مع مالك بن نبي من أجل التغيير
----------------------------------------------------------
يشيد الفيلسوف الجزائري مالك بن نبي بالنموذج الألماني في بناء اقتصاده و ثقافته، إذ يقول: ليس العالم و لا التقني وحده الذي بنى ألمانيا و أقام اقتصادها و طوّر ثقافتها، و لم تكن المانيا تملك سنة 1945 الآلات و لا الماركات و لا الدولارات و لا حتى السيّادة القومية، لم تكن تملك سوى رأسمال واحد لا يمكن تدميره، و رأسمال ألمانيا كما يقول مالك بن نبي هي "الرُّوحُ" الألمانية، روح الرّاعي و الفلاح و العامل و الحَمّال و الموظف و الصيدلي و الطبيب و الفنان و الأستاذ، و بكلمة واحدة، إن الثقافة الألمانية و دون التباس و دون تضييق اجتماعي أو فكري لمعناها ، هي التي أعادت بناء بلد غوتة و بسمارك، هناك معجزة ألمانية و هذه المعجزة ستتكرر طالما هناك ثقافة ألمانية، و حدود المعجزة هي حدود ثقافية لا يمكن للمعجزة أن توجد خارجها، كذلك بالنسبة للفيتنام، فهي لم تجابه الإمبريالية بالعلم وحده، و إنما بإدراك يجسده زارع الأرز كما يجسده صاحب أعلى رتبة، أو المفكر الأشدّ اطلاعا.
و لعلَّ هي رسالة أراد مالك بن نبي أن يوصلها لنا و بالخصوص للنخبة أو المسؤولين بأن لا يحتقروا العامل البسيط الذي لا يملك ثقافة و لا أفكارا، لأنه منتج و يملك روحا وطنية صادقة، و لنتصور مثلا لو لم يوجد عون النظافة و رافع القمامة ( الزبّال) ليرفع أوساخنا، ماذا يحدث لبيئتنا؟، لولاه لأصيبت البشرية بأمراض معدية و لحصلت كارثة إيكولوجية، و لنتصور لو لم يوجد مُسَيِّرُ المراحيض العمومية، أو عاملة النظافة في المؤسسات التربوية أو المستشفيات؟ ماذا سيحدث للتلاميذ ( أبناؤكم) أو للمرضى؟ و الأمثلة كثيرة و متعددة، فكلّ واحد في مكان عمله الخاص
العمل النظيف شرفٌ، و صاحبه يستحق وسام الشرف، لأنه ليس لصٌّ و لا ينتمي إلى العصابات فالبلاد يبنيها الفلاح و البنّاء و راعي الغنم و رافع القمامة ( الزبّال)، ثم يأتي الطبيب و المعلم و المهندس ، و هم جميعا كعنصر بشري رأس مال الجزائر، يقول مالك بن نبي و هو يطرح مشكلة الحضارة في كتابه: "من أجل التغيير" أنّ الشعب الجزائري لم يستطع أن ينتزع استقلاله بالمعرفة التي تتمتع بها النخبة، بل بالإدراك الذي وجد على المستوى الشعبي في وجه الإستعمار، و يضيف مالك بن نبي بالقول: هناك مشكلة تطرحها النخبة، خاصة إذا أخذ بعين الإعتبار تلك النخبة التي استقلت في الخارج، حتى في سيناء لم يحصل فشل عسكري، بل حصل فشل ثقافي
فللثقافة نتاجاتها كما للصناعة نتاجاتها، و النتاج هو تمثيل لمن ينتجه حتى لو تعلق الأمر بالنتاجات الثانوية، و مثلما قال مالك بن نبي مخطئ من يظن أن الإستعمار عندما يرحل يترك وراءه المكان نقيا سليما و بدون عيون ( جواسيس)، و لكنه على الدوام يترك الطابور الخامس، طابور خدّامه القدامى، أو كما قال الرئيس بومدين طابور بقايا الحركيين، و هنا تعاد ماساة البلاد التي غادرها الإستعمار ظاهريا، يترتب على هذه النخبة أن تقوم بدورها في بناء المجتمع الجزائري الجديد، يضيف مالك بن نبي و إن عالم الأفكار لدينا يجب أن تبنيه تلك النخبة و تلك هي مهمتها الأساسية و أن تحرر الأذهان من بعض البلبلة التي فيها، فالعالم ليس مجرد تكوين للأشياء و للأفكار، لأن الحضارة ليس كومة من الأشياء و الأفكار و لكنها بناء يعكس عبقرية البلد و شخصيته، لابد من نَفَسٍ ثَوْرِيٍّ جديد لكي يذيب هذا الجليد.
----------------------------------
علجية عيش