الصراع في الجزائر صراع هويات

يقول مفكرون و محللون أن المفاهيم و الأفكار هي نتاج الواقع و لا يجوز في أي حال من الأحوال أن بتحكم الواقع بمفاهيم مسبقة و فرضها على واقع آخر، فمثلا مفاهيم الأمة و الوطن و الشعب و القبيلة من المفاهيم التي اختلطت نتيجة غياب الدراسات الواقعية، الدراسة التي تتناول الواقع من مختلف جوانبه، هذه المفاهيم حسب المفكرين غدت من أكثر المفاهيم أهمية و موضع جدال


موضوع الوطن مرتبط بالهوية، فلا تزال هذه المفاهيم ( الوطن و الهوية و ما يتبعهما كالوطنية و المواطنة) تثير جدلا لدى الباحثين و المفكرين ، كان السؤال الذي طرحه الكاتب الجزائري عبد الناصر دردور حول: "ما هو الوطن؟ " قد فتح شهية النقاش حول تلك المفاهيم، كان ذلك على هامش جلسة أدبية نظمت بمناسبة عيد الطالب وهي مبادرة قامت بها الإقامة الجامعية 2 ذكور بجامعة صالح بوبنيدر عاصمة الشرق الجزائري لمعرفة ما قدر الثقافة العامة أو القيم المشتركة التي يحتاجها الناس للعيش في وطن واحد، فقد اختلفت الآراء و الأفكار حول مفهوم الوطن، إلا أن النقاش امتد و ارتفعت درجة حرارته بعدما أقحمت مفاهيم أخرى كالوطنية و المواطنة و مدى ارتباطهم، في ظل تعدد الثقافات و السياسات و التوجهات الإيديولوجية، كان لكل واحد تصوره الخاص لمفهوم الوطن ، أمام السرعة التي يتلاشى بها العالم و ما مقدار المرء أن يشعر بالانتماء إلى الوطن و ما تحدثه من آثار عكسية على مستويات مختلفة ترتبط أساسا باللغة و الدين و الثقافة، الهدف طبعا هو الوقوف على رؤية المثقف الجزائري لمفهوم الوطن، وما هو التعريف الأنسب الذي يمكن وضعه كقاعدة و تكون موضع اتفاق الجميع ، لاسيما و أن الصراع في الجزائر هو صراع هوياتي ، فهناك هويات للمكان أو الارتباط التاريخي و السياسي، و هذا يتطلب العمل بمبدأ التعايش و خلق نظام اجتماعي شامل، حتى لا يقع صدام بين الجماعات أو تداخل بين النخبة المثقفة و السياسية حتى لا يقع اي لبس أو تحريف لمفهوم الوطن و كيف يمكن توظيف مفهوم الوطن دينيا، اجتماعيا ، سياسيا، أو ثقافيا ، و علاقة الإنسان بالوطن، بالأرض و هو يؤسس كيانه الحضاري، و لنقف على رؤية كتاب و شعراء لمفهوم الوطن.



الكاتب و الشاعر فضيل عبد الناصر دردور: بالنسبة لي الوطن هو كيان يتشعب منه وصفنا الجغرافي هو أكبر منّا ، الوطن هو الروح، هو الحب، لكن هذا الجيل فقد الثقة في الوطن و عاجز عن تحمل المسؤولية، المساجد و الدولة مسؤولة أيضا ، لأنها ادخلت عدة مفاهيم كالكراهية، الأحقاد و الحسد و النظر إلى الآخر نظرة غير إنسانية، الأم في وقتنا هذا تخطئ مع أبنائها عندما تحولهم إلى الروضة أو تتركهم مع المربية و تذهب إلى العمل، فلا ينهض الأبناء على احترام القيم و المقدسات، لأن الأم هي المسؤول الأول على غرس فيهم هذه القيم، كما أن التربية التي تلقيناها من آبائنا و أجدادنا لم نغرسها في ابنائنا، نحن أمام صراع أجيال، و المسجد هو بيت القصيد.

داودي بوسلة شاعر: الوطن هو الانتماء وحب متجذر، و مهما واجه الإنسان في حياته المحن، لا يمكنه التنكر لوطنه، هو شيئ معنوي، الجزائر تعاني من أزمة أخلاقية، و الأخلاق لا نحصل عليها من الأفلام و الشارع بل من المسجد، هي ازمة سلوكية و الأخلاق هي السلوك.


نجيب تواتي كاتب خواطر و مكلف بالنشاطات بالإقامة الجامعية 2 عين الباي: سأستنبط تعريف الوطن من mلمة وطن، لأن كل شيئ من اسمه نصيب، هو وجود الطبيعة في النفس، حب الوطن من الإيمان و من لا يسكن الوطنفي القلب ضاع منه الكثير، و من لا أم له فالجزائر أمّه.


الشاعرة مسعودة مصباح: الوطن هو قطعة من الجنّة وهبها الله لنا لنحميها و نرعاها، نحلم بها و نتخيل إن كانت هذه القطعة واخضرارها قطعة من الجنّة، هو الحب الذي يؤكد أن الإنسان مهما تغيب و عاد يبقى الوطن لا يتجزأ.


سميرة بلخلف مدربة في التنمية البشرية: لحد الآن لم نعثر على تعريف خاص و دقيق للوطن فهو أكبر من أن يُعرَّف، فالوطن لا حدود له.


حبيبة نقوب مدربة و استاذة متقاعدة : الوطن هو الروح و الأكسجين الذي نتنفسه، هو السكن، حين أخرج منه أشعر أنني كالسمكة حين تخرج من الماء.


ريم بن العابد استاذة التعليم المتوسط و كاتبة: هناك من عاش الاضطهاد في العشرية السوداء و هذا الجيل لا يعرف ماهي قيمة الوطن، فجيل اليوم يعاني من نقص في انتمائه لوطنه، و نجده يبحث عن حقوقه فقط، جيل اليوم مهووس بتقليد الآخر، ثم أن الوطن رزق من الله لا نستطيع أن نشتكي منه.


الكاتبة ليلى تباني: هو الهوية التي تسكننا و الأمان الذي ننشده ، هو الحب الذي يتجلى فينا "حلل و ناقش" ، الخطأ في المنظومة التربوية و المناهج التي تضعها الوزارة الوصية.

منى بركان: الوطن هو شعب، سيادة و سلطة، كوني مسلمة، فأنا أنتمي إلى وطن يدين بالإسلام، و كوني عربية فانتمائي إلى الوطن العربي.


الدكتورة ريم مارية غربي: الوطن هو ارتباط روحي ، ارتباط يشبه الارتباط بالأمّ، هو الحضن الأول مهما انتقلنا يبقى الحنين للوطن الأمّ.


نادية بوجلال شاعرة: الوطن هو قطعة من الأرض اختارها الله لنا ، يكون قدر أن يولد الإنسان في تلك القطعة، يخلق فيها جذورا تربطه بها هو الانتماء و الاحتواء و الحب الفطري.


المتحدثة كاتبة إعلامية: الوطن هو الوجود الذي لا أراه، لكنه يعيش بداخلي، يكبر معي و ينمو ، مرتبط بي كحبل الوريد، الوطن لا يمكن أن نحدده في قطعة أرض أو في الطبيعة ، و لا في إقليم، فإذا قلنا الأرض يعني تراب ، و إذا قلنا الطبيعة يعني اشجار و أنهار و وديان و جبال و غير ذلك، و هذه الطبيعة لا تعبر عن الوطن، الوطن يحتوينا و يسكننا، نحن الوطن و الوطن نحن، فإن أضعناه لن نعثر على وطن آخر، لكن باستطاعتنا استعادته بالتضحية و الإخلاص، الوطن يسعنا جميعا، مثل العائلة الكبيرة، جيل اليوم أصبح يطالب بالاستقلالية و العيش بعيدا عن الأسرة، للأسف فقدنا صورة العائلة الكبيرة المتكونة من الجد و الجدة و الأعمام ، و تكون الكلمة للكبير، و بفقدانها، لم يعد الجيل الحالي يعرف قيمة الوطن الذي هو سقف كل الجزائريين ، الحراك وحد الجزائريين و جمعهم على هدف واحد هو النهوض بالوطن.


تعقيب/ الحقيقة وقفنا على بعض الملاحظات، هي أن هناك إجماع على أن الأزمة هي أخلاقية و الجزائريين أمام صراع أجيال، أما المفاهيم كانت مختلفة ، و بسيطة في تحديد الإطار الصحيح لمفهوم الوطن، بالنظر الى التعاريف التي وضعها بعض المفكرين ومدى ارتباط الوطن بمجموعة الناس (الشعب) و اللغة، كعامل ثقافي و أداة تخاطب و أداة تعبير عن المفاهيم و النظريات و الأفكار، و ليس الأرض فقط ، يعرف باحثون الوطن على أنه الحد الذي التحمت به مجموعة ما، و القاعدة التي تتحقق عليها الصيرورة التاريخية، و بالتالي تكون المجموعة البشرية هي الأساس، و قال آخرون أن الوطن هو الأرض، أي رسموا له حدود جغرافية، فأن تصل الى نهاية الحدود فأنت خارج وطنك، رغم أن الأرض هي الأرض و السؤال الذي يمكن أن نطرحه هنا هو كالتالي: إن كان الوطن هو الأرض، إذن فكل مواطن ينتقل الى العيش فوق أرض غير ارضه (في بلد آخر) ، تعتبر تلك الأرض وطنه، لأن الأرض هي الأرض (تراب) و بالتالي هو لا يستحق لقب مغترب لأنه في وطنه، و لذلك لا يجب أن يعرف الوطن تعريفا جغرافيا، و نهمل الجانب الفلسفي، كذلك الوقوف على الجانب اليتوبي للمجموعة البشرية التي تعيش فوق أرضها.


و طالما المجموعة البشرية هي الأساسي، هنا الأمر يختلف، فالشخص الذي ينتقل الى بلد آخر للعيش فيه، يظل غريبا عن أرضه و وطنه ، لأن المجموعة البشرية التي التحق بها لا يوجد بينها و بينه قاسم مشترك، لا في الدين و لا في اللغة و لا في الثقافة و لا في العادات و التقاليد، و بالتالي هو أمام خيارين: إما أن يتقبل عقيدة تلك المجموعة البشرية و يتأقلم معها ليصل الى مستوى التعايش، أو يعود إلى وطنه الأصلي، ثم السؤال إذا كان الوطن هو الأرض، لماذا تقدم أهل الحضر و ظل أهل البدو على وضعهم حتى في المناطق الحضرية هناك اختلاف في نمط العيش بين الجماعات، اي أن المجتمع أو المجموعة البشرية منقسمة الى طبقات، فهناك مواطن من الدرجة الأولى و مواطن من الدرجة الثانية محروم حتى من حقه في المواطنة، كل هذه الأسئلة تحتاج إلى إعادة نظر و قراءة.

علجية عيش