القرآن والحديث- مقارنة أسلوبية
أول دراسة من نوعها في الفكر الإسلامي


تأليف: اد. إبراهيم عوض
عرض ونقد: عباس السوسوة
أستاذ اللسانيات- جامعة تعز
اليمن


هذا كتاب لغوي علمي قيم،جديد في بابه،لم يلقَ من اللغويين العرب المعاصرين ولا من البلاغيين ولا من الأسلوبيين ولا من النقاد ما هو جدير به من الاهتمام العلمي،رغم صدوره منذ 21واحد وعشرين عامًا،ورغم إتاحته على المشباك مجانًا منذ 10عشر سنين تقريبًا.وكل ما دار حوله في بعض المنتديات المشباكية لا يتجاوز تهنئة المؤلف-وهو أهل له وأكثر-وأنه كتاب قيم،ودمتم سالمين.
في حين أنه محتاج إلى تعريف - فيه بسط- يوضح للقارئ المهتم والعام وأصحاب التخصصات الشرعية ومن يكتب في الإعجاز القرآني،ناهيك عن اللغويين والأسلوبيين،أنه سفر شديد القيمة،وأن مؤلفه لم يتجاوز حد التواضع العلمي حين وصف عمله بـ «أول دراسة من نوعها في تاريخ الفكر الإسلامي».
ويقيني أن هذا الكتاب لو كان قد صدر عن غير عربي الوجه واليد واللسان،بل قل لو صدر عن أمريكي أو أوربي،لتلقيناه بالتهليل والإشادةبعبقرية الكاتب،وربما تسابق كثيرون إلى ترجمته ترجمات مختلفة
([1]).
تعريف موجز بالمؤلف

هو:أ. د/إبراهيم محمود عوض،أستاذ النقد الأدبي في كلية الآداب جامعة عين شمس.ولد في قرية كتامة الغابة1948م،مركز بسيون،محافظة الغربية،في مصر.وحفظ القرآن الكريم صغيرًا.درس في قسم اللغة العربية بكلية الآداب جامعة القاهرة،وحصل على الليسانس عام1970م،تقدّم لدرجة معيد لكن في آداب جامعة عين شمس،وحصل على الماجستير منها عام1974م،ثم بعثتهالجامعة لدراسة الدكتوراه في النقد الحديث إلى جامعة أكسفورد،في لندن،وحصل عليها في 1982م.
من مؤلفاته:

  • مصدر القرآن:دراسة لشبهات المستشرقين والمبشرين حول الوحي المحمدي.
  • الكتاب الفضيحة:مقدمة في فقه اللغة العربية أم في الجهل والحقد والبهلوانية؟

  • عصمة القرآن الكريم وجهالات المبشرين.
  • سورة المائدة دراسة أسلوبية فقهية مقارنة([2]).
  • دراسة فنية وموضوعية للآيات الشيطانية.
  • المستشرقون والقرآن،دراسة لترجمات نفر من المستشرقين الفرنسيين للقرآن وآرائهم فيه.
  • دائرة المعارف الإسلامية.. أباطيل وأضاليل.
  • المتنبي: دراسة جديدة لحياته وشخصيته.
  • روايات عربية أخذت أكثر من حقها.
  • ست روايات مصرية مثيرة للجدل.
  • لغة المتنبي دراسة تحليلية.
  • مناهج النقد العربي الحديث.
  • فصول في النقد القصصي.
  • فصول في الأدب المقارن والترجمة.
  • فصول في الأدب المقارن:مباحث واجتهادات.
ومن ترجماته:

  • أصول الشعر العربي لمرجليوث،ترجمة ودراسة([3]).
  • السجع في القرآن لديفيد ستيوارت،ترجمة ودراسة.
وللمؤلف أعمال غيرها مطبوعة ورقيًّا،ومنشورة ضوئيًّا على المشباك.وله منتدى باسمه ضمن جمعية واتا(http://www.wata.cc/): الجمعية الدولية للمترجمين واللغويين العرب. وقد نشر فيه على حلقات متباعدات سيرة ذاتية لنفسه، سماها: «من كُتّاب الشيخ مُرسي إلى جامعة أكسفورد»، ينطبق عليها المثل الشائع: «باب النجار مخلع»،ولأنها ليست موضوعنا فلا أزيد على ذلك.
والآن نعرض للكتاب

يقع الكتاب في 575صفحة من القطع المتوسط.
بدأه بكلمة تمهيدية ص5-8: ذكر فيها أنه حلّل شخصية الرسول ﷺ والاتهامات التي وجهت إليه في كتابه«مصدر القرآن-دراسة لشبهات المستشرقين والمبشرين حول الوحي المحمدي»،وأنه تفحّص المضمون القرآني نصًّا وروحًا،وقارن بين ما جاء فيه من عقائد وعبادات وتشريعات،وبين ما جاء في الكتاب المقدس وبعض الأديان الأخرى،وتوصّل إلى أن القرآن الكريم لا يمكن أن يكون من محمدﷺ.
وفيهذا الكتاب خطا خطوة أخرى، فقارن بين أسلوب القرآن المجيد وأسلوب الحديث الشريف.والنتيجة أنه وجد اختلافًا شديدًا جدًّا بين الأسلوبين،بما يبرهن على اختلاف مصدريهما.فالمعروف أن لكل مؤلف بصمته الأسلوبية التي لا يمكن أن تختلط بغيرها.ويؤكد أن بحثه جديد تمامًا لم يسبقه فيه أحد.صحيح أن هناك من قرّر أن أسلوبي القرآن والحديث متباينان،لكنه لم يُتْبِع تقريرهبالمقارنة والأسلوبية الإحصائية المفصلة للألفاظ والصيغ والعبارات والتراكيب
([4]).
وذكر أنه استعان في عمله بالمعاجم المفهرسة لألفاظ القرآن والحديث وأنه[1] إذا انتبه لوجود روايتين مختلفتين لحديث نبوي إحداهما لا تصلح للاستشهاد فيما يعالجه، حذف الروايتين معًا،و[2]أنه سيذكر موضع الشاهد من الحديث،و[3]أنه في حالات قليلة أورد عبارات من كلام الصحابة استئناسًا،و[4]أن إشارات الهوامش الخاصة بكتب الحديث هي نفسها الموجودة في «المعجم المفهرس لألفاظ الحديث النبوي»الذي وضعه المستشرقون،أي:كتب الصحاح الستة ومسند أحمد وموطأ مالك.و[5]أنه أضاف مقارنات في بعض الفصول بين كتاب الله والكتاب المقدس عند اليهود والنصارى بغية الردّ العلمي الموثق على زيف ما يدعيه أهل الكتاب من أن الرسولﷺ استمد كثيرًا من قرآنه من كتابهم.
وختم كلمته برجاء أن يكون عمله فاتحة لمقارنات أشمل وأدق تعتمد على الحاسوب وعلى تضافر جهود فريق من الباحثين.بعد ذلك توالت المقارنات الأسلوبية-وكلها لغوي- على النحو الآتي
([5]):
ألفاظ ترددت كثيرًا في الحديث لارتباطها بعصر الرسول وبيئته ارتباطًا شديدًا ولم ترد في القرآن،ص9-34:

لو كان مصدر القرآن والحديث واحدًا، لوجب أن تكون الألفاظ المهمة المنتشرة في أحدهما موجودة بنفس الوفرة تقريبًا في الآخر،ماداما متحدين في العصر والبيئة والظروف الاجتماعية والمهاد العقلي والنفسي،ومادامت الموضوعات التي يعالجانها واحدة،وليس من فاصل زمني بينهما،فالقرآن لم يكن من نتاج زمن الشباب والحديث من نتاج زمن الكهولة،بل كان النصان متزامنين في السنين الثلاث والعشرين الأخيرة من حياة الرسولﷺ. لكن المقارنة الموضوعية التي لا دخل فيها للعواطف والميول والعقيدة كشفت عن أن كثيرًا من الألفاظ الموجودة بوفرة في الحديث،المتعلقة بالحياة اليومية والحياة الاجتماعية والنشاط الحربي والبيئة الطبيعية،بل وبمجال العبادة والدين لا وجود لها في القرآن.ولو كان محمدﷺ هو مؤلف القرآن لغلَبَهُ لسانُه الذي تعود ترديد هذه الألفاظ،ولشقت طريقها إلى النص القرآني بقوة.
الحياة اليومية:

بدأ بألفاظ الطعام، مثل: الأقط والجبن والزبد والخبز والدباء والحيس والدقيق والسويق والسمن والقديد،وكذا الشراب المعروف عند العرب ومنه البِتع والبسر والتمر والزهو والمِزر والفضيخ والنبيذ،وليس في القرآن شيء من ذلك([6]).بل إن الخبز-وهو الطعام العالمي لايستغني عنه بشر- لم يذكر في القرآن غير مرة واحدة،في سياق لا علاقة له بالرسول أو طعامه أو حتى بالجزيرة العربية كلها- ذكر في قصة السجينين اللذين قابلهما يوسف u في السجن وقصّ أحدهما عليه أنه رأى نفسه في المنام يحمل﴿خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ﴾.أما في الأحاديث فما أكثره! ومنه: «لا تُنزلُن برمتكم ولا تخبزن عجينكم حتى أجي».. «من كان عنده خبز بر فليبعث إلى أخيه».. «الحمد لله الذي أشبعَنا من الخبز».
وليس في القرآن من وجبات الطعام غير(غداء)
([7])، ذكرت مرة واحدة في قصة موسى وفتاه في سورة الكهف،في سياق لا علاقة له بحياة الرسول اليومية ولا بيئته.أما في الأحاديث، فهذه الوجبات تتكرّر كثيرًا؛ لأن الطعام والشراب من حاجات الإنسان الحيوية والمتكررة،ولولاهما لما استمرّت الحياة البشرية: إفطار وسحور وغداء وعشاء.فضلًا عن ذلك ليس في القرآن ذكر لأوعية الطعام والشراب باستثناء الكأس في الحديث عن نعيم الجنة..أما في الحديث،فيكثر ذكر البرمة والقصعة والقدح والقعب والرحاإلخ.وليس في القرآن أثر لمادتي(شبع)و(روي)، على عكس الأحاديث التي تكثر فيها مشتقاتهما.
أما في الملابس،فلا نجد إلّا القميص-في سورة يوسف - والسرابيل والثياب والنعلين.أما الأحاديث، فذكرت عددًا كبيرًا منها: رداء وإزار وبُرد وبُرنُس وكساء وأطمار وشعار ودثار وجُبّة وحُلل وسراويل وعمائم وقلانس وخف.. إلخ.ويتصل بالملابس الزينة والخضاب والطيب،وأول ما يرد على الخاطر مادة(شعث)التي هي عكس الزينة والتنسيق،فلا هي موجودة ولا مشتقاتها في القرآن.ومع ذلك، تكرّرت في أحاديث مشهورة منها:«رب أشعث مدفوع في الأبواب لو أقسم على الله لأبره»..والمشط مما يزيل به الإنسان شعث نفسه، ولا وجود له ولا لما يشتق منه في القرآن، أما في السنة، فتكرر في مواضع غير قليلة،ومثل ذلك:المرآة والاكتحال والخضاب والورس والزعفران والمسكوالألوة والحنوط والخَلوق.ومن الزينة الخاتم والقرط والخرص والطوق والقلادة.
الزمن، ص35-42:

في القرآن نجد من أيام الأسبوع الجمعة مرتبطة بصلاة الجماعة فيها مرة واحدة،والسبت 6مرات كلها في انتهاك بني إسرائيل حرمته،ونجد من الشهور رمضان مرة واحدة للإشارة إلى موعد الصوم في الإسلام.أما في الأحاديث-وهي تعبير عن أحداث ومواقف أحكام صادرة من إنسان يعيش هذا الزمن ويخضع للحظاته وأقسامه-، فطبيعي أن تكثر فيه أقسام الزمن،ففيه أيام الأسبوع كلها.ومن الشهور: جمادى ورجب وشعبان ورمضان وشوال وذو الحجة والمحرم.
من مراحل العمر لم يذكر الشباب في القرآن،في حين يكثر في الحديث، ومنه: «ما أكرم شاب شيخًا لسنه إلا قيّض الله له».. «الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة».. «يامعشر الشباب، من استطاع منكم الباءة، فليتزوج».
لم يذكر القرآن من فصول السنة الأربعة غير الشتاءوالصيفمرة واحدة إشارة إلى رحلة قريش التجارية.أما في الحديث، فنجد الفصول الأربعة.أما يوم عاشوراء، فلم يرد في القرآن في حين وردت أحاديث للحث على صومه.ولم يذكر القرآن عيد الفطر ولا عيد الأضحى بل لم يرد فيه(عيد)إلا منكرة حين طلب الحواريون من عيسى u أن يطلب من الله إنزال مائدة من السماء﴿تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِّأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا﴾.
المقاييس، ص43-48:

لم يرد في القرآن من المقاييس إلا القنطار والذراع،أمّا في الحديث فتردّدت أسماؤها كثيرًا.فمن الأطوال نجد: الباع والذراع والشبر والميل والقيراط.ومن المكاييل والموازين:النِش والأوقية والرطل والقنطار والكِفة والصاع والمُد والعَرَق(=60صاعًا)والفَرْق(=16رطلًا) والقدح والوسْق(=60صاعًا).القرآن يستعمل لكل أنواع المكاييل كلمة «مكيال» أو«كيل»،ولجميع أصناف الموازين كلمة «ميزان»،ولا تشعر أنهقد فاته شيءدون أن يذكره.
البيئة الطبيعية، ص49-53:

إن كلمات مثل البادية والتلال والفلاةوالمرج مثلًا لا وجود لها في القرآن، في حين تكثر في الحديث،ولم يرد غير كثيب مرة واحدة،وصخرة ثلاث مرات.والخصب والجدب من قاموس الحياة اليوميّة،فهما الحياة والموت ولا ذكر لهما في القرآن،في حين توجدان في الحديث.ولا وجود للثلج في القرآن رغم وروده في عدة أحاديث.وإذا ورد من أسماء الحيوان في القرآن:البقرة والجمل والغنم والضأن والحمير والذئب،ومن الطير: الهدهد والغراب(كل منهما مرةواحدة)،ومن الحشرات: النحل(مرة)والنمل(مرتين في آية واحدة)،فإنه لم يذكر الضبع والأسد والفهد والنعامة والقطاة والثعلب والهر والأرنب والعصفور والصُرَد والنُغير.. إلخ.وزيادة على ذلك فليس في القرآن ما في الحديث من دعوة إلى رحمة الحيوانات والطيور كالذي جاء فيها عن «المرأة التي دخلت النار في هرة حبستها»..و«الرجل الذي أنقذ كلبًا من العطش فغفر الله له»..والنهي عن قتل الهدهد والصرد وغيرهما،أو ما دعا إلى الرفق بالحيوان أثناء الذبح،وما نهى عنه من الصيد بالخذف لأنه يكسر ويفقأ.
المجال الاجتماعي، ص54-63:

تقوم الحياةفي مجتمع الجزيرة العربيةعلى العصبية القبلية،ومع ذلك لا تجد للعصبية ذكرًا في القرآن،وإذا وجدت كلمة(عُصبة)فهي مجموعة أفراد،ويوم عصيب=شديد.أمّا في الحديث،فنجد عَصَبة وعصبية.كذلك لا ذكر في القرآن لِـ:حَسَب وأحساب وعِرض وشرف وغيرة،في حين تردّدت كثيرًا في الحديث.واستتبع النظام القبلي ظهور الشعراء المداحين والهجاءين من الجاهلية حتى الآن،ومع ذلك لا نجد في القرآنكلمتي مدح وهجاء ولا مشتقاتهما.أما في الحديث، فكثيرة ومنه: «إذا رأيتم المداحين فاحثوا في وجوههم التراب»..«إن أعظم الناس فرية لرجل هاجى رجلًا فهجا القبيلة بأسرها».
ومن العلاقات الاجتماعية عيادة المريض ولم ترد في القرآن،ومنها الزيارة التي وردت مرة لكنهافي زيارة المقابر.أما في الحديث، فقد ورد أنه حتى أهل الجنة يتزاورون،وفيه الحث المتكرر على ثواب الزيارة وعيادة المريض.وكان من عادة العرب النياحةولطم الخدود على الميت،بل إن اللطم يقع بين المتشاحنين كل يومومن الرجل لأولاده،ومع ذلك فلا ذكر للطم ولا نياحة في القرآن،على عكس الحديث الذي يكثر من ذكرهما في سياقات كثيرة.كذلك لم ترد كلمة جنازة في القرآن رغم أنها من التقاليد التي لا تختص بهاجماعة بشرية دون أخرى،والرسولﷺ بوصفه إنسانًا يعيش في مجتمع ويشارك الناس تقاليدهم ويذكر ما لا يعجبه منها،فطبيعي أن تكثر أقواله عنها.بل إن الدفن لا أثر له ولا لمشتقاته قي القرآن مع أنه من الأحداث التي تتكرر كل يوم،وتكرّرت في حياتهﷺ،فأمه ماتت ودفنت أمام عينه،وكذلك جده وعمه أبو طالب وزوجته خديجة وعمه حمزة سيد الشهداء،وكذلك أصحابه الذين استشهدوا في الغزوات.ومع ذلك سكت القرآن عن هذا الأمر،في حين ذكرته الأحاديث بتفصيل شديد.
الميدان الحربي، ص64-69:

ما أن جاء الإسلام حتى هب أعداؤه يحاربونه ويحاربون رسوله وأتباعه دون هوادة،واتخذت هذه الحرب لطابع العسكري بعد هجرة النبي إلى المدينة وأصبح للمسلمين دولة وجيش،وما أكثر الغزوات التي خاضها المسلمون!، وما أكثر شهداءهم أيام النبي!، وبرغم ذلك فالقرآن يكاد يخلو من مفردات المعجم الحربي،كالجيش وأقسامه والأسلحة من سيوف ورماح ونشاب،ومن المغفر والترس والبيضة والدرع.وقد يُظَن خطأ أن القرآن تجنب الحديث عن الحرب،فالسور والآيات التي تدور حول حروب الرسول ص أو حروب الأمم الخالية كثيرة.وهذا موطن العجب وبخاصة أن أحاديث النبيﷺ-المتهم من أعداء الإسلام بتأليف القرآن-تعج بألفاظ الحرب التي لا تُذكر في القرآن إلّا في ندرة تقرب من العدم،ومنها: رماح في آية لاعلاقة لها بالحرب بل بالنهي عن الصيد في الحرم،ومنها: قوس في التعبير عن شدة القرب﴿فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى﴾،ورجلك عن إبليس،ووردت:«جند» و«جنود» ليس في جند الحرب فقط بل شملت جند السماء وجند الشيطان.وورد في القرآن:«سابغات» صفة، أما «الدرع» نفسها فلم ترد، وكذا لم ترد كلمة «سيف» قط، ووردت كلمة «أسلحة»-وهي لفظ عام-أربع مرات في آية واحدة([8]).أما الحديث، ففيه ألفاظ حربية كثيرة.
المجال الديني، ص70-130:

للنية أهمية عظيمة في الإسلام،فالأعمال تحتسب عند الله بناء على نية العامل،والأحاديث الكثيرة تشهد على ذلك،ومنها: «إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ مانوى»..«إذا كان المستحلف ظالمًا فنية الحالف،وإن كان مظلومًا فنية المستحلف». ومع ذلك لا وجود لكلمة النية في القرآن.
وفي مسائل الطهارة، لا نجد الوضوء ولا ما يشتق منه في القرآن رغم أهمية الوضوء وارتباطه بالصلاة عماد الدين،بل لم يرد فيه التنقية ولا النظافة.أما في الأحاديث، فما أكثرها!، ومنها: «ثم تغتسل وتتوضأ عند كل صلاة..»، «فإذا غضب أحدكم فليتوضأ..»، «إن الصعيد الطيب وضوء المسلم».
ولا وجود لمادة الغمس في القرآن رغم ارتباطها بالطهارة وعقاب النارواليمين الغموس،وهي كثيرة في الحديث.وكان النبي حريصًا على السواك وعلى أن يستعمله أتباعه حتى كاد يفرضه عليهم عند كل صلاة،ولا ذكر له في القرآن في حين يكثر في الحديث. ومن أركان الصلاة التشهد ومع ذلك لا نجده ولا مشتقاته في القرآن وهو كثير في الحديث.والخطبة ركن في صلاة الجمعة والعيدين وتكثرمع مشتقاتها في أحاديثه ﷺ،ومنها: «كل خطبة ليس فيها تشهد فهي كاليد الجذماء..»، «فأطيلوا الصلاة وأقصروا الخطبة..».. إلخ.ومع أهمية الخطبة دينيًّا وسياسيًّا واجتماعيًّا لم ترد في القرآن،مع أن البيئة واحدة والزمن واحد والظروف التي كانت تواكب الأحاديث هي التي كانت تواكب القرآن،ولو كان منبع القرآن والحديث واحدًا لما كان هذا الاختلاف الحادّ.
وليس في القرآن من ألفاظ الصيام لا الفَطور ولا السَحورولا مشتقاتهما.وليس فيه من ألفاظ الحج التلبية والإهلال والإحرام،وكذلك لاوجود للتضحية والأضحية. وفي مجال الزواج ليس فيه لفظ مَحْرَم.
ثم أتى المؤلف إلى كلمات متفرقة لها علاقة بالدين مما وردفي الحديث ولم يرد في القرآن: أمير، بأس(25 مرة بمعنى الشدة لكنها في الحديث بمعنى الحرج والعيب)،باركَ،تميمة،الثناء/أثنى،الجبن ومشتقاته،جد،حقر،الاحتكار،الحمّى،خادم،الاختلاس،خيّر/استخار/خيار،داء ودواء،راجَعَ،رخصة ومشتقاتها،رِفق،رُقْية،زوى،مسألة،ستر،سِقط،السهر،سهُ لَ ومشتقاته،الشبهات/الشُبه،الشرط ومشتقاته،الصحة ومشتقاتها،صنف وأصناف،ضالّة،ظلف وجمعه،أظلّ ويُظِل،مظلمة ومظالم،العتق ومشتقاته،عُرس،عفيف، وعافى يعافي،العافية،عامة،وغبط ومشتقاتها،الغش،الفُحش،فقأ،أفلس ومشتقاتها،قاد،كسر ومشتقاتها، منزلة،انتهك،الهمّ،هانَ وهوّن.
أسماء وردت في القرآن مفردة وفي الحديث مجموعة والعكس، ص131-158:

  • أرض/ أرضون: رغم ورود الأرض في القرآن مئات المرات لم يرد جمعها قط.
  • إصبع/أصابع:لم يرد في القرآن غير الجمع مرتين،وورد المفرد في الحديث.
  • أمين/أمناء: ورد المفرد14مرة في القرآن،وورد الجمع في الحديث.
  • بَدَنَة/ بُدن: ورد الجمع في القرآن مرة واحدة،في حين تكرر المفرد كثيرًا في الحديث.
  • بركة/ بركات: ورد الجمع ثلاث مرات في القرآن ولم يرد المفرد البتة رغم دوران ألفاظ من المادة فيه ما بين فعل وصفة 32اثنتين وثلاثين مرة.أمّا المفرد، فكثير في الحديث.
  • ابن آدم/بني آدم: ورد الجمع في القرآن سبع مرات،وورد المفرد في الحديث كثيرًا.
  • بهيمة/بهائم: وردت الأولى ثلاث مرات في القرآن، أما الثانية فوردت في الحديث كثيرًا.
  • ثوب/ثياب:ورد ثياب أربع مرات في القرآن،وورد ثوب كثيرًا في الحديث.
  • حبيب/أحبّاء: ورد الجمع مرة واحدة في القرآن،أمّا المفرد فكثير في الحديث.
  • حُرمة/حُرُمات: ورد الجمع مرتين في القرآن،أما المفرد ففي الحديث.
  • حق/حقوق: ورد المفرد في القرآن كثيرًا، أما الجمع ففي الحديث.
ولكي لايمل القارئ نختصر ونقول:ورد في القرآن - من هذه الثنائيات- المفرد وورد جمعه في الحديث: خُلُق وأخلاق-رزق وأرزاق-روح وأرواح-صبي وصبيان-صف وصفوف-طاغوت وطواغيت.
بالمقابل ورد الجمع من هذه الثنائيات في القرآنفي حين ورد المفرد في الحديث.وهي:دراهم ودرهم-سكارى وسكران-صالحات وصالحة-ظلمات وظلمة-عَمَد وعِماد/عمود-أوثان ووثن.
ثنائيات حديثية لا وجودلها في القرآن، ص 159 -177:

في الحديثكثيرًا ما تقترن كلمتان معينتانلا تقترنان أبدًا في القرآن، من ذلك: «بغض وحب»،فقد وردت «البغضاء» في القرآن خمس مرات، أمّا مادة «حب» فقد وردت مشتقاتها كثيرًا ومع ذلك لم يجمع بين المعنيين قط. أما في الحديثفمن شواهده: «ثلاثة يحبهم الله وثلاثة يبغضهم الله...»، «لا يحب عليًّا منافق ولا يبغضه مؤمن...»، و«أحب لله وأبغض لله...». ومن تلك الثنائيات: أجر-وِزْر، آجل-عاجل، جِدّ -هزل،خزائن-مفاتيح،الدماء-الأموال،دينار-درهم،رياء-سمعة،سؤال-عطاء،شَعر-بَشَر،صبر-احتسب،غنم- سلم،وصل-أرحام،وفى-وَعَدَ.
ومنه: «العهد والميثاق» صحيح أنهما ذكرتا معا في مواضع من القرآن:﴿الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللهِ مِنْ بَعْدِمِيثَاقِهِ﴾
([9]).لكنهما لم تردا متعاطفتين لا مفردًا ولا جمعًا،أما في الحديث فمتعاطفتان ومنه: «أليس قد أعطيت عهودك ومواثيقك؟»،«...على أن عليكما عهد الله وميثاقه».
ومنها: «ظهْر وبطْن»، فرغم أن القرآن جمع بين الفعلين ظهر وبطنَ،والصفتين ظاهر وباطن/ ظاهرة وباطنة،فإنه لم يجمع بين الاسمين،على خلاف الأحاديث مثل:«...فظهر الأرض خير لكم من بطنها»،«سلوا الله ببطون أكفكم لا بظهورها».
ألفاظ وردت في الحديث بمعانٍ أوفي سياقات ليست لها في القرآن، ص 178-210:

  • منها:«إمام» وردت مفردة ومجموعة في القرآن إحدى عشرة11مرة غالبًا بمعنى: الزعيم والهادي،ومرة بمعنى الطريق،ومرتين بمعنى الكتاب الذي تُسجّل فيه أعمال البشر.أما في الحديث، فقد استعملت-ضمن ما استُعملت له-في معنيين لم يردا في القرآن، هما:إمام الصلاة والحاكم.
  • ومنها:«حدود»، وردت14 أربع عشرة مرة في القرآن مضافة إلى الله،ومنها مرة أضيفت إلى ضميره.وهي في هذا كله تعني: أحكام الله،أي أوامره ونواهيه.أما في الحديث، فتكرّر مجيئها بمعنى لم يرد في القرآن، هو: العقوبة المحددة، كحدّ الزنا وحدّ القتل وحدّ القذف.. إلخ.اللافت للنظر أن «حد» ارتبطت في التشريع الإسلامي بالمعنى الذي لها في الحديث،حتى إن كتب السنة وكتب الفقه قد خصص لها قسمًا برأسه للحدود.وهذه الكلمة في الحديث لم تُضَف دائمًا إلى لفظ الجلالة أو إلى ضمير يعود عليه.
  • ومنها:«حرف» التي وردت مرة واحدة في القرآن: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ عَلَى حَرْفٍ...﴾([10])، أما في الحديث فوردت-ضمن ما وردت مفردة ومجموعة-بمعنى: حرف الكتابة وحرف اللغة.
  • ومنها:«يحتسب» بمعنى: يتوقع ثلاث مرات مثل: ﴿... وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ﴾([11])، أما في الحديث فاستعملت-ضمن استعمالات أخرى-في معنى لم يرد به القرآن،هو أن يفعل المؤمن الشيء يبتغي به ثواب ربه،أو أن تقع به المصيبة فيصبر طمعًا في الأجر الإلهي،والملاحظ أن هذا المعنى هو الذي شاع في الأسلوب العربي والكتابات الدينية،واستعمل منه الماضي والمضارع والمصدر.ومنه: «من يقم ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا...»،«من احتسب ثلاثة من صُلبه دخل الجنة».
  • ومنها:«الأخيار» وردت في القرآن مرتين،وجاءت خيار في الحديث مضافة كثيرًا.
  • ولم تستعمل «رب» في القرآن بمعنى: صاحب سلعة أو مال وما أشبه،في حين استعملت في الحديث:«أرب إبل أنت أم رب غنم؟».
  • للفعل«رَفَعَ» استعمالات في الحديث لم يستعملها فيه القرآن،أولها: بمعنى: أزال «وترفع الشحناء والتباغض»، وثانيها: بمعنى: ظهر: «يُرفَع لي قوم» وثالثها: مصاحب للبصر: «ما بال أقوام يرفعون أبصارهم إلى السماء».
  • فلا يسفكن فيها دمًا/يسفك الدماء يستعمل القرآن مع السفك صيغة الجمع، ومنه: ﴿أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ﴾ [البقرة: 30]، أما في الحديث فبإفراد الدم، ومنه: «...وسفك دم هذا».
  • جاءت «سكرة الموت» في القرآن بالإفراد في سورة قٓ،على حين استعملها الحديث الشريف أيضًا مجموعة، مثل: «اللهم أعني على سكرات الموت».
  • السُنَّة: الطريقة والخطة المتبعة.أتت هذه الكلمة في القرآن مضافة للفظ الجلالة ولضميرها أغلب المرات وإلى الأمم السابقة ثلاثًا وإلى ﴿الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ﴾و﴿مَنْ قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنَا﴾،كما جاءت منكرة مجموعة.وهي في جميع هذه الأبيات بمعنى نظامه في كونه،وبالذات عقابه مع العصاة.أي لم تأتِ بالمعنى الذي شاع في الفقه الإسلامي،أي سنة النبي ﷺ،وهو من المعاني التي تكررت في الحديث ومنه: «فمن رغب عن سنتي، فليس منّي».
  • أشرار/شِرار: وردت الأولى مرة في القرآن،أما الثانية فكثرت في الحديث بصورة لافتة، ومنه: «شرار أئمتكم الذين تبغضونهم»،«فليذهبن خياركم و ليبقين شراركم».
  • طعَن:وردت في القرآن مرتين بمعنى الطعن المعنوي لا المادي،رغم أن حياة المسلمين آنذاك كانت طعنًا في طعن سواء في الحروب أو في الصيد والذبائح.أمّا في الحديث فكثيرة في الطعن المادي.
  • طَهور: وردت مرتين في القرآن وصفًا بمعنى: شديد الطهارة﴿وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا﴾، أمّا في السنة فوردت اسمًا لما يُتطهر به: «فإن الماء له طهور».
  • عبدي/عبادي: استعمل القرآن الثانية مضافة إلى ياء المتكلم ولم يستعمل مفردها مع ياء المتكلم،بخلاف كثرة ذلك في السنة«اكتبوا لعبدي..»، «قد غفرت لعبدي..»، «أنا عند ظن عبدي بي».أما حين يتكلم سبحانه وتعالى عن فرد من عباده، فإنه يقول: ﴿عبده﴾، متحدثًا عن نفسه بضمير الغائب: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا﴾، أو يستخدم (نا)الفاعلين: ﴿وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ﴾.
  • عثر:ورد من المادة في القرآن: عُثِر وأعثرنا عليهم،بمعنى: وجدان شيء كان ضائعًا،أما في الحديث فلها معانٍ أخرى:«يعثران في قميصيهما..»، «من أقال مسلمًا أقال الله عثرته..»، «أو يلتمس عثراتهم..».
  • عظيم:هذه الصفةفي القرآن لم ترد لبشر،بل لله أو للأمور المعنوية كالعذاب والبلاء والخَلق والأجر والحظ والفوز،باستثناء حكايته قول كفار قريش: ﴿لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا القُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ القَرْيَتَيْنِعَظِيم﴾.وهو ما يختلف فيه الحديث عنه إذ استعملت مجموعة ومفردة وصفا للبشر مثل:«إلى عظيم بُصرى..»، و«الملوك والعظماء والأشراف...».
  • عُمال/عاملون:يستخدم القرآن الصيغة الثانية فقط في حين يستعمل الحديث الأولى أيضًا،في معنى لم يرد في القرآن هو الوالي على ناحية من نواحي الدولة،ومنه: «هدايا العمال غلول».
  • قلم: ورد مفردًا ومجموعًا لكن ليس بمعنى القلم الذي تكتب به أعمال العباد أو قلم المسئولية أو القضاء والقدر،وهي من معانيه المستعملة في الحديث:«رُفعت الأقلام وجفت الصحف..»، «رُفع القلم عن ثلاثة..».. إلخ([12]).
  • مطر:ذكر القدماء دون تفصيل أن المطر ارتبط في القرآن بالعذاب باستثناء آيتين،أما المطر الذي يسقي النبات فيستعمل له ماء أو غيث. أما في السنة فاستعمل المطر بمعناه المعتاد: «مُطرنا بفضل الله ورحمته..»، «إقامة حد...خير من مطر أربعين ليلة».
  • هَمّ: لم يرد في القرآن إلّا عند الشروع في ارتكاب خطأ لا يتم،ومنه:﴿وَهَمُّواْ بِمَا لَمْ يَنَالُواْ..﴾، ﴿إِذْ هَمَّت طَّآئِفَتَانِ مِنكُمْ أَن تَفْشَلاَ..﴾، ﴿وَهَمُّواْ بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ...﴾.. إلخ.أما في الحديث فكثيرًا ما يستعمل في الصواب والخير: «ومن همَ بحسنة فعملها...»، «إذا هم أحدكم بالأمر فليركع ركعتين..».. إلخ.
  • وَجَبَ:ورد في القرآن بمعنى وقع/سقط فقط.أما في الحديث فبمعنى:لزم الشيء وأصبح فرضًا لابد من أدائه،وبمعنى: أصبح حقًّا.ومنه:«..فقد وجب الغسل..»، «فما بلغني من حد فقد وجب..»، «من أُثكل ثلاثة من صلبه وجبت له الجنة...».
  • وطء:لم يرد ولا مشتقاته في القرآن بمعنى الجماع قط،في حين كثر في الحديث بهذا المعنى.
211-405:

هذا الفصل أكبر فصول الكتاب استغرق أكثر من ثلثه،ويختص إما بالتعبيرات الموجودة في أحدهما فقط أو بالتعبيرات في كليهما لكن لأحدهما خصوصيةفي الاستعمال تميزه بوضوح عن الآخر([13]).
ورأيت أن عشرةمن الأمثلة كافية للدلالة على فكرة المؤلف ومنهجه.
  1. ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ (أَنْ)﴾: وردت في القرآن11إحدى عشرة مرة: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ..﴾، ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا..﴾، ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ﴾.
ولا وجود له في الحديث.
  1. لا وجود في الحديث للتعبير: «إن في ذلك لآية/لآيات...»وهوكثير في القرآن:﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾، و﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّلْمُتَوَسِّمِينَ﴾.
  2. تكرّر في القرآن على ألسنة الرسل:﴿مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ﴾،﴿مَا سَأَلْتُكُم مِّنْ أَجْرٍ﴾، ﴿وَمَا تَسْأَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ﴾. ولا وجود لها في الحديث.
  3. «ما بال...»: ورد في القرآن مرتين:﴿مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللاَّتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ؟﴾، و﴿فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الْأُولَى؟﴾، أما في الحديث فكثير - باستثناء حديث واحد-مع فارق آخر أن المضاف إليه منكر:«ما بال أقوام؟»، وهو استفهام استنكاري من النبي عن عدم رضاه عمّا يتحدث عنه،وليس كذلك في القرآن.
  4. في القرآن ثلاثة تعبيرات مميزة مرتبطة بكلمة(جاء) كثرت في القرآن و لم تجئ في الحديث:أولها:لقد جئت شيئًا صفته كذا:-فريًّا–إِدًّا–إِمْرًا–نُكْرًا.ثانيها: ﴿فَإِذَا جَاء وَعْدُ..﴾،ثالثها: ﴿جَاءَكُمْ...مِنْ رَبِّكُمْ﴾.
  5. ذو/ذات مَحرم،لم يرد في القرآن،وهو في الحديث.
  6. «﴿حَسْبُنَا الله﴾، ﴿فَحَسْبُهُ جَهَنَّم﴾، ﴿حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا﴾، ﴿فَإِنَّ حَسْبَكَ الله﴾، إلخ»، كلها في القرآن لا تشريع فيها،وهي مضافة إلى ضمير.أمّا في الحديث،فأضيفت أحيانًا إلى اسم ظاهر،وما من عبارة في القرآن ركبت على غرار(حسب امرئ من كذا أن يفعل كذا)،وخبر حسْب في القرآن لم يخرج عن لفظ الجلالة ولفظ جهنم أو ضميرها.
  7. «حق ال...على...كذا وكذا"، كثير في الحديث منعدم في القرآن،ومنه في السنة: «حق الطريق... وكف الأذى»، «حق المسلم على المسلم خمس».بل لم ترد كلمة حق في القرآن إلا إلى ضمير الغائب منصوبة،أما في السنة فمرفوعة على الابتداء. وفي السنة عبارات تقترب من السابقة وليس شيء منها في القرآن مثل:«حقٌ على الله أن...»، «حقٌ على كل مسلم أن يبيت ليلتين..».. إلخ.
  8. ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ﴾، ﴿أَلَمْ تَرَإِلَى﴾، ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ﴾ غير موجودة في الحديث،وهي في القرآن للمفرد والمخاطَبين والغائبين بالعشرات،ويمكن إلحاق الفعل مرفوعًا: ألا يرون،أفلا يرون.وهناك تعبير ثالث متعلق بالرؤية ورد سبع مرات: ﴿وَلَوْ تَرَى إِذْ...﴾، والمفعول فيها جميعًا متعلّق بالموت أو بالحياة الآخرة،مثل:﴿وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلَا فَوْتَ..﴾، ﴿وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُؤُوسِهِمْ..﴾.
  9. «رحم اللهُ فلانًا»: هذه العبارة الدعائية لم ترد في القرآن، مع أنها تكررت في الحديث إلى الدرجة التي صارت من الأدعية الشائعة عند المسلمين،منها: «رحم الله الأنصار وأبناء الأنصار..»، «رحم الله رجلًا..»، «رحم الله موسىلقد أوذي...فصبر».
406 - 419: صورحديثية ليست في القرآن

يقصد بها مفردات في الحديثلها بائتلافها مع أخرىدلالات تعبيرية،وسواء ذكرتفي القرآن أم لم تذكر غالبًا([14]).منها: «فِرَّ من المجذوم فرارك من الأسد»، «هل تمارون في القمر ليلة البدر؟»، «صدق الله وكذب بطن ابن أخيك»، «كل ابن آدم يأكله التراب إلا عجب الذنب»، «جعل الله الرحمة مئة جزء».«جفّ القلم على علم الله»، «ما أظلت الخضراء...أصدق من أبي ذر»، «وذروة سنامه الجهاد»، «المتحابون في الله...في ظلّ العرش»، «لا ينام قلبي...يا مقلّب القلوب»، «كفضل القمر على سائر النجوم».
420 - 483: تراكيب وردت في الحديث ولم ترد في القرآن

سنكتفي منها بسبعة:

  1. «ألا و...»: جاءت «ألا» الاستفتاحية في القرآن نحو أربعين مرة ولم ترد الواو بعدها.وكانت مصاحبة للواو في الحديث،ومنه: «...ألا وقول الزور»، «ألا وإن الغضب جمرة في قلب ابن آدم».
  2. أما الاستفتاحية.ومنه: «أما إنها لا تدعو إلى خير»، «أما والله إنكم لتعلمون أنه خيركم».
  3. «إياكم/إياكَ/إياكنّ و...»:إياكم والجلوس في الطرقات،فإياك وكرائمَ أموالهم»، «إياكنّ وكفران المنعمين».
  4. إجمال العدد ثم ذكر المعدود تفصيلًا. وقع في القرآن ثلاث مرات([15]). أمّا في الحديث، فكثير جدًّا،ومنه: «يكبر ابن آدم ويكبر معه اثنان:...»، «حق المسلم على المسلم ست: ...»، «آية المنافق ثلاث: ...»، «خمس من الفطرة:...»، «أربع من كن فيه كان منافقًا خالصًا:...»، «اجتنبوا السبع الموبقات:...».. إلخ.
  5. «أيُّمامسلم شهد له أربعة بخير أدخله الله الجنة»، مثل هذا التركيب لم يرد في القرآن،وهو مؤلّف من«أي» مرفوعة على الابتداء ومضافة إلى اسم مفرد نكرة موصوف بجملة فعليّة فعلها ماضٍ،وبين المضاف والمضاف إليه(ما).منه: «أيما مسلم سقى مسلمًا على ظمأ..»، «أيما امرأة أدخلت على قوم نسبًا فليست من الله..»، «أيُّما شرط ليس في كتاب الله فهو باطل».
والمرة الوحيدة لاستعمال «أيُّما» في القرآن كانت منصوبة على المفعولية ومضافة إلى مثنى معرف.في سورة القصص،الآية28: ﴿أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلَا عُدْوَانَ عَلَيَّ﴾.
  1. «إن الرجل ليتصدق باللقمة فتربو في يد الله»، لا وجود له في القرآن،وهو مؤلف من: «إن» واسمها+اللام المزحلقة+فعل مضارع...+ف/ثم+مضارع...يعني: أنه قد يحدث كذا فإذا بالأمر يتطور إلى كذا،ومنه: «إني لأقوم في الصلاة فأسمع بكاء الصبي فأتجاوز في صلاتي»،«إن الرجل ليتكلم بالكلمة يُضحك بها جلساءه..».. إلخ.
  2. «رُب َمبلغ أوعى من سامع» لم يأتِ في القرآن تركيب: رب+مبتدأ+خبر،وهو كثير في الحديث: «رب صائم ليس له من صيامه إلّا الجوع..»، «رب كاسية في الدنيا عارية في الآخرة».
484 - 498: القَسَم بين القرآن والحديث

هذا مما يختلف فيه القرآن عن الحديث اختلافًا كثيرًا.
(واللهِ)هو المقسَم به في الحديث،أمّا في القرآن، فورد مرة واحدة على لسان الكافرين في الآخرة فحلفهم به كذب: ﴿وَاللّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ﴾،وفي القرآن القسم بالتاء(تا اللهِ) كما في سورة يوسف: 73،75،91،95.وفي الأنبياء: 57،والشعراء: 97.
وليس في الحديث(لا أُقسمُ بكذا) كما في القرآن،وليس فيه القسم بمظاهر الطبيعةكالطور والسماء والنجم والضحى وغيرها،وباليوم الآخر وبالبلد الأمين،ولا يعرف الحديث تتابع الأقسام كما في القرآن:﴿وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا * وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا * وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا...﴾،﴿وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ * وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ * وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ﴾.وليس في القرآن القسم المفضل في الحديث: «والذي نفسي بيده، والذي نفس محمد بيده»، «وربِ الكعبة»، «والذي بعث محمدًا بالحق نبيًّا»،«لا، ومقلب القلوب».
والقرآن يستعمل(حلف) ومشتقاتها 13 ثلاث عشرة مرة كلها في سياق الحنث بالقسم.أما في الحديث فلا،والسنة تجري مع استعمال الشعر القديم في الحلف. والحديث يكثر فيه لفظ(يمين) بمعنى قسم،والقرآن لايستعمل إلا الجمع(أيمان) المتكررة25 خمسًا وعشرين مرة.
499-514: أسماء الأعلام

في القرآن الكريم، لا تذكر أسماء الأشخاص باستثناء الأنبياء وقارون وهامان،حتى معاصرو الرسول لم يذكر منهم غير أبي لهب،وزيد،بل إن أسماء القرى والمدن والمواضع تكاد تنعدم.فيه–مثلًا-﴿عَبَسَ وَتَوَلَّى * أَن جَاءهُ الْأَعْمَى﴾،﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ﴾،ونهج القرآن في هذا يختلف عن الكتاب المقدسفي إسرافه في ذكر الأسماء والأنساب لدرجة إصابة القارئ بالدوار،كما يختلف أيضًا عن نهج الشعر الجاهلي في ذكر الأشخاص والقبائل والمواضع.
أما الحديث ففيه أسماء أناس وأماكن ذات صلة بحياة الرسول ﷺ،:«مضَر وبني النجار وسعد بن معاذ وأبو ذروأبو بكر وعلي وعتبة بن ربيعة وكسرى وقيصر»،وفي وثيقة المدينة تفصيل للفئات المشاركة فيها.أما في القرآن، فليس فيه من القبائل العربية غير قريش مرة واحدة في موضع الامتنان عليها،ورغم أن العام التاسع للهجرة سمي عام الوفود،فإن القرآن لم يسم منهم شيخًا ولا قبيلة،بل إن العرب لم ترد فيه قط في حين ذكر الروم مرة.أما في الحديث فالنبي ﷺ حريص على تشجيع أصحابه وتلقيب المبرزين منهم:«فحمزة أسد الله»،و«الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة..».. إلخ.كذلك كان يدعو على رؤوس الكفر والنفاق بالاسم.
أما غزوات الرسول ﷺ - على كثرتها-فلم يذكر القرآن منها إلا بدرًا وحنين لسبب،كذلك خلا من أسماء الشهداء والجرحى.ويختم المؤلف تعليله لنهج القرآن أنه-سبحانه وتعالى- أراد أن يعلو بالنفس الإنسانية فوق العصبية الأسرية والقبلية والقومية وفوق الافتتان بالأشخاص لذواتهم.
515–527: التكنية والتصريح

نقل المؤلف نصًّا مطولًا عن الزركشي في أن القرآن يستعمل الكناية رغبة عمَّا يفحش من اللفظ([16]). فهو يكني عن العملية الجنسية ومقدماتها بالسر واللمس والمباشرة والدخول واللباس والمراودة والغشيان،ويكني عن إخراج الفضلات بأكل الطعام والعصف المأكول وغيره،بل إن لفظ فرج استعملت مجموعة للجنسين بمعنى السبيلين ﴿لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ﴾ كناية عن العفّة،وجاءت مفردة في قولهعن مريم إنها ﴿أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا﴾.وأماالدبر فوردت بمعنى الظهر أو الخلف مفردة ومجموعة18ثماني عشرة مرة، إحداها مجاز﴿وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ السُّجُودِ﴾.أمّا الأحاديث فاستعملت الألفاظ الصريحة لضرورة الحياة والتشريع.
528–549: الله والشيطان

يفترض في هذا الفصل التفرقة بين أسلوبي القرآن والحديث في الحديث عن الله تعالى من جهة،وعن إبليس من جهة أخرى.ولم يكن المؤلف الفاضل موفقا فيما أراد، فبدت لنا الفروق باهتة جدًّا.وفي الوقت نفسه قارن بين الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد مع القرآن والحديث في هذين الموضوعين،وكان - في رأينا - موفقًا جدًّا فيه.
لم يرد في القرآن شيطانة ولا شيطانان ووردا في الحديث،وللشياطين حضور في الحديث أكثر مما في القرآن وألصق بالحياة اليومية،ففي السنة أن الشيطان يبكي ويبول ويضحك وينزو ويجري مجرى الدم،وللشيطان سرايا وقرن وقرنين ومجلس،وبعض الأحاديث قدمت الشيطان قي صورة ساخرة وشبهته ببعض الحيوانات لتجرئ المؤمنين على قوة الشر.
550 - 564: القصة في القرآن والحديث

يختلف المصدران في هذا الشأن في عدة أمور منها:
(1)طريقة الاستهلال:

القرآن يستهل القصة بِـ ﴿وَاتْلُ عَلَيهِمْ نَبَأَ...﴾، مثل:﴿... ابْنَي آدَمَ﴾،﴿... الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا﴾.ويستهلها بِـ ﴿وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا...﴾، مثل: ﴿... رَجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ ...﴾،﴿... أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ ...﴾، ويستهلها بِـ ﴿هَلْ أَتَاكَ ...﴾: ﴿نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ﴾،﴿... حَدِيثُ مُوسَى﴾.وتستهل بِـ ﴿أَلَمْ يَأْتِهِمْ/يَأْتِكُمْ/نَبَأُ الَّذِينَ ...﴾،و﴿أَلَمْ تَرَإِلَى ...﴾، و﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ...﴾،﴿وَاذْكُرْ ...﴾:﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ﴾،﴿وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْأَنْذَرَ قَوْمَه...﴾.وعدد منه استهل بفعل السؤال: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ ...﴾، ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ ...﴾، ﴿وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةً البَحْرَ إِذْ ...﴾.
وتأتي«إذ» بعدمعظم العبارات الاستهلالية،بل إن كثيرًا من القصص القرآني يبتدئ بها: ﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ﴾،﴿وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ﴾، ﴿إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ﴾،﴿إِذْ قَالَ اللهُ يَا عِيسَى إِنِّي﴾.
وتتكرر«إذ» مع كل مرحلة هامة في القصة،كما في قصة بني إسرائيل قي سورة البقرة،وكما في قصة إبراهيم وإسماعيل في نفس السورة.وقد يقتصر تكرارها على بعض الأحداث والمواقف، كما في أجزاء من قصة بني إسرائيل في الأعراف،وكما في تآمر قريش على الرسول في الأنفال.
أما في الحديث فلم يفتتح بأي واحدة منها، بل يبتدئ كثير منها بقوله: «كان فيمن قبلكم...» وما يشبهها،وبعدها في الكثرة البدء بِـ «بينا/بينما»، ومنه: «بينا أيوب u يغتسل...»، «بينما رجل يمشي بطريق اشتد عليه العطش...»، «بينما أنا نائم...»..إلخ.
(2) الختام:

أحيانًا يختم القرآن القصة بِـ ﴿ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ﴾ وشبهه: ﴿ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْقُرَى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ﴾.ولا وجود له في الحديث.
(3) في التحوّل والتدخل:

يحدث في القصص القرآني أن يتحول الراوي إلى المتلقيبمثل:﴿نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ﴾،﴿نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ﴾.أو بتذكير الراوي للمتلقي أنه لم يكن حاضرًا أحداثها ولا يعرف عنها شيئًا، مثل:﴿وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُون أَقْلاَمَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ﴾،﴿وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الْأَمْرَ﴾.وفي القصص القرآني يتدخل الراوي لتحديد موضع العبرة نصًّا، كما في قصة موسى وبني إسرائيل مع فرعون في سورة طٓه:﴿يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ أَنجَيْنَاكُم مِّنْ عَدُوِّكُمْ وَوَاعَدْنَاكُمْ جَانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ... وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى﴾ [طٓه: 80–82].أو يلفت إلى قيمة خُلُقية، كما في سورة لقمان(14-15):﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ...فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾.وليس شيء منه في الحديث.
(4) لم يرد في الحديث قصة كاملةلأي نبي، وليس فيه إيراد عدة قصص متتالية،فكثيرًا ما تتوالى في القرآن قصص نوح وهود وصالح ونوح وشعيب.

ونأتي إلى ملاحظات على هذا السفر القيم غير قاصدين إلى الغض من قدر مؤلفه، أهمها:
أولًا: واضح أن المؤلف قد أنفق سنوات طوالًا في تأليفه.وعلى فرض أنها فكرة انقدحت في ذهنه فذلك الانقداح لم يأتِ إلَّا بعد طول تأمل،وهذا يقتضي التدقيق في كل آيات القرآن المجيد، وفي كل أحاديث المعجم المفهرس لألفاظ الحديث النبوي،وإجالة الفكر فيها مرارًا،والتصنيف والتقسيم والتبويب والترتيب والمراجعة،ومن ثم الخروج من كل ذلك بفروق أسلوبية مميزة بين القرآن والحديث النبوي،دلّت على أنهما لم يصدرا من مصدر واحد.وبهذا يكون العالم الجليل إبراهيم عوض أول من أخرج فكرة التمايز بينهما إلى حيز الواقع،وحق له أن يصف عمله بأول محاولة في تاريخ الفكر الإسلامي من أربعة عشر قرنًا.
ثانيًا: يحمد للمؤلف ندرة أخطاء الطباعة رغم أنه أصدر الكتاب من دار نشر متواضعة في إمكاناتها،قبل عصر الحاسوب في الطباعة،وقبل اختراع برنامج(نور) في طباعة آي القرآن،وهي من النوع الذي لا يغيب عن فطنة القارئ،باستثناء موضع واحد يجب التنبيه عليه وإصلاحه.جاء في ص 463: ﴿قَالَ الْمَلأُ فِي قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَكَ مِن قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا﴾[الأعراف: 88].والصواب: ﴿قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ مِن قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ...﴾.
ثالثًا: أحكام المؤلف القائمة على الإحصاء الفردي للأمثلة والجزئيات سليمة باستثناء مواضع محددة،لا تغير في شيء من الصورة العامة، فمنه:
  1. قوله:إن القرآن لم يذكر من أوعية الطعام والشراب إلّا الكأس في نعيم الجنة.ويُستدرَك عليه: «صِحاف»:﴿يُطَافُ عَلَيْهِم بِصِحَافٍ﴾[الزخرف: 72].
  2. وقوله: إن القرآن لم يذكر من الملابس إلا القميص-في سورة يوسف-وسرابيل وثياب والنعلين. فيستدرك عليه: «خُمُر» في قوله تعالى: "وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ﴾[النور: 31].
  3. وقوله: إن الأحاديث ذكرت فصول السنة الأربعة، ومنها: «خريف».وفي قوله نظر؛ لأن الأحاديث لا تؤيد دلالة الفصل السنوي بل تؤيد دلالة العام/الحول،وتأمل في: «...تهوي به في النار سبعين خريفًا»، أي: زمن سبعين سنة،وهذه الدلالة للكلمة موجودة في لغات أخرى كالسبأية([17]).
  4. يقول في ص151: إن «صُوَر» جاءت مرتين في القرآن ولم يرد المفرد!،ويُستدرَك عليه أن المفرد موجود في قوله تعالى:﴿فِي أَيِّ صُورَةٍ مَّا شَاء رَكَّبَكَ﴾[الانفطار: 8].
  5. في ص157: يزعم أن المتكبر في القرآن صفة لله تعالى،وأن الجمع ورد في الحديث فقط صفة للبشر!، ولا ندري كيف فاته في القرآن:﴿مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ﴾ في النحل: 29، والزمر: 60،72، وغافر: 76؟!
رابعًا: لغة المؤلف منضبطة،سهلة،مأنوسة.وجميع أقسام الكتاب تنضح بجهد المؤلف.
خامسًا: القسم المخصص للحديث عن الفروق بين تصوير المصدرين لله تعالى وللشيطان أضعف أقسام الكتاب،وقد ذكرنا السبب في أثناء العرض.
سادسًا:منهج الكتاب وصفي مسحي في المقارنة بين القرآن والحديث،ويبقى على الباحثين-كما صرح المؤلف نفسه-أن يعمقوا هذه النظرات والأحكام.وقد صادفنا بحثًا يفعل ذلك
([18])، مدح عمل إبراهيم عوض وزعم أن بحثه يكمل بعض الجزئيات،منها: الفرق بين القذف والرمي،بين العتق والتحرير وفك الرقبة،الفرق بين استعمال المصدرين للختم والخاتم،استعمال لفظ واحد والمعنى مختلف مثل له بالذوق،وألفاظ وردت في الحديث دون القرآن:العاني.ومع ذلك، أخذ عليه استشهاده بحديثين من الترمذي وابن ماجه،ضعفهما بعض المحدَثين،في حين ذكرا نصًّا في مصادر أخرى! مع أن هذا ليس من هم المؤلف.
والخلاصة أنه كتاب قيم يجدر بكل لغوي وبلاغي وناقد ومثقف أن يقرأه ويفيد منه.
والحمد لله رب العالمين.

عباس علي السوسوة

([1])انظر بحثنا: «البحث اللغوي بين شقرة الغربي وسواد شعر العربي»، مجلة مجمع اللغة العربية على الشبكة العالمية،العدد 22، رجب1441، ص 233 - 250.

([2])صنع مثل ذلك مع سور أخرى مثل: النجم وطٓه والرحمن.وكل كتاب كان فيه تفرد عن إخوته.

([3])سبقتها ترجمتان ولحقتها ثلاث،لكنها-في رأينا - الأميز.

([4])أشار إلى الباقلاني:إعجاز القرآن تحقيق السيد أحمد صقر،دار المعارف،القاهرة291؛ ومحمد متولي الشعراوي: شبهات وأباطيل خصوم الإسلام والرد عليها،دار العودة،بيروت 1988م،ص36.

([5])سألخص الفصل أسلوبي،وقد أذكر بعض الشواهد في أحيان نادرة،وإلّا صار العرض نسخة ثانية من الكتاب.وسأذكر ملاحظاتي بعد العرض.

([6])غني عن القول: إنه أفاض في الشرح وفي ذكر مواضعها من كتب الحديث،وكذا في بقية الموضوعات التي ستأتي،فلا نكرّر.

[7]بغض النظر عن زمن أكلها في اليوم.

([8])الآية: 102 من سورة النساء.

[9]البقرة27ومثل ذلكفي الرعد الآيتين20و25.


([10])سورة الحج: 11

([11])سورة الطلاق: 3، وانظر: الحشر: 2، والزمر: 47.

([12])أحال المؤلف على كتاب ابن القيم: «التبيان في أقسام القرآن»، ص 150-160.

([13])زاد المؤلف فعقب أن ما أورده بعض من كل.

([14])لم ترد كلمتا:«البدر» و«الأسد»في القرآن.

([15])في الأنعام 143–144، والنور58، والواقعة7-11.

([16])انظر: صفحتي515–516من الكتاب،والبرهان في علوم لقرآن للزركشي2/303-306.

([17])انظر كتابنا:قد اليمنية أبحاث في الأبنية والنحو والاقتراض المعجمي،صنعاء:مركز عبادي، 2012م، ص30-31.

([18])خليل محمد أيوب: من مظاهر الافتراق الأسلوبي بين القرآن والحديث،مجلة مجمع اللغة العربية بدمشق،مج87، ج3،في 28صفحة.