كشف المفكر مالك بن نبي كيف تم السطو على كتابه "وجهة العالم الإسلامي" و هي ترجمة لم يرخص بها و لم يستأذن بشأنها، و لم يكن يعلم شيئا عنها، حيث اغتصب هذه الطبعة أحد الطلبة في باريس و هو المدعو بركات شعبان، حيث لجأ إلى بعثرة الأفكار، بغية تشويه مضمونها و الانتقاص من قيمتها، و هذا بتواطؤ منشورات "لوساي" الفرنسية، و أقدم على ترجمة الكتاب باسمه، و هي الطبعة التي تتداول إلى اليوم بالسوق الجزائرية، و السؤال: من قال أن فرنسا يمكنها أن تكون صديقة للجزائر ؟، كان ذلك في محاضرة ألقاها أمام الرّائد زين العابدين حشيشي قائد المدرسة العسكرية


كانت هذه لمالك بن نبي ترجمها و قدمها و علق عليها الدكتور محمد بغداد باي أستاذ بالثانوية الدولية بباريس، فمالك بن نبي لم يكن رجل مفكرا و فيلسوفا فقط، بل كان رجل سياسة ، يقرأ الآخر من خلال النظر إليه و ما يخزنه دماغه من أفكار، و يدرك كيف تتحرك الأمور و في أي اتجاه تسير، فقد ألقى مالك بن نبي بسنة واحدة قبل وفاته أي في عام 1972 محاضرة بالمدرسة العسكرية بحضور قائدها الرائد زين العابدين حشيشي و ضباط عسكريين كيف تم السطو على كتابه "وجهة العالم لإسلامي" vocation de l’islam و هي ترجمة لم يرخص بها و لم يُستأذن بشأنها، و لم يكن يعلم شيئا عنها، حيث اغتصب هذه الطبعة أحد الطلبة في باريس وهو المدعو بركات شعبان، حيث لجأ هذا الأخير إلى بعثرة الأفكار، حتى يشوه مضمونها و الانتقاص من قيمتها، و هذا بتواطؤ منشورات لوساي الفرنسية، و أقدم على ترجمة الكتاب باسمه، و قد أطلع مالك بن نبي أحد الطلبة المترددين على دروسه بالجزائر رشيد بن عيسى، و اخبره هذا الأخير بنشوء دار النشر الجزائرية و قال له: الآن تريحنا الدولة من كتابات الماركسية، فكان رد مالك بن نبي: " أنتم مخطئون، الآن تتم لهم السيطرة و يمسكون بزمام الأمور جيدا، فكلهم عملاء للغرب، و هم يستخدمون الشيوعية لإخراجكم من الإسلام، بعد ذلك يدخلونكم في أمور أخرى.
في المحاضرة حث مالك بن نبي قادة البلاد و كوادرها عدم تحييد البلد عن مساره المبدئي بواسطة الخدع و المناورات المندسة، قال فيها: " إن الأفكار الشيطانية للأسف موجودة بين أيادي أخصائيين يملكون القدرة على التلاعب بالأفراد و أحيانا بالجماعات، فهم لا يظهرون تلاعباتهم حين يستعملون أسلحة خفية، هي أكثر خفاءً من الأشعة اللامرئية إنها: أسلحة "الأفكار" ، و أراد مالك بن نبي القول ان خبراء الصراع الفكري يبدعون في ابتكار الأساليب و في اختيار الظروف المكانية و الزمانية و كذا اختيار من يستخدمون من البلد للقيام بمهمة تنفيذ مخططاتهم الجهنمية، سواء أكان هؤلاء المنفذون من المدركين لذلك (عملاء) أم من أصحاب النوايا الطيبة أو من دعاة الأفكار الكبيرة التي يجدونها جاهزة عند من يريد توظيفهم خدمة لمصالحهم، و قد وسع خبراء الصراع أساليبهم الخبيثة و هذبوها و أخفوا نواياهم تحت شعارات "الديمقراطية" و "حقوق الإنسان"، يقول مالك بن نبي: "إنه عن طريق التلاعب بالأفكار، بالإمكان تحقيق أهداف ليس في مقدور القوة الفيزيائية تحقيقها" و لذا فالحديث عن الصراع الفكري من وجهة نظره هو حديث عن مشروع تتطلع إليه الشعوب و الدفاع عنه ضد كل محاولة تخريب".
و الصراع الفكري يعد أول كتاب يكتبه مالك بن نبي باللغة العربية نشر بالمعادي مصر سنة 1960 و قد ربط مالك بن نبي حديثه عن الصراع الفكري بمسألتين مهمتين هما "التخطيط" و "الإيديولوجيا" ، و برهن أن "المفهومية" هي الإيديولوجيا"، و قال ان المفهومية ليست مجرد لعبة يتسلى بها العقل، لكونها تنظم الحياة داخل الكيان الاجتماعي، و ذكّر مالك بن نبي بحادثة 05 جوان 1967 المشؤومة، كشف فيها الحقائق و دعاهم إلى الوقوف على أوجه المقارنة بين قوة البلدان العربية و القوة الإسرائيلية و كيف حجبت الأرقام بالنسبة للقوات البرية، الأرضية، المدرعات التي نشرتها وسائل الإعلام، و يوضح مالك بن نبي كيف تحقق حالة " الإندماج" تكامل المجتمع، من خلال المعادلة التالية: ( التجسيم = التأليف = التجميع) و بتحقيق هذه المعادلة يكون المجتمع في حالة اندماج ناقص، و ينتقد مالك بن نبي المجتمع الغير مكترث بما يحدث عندما قال: " إننا نفكر، نكتب، نأكل و ننام مطمئنين غير مكترثين، و نقول معتقدين بأن المجتمع يتحرك" ليشير ان ردة الفعل لابد أن تكون محسوبة ، و أن تجنب التحضيرات العسكرية ردة الفعل المقابل، لقد كان مالك بن نبي ذا رؤية بعيدة عندما ظل يبحث عن الكيفية التي سينتهجها خبراء الصراع الفكري لمواجهة الواقع الجديد، بغية إحباط أهدافه المسطرة، يقول مالك بن نبي أن الأمر يتطلب جيلين أو ثلاثة أجيال من أجل تحقيق دراسة مستوفاة حول الموضوع، لقد كانت الأحداث حسبه تتوالى و تتكاثر في المكان و الزمان، و هذا يعني أن الصراع الفكري مرتكزا على أرضية صلبة.
قراءة علجية عيش