقب فتهجر من جُنّ حبا بها بسبب غيرته عليها، لأنها لا تريد لأى شىء مهما كان أن يقيدها. وينتهى الأمر بأن يضرب نفسه بالنار أما عينيها بعد أن ظن أنه قتلها. وعندما تجد، بعد تجاربها العاصفة، الزوج الذى تطمئن إليه ويحبها وتحبه، تصمم على أن تتركه إذ عملت بزلـله مع فتاة فرنسية رغبة فى أن ينجب ولدا لأنها لم تكن تنجب، وتعود إلى بيروت وتدخل الدير تاركه فرنسا وبيتها وزوجها، الذى جاء وراءها وناشدها الحب وأبدى ندما صادقا واستحلفها العودة، ولكنها تصمم على أن تظل راهبة مدى الحياة، رغم معاودة الحنين لها بين الحين والآخر فى بداية الأمر. وهذه الرواية معظمها عرض للمشاعر والأفكار التى تمور فى داخل البطلة، والأحداث فيها قليلة، وكذلك الحوار. واللافت للانتباه تلك المعرفة المفصلة الدى الكاتبة المسلمة بحياة الدير والقوانين التى تنظم انخراط من يريد فى سلك الترهب من أين لكاتبتنا بكل هذا؟ ليس ذلك فحسب، ففى الرواية تمجيد لحياة الراهبة وتصوير حالم لها. تقول المؤلفة فى الصفحات الأولى من الرواية:"لقد جاءت إلى هذا الدير بإرادتها، وعاهدت نفسها أن تهب حياتها أو ما تبقى لها من الحياة لربها وما تؤمن به من مثل وقيم. وهى تؤمن بأن الرهبنة صيانه لنفسها من هذه الحياة الملأى بالفساد. الراهبة هبة، وعطاء، وبذل، وصيانة خلقية، وقوة ذكاء، ووعى مدرك. خلودها سمو ذاتى تتفوق هى فيه... الراهبة بهذا الوصف شىء معنوى، أو فكرة مطلقة، أو شىء خالد لا يلحقه الفناء ولا تسرى عليه قوانين العدم. الراهبة طاقة، والطاقة لا تفنى. وعندما تدرك الراهبة وجودها إدراكاً صحيحا وتقتنع بما تؤمن به وبصلتها بالخالق يمتزج هذا الفهم مع بناء فكرها، فيصبح لبنه من لبناتها ومبادئها وقوة إيمانها بالرب والتسامح، ويزداد إيمانها بأن الحياة فانية.الله هو الكون كله. الله هو الطبيعة. الله هو الإيمان. الله هو الإرادة. والأديان جاءت من خارج أسوار العقل دينا وراء دين. أصبحت قديسة، راهبة، ملاكا. وهى مقتنعة بكل هذه الصفات. تتلطع إلى السماء، ثم يصبح كل ما تراه وكل ما تلمسه أو تتذوقه يذكرها بالله".وتقول قرب خاتمتها:"لمح سامح[36] من على بعد (ساكنة) بملابسها البيضاء وهى تقف على الربوة تحت شجرة الأرز، وهالة خشوعها والصفاء الذى يبدو على ملامحها، وأحس بخشوع ورهبة وهو يرنو إليها بنظرة، ورأى هالة من النور تنبعث من حولها، وشعر بالقدسية والطهارة تمتزجان برائحة المكان فتفوح رائحة أشجار الأرز النقية وكأنها المسك والعنبر".وفى هذين الشاهدين مكتفىً.والواقع أننى لست أستطيع أن أفهم تمجيد أى مسلم لحياة الترهب. إنها منافرة للطبيعة الإنسانية، "فطرة الله التى فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله". ونتيجة هذه المنافرة معروفة. أما هذا الكلام الرومانسى الجميل عن الترهب فلا ظل له من الحقيقة إلا القليل أو أقل القليل. إن الإنسان لا يمكن أن يتنكر مثلا لنداء بطنه إلى الطعام والشراب، ولا لحاجة جلده إلى الكساء. بالمثل لا يمكنه أن يصم أذنه إلى الأبد عن صراخ الشهوة فى جسده. والذى يقول إنه يستطيع أن يفعل ذلك ليس إلا واحد من اثنين: إما كذّاب، وإما غير سوىّ. اللهم طبعا إلا إذا كانت الشيخوخة قد هدمته. والإسلام لا يصدق حكاية الترهب هذه، ولا يطمئن إليها ولا يرتاح لها. ومعرفة قصة هؤلاء النفر من الصحابة الذين أخطأوا فى لحظة من اللحظات فهم موقف الإسلام من اللهاث المذل خلف الدنيا، فظنوا أنه يقتضى منهم أن يديروا ظهورهم لها، وأنهم يستطيعون فعلا أن يطلقوها طلاقا بائنا، وذلك بأن يُخصوا أنفسهم. وكان من ستر الله ولطفه أنهم ذهبوا يستشيرون الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام أوّلاً. فغضب صلى الله عليه وسلم، وبين لهم أن سنته هى الزواج، وهى كذلك المراوحة بين النوم والقيام، وبين الصوم الإفطار، وأن من رغب عن سنته فليس منه.وقد قرأنا كثيرا عما يدور داخل الأديرة. وفى حياة البابوات عبرة لم يريد أن يعتبر. وفضائحهم الجنسية مشهورة. وبعضهم كان يعاشر أخته.وفى فيلم "الشياطين" مثلا، الذى قامت بالبطولة فيه الممثلة البريطانية المعروفة فانسيا ردجريف، وهو فيلم مأخوذ عن قصة حقيقية وقعت بالفعل، يشاهد النظارة كيف تقع رئيسة دير للراهبات فى غرام عارم برجل دين شاب وسيم إلى درجة الهوس به فى اليقظة والمنام. وينتهى بها الأمر إلى الهلوسة والجنون، فتعلن أنه يأتى كل يوم إلى مخدعها وتتهمه باغتصابها[37].وفى رواية "East of the Sun"، وهى رواية مزلزلة، تصور لنا كاتبتها باربارا بكــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــمور (Barbara Bickmore) ما كان يقع بين امرأتين أوربيتين غير متزوجتين، تشتغلان بالتمريض فى أحد المراكز الطبية التبشيرية بوسط أفريقية، من شذوذ جنسى، وكيف انتهى الأمر بالطبيب رئيس المركز، وهو رجل دين، إلى أن واقع عند البحيرة فى ليلة مقمرة الفتاة الأمريكية التى فتنها ما سمعته منه عن عمله هناك عندما زار أباها فى أمريكا (وهو رجل دين أيضا)، فتبعته إلى المجاهل الأفريقية[38].هذه هى الحقائق الدامغة. أمّا تصوير الترهب فى صورة رومانسية حالمة كما فعلت المؤلفة فى راويتها هذه[39]، فهو تزييف للحقائق ومحاولة تغييب للعقل المسلم، الذى ينبغى أن يظل صاحيا مخلصا للحقيقة لا تنطلى عليه هذه الأخاديع! الهوامش:1- انظر د. جوزيف زيدان/ مصادر الأدب النسائى فى العالم الحديث/ نادى جدة الأدبى/ ط1/ 1406هــ ـــ 1986م/ 85-86، وظَهْر غلاف روايتها "وراء الضباب"/ منشورات زهير بعلبكى/ ط1/ 1970 (وقد جاء فيه أنها ولدت فى 1943)، ود. نصر محمد عباس/ البناء الفنى فى القصة السعودية المعاصرة/ ط1/ دار العلوم/ 1403هــ ـــ 1983/ 2752- كذا. وصوابها: "المملوءتين".3- ودعت آمالى/ منشورات زهير بعلبكى/ بيروت/ 1979/ 91-92. وأرجو أن يلاحظ القارىء أن علامات الترقيم هنا وفى كل نص أورده للمؤلفة هى عادة لى، لأن للكاتبة فيها طريقة سوف أتحدث عنها فيما بعد.4- ذكريات دامعة/ منشورات زهير بعلبكى/ بيروت/ طبعة جديدة بدون تاريخ/ 168-1695- فى الأصل "لقيت"، مما لا يستقيم معه وزن البيت.6- الكلمة فى الأصل مهموزة.7- فى الأصل "ظهرها".8- قطرات من الدموع/ منشورات المكتب التجارى/ بيروت/ 1392هــ ـــ 1973م/ 42-439- مأتم الورود/ منشورات زهير البعلبكى/ بيروت/ ط1/ 1973م/ 108-110. وهذا الشعر يستمر على هذه الوتيرة لصفحة/ 113. وانظر أيضا ص/ 72-73، 89، 17810- هو الأستاذ نجيب عزيز. ويبدو أنه لبنانى.11- الصواب: "هويتك"، فــ "هوت" معناها "سقطت"، و "هويَتْ": "أحبت". والمراد الأخيرة.12- وتمضى الأيام/ منشورات زهير بعلبكى/ط2/ 1393هــ ـــ 1973م/ ص 28513- ص/ 193. وانظر كذلك ص/ 25، 28-29، 72، 89، مثلا، حيث يحاول البطل كاتب الرسائل أن يشعر، فلا يحصل من الشعر إلا على توافق الفواصل.14- صحتها: "الزكية"، بالزاى.15- الصواب: "موسم".16- مأتم الورود/ 34. وصواب قولها: "لسنا أخوان" هو: "لسنا أخوين".17- انظر كتابه "الأدب الحجازى الحديث بين التقليد والتجديد"/ جــ3/ ط1/ مكتبة الخانجى/ 1401هــ ـــ 1981م/ ص 109118- أبو "عهد" نفسه يعلّق على اختيار حماته هذا الاسم لابنته (حفيدتها) بقوله: "- عهد! هذا اسم غريب، ولكن الرأى رأيك يا نينه" (ص/ 18 من الرواية).19- أما من وجهة نظر الجدة التى سمّتها بهذا الاسم فهو تذكير لها بالعهد الذى قطعته على نفسها أن تربى هذه الحفيدة أحسن تربية كى تعوضها عن حنان أمها الذى فقدته بفقدان هذه الأم (نفس الصفحة).20- انظر غلاف مجموعتها "وادى الدموع"/ ط 1979م/ تحت عنوان "المؤلفة والكتاب"، وكذلك ظهر غلاف روايتها "وراء الضباب"/ ط1/ 1970م/ تحت نفس العنوان.21- مطبوعات نادى الطائف الأدبى/ 1408هــ ــــ 1988م/ ص 3422- منشورات زهير بعلبكى/ ط2/ 1393هــ ــــ 1973م.23- د. طلعت صبح السيد/ العناصر البيئية فى الفن القصصى فى المملكة العربية السعودية/ ط. نادى القصيم الأدبى ببريدة/ ط1/ 1411هــ ـــ1990م/ 37124- لاحظ أن "عهد" هذه هى التى كانت تراقص عادل أمام جدتها، وتنفرد بعلاء فى الشرفة وجدتها تشاهد وتبارك، مما سبق أن ذكرنا بعضه.25- من قصة "قالت لى المراهقة"/ مجموعة "وتمضى الأيام"/ ص 140. وبالمناسبة، فقد عدّ د. إبراهيم بن فوازن الفوزان، خطأ، هذه المجموعة رواية طويلة. انظر كتابه "الأدب الحجازى الحديث بين التقليد والتجديد"/ ج3/ ص 9126- الصواب: "تَلْقَيّننى".27- الصواب: "مريرا".28- هذا اسمه.29- هل تقصد "برج القاهرة"؟30- د. محمد صالح الشنطى/ القصة القصيرة المعاصرة فى المملكة العربية السعودية- دراسة نقدية/ دار المريخ/ الرياض/ 1407هــ ـــــ 1987م/ ص 31931- المؤلفة دائما تستعمل الكلمة العامية "خطوبة"، لم تشذ عن ذلك فيما لاحظت ولا مرة واحدة.32- مثل هذا التناقض نجده، فى رواية "مأتم الورود"، فى موقف "حبيبة"، الذى تصوره المؤلفة بقولها: "ولكن الحياة لم ترحمها: كانت تلعن الحياة، ولكن تحب الله"/ ص 21433- ما أحلى الاسم! إنه وحده كفيل بأن يوقع فى حب صاحبه "دسته" من العذارى.34- ص/ 192. وبهذه المناسبة أذكر أنى قرأت منذ سنوات بعيدة قصة لإحسان عبد القدوس، تدعو بلهفة وإلحاح إلى تخطى الفتاة المسلمة حاجز الدين لتتزوج من الشاب النصرانى الذى تحب. وهى دعوة خبيثة وخطيرة، إذ إنها تضرب، فى الصميم، الدين والعرض معا. ترى ما الذى يبقى للمسلم بعد ذلك ليغار عليه ويعتزّ به؟35- ص/ 17. وانظر ص/ 20-21، ص 33، ص 57، ص 58، حيث ترسم المؤلفة كل ملامح نادية، ووليد، ومها، وكارملو (على التوالى) دفعة واحدة.36- سامح هو زوجها الثانى الذى تركته فى باريس، فجاء وراءها يسترضيها أن ترجع إليه.37- انظر غادة السمان/ "الجسد حقيبة سفر"/ منشورات غادة السمان/ ط2/ 1980م/ ص 33038- East of the Sun, Arrow Books, 1990, pp70, 169-17039- وكما فعل فيلم "الراهبة"، وهو من إنتاج محمد عبد الوهاب، وبطولة هند رستم وشمس البارودى.