الكذب واحد من روائع خلقه
الاستاذ عامر العظم، الاساتذة الكرام،
هل كذَّب الإمام علي على كفار و مشركي قريش عندما نام مكان الرسول الكريم و جنبه قتلة كانت أكيدة و جنب الاسلام موتاً محتماً ذلك الحين؟؟ بل هل كان الرسول يدفع بعلي إلي الكذب؟؟
هل كذَّب العنكبوت عندما نسج خيوطه على باب الغار!! و هل كذَّبت اليمامة حين باضت يومها عند ذلك الباب!!!
أخوتي،
الكون هكذا هو، خلقٌ من خلق الله ، و الكذب واحد من روائع خلقه، كما الصدق من تلك الابداعات الرائعة. و المثقف ليس إلا واحداً من هذا الكون يكذب و يصدق و يهذي كذلك. و للكذب أسباب : فقد يكون فطرياً و قد يكون خوفا من أمر ما أو تجنبا لأمر ما و قد يكون لا بد منه في بعض الحين.
و للعلم ، إن الحيوانات و الطيور تظهر شيئاً من الكذب: يتظاهر الفار أنه ميت لكي لا يأكله الثعبان أو غيره. و يتظاهر الطير بالحركة السريعة ليبعد الغرباء عن صغاره. و لاحظوا معي ألوان الفراشات : و "عيونها الخلفية المرسومة بكل مهارة القادر تمويها لردع أعداء من الخلف. و لاحظوا الحرباء و تغيير ألوانها... سبحان القادر ... خير الماكرين. و لاحظوا : أعذب الشعر يكون أكذبه، و لاحظوا " و الشعراء يتبعهم الغاوون .ألم تر أنهم في كل واد يهيمون . وأنهم يقولون ما لا يفعلون"، و كان حسان شاعر الرسول. و على واتا نجد شعراً و شعراء و مثلهم من الادباء كثير.
و في العصر الحديث نجد البروفيسور ستيفن بنكر و آخرين يبحثون عن سمات مميزة للبشر، نجدهم يدرجون( الكذب) إحدى تلك السمات مثلها مثل ممارسة الجنس في الخفاء و وجود السجون ن و ذلك على غرار السمات المميزة للفعل و الاسم و الاصوات و ما إلى ذلك. و هذه السمات ليست حصرا بالعرب، و هي كذلك ليست فقط من سمات الشقر أو السود، بل هي سمات عامة يتصف بها جلال و عامر و هلال وكلنتون و بوش و المرت و سولانا و أعظم أعظم الملوك. إذاً، الكذب ليس حلاً بالعرب و حسب، بل هو من سمات الجميع بلا استثناء.
تخيل وجود شخص كله صدق. تخيل أنه عندك في الكتيبة المقاتلة ( و هذا من سمات البشر: القتال و الحرب) أمسك به "العدو الغاشم" و من أول سؤال أجاب جنديك الصادق من كتيبتنا مخبراً عن اسم زعيم القبيلة " عامر" و سمت موقعه و عدد سكان واتا و كم كتاب عندكم و كم مجلة تصفحوا....! بوم!!! قصف العدو الموقع و مات البطل. ماذا نقول عن ذلك الصادق؟ هل بقي كذلكّّ!!!! لقد غدا جاسوساً و رعديداً و جباناً و خائن واتا: خائن الوطن. فهل ينفع الصدق هنا؟؟؟!!! لا يوجد حي كله صدق أو كله كذب. و أحيلكم إلى ما كان الاغريق يدعونه " إشكالية الكاذب".
الصدق سلاح و الكذب مثله في القوة و الفتك. و قد يكون الصدق سلاحاً أكثر فتكاً و تدميراً. و قد أجاد الاستاذ غالب في وصف حالات تاريخية عما نحن فيه مختلفون.
الاستاذ عامر لا يؤمن بالديمقراطية على النمط الغربي . و هو يؤمن بالنمط الاسلامي!!!
أهو نمط على طريقة أبي بكر في سقيفة بني ساعدة؟ ام هو طريقة عمر في جعلها شورى، ام هو على طريقة علي و معاوية و حرب داحس و الغبراء؟ أم هو على طريقة معاوية" أول الملوك"؟ بل هل هو على طريقة " فإذا لقيت ربك يوم حشر فقل له يا رب خزقني الوليد"؟؟؟ أم نريدها عباسية أم هي أندلسية بعد هروب أحد الخلفاء إلى هنالك؟
أخيراً، لا يظنن أحد أنني من محبي الكذب. و لكن أرى أنه في جبلتنا مثله مثل لون عيوننا وطول أظفارنا. و لكنه مثل الايمان على درجات . فكما أن المؤمن القوي خير من المؤمن الضعيف، أجد أن الكاذب الضعيف خير من الكاذب القوي. أي أن النسبة بين الايمان و الكذب عكسية. كلما زاد ايمان ضعف الكذب. و كما أن كل من شهد أن لا إله إلا الله و أن محمد عبده و رسوله يكون مسلماً و ليس كل المسلمين بالايمان سواسية، ليس كل الكاذبين سواسية. و الكذب درجات كما الحب و الايمان و القوة و العلم و الجهل و المعرفة بالترجمة و اصولها.
و في الخاتمة أردد ما قاله الشافعي رحمه الله: كفى بالعلم فضيلة أن يدعيه من ليس فيه , ويفرح إذا نسب إليه. وكفى بالجهل شينا أن يتبرأ منه من هو فيه ويغضب إذا نسب إليه..
تحية و طيب مقام و حفظكم الله من الشرور و الآثام
د. جلال راعي
المفضلات