آخـــر الـــمـــشـــاركــــات

+ الرد على الموضوع
النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: القيامة ... الآن / ج 01 ابراهيم درغوثي / تونس

  1. #1
    أستاذ بارز الصورة الرمزية ابراهيم درغوثي
    تاريخ التسجيل
    04/12/2006
    المشاركات
    1,963
    معدل تقييم المستوى
    19

    افتراضي القيامة ... الآن / ج 01 ابراهيم درغوثي / تونس

    1 / القيامة ... الآن

    رواية

    ابراهيم درغوثي



    " لئن اتبعت الشيطان يا رب ، فإني أظل ابنك لأني أحبك ، ولأن في نفسي سبيلا إلى الفرح الذي لولاه ما وجد الكون "

    دوستويفسكي
    الإخوة كارامازوف





    الجزء الأول
    علامات القيامة


    أنا الذي رأى كل شيء .

    قال عني أشرار الخلق : هذا رجل مجنون .
    وأدخلوني المارستان ، فعشت " عاقلا بين" المجانين " سنين وسنين . ثم هبطت إلى الأرض من جديد . أجوب الشوارع التي ما عدت أعرف أسماءها ، وأعيش حياة جديدة على وقع الكوابيس .
    هل صادف أن عشت مرة كوابيس تتكرر كل ليلة – تعيد نفسها كما هي – ثم تعاودك من جديد ، وأنت يقظ مثل كلب الصيد ، فتراها كما يرى اليقظان السائر في الطريق :
    - شرطيا ينظم حركة المرور .
    - أو سائحا أشقر يقبل امرأة في فمها ويرضع لسانها في وسط الطريق .
    - أو زبونا متعجلا يطلب سجائر من أمام كشك لبيع الجرائد .
    - أو جنائنيا يسقي أشجار الحديقة .
    ثم تسكن هذه الكوابيس رأسك إلى أن تتحول فوازير شريهان التي يعرضها التلفزيون بعد صلاة العشاء مباشرة إلى صور وأحداث لهذه الكوابيس ، فيغيب الرقص والهز والغمز وتمتلىء الشاشة الفضية بجنونك بالألوان .
    أنا الذي رأى كل شيء .
    صرت مجنونا يجري وراءه الأطفال في الشوارع ، وتتعلق الكلاب بتلابيبه .
    وبعد أن صرت مجنونا ، تفتحت أمامي العوالم المغلقة بمفاتيح الرحمان .
    تعال معي نفتح الأبواب .



    يأجوج ومأجوج

    ملأوا الدنيا .
    حطوا في كل مكان .
    أكلوا – كالجراد – كل شيء صادفهم في طريقهم .
    شربوا مياه الأنهار ، من " سيحون " و" جيحون " إلى
    " المسيسيبي " و" الأمازون " ، حتى أن من وصل منهم متأخرا مص التربة الندية ، وقال :
    - كان هنا ذات يوم ماء .



    عود على بدء

    " حتى إدا فتحت يأجوج ومأجوج ، وهم من كل حدب ينسلون . "
    قرآن : سورة الأنبياء
    الآية / 96

    عندما وصل الإسكندر المقدوني المكنى بذي القرنين إلى آخر الدنيا بعد أن فتح كل العالم – من مقدونيا إلى سور الصين العظيم – ( هذا السور الذي يزوره الآن ملايين السياح بعدما صار واحدا من الأعاجيب السبعة ) .
    قلت عندما وصل الغازي قريبا من السور / السد ، جاءه قوم يشتكون .
    قالوا :
    - يا مولانا وراء هذا السد ، قوم مفسدون . ما تركوا لنا الأخضر واليابس .
    ماذا يا مولانا الجديد ، لو جعلت بيننا وبينهم سدا ؟

    استطراد

    أثبت التاريخ أن سور ابصين قائم قبل وصول ذو القرنين إلى أطراف الدنيا القديمة . وأنا أرجح أن عدة كيلومترات قد تهدمت منه – بين جبلين مثلا – بسبب العوامل الطبيعية ، كالزلازل مثلا . أو بفعل فاعل من البشر .
    لهذا استجاب سيدنا الفاتح الجديد لرعاياه ، فشمر جنوده على سواعد الجد لبناء السد ودرء الفساد .

    بدء على عود

    قال ذو القرنين : آتوني بزبر الحديد ، فوضع القطع بعضها على بعض كهيأة البناء فيما بين الجبلين ، حتى إذا ساوى بينها قال أنفخوا ، فنفخوا إلى أن صار الحديد نارا . ثم أفرغ فوقه النحاس ليلتصق ويدخل بعضه في بعض .
    وقام السد عاليا حتى السماء .
    ومن يومها وقبائل " يأجوج " و" مأجوج " ينقرون أسفل السد بمناقيرهم ، حتى إذا كادوا أن يخرجوا ، قالوا : نرجع غدا .
    هكذا كل يوم .
    مثلهم في ذلك مثل " سيزيف " . هو يحمل الصخرة من الهاوية إلى قمة الجبل . وتعود فتتدحرج من جديد .
    وهم ينقرون السد ، حتى إذا قاربوا الخروج قالوا : نرجع غدا ...
    ونعم سكان السهوب بالهناء وراحة البال . ونسوا أن وراء السد قوما مناقيرهم تدق الحديد المقوى بسبائك النحاس المذاب .
    وكما ثبت " سيزيف " الصخرة فوق جبل " الأولمب " . وهي اليوم ثابتة هنالك بشهادة سائح بلجيكي جلس فوقها ، فأخذت له صديقته ثلاث صور رائعة الجمال عرضتها المجلات المهتمة بالدعاية للسياحة في العالم .
    قلت : وكما ثبت " سيزيف " الصخرة ، حفر قبائل " يأجوج " حفرة في السد .
    وخرجوا إلى الأرض الحرام ....
    كيف تم ذلك ؟
    تخلف واحد من جماعة " يأجوج " . واحد في حجم حبة الأرز . له ذنب ذئب ، ونابي خنزير ، وقرن في وسط رأسه ، فوق الجبهة . صار ذلك الرجل / حبة الأرز يخبط السد بقرنه ، فيسمع له دوي كقصف الرعود . ويخبط ، ويعاود الخبط . والسد يترنح ويرتج ، ألى أن فتح الثغرة .
    عوى الرجل / حبة الأرز كالذئب ، ومر إلى الأرض الحرام . فرد أذنه اليسرى ، ونام داخلها . فقد كان للرجل شعر كثيف يقيه الحر والبرد ، و أذنان عظيمتان ، إحداهما من وبر كوبر الجمل يشتي فيها .والأخرى من جلد يصيف فيها .
    في غد يوم الفتح ، جاءت " يأجوج " و " مأجوج " . رأوا ضوءا ينبعث من وراء السد ، ورأوا الثغرة ، فوسعوها كما وسع جند " داؤود " ثغرة " الدفرسوار" في الضفة الغربية لقناة السويس إبان حرب أكتوبر المجيدة التي انتصرنا فيها على كيان اليهود .
    وخرجوا ، فملأوا الدنيا .

    عود على بدء

    قال الأوزاعي : الأرض سبعة أجزاء، فستة أجزاء منها
    " يأجوج " و" مأجوج " وجزء فيه سائر الخلق .

    عرضت قناة ال " سي آن آن " الاخبارية الأمريكية البارحة في شريط أنباء الساعة الثامنة مساء صورا لثلاثة من " يأجوج " و" مأجوج " ، قال المذيع إن جنود " المارينز " الذين يجوبون البحار السبعة على ظهر المدمرة " رونالد ريقن " ، قد أسروهم في جزيرة " سرنديب "
    كانوا هكذا على ثلاثة أصناف :
    واحد في طول حبة الأرز .
    والثاني طوله وعرضه سواء ، شبر في شبر .
    والثالث في حجم صاروخ " ديسكوفري "
    *****
    وتفرق " يأجوج " و " مأجوج " في كل مكان .
    روى صحافيون شاهدوهم عن قرب أنهم يأكلون جميع حشرات الأرض ، من الحيات والعقارب وكل ذي روح مما خلق الله . وأنهم يتداعون تداعي الحمائم ، ويتسافدون تسافد البهائم ، حيث التقوا . ( صح أصله في كتاب القصد والأمم في أنساب العرب والعجم ) . وأنهم يتكاثرون تكاثرا عجيبا . وليس لله خلق ينمو كنمائهم ( لا يموت أحدهم حتى ينظر إلى ألف فارس من ولده ) .
    كما تحدثت وكالات الأنباء عن أنهم يمتلكون أسلحة كثيرة تندرج من الحجارة المصقولة ، إلى القنابل الذرية ، مرورا بالهراوات ، فالفؤوس والدبابيس ، فالسيوف ، فالرماح ، فالنبال ، فالمنجنيقات ، فالبواريد والمسدسات ، فالمدافع والدبابات ، فراجمات الصواريخ والقنابل العنقودية ، فالطائرات والبوارج الحربية ، فحاملات الطائرات ، فالغواصات والصواريخ العابرة للقارات ، فما لا عين رأت ، وما لا أذن سمعت ، وما لا يخطر على بال ...

    بدء على عود

    فيظهرون على الأرض، ويقول قائلهم : هؤلاء أهل الأرض قد فرغنا منهم ، لننازلن أهل السماء . حتى أن أحدهم ليهز حربته إلى السماء ، فترجع مخضبة بالدم ، فيقولون : قد قتلنا أهل السماء .
    في هذه الأثناء ، عم الرعب سكان الأرض سكان الأرض القديمة والجديدة . وهبط من بقي منهم على قيد الحياة إاى المخابئ المعدة للحرب النووية .
    وجابت طائرات " الشبح " التي ضرب بها الأمريكان مدن العراق في حرب الخليج الثانية ، الصحاري والمحيطات . ضربوا " يأجوج : و: ومأجوج : بكل ما تملك التقنية الحديثة من ابتكار ، ولكن دون طائل ، فقد كانوا يتكاثرون تكاثر الجراثيم .
    ووصل " المجهود الحربي " إلى حدود اليأس . وفكر سكان الأرض في الاستسلام على أن لا تكون معاهدة إنهاء الحرب مذلة للجنس البشري إذلالا كبيرا . ولكن المفاجأة جاءت من حيث لا يحتسبون ،فقد رأوا على شاشات الرادارات نوعا من الجراد يهاجم هؤلاء الذين قال عنهم كعب الأحبار إن أبانا آدم احتلم ، فاختلط ماؤه بالتراب ، فأسف كثيرا لذلك ، فخلق منه يأجوج ومأجوج .
    حطت الدواب التي تشبه نغف الجراد على أعناقهم ، وامتصت منهم رحيق الحياة ، فصاروا يموتون يركب بعضهم بعضا .
    وتكدسوا في مشارق الأرض ومغاربها .
    وأنتنت الأرض من ريحهم . فبعث الله عليهم طيرا نقلت جثثهم إلى البحر . ونزل على الأرض طوفان كطوفان نوح ، فتطهرت من رجسهم .



    رواية ثانية للأحداث

    عاد " حزب العمال الاشتراكي الديموقراطي الروسي " إلى هرم السلطة فيما كان يسمى بالاتحاد السوفياتي ، فضرب الأمريكان الأرض بالقنابل الذرية ، واتهموا " يأجوج " و
    " مأجوج " بإفساد الحياة على الأرض بعد ما أخرجوا الحكاية القديمة من بطون الكتب الصفراء .
    ولنا عودة وتفصيل للأمر في مناسبة أخرى .

    عود على بدء

    قال كعب الأحبار:
    ثم تسمعون الصيحة .



    الأعور الدجال
    أو الحاوي الذي علمهم السحر

    جاء راكبا على حمار ما بين أذنيه أربعون ذراعا .
    صحت :
    - هذا هو الحاوي الذي رأيته على خشبة الركح يعرض ألعابه .
    ما سمعني أحد سوى الملاك الماشي على يمين " الدجال " .
    سمعني وهز رأسه أكثر من مرة ، ولسان حاله يقول :
    - صدقت .
    واقترب " الدجال " أكثر ، حتى ملأ وجهه شاشة التلفزيون .
    رأيت عينه العوراء هامدة كقعر قارورة خضراء . وقرأت كتابة على جبهته : كافر مكتوبة بكل لغات العالم ، من الهيروغليفية إلى الخط المسماري ، ومن العربية إلى الحرف اللاتيني .
    ما عرفت من أين جاءني هذا الفهم باللغات القديمة والحديثة . فقد كانت كلمة كافر تضوي كما تضوي لافتات الإشهار. تشتعل وتنطفئ بسرعة كبيرة . وتتحول الكتابة من لغة إلى أخرى ، وأنا أترجم للخلق الذي تجمع حولي
    وجاء صاحب الدابة ، فخطب فيهم :
    - أنا ربكم الأعلى .
    كان كلما وضع يده على حجر تحول إلى خبز حتى صارت الجبال خبزا . والناس جياع .والجوع عمر في كل مكان ، فجرى الأطفال وراء حماره يطلبون الخبز . تنادوا وجروا وراء الحمار ، فأعطى كل واحد منهم الخبزة والخبزتين . وتنابحت وراءه الكلاب ، فألقمها خبزا سخنا ، فسكتت عن النباح المباح .
    وسرى الخبر في كل مكان ، فجاءه الناس من أقاصي المعمورة يحلمون بالخبز.
    جمع صاحب الدابة جمهور الخبز في ملعب كبير لكرة القدم ، وراح يعرض أمامهم ألعابه .
    أخرج صندوقا خشبيا كصناديق حواة السيرك . كان الصندوق مزخرفا بصور لوحوش غريبة وورود عجيبة . وكان في مثل قامة الإنسان ، فعرضه فارغا على الجمهور . ثم صفق ، فخرجت حسناء تستعرض جمالها فوق الركح . كانت تلبس حمالتي نهد وتبانا قصيرا جدا . الحمالة والتبان يبرقان ويلمعان بضوء يعشي البصر . والصندوق الفارغ معروضا على الجمهور .
    ابتسمت الحسناء واقتربت من الصندوق بثبات ، ثم تمددت داخله . فراح الحاوي يقص الصندوق من وسطه مصحوبا بلحن موسيقي صاخب .
    قسم الحاوي الصندوق إلى نصفين متساويين ، وفرق بينهما بأن أبعد الجزء عن الآخر ، ومر بينهما يتهادى كالطاووس . ثم أعادهما كما كانا ، ولمسهما بعصاه السحرية ، فخرجت الحسناء توزع بسمة عريضة على الناس المتجمهرين حول الركح .
    لم تعجب اللعبة الجمهور فصاح :
    - هات الجديد يا حاوي . هذه اللعبة نعرفها .
    ورددوا بصوت واحد :
    - نريد خبزا . نريدك أن تحول مدارج الملعب وحيطانه إلى " بسكويت " .
    نريد الجديد يا حاوي ، فلا تكرر ما سبقك إليه غيرك .
    وصفقوا ، وصفروا ، وهاجوا ، وماجوا .
    لم يظهر الغضب على " سيد الحواة " كما توقع الناس ، وإنما دعا بالحسناء من جديد ، فجاءت تتثنى كغصن البان . أرقدها فوق طاولة ، ثم نشرها على الملإ ، بالمنشار من الرأس إلى أن فرق بين رجليها . وأبعد نصفي الطاولة ذات اليمين وذات الشمال ، ومشى بينهما .
    ساد صمت رهيب أرجاء الملعب . وسكت الناس كأن على رؤوسهم الطير مدة حسبتها دهرا ، ثم أرجع الحاوي جزأي الطاولة كما كانا . وقال :
    - قومي أيتها المرأة ببركتي ، أنا رب الأرباب .
    فقامت ، ومشت فوق الركح وآثار المنشار تضوي على جنبيها .
    ثم أشار بيده ، فإذا نهران يجريان ، يشقان الملعب من اليمين إلى الشمال ، ومن الشرق إلى الغرب .
    أحد النهرين ماء أبيض يلمع كعين القط صفاء . أبرد من الثلج . وأحلى من العسل .
    والآخر ، نار تتأجج . يفور ويرغي ، ويقذف باللهب في كل الاتجاهات .
    نهران يتقاطعان ، ولا يلتقيان . يمر أحدهما تحت الآخر مرة ، وفوقه مرة أخرى .
    والناس في هرج ومرج ، وقد ضلوا سواء السبيل إلى أن نادى مناد أن تعالوا إلى " رب العزة " المسيح عيسى بن مريم البتول .
    تعالوا إلى شفاء ما بعده مرض .
    ولبس الحاوي لبوس الأطباء ، وصار يداوي مرضى السرطان بأنواعه المختلفة : سرطان المثانة والمهبل ، وسرطان الثدي والبلعوم ، وسرطان الكبد والأمعاء ، وسرطان الدم ، وسرطان العظام .
    وداوى الأكمه والأبرص .
    ثم نادى عن مرضى " السيدا " ، فكان يضع يده على رأس المريض منهم فتعود له صحته ويقوم واقفا يستعرض عضلاته كأنه العداء " كارل لويس " .
    وعاد المنادي ينادي :
    هذا ربكم ، فاتبعوه .
    فجرى الناس وراءه يتصايحون :
    أين الخبز الذي وعدتنا يا ربنا ؟ أين المن والسلوى ؟
    فدعاهم إلى التطهر أولا في الوادي الجاري . وأشار بيده إشارة غامضة لم يفهم الناس مدلولها ، فارتموا في الماء الأبيض ، فغرقوا ...
    كانوا يتصايحون والغرق يأخذ بتلابيبهم . ويطلبون النجدة ولا من يسمع لندائهم . فطافت جثثهم فوق الماء ، يتقاذفها التيار .
    كان الأعور الدجال يراقب المشهد من على ظهر حماره الأشهب الشبيه ببغل ، وما هو بالبغل .
    ظل واقفا إلى أن اختفى النهران من الوجود ، وعادت ساحة الملعب كما كانت .
    وعم الهدوء المكان ، فنخز الحاوي دابته وهو يصيح :
    - أنا ربكم الأعلى ، فاتبعوني أهديكم سواء السبيل .


    قال تميم الداري :
    - وهذه واحدة من علامات قيام الساعة .

    الدابة
    " وإذا وقع القول عليهم
    أخرجنا لهم دابة من الأرض تكلمهم "

    قرآن : سورة النمل
    الآية / 82

    يومها حدث زلزال عظيم . تحركت الجبال ذات اليمين وذات الشمال ، وطغى الماء في البحار والمحيطات . وتساقطت ناطحات السحاب الواقفة في شوارع" نيويورك " على الأرض . وتحولت في غمضة عين إلى ركام من البلور المهشم والفولاذ والحديد .
    وظهرت الدابة شيئا فشيئا " حتى بلغ رأسها السحاب ، وما خرجت رجلاها من الأرض " ( ذكره القتبي في عيون الأخبار) . فهرب الناس في كل الاتجاهات ، وتنادوا إلى الفرار .
    حينها فقط ، عادت بهم الذاكرة إلى الشريط السينمائي الذي صور العملاق " كينغ كونغ " وهو يهاجم مدينة نيويورك . لكنهم هذه المرة عايشوا الأحداث بأنفسهم . صاروا ممثلين حقيقيين فارين في كل صوب ، والدابة تجري وراءهم .
    كانت تحمل خاتم سليمان بن داؤود وعصا موسى بن عمران . ولكم أن تتخيلوا خاتما في حجم ماسورة عملاقة وعصا مثل سارية من سواري السفن التي كانت تجوب المحيطات في عهد الصراع على أعالي البحار بين الإسبان والأنجليز .
    جرت الدابة في كل مكان . كانت تسم بالخاتم الكافر ، وتجلو على وجه المؤمن بالعصا .
    وهرب الناس إلى المخابئ ، والدابة وراءهم أينما حلوا .
    كان المنظر مرعبا فاق في فظاعته أفلام هيتشكوك . فالدابة أهلب ، كثيرة الشعر . لا يدري الرائي ما قبلها من دبرها هي التي جمعت من خلق كل حيوان .فرأسها رأس ثور ، وعينها عين خنزير ، وأذنها أذن فيل ، وقرنها قرن أيل ، وعنقها عنق نعامة ، وصدرها صدر أسد ، ولونها لون نمر ، وخاصرتها خاصرة هرة ، وذنبها ذنب كبش ، وقوائمها قوائم بعير .
    وبين كل مفصل ومفصل من مفاصلها ، اثنا عشر ذراعا .
    ( ذكره الثعلبي والماوردي ) .
    وحينما انتهت من أمريكا وما حولها ، طافت في بقاع الأرض الأخرى من " سيبيريا " إلى صحاري " كالاهاري " ومن جبال " الهملايا " إلى سهول " الأنديز " .
    وتناقلت وكالات الأنباء خبر خروج " الجساسة " التي ستحمل على ظهرها الأعور الدجال .
    وحدثوا عن مدينة " نيويورك " التي صارت أثرا بعد عين
    لم يصدق أحد هذه الأخبار ، فوقع الاتهام على رأس القيادة الصينية .
    قالوا :
    - لقد انتقم الصينيون من أمريكا التي ضربت الاتحاد السوفياتي السابق بالقنابل " الديموقراطية " ، فرد عليها الرجال الصفر بالقنابل النووية .
    وحركت دول حلف شمال الأطلسي ترسانات أسلحة الدمار الشامل ، ووجهتها نحو مدن الصين الكبيرة . ( كل هذا حدث في غمضة عين . في بضع ثوان لا أكثر ) . ثم ظهرت " الجساسة " على شاشات التلفزيون ، في كل بيت على ظهر المعمورة .
    رأى جميع الناس هذه الدابة التي " تعقا وتتكلم " . قالت :
    ( حين تكلمت فهم كل واحد حديثها مترجما آليا إلى لغته الأم ، مع العلم أنها كانت تتكلم بالعربية ، أو ليست لغة القرآن ؟ ) .
    أنا الفصيل الذي كان لناقة نبي الله صالح عليه السلام . فلما قتلت الناقة ، هربت بنفسي ، فانفتح لي حجر بالجبل ، فدخلت فيه ، ثم انطبق ورائي .
    عشت في أعماق الأرض حتى أذن لي ، فخرجت من حيث فار التنور . تنور نوح عليه صلاة الله وسلامه .
    قال الصحافي الذي حاورها لفائدة شبكة " السي أن أن " :
    - هل فار تنور نوح في أمريكا ؟
    ردت الجساسة :
    - أفي ذلك شك ؟ نعم يا سيدي فار التنور هنا ، في مدينة نيويورك بالذات .
    فحق القول على القوم الظالمين .

    قال الحافظ ، أبو الخطاب بن دحية في كتاب " البشارات والإنذارات " :
    ثم ينفخ في الصور .


    قرون الشمس

    هذه السماء الصافية لم نعهدها منذ زمن طويل .
    فقبل أيام ، تراكمت السحب حتى سدت الأفق ، ثم انهمرت الأمطار . هطلت أمطار طوفانية كادت تأتي على الأخضر واليابس . ولم يعد للسماء صفائها إلا هذا اليوم .
    كانت سعادة الجميع كبيرة بعودة الصفاء إلى السماء
    فلم ينتبهوا في بادئ الأمر إلى أن شيئا خارقا قد وقع ، فظلوا في ممارسة أعمالهم الكبيرة والصغيرة التي اعتادوا عليها : يزرعون الحقول ويكتبون عرائض الاحتجاج ويمارسون الجنس ويدرسون في المعاهد ويتجولون مع الأحبة ويرشفون الشاي في المقاهي ويسوسون العالم ويدفنون الموتى ويسرقون المغفلين ويغتابون بعضهم و... فجأة انطلق صوت من حيث لا يعلم أحد :
    - أين الشمس ؟ أين الشمس يا عباد الله ؟
    ودوى الصوت في كل أصقاع المعمورة :
    - أين ذهبت الشمس يا ترى ؟
    بحث الناس عنها أولا بالعيون المجردة ، كما نبحث عن هلال رمضان في بلاد الإسلام ، ثم شغل العلماء التيليسكوبات العملاقة . ولكن بدون طائل ، فلا شمس هذا اليوم في السماء .
    لا شمس في الغرب .
    لا شمس في الشرق .
    لا شمس فوق صحراء العرب .
    لا شمس فوق الكرملين .
    لا شمس فوق البيت الأبيض .
    لا شمس هذا اليوم في السماء .
    ومن جديد تناقلت وكالات الأنباء الخبر . فعم ذهول رهيب أرجاء المعمورة دام بعض الوقت ، ثم تحركت ماكينة الحياة :
    خرج السحرة في الهند من معابدهم . رفعوا أيديهم إلى السماء وهم يتمتمون بأدعيتهم ثم تجمدوا في أماكنهم كالتماثيل .
    وطاف كهنة اليهود بحائط المبكى .
    ورتل الرهبان أدعيتهم في الكنائس الأورتدوكسية .
    وخرجت العجائز بكوانين الجاوي والبخور في طول أرض العرب وعرضها .
    ولكن عروس السماء ظلت غائبة . فلم تسمع نداءات المتلهفين ، ولم ترى التضرع والاستعطاف .
    ظلت حيث لا يعلم أحد .
    وساد ترقب مريع ، فقد مر اليوم الأول على الدنيا بدون شمس .
    وجاء الليل ، فلم يطلع القمر أيضا .
    وازداد الوجوم ، فصلى أئمة المساجد في كل العالم صلاتي الكسوف والخسوف .
    ولكن لا حياة لمن تنادي .
    ومما زاد في هول الموقف ، ارتفاع عواء الكلاب في كل مكان .
    كان عواء مفزعا يقطع نياط القلوب .
    وناح البوم فوق الأشجار .
    وامتلأ الكون بالخفافيش الطائرة .
    ومر اليوم الثاني كسابقه .
    وجاء ليل الخفافيش مرة أخرى .
    وما نام الخلق دقيقة واحدة . شغلوا أجهزة التلفزيون ، وترقبوا طلوع الشمس .
    ظلوا سبعة أيام بليليها يتقلبون على الجمر ، إلى أن طلع القمر ، هلالا صغيرا كالعرجون القديم .
    ثم طلعت الشمس وراءه .
    كانا أسودين .
    لا ضوء فيهما .
    بلا نور ولا ضياء .
    سارا متلازمين حتى بلغا سرة السماء ، فتوقفا .
    لا ضوء فيهما .
    لا نور .
    لا ضياء .
    ظلا هناك إلى أن وصل جبرائيل .
    ملأ الملاك مابين الأرض والسماء ثم حط قربهما .
    أمسك جبرائيل بقرون الشمس ، وأحكم قبضته على قرون القمر، وجرهما إلى المغرب .
    عاد القمر صغيرا كالعرجون القديم ، ثم ذاب .
    وطلعت الشمس من المغرب ، حمراء بلون الدم المراق على الأرض منذ ملايين السنين .

    وقامت القيامة ...

    dargouthibahi@yahoo.fr


  2. #2
    عـضــو الصورة الرمزية حنين حمودة
    تاريخ التسجيل
    05/08/2007
    المشاركات
    1,008
    معدل تقييم المستوى
    18

    افتراضي

    غريبة. مثيرة. تشد القارئ..
    لم استطع فتح الرواية كاملة.. فبدأت بالتدريج
    أرجو أن لا تكرهني بعد كل هذه التعليقات
    تعليقات سطحية سخيفة.. لكنني احب ايصالها:
    لم اجد على طول الرواية سوى كلمة واحدة يختلط فيها الضاد والظا
    فضاعات والصحيح كما نعرفه فظاعات. ووجدت لأول مرة ما يكثر عند اخواننا في الجزائر ابدال الدال مكان الذال:
    أدن والصحيح أذن.
    * بدأت بجملة لدويستفسكي موغلة في المسيحية... فان كانت الآيات القرآنية وبعض الكتب الاسلامية، وان اختلفنا عليها، هي المرجع، فيصعب علي تقبل مصطلح"ابن الله" !
    * رغم احتفالات مصر السنوية الا اننا لم ننتصر في حرب اكتوبر رغم البطولات فيها!
    وبذا لم يخرج اليهود، ولا شأن لهذا بانتشارهم في العالم.
    *"ذيل الكبش" اذكر في رواية احلام مستغانمي "فوضى الحواس" ان هذا الذيل لاكباش اسراليا شكل مشكلة لهم في جواز التضحية به في العيد ام لا.
    *" يأكلون جميع حشرات الله بدل "من" اقترح"و" .
    * "من على" هل هي صحيحة؟ توالي حرفي جر؟ دخلت حديثا عندنا في الاردن.
    * هل السنونو عصافير أم أنها نوع من الطيور مغاير؟
    * تصفق تصفيقا، اين التاء المربوطة؟ وما هي القاف المربوطة؟ ام انه مجرد تعبير تمثيلي واضح عن وضع الإذلال والضرب والمهانة؟
    * ما هو البنكارت؟
    * لسان العرب المحيط، أنا اعرف لسان العرب أو القاموس المحيط فهل هناك ثالث يجمع الاسمين؟
    * نحن نجمع صحراء صحارى ورشوة رشاوى بالألف المقصورة
    * هل انت قدر تهمة الارهاب حين تقول بأنه دخل الجنة لصبره على الزنازن
    يا خوفي تقرب الجنة لنا من خلال غوانتانامو!
    للكاتب الكبير
    تقديري


+ الرد على الموضوع

الأعضاء الذين شاهدوا هذا الموضوع : 0

You do not have permission to view the list of names.

لا يوجد أعضاء لوضعهم في القائمة في هذا الوقت.

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •