ديوك الجيش السوداني وثورة الكنداكا

بالتأكيد لكل متابع لعمليات التغير ما بعد انطلاقة ما يسمى الربيع العربي بأن ما يحدث في السودان و الثورة المبرمجة على نظام البشير لن تخرج السودان منه متعافيه و هذا ما حدث فعلا و اثبتته الأحداث والايام في الدول التي سبقت السودان في المطالبة بالحرية والديمقراطية والاصلاح ، ولكنني هنا ادون ان السودان من احد الدول المهمة التي تمتلك نخبة واعية مثقفة مهما تغيرت الايديولوجية من قوميين وشيوعيين و اسلاميين وبعثيين فالسودان كان الماعون الذي بداخله كل تلك الايديلوجيات وعندما كنت تجلس مع سوداني يدهشك بثقافته العالية و اخلاقه ايضا و من هنا نأتي بمفتاح تحليل مشكلة السودان .

عندما بدأت ثورة الكنداكا على منظومة البشير الذي ينتمي للعسكرية السودانية ذو التوجه الاسلامي وهو من رحم المكون الايديولوجي للحركات الاسلامية في السودان ثورة الكنداكه المدعومة امريكيا وغربيا على غرار منظومة الربيع العربي في الدول المختلفة كانت ردات الفعل الامريكية مغذية لنخب واحزاب مع تحذير بعدم اعتراض المتظاهرين وان التظاهر حق مشروع في حين انه لم يكن حق مشروع في باريس وقامت الشرطة بقمعهم ولم يكن حق مشروع في برلين وبريطانية فما يحق لما يسمى الانظمة الديمقراطية وحماة الديمقراطية في العالم لا يحق لغيرهم وهكذا هي سياسة الغرب سياسة الكيل بمكيالين كيل يخص المواطن الغربي والامريكي وسياسة تخص العالم الثالث او الشرق الاوسط او عالم المستهلكين .

عندما تغلبت مؤسسات المجتمع المدني وبترتيب مع الجيش بانحياز الجيش للثورة والتخلص من نظام البشير طلب الرئيس البشير تدخل قوات الدعم السريع "بقيادة حميدتي" والاخير لم يستجيب للنداء ولو تحالف حميدتي مع قائده لما تغلب الجيش ولا بعض مؤسسات المجتمع المدني على نظام البشير ولو كان البرهان مخلص لقائده البشير رغم علمه ان من يحرك التظاهر قوى خارج السودان و المطلوب اولا واخيرا التطبيع مع اسرائيل واخراج السودان من دعم الشعب الفلسطيني الذي كانت تحتوي اراضيه قوات منظمة التحرير و من ثم مساندة قوى المقاومة الفلسطينية عبر نقل السلاح والتدريب ولكن يبدو ان منظومة الجيش بقيادة البرهان هي "من شلة" الانقلاب على المعايير الوطنية والقومية والاسلامية وانضباطيتها مع القضية الفلسطينية ولذلك تخلى البرهان ايضا عن قائده واتى به الى السجن وهي المعايير التي يعمل بها بمنطلقات ما يسمى الربيع العربي و كان التقاسم في المهام بين قوات التدخل السريع و الجيش السوداني حيث احتل الاول نائبا للمجلس الاعلى واحتل البرهان القائد الاعلى .

تلك الاحداث في السودان لم تكن تهدف لوضع افضل للسودان ومستقبل افضل فربما الى الحلقة الثانية والثالثة من التقسيم او الى حرب اهلية او اقلمة اراضي السودان في حرب مدمرة تؤدي الى دولة فاشلة وبالتالي تخرج السودان من معايير القوة للبعد القومي كما حدث في العراق وسوريا ولييبيا واليمن .
اذا اقتتال الديوك في العاصمة الخرطوم ودارفور ومناطق اخرى في السودان هو سوء تنظيم المؤسسات السيادية في السودان ولنا هنا مشابه لها في الثورة الفلسطينية فلكي يحافظ البشير على استقرار حكمه صنع جهازين سياديين جهاز القوات المسلحة السودانية "الجيش" وقوات التدخل السريع وقاعدة الجهازين يحملان نفس الرتبة وكل منهما له تحصيناته ومعسكراته وافراده واسلحته وعتاده و هنا يفتح الباب لقوى خارجية لتعبث بوحدة السودان بوجود مؤسستين سياديتين مسلحتين و كل قوة منهما ستجد من يدعمها اقليميا وغربيا وروسيا و هنا المشكلة سوف تزداد تعقيدا اما القوة الثالثة التي كانت تقوده كنداكاو حمتو فهي قوة جماهيرية محركة و مبرمجة ايضا ولا حول ولا قوة لها ان اشتبكت القوة الاولى والثانية في معركة الدماء السودانية وقصة حسم الامور فعلى ما يبدو الان ان قوات التدخل السريع دمرت قواعد سلاح الجو السوداني واحتلت بعض المطارات وعلى ابواب مطار الخرطوم الدولي والقصر الجمهوري و الاذاعة والتلفزيون والحسم السريه لأحد الطرفين في معركة الخرطوم لا يعني استقرار السودان وستبقى السودان ساحة للعبث في كثير من ولاياتها ولا نستثني اسرائيل من هذا العبث واريد ان اذكر هنا ان الاجهزة الفلسطينية التي استحدثت في الثورة الفلسطينية لم يكن مهامها الاولى حفظ امن الثورة بل كانت اجهزة متنافسة لحماية القادة المتنفذين فيها و كان المال له قوة التنفيذ و الفعل وبالتالي حسم النهج التفريطي الامور بحسم الصراع في الاجهزة والتنظيم .
على كل السودان تدخل في مرحلة خطيرة جدا فالعبث والسطات والتدخل الامريكي و الغربي و الشروط التي وضعتها امريكا واسرائيل للتطبيع والضغوط التي حدثت كانت ستنتج واقع اسوأ من ذلك التي كما قلت يمتلك نخب عالية المستوى ثقافيا ووطنيا وبعد اسلامي منضبط ومنضبط للتاريخ .

نتمنى ان يخرج السودان معافى وليس هذا بالتتوقع القريب وكان الله في عون السودان والشعوب العربية .